هانويل.
لقد حمل في الحقيقة أسماءً عديدة عبر حياته.
كان الاسم الأوّل جيمي، ابن أب سكير و طفلاً بائسًا.
كان يُضرَب مرّةً بعد مرّة.
كانت حياة تعيسة، بلا متعة.
في أحد الأيّام، جاءت القوّة إليه.
قوّة «المُستيقِظ»، و هي قوّة نادرة يصعب امتلاكها في المملكة.
على طول عروقه التي بدأت تسوَدّ، انتشر ألمٌ مروّع.
و في لحظاتٍ معدودة، جعل أباه يتعفّن و يتحلّل، ثمّ فكّر.
“آه، إذن ، سأموت هكذا.”
“على الأقلّ، لم تكن حياة سيّئة لأنني قتلت ذلك الرجل قبل أن أرحل، أليس كذلك؟”
لكنّ حياة جيمي لم تنتهِ عند هذا الحدّ.
─ أمسِك يدي.
كان ذلك نورًا.
كان خلاصًا.
في لحظة، زال الألم الذي كان يعتصر قلبه، و ظهر طريقٌ لا يؤلم.
و انغُرِس في رأسه الجاهل و الأحمق، بالقوّة، وعيٌ بالعالم.
‘آه.’
لقد كان وجوده ضئيلًا إلى هذا الحدّ.
غبار في هذا العالم!
─ إن أمسكتَ بيدي، فسيكون لكَ مجدٌ عظيم!
صدّق ذلك.
و هكذا، باتّباعه لتلك القوّة، تحوّل الفتى الصغير جيمي إلى ماشير، ابن عائلة تجّار فقدت طفلها منذ وقتٍ غير بعيد.
دخل تحت أقدامهم، أولئك المتعصّبين الذين شهدوا معجزة الحاكم، و عاش ماشير وهو يصغي إلى صوت القوّة.
─ زد قوّتكَ.
─ وسّع نفوذكَ.
─ قدّم جلود الوحوش قرابين.
─ قدّم قلوب الوحوش الصغيرة ودماءها.
و عندما استنفد كلّ ما يمكن أن يأخذه من أولئك الزوجين، غادر الصبيّ القصر الصغير مضرّجًا بالدماء.
و كان يقود خلفه جماعةً من الناس الذين صاروا ظلاله بعد أن تلقّوا التعاليم.
بعد ذلك، و بحسب توجيهات القوّة، أصبح بطبيعة الحال كاهنًا أدنى، هانويل.
و دخل أفراد جماعته كذلك إلى المعبد برفقته.
لقد أدرك ذلك بالفطرة.
‘يجب أن ألوّث هذا المكان.’
بدا أنّ القوّة التي يمتلكها تتناقض بطبيعتها مع القوّة المقدّسة لـ”للحاكم”.
و في كلّ مرّة كان يتلو التعاليم ويضع تلك القوّة أمامه، كان قلبه يحترق ألمًا، لكنّ هانويل لم يُعر الأمر اهتمامًا.
كان الأمر كذلك منذ اللحظة التي قَبِـلَ فيها القوّة.
هانويل كان “مستيقظًا”.
مستيقظًا عالي المستوى، قادرًا على استخدام السموم لتعفين الخصم و إهلاكه في لحظة.
لكنّ قوّة الحاكم العظيم جعلته يتعفّن.
جعلته يتحوّر في جوهره.
و لم يكن الإحساس بالتحوّل إلى كيانٍ متغيّر سيّئًا.
نشوة و متعة تسريان من الرأس إلى أخمص القدمين.
فرح ازدياد حضوره، هو الذي لم يكن يساوي غبارًا في هذا العالم.
مَنٔ يتذوق ذلك ولو مرّة، لا بدّ أن يكون هكذا.
إنّ الكيان الذي يخدمه، “الحاكم العظيم”، كان من هذا النوع.
و لو كان ثمّة ما يبعث على الأسف، فهو أنّ التجارب على المستيقظين لم تكن سهلة في المملكة.
ربّما بسبب قوّة الحاكم، كانت احتماليّة ظهور البوابات ضئيلةً جدًّا.
و عندئذ، جاءت الفرصة.
الإمبراطوريّة، و المُستيقظون.
فرصةٌ لإجراء التجارب.
─ أمسكوا بهم.
في اللحظة التي تواصلوا فيها مع جماعة تجّار قدمت من الإمبراطوريّة، حصلت قوّة المملكة على فرصة لمـدّ نفوذها إليها.
و منذ ذلك الحين، أصبح هانويل منشغلًا بلا توقّف.
