كيف يمكن وصف ذلك التعبير؟
“لأنّكَ المستيقظ خاصّتـي…”
عندما همستُ بذلك بصوتٍ منخفض لا يكاد يُسمع للآخرين، أطلق كايسيس ضحكةً خافتة.
“حسنًا.”
لم تكن تلك الابتسامة التي تسحرني، و لا تلك الضحكة الطفوليّة الصافية التي اعتدتُها.
“ليكن الأمر كذلك.”
كايسيس، و كأنّه يُخفي المشاعر التي كانت تتفشّى بلا انتظام، أنزل رأسه.
رفع يدي، و طبع قبلة عليها.
“إذًا، قومي بأسري هكذا.”
* * *
كان نبلاء إمبراطوريّة ديهاروك يعرفون الإمبراطور كايسيس جيّدًا.
فقد وُهب قوّة طاغية جعلته يملك سلطةً أقرب إلى سلطة الطغاة، و مع ذلك لم يُعرف عنه يومًا أنّه عاش مترفًا أو منغمسًا في الملذّات.
و على الرغم من امتلاكه ثلاثة مرشدات، لم يسبق له أن اقترب من أيٍّ منهم عاطفيًّا، و لم يُظهر قلبه أو مشاعره التي أبقاها مجمّدة خلف جدارٍ بارد لأيّ شخص.
و مع ذلك، كان ذلك الإمبراطور يبتسم الآن.
كان يحمل نظرة رجل ذابت ملامحه، نظرة لا يخفى على أحد أنّها تحمل مشاعر خاصّة و صريحة تجاه الطرف المقابل.
‘و ماذا عن الآنسة ليلييتا إذًا؟’
ليلييتا رادايك، التي بدت مقارنةً بإيزوليت كمرشدة مثاليّة للإمبراطور، تمتلك قدرات لامعة.
لكن عند مقارنتها بتلك المرأة المسماة هيل، التي كانت تمسك بيد كايسيس و تمشي بجانبه بثبات دون أدنى تردّد…
“ألا تبدو باهتة؟”
تفاجأت إحدى النبيلات بكلماتها التي خرجت دون قصد، فغطّت فمها بمروحة.
لكن مع تلك العبارة، أدرك النبلاء الأمر وكأنّ أعينهم قد انفتحت.
‘صحيح فعلًا.’
كانت ليلييتا امرأة لطيفة و جميلة، وكانت تمتلك قدرات كافية، لكنّها لم تبدُ طبيعيّة أمام كايسيس.
لم يسبق لهم أن رأوها تجري معه حديثًا سلسًا، بل و لم يشاهدوهما منفردين معًا رغم مرور وقتٍ طويل على دخولها القصر الإمبراطوري.
على النقيض، بدا هيل و الإمبراطور كثنائي متناغم.
“إذًا، هل يُعقل أنّ تلك المرأة، هيل، سيتم اختيارها فعلًا كمرشدة؟”
مع كلمات النبيلة الصغيرة البريئة، اتّجهت الأنظار خلسةً نحو ليلييتا.
كان كايسيس قد ابتسم ابتسامةً مشرقة وهو يقبّل ظاهر يـد هيل، ثم استدار.
مرّ بجانب ليلييتا و إيزوليت، اللتين كانتا تقفان بلا حراك، دون أن يلتفت إليهما، و كأنّه أنهى كلّ ما جاء من أجله إلى هذا الحفل.
بل بدا ذلك المرور باردًا إلى حدّ القسوة.
و ماذا عن المرأة التي تُدعى هيل، و التي تُركت خلفه؟
لم تقف تحدّق في ظهر الإمبراطور بلا نهاية.
و كأنّ غايتها كانت فقط أن تُري كايسيس لمحةً من مشاعرها، استدارت فجأةً بملامح هادئة إلى حدٍّ ما.
و كان اتجاهها معاكسًا تمامًا لاتّجاه الإمبراطور.
“هل ستغادر هكذا؟”
تمتم شخص ما بصوتٍ مذهول.
في تلك اللحظة، تحرّك مَنْ كانوا يراقبون الموقف.
“لماذا كلّ هذا التجمّد؟ استمتعوا بالحفل كما يحلو لكم!”
قال أردييل بصوته الحادّ المليء بالضيق، بينما أومأ ديكاردو موافقًا.
