لم يكن هناك ما يمكن الصراخ به في مثل هذا الموقف سوى طلب تعاون النظام.
أمسكتُ بمقبض الباب بقوّة، و العرق البارد يسيل داخلي، و أنا أُنادي النظام مرارًا وتكرارًا.
ما معنى إعطائي مهمّة طارئة كهذه فجأة؟
كيف لي أن أعرف ماذا يفعل سيروين الآن أصلًا!
وفي تلك اللحظة، رنّ الصوت المنتظر أخيرًا.
[بما أنّ شظايا ???? قد اكتملت، يتدخّل النظام.
سيروين حاليًّا في نومٍ عميق.
هل ترغبين في استخدام المهارة؟
المهارة: القناع.
الوقت المتبقّي:
00:20:23]
عشرون دقيقة كانت كافية.
حين أومأتُ برأسي، شعرتُ بتغيّر ينساب من رأسي حتّى أخمص قدميّ، كأنّ شيئًا ما يغلّفني بالكامل.
لا بدّ أنّ صوتي أيضًا تحوّل إلى صوت “هيل”.
و بينما ما زلتُ ممسكةً بمقبض الباب دون أن أفلته، فتحتُ فمي بحذر.
“جلالتكَ؟”
حين أنصتُّ بكلّ حواسي، وصلني من خلف الباب صوت ضحكة خافتة.
كان صوت كايسيس.
انفرج التوتّر الذي شدّ كتفيّ فجأة.
نجحتُ في تجاوزها بصعوبة.
لكن مع وجود عشرين دقيقة فقط، لم يكن بإمكاني إدخال الإمبراطور إلى غرفتي.
و لم يكن يجب أن أفعل ذلك أصلًا.
“قدوم جلالتكَ للبحث عنّي تصرّف غير منصف. عُـد من فضلك.”
تعمّدتُ أن اجعل نبرتي خشنة بعض الشيء، فارتفع ضحك الرجل قليلًا.
“تدخلين قصري كما تشائين، ثمّ تطلبين منّي ألّا أقترب……”
“نعم. يجب أن تحكم في الوليمة.”
“أحكم على ماذا؟”
“على مَنْ هي الحقيقيّة. تلك المرأة، أم أنا.”
و مع زوال التوتّر، بدأ الضحك يتسرّب منّي دون قصد.
كان هذا الموقف مضحكًا و مسليًا على نحو غريب.
عندما ذهبتُ للقائه خفيةً في البداية، كان قلبي ممتلئًا بالتوتّر و الخوف.
“جلالتكَ لم تكتشف بعدُ مَنٔ أكون. الرهان لم ينتـهِ بعد.”
كانت العقبة الأخيرة أن يتقبّل كوني الدّوقة آرييل.
و إذا……
إذا وقع أمر جلل فعلًا في قاعة الوليمة، فربّما في تلك اللحظة سيدرك حقيقتي.
خفق قلبي بقوّة.
ربّما يكون هذا آخر حوارٍ هادئ بيني و بينه.
أو قد يكون الفشل النهائي للمهمّة الرئيسيّة، و موتي.
و بينما كان صدري يؤلمني بسببِ شعور لا تفسير له، سمعتُ صوت الرجل الذي بدا و كأنّه كان ممسكًا بمقبض الباب مثلي، و هو يتراجع خطوة إلى الخلف.
“حسنًا. لن أستعجل.”
بتلك النبرة الودودة التي دغدغت أذني، راودني اندفاع لفتح الباب و رؤية أيّ تعبيرٍ يرتسم على وجهه الآن.
لكن، القبضة الباردة لمقبض الباب أعادتني إلى رشدي بقسوة.
“يكفيني أنّكِ داخل قصري. لكن يا هيل. لقد كشفتِ وجهكِ، و كشفتِ اسمكِ.”
“…….”
“أتطلّع لما سيحدث في الوليمة.”
