كان النُّبلاء يتبادلون نظراتٍ مرتبكةً في صمتٍ بارد.
ألم يكن مسار ليلييع رادايك حتّى الآن واضحًا للجميع؟
لقد تجولت بين أعضاء فرق فرسان الإمبراطور، و احتضنت المُستيقظين الذين كانوا بحاجةٍ إلى يدٍ تُساندهم.
و لم يقتصر الأمر على ذلك، بل ألم تذهب مع الكهنة إلى أولئك الذين لم يتمكّنوا من نيل حقوقهم في الخارج على نحوٍ لائق؟
حتّى تحرّكات الإمبراطور نفسه،
ألم تكن تُعامِل ليلييتا كما لو كانت المرشدة الموعودة التي تتحدّث عنها الشائعات؟
فهل يُعقَل الآن أن تظهر مرشدة ذو نسبة توافق أعلى من ليلييتا؟
‘إذًا… ماذا يعني هذا؟’
أولئك الذين تلقّوا المساعدة من ليلييتا، و العائلات التي ينتمون إليها، إضافةً إلى السمعة الطيّبة التي انتشرت عنها، و الأشخاص الذين احتكّوا بها حين ظهرت برفقة الكهنة.
لم يكن معظم النُّبلاء يعتقدون أنّ ليلييتا تلك مزيفة.
“آه… يا إلهي….”
تنفّس الجميع بحسرةٍ و هم ينظرون إلى المرأة التي أغمضت عينيها بملامح حزينة، و كأنّها تُدرك أنّ كلّ الأنظار متّجهةٌ نحوها.
أليست ليلِييتا، على الأقلّ، أفضل من تلك المرأة المُسمّاة هيل، المجهولة الهويّة؟
“حتى لو كان الأمر كذلك، فالفارق ضئيل جدًّا!”
صرخ أحدهم و هو يدافع عن ليلييتا، كأنّه لم يعُد قادرًا على كبح غضبه.
في الواقع، كانت الكرَيّات البلّوريّة الثلاث كلّها ضمن النطاق الأحمر، و عند مقارنتها، كان الفارق بينها خافتًا إلى حدٍّ بعيد.
انحنت ليلييتا برأسها عميقًا، و كأنّها تأثّرت.
نعم، لا يمكننا أن نجعل الآنسة ليلِييتا تذرف الدّموع.
إنّها الحقيقيّة، و يجب أن تصبح هي مرشدة جلالة الإمبراطور!
و بينما كانت موجةٌ من الجنون غير المفهوم تنتشر، تقدّم شخصٌ ما إلى الأمام.
شخصٌ كان مدفونًا تقريبًا وسط الحشد، إنّه الكاردينال هانويل.
“جلالة الإمبراطور، هل تأذن لي أن أتفوّه بكلمة؟”
تلألأت عيون النّاس.
نعم، إن كان الكاردينال هانويل!
فبالمقارنة مع الكاردينال سيروين، الذي لم يظهر له أثرٌ حتّى هذه اللّحظة، بدا هانويل، الذي نشر التعاليم مع الكهنة و ساعد النّاس و أنقذهم، أكثر جدارةً بالثّقة.
شخصٌ كهذا، لا بدّ أنّه قادر على مساعدة الآنسة ليلييتا المظلومة.
وسط تلك النّظرات المتوسّلة، نظر هانويل مباشرةً إلى الإمبراطور.
****
يا للسُّخرية، حقًّا.
كان ينبغي أن أراقب المشهد و أنا أتناول الفشار، لكنّ هذا ما كان يُؤسِفني حقًّا.
حدّقتُ في ليلييتا، التي كانت تعصر الدّموع و تُمثّل دور المرأة البائسة، ثمّ في هانويل الذي تقدّم و كأنّه كان ينتظر هذه اللّحظة، حاملًا ثقة النّاس على كتفيه.
‘إذًا هما في صفٍّ واحد.’
لو خرج كايسيس هنا وقال صراحةً إنّه لن يأخذ برأي أحد، لكان ذلك تصرّفًا أحمق.
توجّهت عيناه الزّرقاوان نحوي مرّة، ثمّ إلى هانويل.
“الكاردينال هانويل.”
“نعم، جلالة الإمبراطور.”
وضع كايسيس يده على ذقنه، و جذب أحد جانبي شفتيه بتعالٍ، و كأنّه يقول: لِنسمع ما لديك.
إن أردنا قولها بكلمات لطيفة، فهو مظهرٌ متغطرس، وإن أردنا الصّراحة، فشخصيّته تبدو سيّئةً حقًّا.
ربّما شعر النّاس بذلك، إذ رأيتُ مَنٔ كانوا يُحدّقون في ليلييتا بجنون يتراجعون مرتعشين.
‘أنتم! عودوا إلى رشدكم.’
يبدو أنّ ليلييتا، بخلاف حياتها السّابقة، تمتلك حقًّا مهارة قادرة على كسب ودّ الآخرين بسهولة.