“لقد تعكرت الأجواء، أليس كذلك؟”
“الكاردينال سيروين….”
“هانويل، ألن تعود أنتَ أيضًا؟ لقد انتهى المشهد المثير.”
ابتسم سيروين و هو يعقد ذراعيه، بينما كان هانويل يحدّق فيه بنظرةٍ حادّة لا هوادة فيها.
و مع تكسّر التوتّر، عاد تدفّق الحفل إلى طبيعته.
لذلك، لم يلاحظ أحد.
المرأة ذات الشعر الأشقر المائل إلى الحمرة، البطلة المحبوبة من الجميع، كانت تتبع بخطواتٍ حذرة شخصًا غادر القاعة.
* * *
فجأة، أُمسك كتفي بقوّة مؤلمة.
ارتطم جسدي بعمودٍ رخاميّ في الممرّ.
آه، عمودي الفقري.
“أنـتِ!”
كنتُ أعلم أنّ الأمر سيؤول إلى هذا.
فطبعها السيّئ لن يختفي لمجرّد تغيّر الجسد.
“هل تجاهلتِ تحذيري؟”
ابتلعتُ ابتسامةً مائلة، و حدّقتُ بليلييتا التي لحقت بي و فتحت عينيها بغضب.
“ما الذي تفعلينه؟”
رفعت المرأة عينيها كالشبح، و همست بنبرة تهديد.
“هل تظنين أنكِ مَنٔ يسأل هنا؟ ألم أحذّركِ سابقًا؟ لو كنتِ ذكيّة لفهمتِ و غادرتِ بهدوء. هل ترين هذا الوضع مزحة؟ كأنّه مجرّد مشهدٍ في قصةٍ مسلّية؟”
“هاه.”
يبدو أنّها أدركت على الفور أنّ المكان خالٍ من الناس.
“اسمعي.”
“ماذا؟ هل ستتظاهرين بأنكِ لا تعرفينني؟”
“….”
“تكلّمي!”
كان صوتها عاليًا إلى درجةٍ تجعلني أرغب في سدّ أذنيّ، لكنني رفعت حاجبًا واحدًا بهدوء.
“يدكِ.”
و ضربتُ يدها التي كانت تمسك بي كالمخلب.
“تحدّثي بعد أن تتركيها.”
تراجعت المرأة قليلًا، و حدّقت بي بغيظ.
“لديّ نظام. يبدو أنّ هذا الهراء كلّه حدث لأنّكِ مـتّ في المكان نفسه الذي مـتُّ فيه. أنتِ مـجرّد إضافة زائدة بالنّسبة لي، مفهوم؟”
نظام؟
إذًا، كان لديها نظام أيضًا.
“ألا تفهمين؟ أنـتِ مجرّد شخصية ثانوية. مَنٔ يجب أن يتم اختيارها كمرشدة للإمبراطور هي أنا. لذا لا تتدخّلي و اختفي. ارحلي عن القصر الإمبراطوري فورًا!”
إن كانت القوّة التي ترافقني هي قوّة حاكم هذا العالم، فربّما كانت قوّة النظام التي ترافق كانغ ها أون قوّةً خارجيّة.
أومأتُ ببراءة، متظاهرةً بعدم الفهم.
“و لماذا؟”
بدا وجه المرأة مذهولًا و كأنّها لم تتوقّع ردّي.
خفضتُ رأسي قليلًا، و كرّرتُ.
“لماذا عليّ أن أفعل ذلك؟”
“ماذا؟”
في الماضي، لم نكن نتحدّث حتّى بهذه الجرأة.
كانت هي المرشدة التي يتم تمجيدها، و أنا المنبوذة التي يتجاهلها الجميع.
لكن ذلك كان الماضي.
هززتُ رأسي و كأنّ الأمر مضحك.
“أقصد، لماذا عليّ أن أستمع إليكِ أصلًا. منذ البداية، أنـتِ لسـتِ الشخص الحقيقي الذي يبحث عنه الإمبراطور، أليس كذلك؟”
“……أنا، أنا الحقيقيّة.”