أصرّ الحاكم العظيم على أن يتدخّل بنفسه، و منحه قسرًا قوّة الانتقال الفوري بين المسافات الشاسعة الفاصلة بين الإمبراطوريّة و المملكة.
لكنّ تلك القوّة كانت عذابًا مريعًا.
كان يتحوّل إلى مستيقظ على وشك الانفجار، يتخبّط، ثمّ يُقمع مجدّدًا بقوّة الحاكم العظيم .
تكرارٌ لا ينتهي.
و خلال ذلك، كانوا يوسّعون نفوذهم بلا توقّف.
في الإمبراطوريّة التي كانت قوّة المُستيقظين و المرشدين فيها هي المحور، كانوا يتغلغلون داخلها ببطء.
إلى أن حصلوا أخيرًا على “قطعة الحاكم”.
‘هذه هي دمية الحاكم.’
كانت امرأةً جميلةً إلى حدٍّ لا بأس به.
حين اختطفوها و أدخلوها في سبات، أدركوا الحقيقة.
كانت تحمل قطعة الحاكم، نعم، لكنّ جوهرها كان تافهًا إلى حدٍّ يُرثى له.
كانت الشظيّة صغيرةً إلى درجةٍ لا تثير الاهتمام.
لم يُحرّك ذلك فضولهم على الإطلاق.
و رغم معرفتهم بضرورة استخدام ذلك لزعزعة القدر، راحوا يبحثون عن شظيّةٍ أكبر.
ليلييتا رادايك.
بينما كانت في حالة سبات، اكتشفها.
شظيّة حاكم أكبر.
تموّجٌ جميل.
تموّج قوّةٍ أراد أن يمدّ يده إليها بقسوة، و أن يلوّنها بالسواد.
“هاهاها.”
رفع هانويل رأسه، وهو مختبئ في رواق القصر الإمبراطوري الذي خلا من الناس.
يا تُرى، أيّ طريقةٍ استخدم؟
‘هيلاريا.’
الدّوقة آرييل.
وجودٌ أُغرم به من النظرة الأولى.
و شظيّة قوّة المرشدة الحلوة و اللذيذة التي بقيت في جسدها.
لم يعد هانويل متردّدًا.
لقد أيقن أنّ الدّوقة آرييل هي شظيّة الحاكم الكبرى التي ظلّ يبحث عنها، و صاحبة قوّة المرشدة الحلوة.
ألم يُبقِ ليلييتا حوله عمدًا لهذا السبب؟
‘تبدو تلك المرأة و كأنّها تعيش وهم كونها البطلة.’
ما دامت هيلاريا موجودة، فما قيمتها؟
إلى جوار هالة الضوء الساطعة تلك، لم تكن ليلييتا سوى مصدر ضوءٍ ضئيل.
و عدم قدرة ليلييتا رادايك على إظهار قوّتها كان بسبب خضوعها لتأثير الدّوقة آرييل التي تمتلك شظيّةً أكبر.
إذًا، يجب أن يأخذها.
أن يمدّ يده إليها.
لكنّ الدّوقة آرييل لم تكن خصمًا سهل الاختطاف.
كانت هناك عيونٌ تحرسها في كلّ أنحاء قاعة الحفل، و ظلالٌ لزجة تلاحقها.
الإمبراطور، كايسيس.
كان رفيق الدّوقة آرييل بلا شكّ.
و هو الآن يؤدّي مسرحيّةً محبوكة بإتقان.
لكن، يا صاحب الجلالة الإمبراطور.
“لقد أثرتَ فضولي.”
لم يسبق لهانويل، حين يستولي عليه الفضول، أن ترك هدفه سالمًا.
لا عندما كان جيمي.
ولا عندما كان ماشير.
و لا الآن، و هو هانويل.
“لذلك، يجب أن أمتلكها.”
كان الطمع الذي يتضخّم كلّما راقبها أكثر، يكاد يمزّق قلبه.
هو أيضًا مستيقظ.
قوّة تختلف بوضوح عن تلك التي يُقمع بها قسرًا تحت تأثير الحاكم العظيم.
يكفي مجرّد لمس تلك الشظيّة لمسًا طفيفًا ليغمره ذلك الشعور.
فكيف سيكون الأمر لو لمس قوّتها مباشرة؟
ألن يحدث له ختم أسطوريّ، كما في قصص الخيال؟
في عينيه الفضّيّتين اللامعتين، انتشر طمعٌ لا يُحتمل كالزيت.
ربّما لا يعلم أولئك المتعالون أنّه يدرك تمامًا مسار تحرّكات ذلك الأمير الصغير الذي أرسلوه.
