فقد كانت تشعر بالسرور لأنّ الدّوقة آرييل، التي كانت دائما تعرقل أعمالها كشوكة مزعجة، لم تظهر هذه المرة، لكن الآن تلكَ الحمقاء هي مَنٔ تفسد مهمتها.
‘لماذا ينظر الجميع إلى تلك المرأة؟’
لم تكن تستطيع الاعتراف بهذا.
ليلييتا، التي كانت تنظر بعدم تصديق إلى أردييل و ديكاردو -الشخصيتين الرئيستين اللتين تقدمتا من أجل امرأة كانت دائما أدنى منها- بدأت بالتحرك.
تقدمت إلى الأمام.
و بينما شعرت بأنّ كل الأنظار اتجهت نحوها على الفور، سحبت طرف فمها بابتسامة راضية في سرها.
“لحظة من فضلكما. يبدو أنكما أسأتما فهم شيءٍ ما.”
اتجهت نظرات الشخصين اللذين ارتجفت حاجباهما نحو ليلييتا.
“ما هو سوء الفهم الذي تقصدينه؟”
“لقد رأينا كل شيء ، فما الذي يمكن أن يكون؟عليكِ أن تعطي ردًا لائقًا!”
كان ردهما الحادّ مثيرًا للاستياء، لكن على أية حال، فقد انتقل الاهتمام إليها أخيرا.
شعرت بنوع من الرضا، و رسمت أجمل ابتسامة يمكنُها إظهارها.
لأنها كانت تعلم أن في نظراتها و صوتها، قوة قادرة على هز الخصم.
فهذان الشخصان، اللذان يتصرفان و كأنها تزعجهما، لم يستطيعا الرفض تمامًا عندما طلبت منهما شيئا و هما ينظران في أعينها مباشرة.
اغرورقتْ عينا ليلييتا بالدموع قليلاً، و استغلت موهبتها في التظاهر بالطيبة بصوتٍ هادئ.
“لم يكن لدي أي نية لمضايقة السيدة هيل.”
لمحت بطرف عينها تلك المرأة المزعجة التي كانت تقـف خلفهما بهدوء ، و بينما كانت تصكّ أسنانها داخليا، تظاهرت بأنها مظلومة و هي تنظر إليها.
كانت تعابير تلك المرأة تبدو و كأنها تشاهد عرضا ممتعا، مما زاد من حنقها.
أجل، يبدو أنكِ لا تملكين نافذة النظام هذه ، أليس كذلك؟
أنا، أنا أبذل قصارى جهدي لأعيش بأي ثمن، بينما أنتِ تبدين و كأنكِ تتجولين في عالم رواية ممتعة!
تصاعد الغضب و الغيظ داخلها.
كان ذلك الموقف المسترخي مؤكدًا.
كان من الواضح أن حالها يختلف عن حال تلك المرأة؛ فهي تتحرك و كأنها تتمتع بسلطة هائلة بفضل قوة النظام، لكنها في الوقت نفسه كانت تُقاد كالماشية المقيدة برباط في عنقها.
لماذا؟
لماذا تلكَ المرأة وحدها مختلفة!
“و لكن بما أن تلك السيدة تقول إنني مزيفة… فقد كنت أحاول فقط جاهدة الدفاع عن نفسي لإثبات أنني الحقيقية.”
[بناء على قوة البطلة، تكتسب كلماتك قوة إقناع! طالما أن قوة البطلة لديكِ، فسيصغي الجميع لكلماتكِ.]
“لذا يا رفاق، لا تتشاجروا بسببي. لقد تفوّه النبلاء بكلمات حادة فقط بسبب شعورهم بالأسى.”
من ناحية أخرى، تبادل ديكاردو و أردييل النظرات و هما يشعرانِ ببعض الارتباك.
كانا يعلمان بالفعل أن تلكَ المرأة تجيد التمثيل.
و كانا يعلمان أيضا أنها استمالت الكثيرين في القصر الإمبراطوري إلى جانبِها ببراعة حديثها.
و في الموقف الذي كان فيه الكثير من النبلاء يرمقونهما بنظراتٍ قاسية و كأنهم يلومونهما على قسوتهما بعد رؤية دموعها، كان الاثنان واعيين للمرأة التي تقف خلفهما.