هل هذه قوّة البطلة المُشرِقة؟
شعرتُ بالظُّلم.
‘معاملة الشّخصيّات الثانويّة قاسيةٌ جدًّا.’
فبينما كانت ليلييتا تكسب القلوب بقليلٍ من الدّموع، كنتُ أنا، يكفي أن أحدّق بنظرةٍ واحدة، فيتجمّد الطّرف الآخر كالجليد.
و بينما أُطلِق زفرةً عميقة، كان الحوار قد بدأ.
“إذًا، ما رأيك؟”
“أعلم أنّ احتمال أن يجد مُستيقظ واحد ثلاثة مرشدات يُسجّلون هذه القيم المرتفعة أمرٌ نادر.”
“هذا صحيح.”
كان الجميع يعلم أنّ الإمبراطور كان يملك أصلًا ثلاثة مرشدات، لكنّ أيًا منهم لم يكن تكن مرشدته الحقيقيّة.
رأيتُ إيزوليت تقبض على قبضتها و هي تعضّ شفتها.
“ولهذا، يمكن إبقاء هؤلاء الثّلاثة إلى جوار جلالة الإمبراطور.”
نظر هانويل في اتّجاهنا.
و بالتّحديد، نحوي.
وفي اللّحظة التي كادت فيها تلك النّظرة الخفيّة، و كأنّها تعرف شيئًا، تُثير اشمئزازي، أدار رأسه من جديد نحو الإمبراطور وقال:
“لكنّي أرى أنّ ذلك يختلف عن مقصد جلالتك. فأنتَ لا تبحث فقط عن مرشدة ذات قدرة فائقة، بل عن المرشدة الحقيقيّة التي التقيتها، عن الرفيقة.”
ارتسمت على شفتي كايسيس ابتسامةٌ أعمق، كأنّه مستمتع.
لكنّها لم تكن ودودة.
“أفلا يكون من المهمّ، إذًا، تحديد أيّ هذين الاثنين هي الشّريكة التي تبحث عنها؟”
قال الكاردينال اللّطيف، و كأنّ الأمر بديهيّ، مستبعدًا إحدى الثّلاثة.
“أليس كذلك، يا جلالة الإمبراطور؟ فاحتمال أن تكون الآنسة إيزوليت، التي كانت مرشدتكَ سابقًا، هي الشّريكة التي تبحث عنه بإلحاح، ضئيلٌ للغاية.”
و مع انتهاء كلمات هانويل، مسحت ليلييتا دموعها.
فتحت عينيها بوضوح، كمَـنْ عقد العزم أمام أنظار الجميع.
“المرشدة التي كنتَ تبحث عنها هي أنا، ليلييتا رادايك. هذه حقيقةٌ لا يستطيع أحدٌ إنكارها. صحيح أنّ شخصًا ذا نسبة توافق أعلى منّي قد ظهر….”
جالت عينا المرأة المُبتلّتان بالرّطوبة في الأرجاء.
وضعت يدها على صدرها، و همست بصوتٍ مليءٍ بالاستعطاف.
“جلالتكَ تعلم. لقد أثبتُّ نفسي بالفعل. أخبرتكَ بذكريات ذلك الوقت الذي لا يعرفه أحد، و أثبت أنّني أنا مَنٔ تبحث عنها….”
تعالت الهمهمات أكثر.
إن بقيتُ صامتةً هكذا، فسيُصنَع جوٌّ يُجبرني على التراجع بهدوء، لأنّ الشّريكة التي يبحث عنها الإمبراطور هو تلك المرأة، مهما كانت قدرتي عالية.
كأنّ الإصرار أكثر سيجعلني مجرمةً في أعين العالم.
عندها، دوى صوت النّظام الصّامت سابقًا، وظهرت نافذة المهمّة السّابقة من جديد.
[لا تنسي المهمّة الطّارئة.
أنتِ في قلب المهمّة الرّئيسيّة.
اكشفي كذب مَنٔ يحاول سلب مكانكِ، ومع الحفاظ على وضعكِ الحاليّ، نالي الاعتراف بكِ كمُرشدة للإمبراطور.]
و لأمنع ليلييتا من مواصلة كلامها، رفعتُ يدي عاليًا.
“جلالة الإمبراطور.”
التفت كايسيس، الذي كان يُراقب الموقف بحذر، نحوي.
و قلتُ بثبات:
“ليلييتا… تلك السّيّدة تكذب الآن.”
انحنت عيناه الزّرقاوان بابتسامةٍ واضحة، كأنّه كان ينتظر هذه اللّحظة.
“ادّعاءٌ مثير. و على أيّ أساسٍ تقولين ذلك؟”
رفعتُ ذقني، و قلتُ أمام الحشود التي كانت تنظر إليّ بنظراتٍ عدائيّة، وكأنّني أهاجم ليلييتا:
“لأنّ المرشدة التي يبحث عنها جلالتكَ هي أنا.”
و أخيرًا، و تحت الاسم المستعار هيل، تمكّنتُ من الكلام.
التعليقات لهذا الفصل " 146"