و بسبب هذا التهاون، سينتهي الأمر بذلك الأمير في قبضة أيديهم.
و هكذا…
‘هيلاريا.’
سأضع يدي عليكِ أيضًا.
* * *
أشرق اليوم الثاني من الحفل.
بدا أنّ عددًا لا بأس به من النبلاء قد سهروا حتّى النهاية الليلة الماضية، إذ كان عدد الحاضرين اليوم أقلّ بوضوح.
و ربّما لأنّ مَنٔ كانوا يعلّقون آمالًا على التقرّب من مرشدة الإمبراطور أو مدّ صلة بها، استسلموا بسرعة.
شدّدتُ ملامحي متظاهرةً بالجدّيّة، بينما كنت أفكّر في أمرٍ آخر.
في وقت الظهيرة اليوم، جاءت لوسي.
‘تفضّلي، قارورتان من الدواء، مياو. أسرعي و ادرسيهما لتحجبي التأثير مؤقّتًا، مياو.’
‘عزيزتي، ألا تُرهقينني كثيرًا؟ أريحي قوّتي قليلاً، لو سمحتِ.’
رغم ذلك، حين رأيتها تبصق القارورتين الصغيرتين من فمها كما يفعل الأشقياء، انفجر الضحك منّي دون وعي.
‘ما مشكلتكَ أصلًا، مياو؟ جسدكَ بهذه الضخامة، فلماذا تتصرّف بهذا الرقة، مياو!’
‘يا تجسيد الحاكم، لم يكن ذلكَ موجّهًا إليكِ.’
‘يا للوقاحة، مياو!’
قطّتي السوداء السمينة، التي اعتادت التنقّل مع سيروين، جلبت دواءَ هياجٍ متحوّرًا يُحتمل أنّه تحوّر بنجاح.
و بذلك، عدتُ إلى دوري كدوقة أرييل، و أصدرتُ الأوامر بلا توقّف.
و هكذا، في الحاضر.
“……”
سيقع أمر ما في هذا الحفل.
ابتلعتُ توتّري الداخلي و أنا أراقب محيطي.
الوجوه المبتسمة.
الحفل البهيّ و الفاخر.
النبلاء الحاضرون.
و من بينهم، القنبلة.
‘اللعنة.’
لم نكن قادرين على إيقاف دواء الهياج المتحوّر بالكامل، لكنّنا استطعنا تحليل مكوّناته بسرعة.
و مع السحرة، أصابنا الذهول.
يا لهؤلاء المجانين.
مهما كان، أليس هذا كثيرًا جدًّا؟
مرّت بخاطري كلمات كايسيس عن القنابل البشريّة داخل البوابات.
‘يا صاحب الجلالة، هذا…’
‘إنّه يؤثّر حتّى على العامّة! ليس هياج المُستيقِظين فقط، يا إلهي.’
‘لا يمكننا إيقاف هذا الشيء الشرير بالكامل. سيقع شيء ما في قاعة الحفل. قد ينفجر الجميع!’
وسط هذا الإدراك المروّع، فعلتُ ما يجب.
أرسلتُ رسالةً عاجلة إلى الإمبراطور لإبلاغه، و أصدرتُ الأوامر للسحرة.
بأقصى ما يمكن.
إمّا بإيجاد طريقة للسيطرة على تلك القوّة القنبليّة.
أو تطوير دائرةٍ سحريّة تكبح البشر المتحوّرين بعد تناول الدواء، و تمنعهم من الانفجار.
لحسن الحظّ، و بالاستناد إلى الأبحاث السابقة حول الدواء الأصلي، كانوا يطوّرون دائرةً مؤقّتة، و إن لم تكن كاملة.
إن كانوا سيضربون، فسيكون في اليوم الأخير.
أي غدًا.
‘يجب أن نُكمل تركيب الدائرة السحريّة اليوم.’
ليلييتا، و هانويل.
نظرتُ إلى الشخصين اللذين كانا يبتسمان بجمال، محاطين بالناس، و عضضتُ على شفتي.
كي يطمئنّ أولئك الأشرار و لا يُشعلوا الفوضى في اليوم الثاني، كان عليّ أن أكون جزءًا من هذه المسرحيّة، وأن أبتسم.
ثمّ.
“لماذا تختارين أن تكوني زهرةً على الجدار؟”
اقترب هانويل.
و في تلك اللحظة.
[حدثت مهمّة طارئة!]
‘آه، أرجوك.’
[قومي بختم المرشّح الأخير!]
التعليقات لهذا الفصل " 154"