لم يكن ارتباكهما بسبب مهارة.ليلييتا في الحديث أو نظراتها التي حولت سهام اللوم نحوهما.
بل كان بسبب تصرفاتهما هما.
عض ديكاردو و أردييل على شفاههما.
كانت مرتبكين لنفس السّبب.
‘لماذا تدخلتُ؟’
‘لا، لقد شعرتُ و كأنني أرى أشخاصا يضايقون سيّدتي تماما.’
شعر أحمر ، وجه غريب ، و عينان غريبتان تلمعان باللون الذهبي.
الصوت مختلف بالتأكيد و التصرفات مختلفة أيضا، و لكن لماذا…
في تلكَ اللحظة.
“هذه الفوضى تشبه سابقتها تماما.”
و كأنها ليست بحاجة لحمايتهما أو دعمهما، اخترقت المرأة المسافة بينهما بخطوات مسترخية.
تطاير شعرها الأحمر المربوط جزئيا بزينة رأس لامعة بينهما.
آه.
توقف ديكاردو، الذي مـد يـده دون وعي و كأنه يحاول الإمساك بها، و أردييل الذي سار خلفها، مذهولين.
ما هذا الانجذاب؟
و لكن، و كأنها لا تنوي الالتفات لارتباكهما، وقف ظهر المرأة الصغير بشموخ ليحجب الطريق أمامهما.
“ليلييتا.”
إيماءة المرأة الرصينة و صوتها الهادئ ، و في المقابل، ليلييتا التي كانت تهتز و تظهر شظايا مشاعرها بشكلٍ متناقض مع ذلك التصرف.
هل كان وهما منهما أن الفائز و الخاسر قد حُسما حتى قبل أن تكتمل خيوط اللعبة؟
و…
‘من المؤكد أنه صوت مختلف.’
لكن هذا الشعور الذي يتحسن بمجرّد الإقتراب منها.
القلب الذي يخفق.
الرغبة في حماية شخص يشعران بالارتباط به.
‘لماذا…’
كان أمرًا مؤكدا.
تلكَ المرأة المسماة هيل.
كان رد فعلهما تجاهها هو نفسه عندما يكونان بجانب الدّوقة آرييل.
* * *
شعرت و كأن مؤخرة رأسي ستُثقب من حدة النظرات.
تجاهلت ذلك، قطعت حبل أفكار ليلييتا التي كانت تتظاهر بالطيبة بينما ظهري مواجه لمجموعة النبلاء.
“لنكن واضحين. هذه مشكلة بيننا نحن الاثنتين، ولا داعي لتدخل الآخرين.”
كان هذا أمرا أتعرض له كثيرًا في حياتي السابقة.
“ليلييتا، و لا حتى النبلاء الذين يحمونكِ.”
في المقام الأول، كانت تلكَ المرأة بارعة في استخدام مكانتها المطلقة و هالتها كسلاح.
“و لا داعي لمساعدة الكاردينالين اللذين تقدما فجأةً لطلب المرافقة، أو مساعدة هذين الشخصين اللذين يحاولان مساعدتي.”
كانت تستخدم الإسبر في الفريق و تحركهم بأطراف أصابعها، و دائما ما تجعل الآخرين يتقدمون بدلاً منها لتتحكم بهم.
“ليلييتا، أنـتِ تدعين أنّـكِ الحقيقيّة.”
ربما كانت تلك المرأة قد عرفت مَنٔ أنا، لذا كانت تنوي الضغط علي كما في الماضي، لكن هذا أمر مضحك.
“و أنا أقول إنني الحقيقيّة، لذا يكفي أن ينزل إلى هنا الشخص الذي سيحكم على ذلك.”
فتحت عينيّ مباشرةً و مددت يدي إلى الرجل الذي كان ينضح بوجود مرعب بجانبي فجأةً.
الشخص الذي كانت عيناه تلمعان بترقب لكيفية إثارتي للفوضى في المأدبة.
عليكَ أن تعاني معي أيضًا، إلى أينَ تظن أنكَ ستفلت بعيدًا؟
يا لكَ من رجل لئيـم.