و مع تلك الكلمات، ابتعد صوت كايسيس.
أفلتُّ المقبض، و أسندتُ جسدي إلى الباب، وانزلقتُ ببطء إلى الأسفل.
[نجاح المهمّة الطارئة!
تمّ إبعاد الإمبراطور دون انكشاف الهويّة.
نتمنّى لكِ التوفيق في التقدّم نحو النهاية بسلاسة.]
أطلقتُ ضحكةً واهنة بلا قوّة، و كأنّ النظام كان يشجّعني.
نعم.
يجب أن أواصل النجاة.
* * *
شعر أحمر قانٍ، عيون ذهبيّة داكنة، امرأة تنطبق عليها كلّ الشروط التي ذكرها الإمبراطور، وتملك أعلى نسبة تطابق، هيل.
في المقابل، امرأة أظهرت طوال الوقت قدرات المرشدة المدهشة، و ادّعت أنّها تلك المرشدة الموجودة في الذكريات، وبنت ثقة النبلاء والفرسان، ليلييتا.
فأيّهما تكذب؟
مَنٔ هي المرشدة الحقيقيّة للإمبراطور؟
في البداية، أبدى النبلاء حساسيّة شديدة تجاه انتقال مركز القوّة، لا سيّما مع عائلة المرشدات.
لكن بما أنّ المجتمع الأرستقراطيّ بطبعه يتحرّك بدافع الفضول، فقد ركّز النبلاء، براحة بال، على هذه القصّة المسليّة النادرة.
ففي النهاية، إحدى الاثنتين تكذب، أليس كشف الحقيقة حدثًا ممتعًا؟
و لهذا، حين أُقيمت الوليمة في القصر الإمبراطوري، لحقت أنظار حادّة بالاثنتين المشهورتين، و بإيزوليت التي تبعتهما.
“من حيث القدرات وحدها، من الواضح أنّ الآنسة ليلييتا أكثر موثوقيّة. ألم تساعد الناس في المرّة السابقة؟”
كان هناك عدد لا بأس به من النبلاء يرحّبون بليلييتا بابتساماتهم.
تقدّمت بخطوات رشيقة، و ابتسمت بلطف، مُلطّفة أجواء المكان.
الذين كانوا يتحدّثون معها رمقوا المرأة المسماة هيل بنظرات غير مستحبّة.
أمّا تجاه هيل.
“ألا تلاحظون أنّ أحدًا لا يقترب منها؟ انظروا إلى تعبيرها، لماذا تبدو باردة هكذا؟”
حقًّا، كلّ شيء بشأن هيل كان غامضًا.
مظهرٌ أجنبيّ، أصل مجهول، و سلوك غير اجتماعيّ.
ومع ذلك، لم يجرؤ النبلاء على السخرية منها بحدّة، ليس فقط لاحتمال كونها شريكة الإمبراطور، بل أيضًا…
“ألا تشعرون بإحساس غريب بالألفة؟”
“نـ، نعم.”
بسبب ثقـة المرأة بنفسها على نحوٍ غير مألوف.
حتّى الخدم المنشغلون بالخدمة شعروا بتغيّر مزاج القاعة لصالح ليلييتا، و مع ذلك بدت هذه المرأة غير مبالية.
كانت تدير نظرها بهدوء، و كأنّها تقول: انظروا إن شئتم، بثقة تُرهب مَنٔ يراقبها.
لماذا؟
كان النبلاء في حيرة.
ثمّ ظهر الإمبراطور.
“أنتم جميعًا تعرفون جيّدًا هدف هذه الوليمة.”
في اللحظة التي مسحت فيها نظراته المتغطرسة و الباردة الحاضرين، أدرك النبلاء فجأة.
لسببٍ ما، كانت نظرة المرأة المسماة هيل تشبه كثيرًا نظرة الإمبراطور، كايسيس.
و فوق ذلك.
“جلالة الإمبراطور يحدّق في هيل دون انقطاع.”
