لم أكن بحاجة إلى أن أنظر حولي لأدرك كم كانت النظرات الموجّهة نحوي مصدومة.
لا بدّ أنّ تلك النظرة المحدّقة بلا رمش تعود إلى ليلييتا، التي رُفضت للتوّ من قِبل الإمبراطور أمام الجميع.
و إيزوليت، التي لم تستطع حتى التدخّل في هذا الموقف، لا بدّ أنّها تضع تعبيرًا مجروح الكرامة، أمّا النبلاء الذين رأوا ما يشبه ابتسامة الإمبراطور فحتمًا كانوا يحدّقون بأعين جاحظة كأنّها ستقفز من محاجرها.
أما بالنّسبة لي ، فقد فكّرتُ غريزيًا في الرفض.
رقص؟! لا يوجد ما هو أبعد عن هيلاريا، صاحبة هذا الجسد الذي تقمّصتُه ، عن ذلك!
لكن قبل أن أتمكّن من النطق، امتلأت رؤيتي بإشعار النظام.
[أنتِ حاليًا على هيئتكِ الحقيقيّة.
أنتِ، الواقفة أمام الإمبراطور كايسيس، لستِ دوقة آرييل.
تصرّفي كما يميل إليه قلبكِ.
و تذكّري المهمّة!
إذا رقصتِ مع الإمبراطور بودّ، فسترتفع نسبة الثقة تجاه ‘هيل’.]
‘همف.’
هل هو مجرّد وهم منيّ أم أنّ النظام الذي كان يبدو لي دائمًا سيّئ المزاج، صار لطيفًا اليوم؟
كان بإمكانه ببساطة أن يطرح مهمّة تأمرني بالرقص كعادته، لكنّ نبرته بدت كأنّها تهدّئني، و هذا لم يكن شعورًا سيّئًا على الإطلاق.
‘صحيح، الأمر كذلك.’
نظرتُ إلى كايسيس.
كان رجلًا ذا نفوذ كافٍ لوضع الموقف بأكمله تحت سيطرته، و ذكيًّا إلى حدّ أنّه بدا و كأنّه ينتظر خياري بهدوء.
كنتُ وحدي مَنٔ قرأ هذا الجوّ.
‘هيئتـي.’
الآن، بهذه الهيئة، لم يكن هناك داعٍ للتردّد.
حتى لو أمسكتُ بيد كايسيس، أو ناديتُه باسمه، أو رقصتُ معه، فلن أتلقّى تحذيرًا و لا تهديدًا بالموت.
‘إذا كان الأمر كذلك، فأنا…’
حينما تأمّلتُ بهدوء عينيه الزرقاوين الشفّافتين كالجليد، لاحظتُ أنّ ابتسامته ازدادت إشراقًا، و كأنّه أدرك أنّني لن أرفض.
‘لا أريد أن أرفضكَ.’
ابتسم ابتسامة نقيّة، طوى فيها عينيه الجميلتين، كطفلٍ بريء.
“جلالتكَ.”
حين شعرتُ بمدى سعادته، ارتفعت زاوية فمي دون وعي.
آه.
حين يكون هذا الرجل سعيدًا، أكون أنا سعيدة أيضًا.
“لستُ واثقة من مهارتي في الرقص.”
أمسكتُ يد كايسيس بقوّة.
“……؟”
ضيّقتُ المسافة القريبة أصلًا أكثر.
لطالما كان من الطبيعي أن أختفي أمامه كالدخان بينما يتبعني من الخلف، لكن في هذه اللحظة فقط، انقلبت الأدوار.
و بفعل قوّة مفاجئة جذبتُه نحوي، فانقاد كايسيس إليّ بلا مقاومة.
كان تعبيره المندهش لطيفًا على نحو جعلني أبتسم ابتسامة جانبيّة.
“لا يمكنني أن أرفض جلالتكَ أمام الجميع.”
حين واجهته من مسافة قريبة تُرى فيها حتى أدقّ خصلات الرموش، اتّسعت عينا الإمبراطور، الذي كان دائمًا مليئًا بالحسابات، ببراءة واضحة.
‘يبدو أنّكَ لم تتوقّع أن أتصرف هكذا؟’
ازداد الأمر متعة.
كان ممتعًا إلى حدّ يصعب احتماله.
“حسنًا، جلالتكَ. لنرقص.”
“حقًّا؟”
“نعم، هيا.”
قدتُ كايسيس، الذي بدا و كأنّه تجمّد من الدهشة. تراجع الناس المذعورون جانبًا، فاتحين لنا الطريق.
وسط الموسيقى التي ملأت قاعة الحفل، التفتُّ إلى الإمبراطور الذي أمسك بيدي.
تدفّق نور الثريّا المتلألئة من الوسط على رأس كايسيس.
تنهدتُ في داخلي.
‘أليس وسيمًا بما يكفي أصلًا؟!’
ذلك الوجه هو المشكلة فعلًا.
مع هذه الهالة الضوئيّة، لم يعد جماله عاديًا أبدًا.
و على الرغم من إدراكي لخفقان قلبي، و لاحمرار وجنتَيّ تدريجيًا تحت الضوء الساطع، لم أهرب كعادتي.
الآن، كنـتُ ‘أنا’ بالكامل.
نظرتُ إليه بشغفٍ صريح.
و بالمثل، كان يحدّق بي من الأعلى، و شفتيه ترتسم عليهما ابتسامة لطيفة ببطء.
التعليقات لهذا الفصل " 152"