“أليس كذلك، جلالة الإمبراطور؟”
أمسكت بذراع كايسيس المغطاة بملابس المأدبة الناعمة بقوة و نظرت إليه، فشعرت بأصوات الأنفاس المذهولة من حولي.
كانت أفكارهم واضحة.
كيف تجرؤ على لمس الإمبراطور!
شعرت بحركة أردييل و ديكاردو و هما يحاولان الاقتراب و كأنهما يريدان منعي.
و هانويل الذي كان يراقب و عيناه ضيقتان، و سيروين الذي غطى وجهه و كأنه سيفقد عقله.
بينما كنت أتفقد ذلكَ الجو بسرعة، ركزت فقط على الرجل الذي أمامي.
هل سيقوم بمزحة أخرى؟
أم أنه سيوافقني؟
‘لكنك….’
لن تفعلَ ذلكَ.
كان لدي يقيـن.
نظر كايسيس إلى ذراعه التي أمسكت بها، ثم ابتسم ابتسامة أعمق قليلاً.
لم يبعد يدي عنه.
بل على العكس، اقترب مني خطوة، ثم خطوتين، و كأنه منساق لقوة سحبي له.
و بينما كان يراقب النبلاء المذهولين من ذلك الموقف باسترخاء ، اقترب و هو لا يزال ممسكا بي، نظر إلى ليلييتا ثم نظر إلي مرة أخرى.
في هذه الأثناء، ازداد شحوب وجه إيزوليت التي تراجعت للخلف بشكل طبيعي، لكن لم يكن أحد يوجه نظره إليها.
“كلام هذه السيدة ليس خاطئًا. من المؤكد أنني أنا مَنْ سيتأكد مَنْ هي الحقيقيّة بينكما.”
سمعت صوت شخص يهمس: “لماذا جلالته لطيف هكذا اليوم؟”.
ثم رأيت في مجال رؤيتي الشخص الذي تفوه بذلك و هو يغطي فمـه و ينكمش خوفًا بسبب النظرات التي اتجهت نحوه.
و لكنْ حتى بالنسبة للآخرين ، كان من الواضح أن كايسيس يبدو ألطف من العادة اليوم.
ربّما بسببي.
لأنني ظهرت.
لذا يبدو أنه في حالة مزاجية جيدة.
شعرت و كأنّ طرف فمي سيهتز، فعضضت على فمي من الداخل بيأس.
يا هذا، لماذا تُظهر الأمر هكذا؟
“و لكن الآنسة ليلييتا قد تحدثت معها كثيرا و كان بيننا الكثير من التواصل.”
تواصل؟ أيّ تواصل.
بينما كنت أنظر إليه ببرود، سحب كايسيس ذراعه التي كنت أمسك بها بنعومة، و مـد يده لي هذه المرة.
“لذا اليوم، يبدو أنه علي الاستماع إلى كلمات هذه السيدة أكثر. أليس كذلك؟”
مـد كايسيس يده لي.
كان من الواضح أنه طلب للرقص، طلب مرافقة.
نظر الإمبراطور، الذي كان يراقبني بينما أنظر إليه بهدوء، بعيدًا على الفور، و وجّه نظرات حادة كالشفرة إلى النبلاء الذين دافعوا عن ليلييتا واحدا تلو الآخر، و قال بحزم و كأنه يسحق كلماتهم:
“بالتأكيد هذا هو ما تسمونه العدل ، و التوازن ، أو شيئا من هذا القبيل ، أليس كذلك؟”
أمسكتْ يـد تبدو متسرعة بيدي بقوة.
لم أستطع إخفاء ذهولي و فتحت فمي قليلاً.
لا، أين قد تجد شخصًا يطلب الرقص ثم يمسك بيـد السيدة فجأةً هكذا؟
“بما أنكِ تفكرين بهذه الطّريقة أيضا، فقد ناديتني، أليس كذلك، يا هيل.”
أمسكتْ يد كايسيس الكبيرة بيدي و سحبتها، و كأنه لن يتركها أبدًا.
التعليقات لهذا الفصل " 151"