“لم يرمق الآنسة ليلييتا بنظرة واحدة حتّى….”
“أليست المسكينة الحقيقيّة هي الآنسة إيزوليت، التي عليها أن تبقى هنا؟ وجهها شاحب تمامًا.”
و بينما كان النبلاء المتجمّعون يبتلعون ريقهم و يراقبون الموقف، رأوا شخصًا يتحرّك.
‘مَنْ هذا؟’
لماذا هو؟
اتّسعت عيون الجميع.
* * *
أن تكون في مركز الاهتمام أمرٌ مزعج و غير مرحّب به حقًّا.
ارتشفتُ من النبيذ مجرّد ملامسة للشفاه، بينما أحاول ابتلاع توتّري.
‘لقد هدّدته بألّا يُزعجني بحجّة انشغاله بالعمل، لذا سيأتي سيروين قريبًا.’
كانت في قاعة الوليمة وجوه مألوفة كثيرة.
أردييل، ساحري الصغير، يفتح عينيه على اتّساع و يركّز منذ لحظة دخولي.
ديكاردو، الذي يقف إلى جواره، يصرف نظره بهدوء، و كأنّ صداقتهما أصبحت مؤكّدة.
ليلييتا، التي تدور حولهما، تراقب الأجواء و تتقدّم بحذر.
وخاصة ليلييتا، التي رمقتني مرّة واحدة بابتسامة ساخرة قبل أن تتحرّك.
و أخيرًا.
‘كايسيس.’
ما إن ظهر حتّى تشابكت عيناه بعيني بإلحاح.
[ليلة الوليمة قد أشرقت.
عليكِ أن تُرسّخي هنا أنّ “هيل” هي المرشدة الحقيقيّة للإمبراطور، و تكشفي أنّ ليلييتا مزيفة!
احصلي على دعم الشخصيّات الرئيسيّة و المستيقظين المرتبطين بكِ.
كلّما تركزت مشاعرهم نحوكِ، ارتفعت الثقة بكِ!]
كنتُ على وشك أن أعبس، حين دخلت قاعة الوليمة شخصيّتان غير متوقّعتين.
شخص يمتلك من الجرأة ما يجعله يدخل بعد الإمبراطور.
و شريك طلبتُ منه الظهور اليوم لتخفيف الشبهات.
كانا وفد المملكة، هانويل و سيروين.
ازداد الهمس لأنّهما، فور دخولهما، اتّجها نحوي مباشرةً.
“تشرفتُ بلقائكِ. أنا الكاردينال هانويل.”
نظرتُ إلى الرجل الذي اقترب أوّلًا و مدّ يده المغطّاة بقفّاز أبيض، دون أن أُخفي تعبيري المنزعج.
هانويل.
وجه مشبع بالضوء على نحوٍ مبالغ فيه.
عينان فضيّتان شفّافتان تتلألآن تحت ضوء الثريّا، و شعر أزرق سماويّ لامع، بدا مقدّسًا إلى حدّ ما.
لكنّه كان مزيفا.
“…….”
مَنٔ كان ليتخيّل أنّ هذا الرجل هو مَنْ كان يطعم النبلاء أشياء مشبوهة طوال هذا الوقت؟
لولا عودة لوياس، تلميذي اللطيف، بالأدلّة…….
حدّقتُ في الرجل الواقف أمامي بصمت.
مهما كان ما يخطّط له في هذه الوليمة، لن أتركه يسير كما يشاء.
“ألن تمسكي بيدي؟”
ابتسمتُ بخفّة و كنتُ على وشك الردّ.
لولا أنّ سيروين تدخّل فجأة، و صفع يد هانويل جانبًا، و مـدّ يده هو.
“أنا الكاردينال سيروين. أظنّني خيارًا أفضل من هذا الزميل الممل، ما رأيكِ؟”
التعليقات لهذا الفصل " 149"