“حتى الكذب له حدود. أم ماذا، هل تحلمين بأن تصبحي أميرة من مملكةٍ مجاورة كما في الروايات؟”
“أنـتِ! ما الذي تعرفينه أصلا؟”
يبدو أنّ الغضب أفقدها صوابها، أو أنّها توهّمت أنّ كلّ شيء مباح، فرفعت يدها فجأة.
آه، هل ستصفعني؟
أمسكتُ بمعصمها النحيل بقوّة.
“من أين لكِ هذه العادة القذرة؟ هل كنتِ هكذا في الماضي أيضًا؟”
“ما هذا؟ اتركيني!”
لم تكن هيلاريا قد تدرّبت على السيف، لكنّ قوّة قبضتها كانت أقوى من ليلييتا.
“أ-ألن تتركيني؟”
لم يكن منظرها وهي ترتجف شاحبة مثيرًا للشفقة.
في أيّ وهمٍ كانت تعيش؟
“نعم، كلانا قد متنـا. ولم نعـد في كوريا الجنوبيّة. لكن إن كانت هذه حياةً جديدة، فلماذا عليّ أن أتبع أوامركِ؟”
“أنـتِ لم تفعلي شيئًا يومًا! كنتِ دائمًا تحت قدميّ. افعلي ذلك هذه المرّة أيضًا قبل أن يُسلب منكِ كلّ شيء و تُطردي!”
“هاه، إذًا….”
دفعتُ يدها بعيدًا و قلت ببرود.
“لماذا عليّ فعل ذلكَ.”
سقطت المرأة أرضًا كما يسقط طفل، و انتشرت أطراف فستانها على الأرض.
حدّقت بي بعينين محمرّتين بالغضب.
“مَنٔ تكونين أنـتِ أصلًا؟”
كانت تلك المرأة، كانغ ها أون، التي لطالما استخدمت الإيسبر و تفوّهت بكلماتٍ مستفزّة.
“لم أخـف منـكِ يومًا، لا في الماضي و لا الآن. كنتِ مثيرةً للشفقة لا أكثر.”
“ماذا؟ ماذا قلتِ؟ لا تتفوهي بالهراء. أنـتِ دائمًا….”
“بالنسبة لي، كنتِ قمامة يا كانغ ها أون. و القمامة نتجنّبها لأنها قذرة، لا لأنها مخيفة.”
“……!”
تذكّرتُ ماضيها و أنا أبتسم بسخرية.
توسّعت عيناها بصدمة، و كأنّ ذلك دليلٌ واضح على مدى استخفافها بي سابقًا.
“كان حولكِ الكثير ممّن ينبحون ككلاب، فلم أكن أرغب حتى في التعامل معكِ. وهذا لم يتغيّر. و ها أنـتِ تسمّين هذا تهديدًا؟”
ابتسمتُ بخفّة.
ثم انحنيتُ قليلًا.
خلال المسافة القريبة، رأيت ليلييتا، أو كانغ ها أون، تحبس أنفاسها.
ضيّقتُ عينيّ، مستحضرةً خبرتي في التمثيل البارد.
“أنا مَنٔ سيهدّدكِ حقًّا. ليلييتا رادايك، لا تطمعي فيما ليس لكِ….”
دهستُ طرف فستانها، و تقدّمت بخطواتٍ ثابتة.
“و اختفي من أمامي.”
“…….”
“قبل أن تري ما هو مخيف فعلًا. مفهوم؟”
لم أسمع ردًّا.
لم يكن هناك صوت يد تمتدّ أو حركة.
شعرتُ و كأنّ شيئًا ثقيلًا كنتُ أكتمه طويلًا قد خفّ قليلًا، و أسرعتُ بخطاي إلى حيث يجب أن أكون.
لقد تركتُ دور الدّوقة آرييل فارغًا طويلًا.
* * *
في هذه الأثناء، كان هناك مَنٔ استمع إلى كلّ ذلك.
رجلٌ تخلّص من زميل ثقيل الظلّ، و تبعها كظلّ.
انحنت عيناه الفضّيّتان ببريقٍ فاتن.
كما توقّع.
ذلك الجوّ، تلك الهالة، ذلك الإحساس.
‘الدوقة آرييل.’
كانت تلك المرأة ممتعةً للغاية.
شدّ شفتيه، و أطلق قليلًا من هالة الساحر الأعظم، مصحوبةً بصوتٍ ساخر منخفض.
التعليقات لهذا الفصل " 153"