أدرتُ رأسي.
اتجهت أنظار الجميع هذه المرّة نحو ليلييتا، التي تمتلك مؤهلات الاختبار الثاني.
ربّما ظهرت طبيعتها الحقيقية دون قصد منها حين كانت تسخر من خصمها، لكنها الآن كانت ترتدي ابتسامة رقيقة و جميلة و كأن شيئًا لم يكن.
“لقد جاء دوري الآن.”
يجب أن تظهر نتيجة بلون أحمر أدكن من اللون الباهت الذي حققته إيزوليت لكي يتم الاعتراف بها كمرشدة للإمبراطور.
ضيّقتُ عينيّ.
‘إنها مفرطة في الثقة.’
بالمقابل، كان تعبير إيزوليت متزعزعًا و كأنها تعرف ما سيحدث لاحقًا.
بدأ وجهها يشحب تدريجيًا مثل شخص بالكاد يتمسك بالوقوف.
‘هل هي الآثار الجانبية للعقار؟’
بينما كنتُ أراقب إيزوليت، تذكرتُ الحوار الذي دار بيني و بين أناييل في الليلة الأولى التي استقبلتها فيها كضيفة.
‘سمو الدوقة، أشكركِ من أعماق قلبي لتقبلكِ لي. سأكون شاهدة على هذا الأمر وأبذل قصارى جهدي. ولكن بالمقابل……’
‘هل تضعين شروطًا؟’
‘أعلم أنني وقحة. ولكن يا صاحبة السموّ، أرجوكِ، أنقذي حياة أختي إيزوليت فقط.’
‘لماذا؟ يبدو أنها لا تبالي بكِ على الإطلاق.’
ابتسمت أناييل بمرارة، ثم شبكت يديها و ناشدتني بعينين تلمعان بصدق.
‘في البداية كان الأمر ضغطًا من العائلة. لقد شربت ذلك العقار بدلاً مني ومن أختي ليان…… في الحقيقة، هي إنسانة طيبة. لذا أرجوكِ، امنحيها فرصة.’
‘أناييل. قد يكون هذا أمرًا يجب على إيزوليت اختياره بنفسها. إذا كانت قد أدمنت العقار لدرجة لا يمكن الرجوع عنها، فلا يمكن حل الأمر.’
بينما كنتُ غارقة في هذه الأفكار و أنا أنظر لملامح إيزوليت القلقة، اندلع الضوء من الكرة الكريستالية مرة أخرى.
رمشتُ بعينيّ و نظرت، فرأيت ليلييتا تضع يدها على الكرة و تبتسم بثقة.
بدأ لون الضوء يتغير تدريجيًا.
و في النهاية، اصطبغ باللون الأحمر.
“واه……”
تعالت أصوات إعجاب الناس. الضوء الذي يشير إلى نسبة التوافق مع الإمبراطور كان بالتأكيد أكثر حمرة من ضوء إيزوليت.
بسبب ذلك الفرق الواضح، سخر الناس من عائلة المرشدات.
كانت الهمسات تقول إنهم تقدموا فقط ليتعرضوا لمثل هذا الإحراج.
مسح أردييل عرقه وهو يراقب الكرة بصمت ثم قال.
“الآنسة ليلييتا رادايك، لقد نجحتِ. قيمة نسبة التوافق هي…… كما ترون، لون أحمر أدكن و أعلى من الآنسة إيزوليت.”
“آه.”
ترنحت إيزوليت و كأنها صُدمت بالفعل، بينما رفعت ليلييتا يدها عن الكرة الكريستالية بتعبير خجول و تفحصت مَنْ حولها.
“شكرًا لكم جميعًا. كما قلتُ لكم، أنا هي المرشدة التي يبحث عنها جلالة الإمبراطور. لا أشعر تجاه الآنسة إيزوليت إلا بالأسف.”
وجنتان محمرتان، و ابتسامة راقية، حتى نظراتها كانت حنونة.
ربما في هذه اللحظة، كان الناس يفكرون بأن هذه المرأة هي حقًا المرشدة التي كان يبحث عنها الإمبراطور.
أخيرًا، تلاقت نظراتي مع ليلييتا.
كانت نظرتها تخترقني كالسهم.
‘ذلك التعبير المتغطرس.’
رغم أنها كانت لمحة خاطفة، إلا أنها كانت تقوم بازدرائي علنًا.
استطعتُ تمييز ذلك.
‘حثالة مثلكِ.’
أجل، في الماضي أيضًا كانت تتظاهر باللطف ثم تنظر إليّ بهذا الشكل بين الحين و الآخر بآحتقار.
‘أجل، بما أنكِ رأيتِ هذا الوجه، فلا بد أنكِ تعرفين مَنْ أنا.’
ربّما بدا الأمر سهلاً لها.
سواء كان الأمر حقيقيًا أم لا، كانت تعتقد أنها ستفوز.
‘ربما تظن أنها تستطيع تهديدي. و تظن أنها قادرة على جعلي أتراجع كما كنتُ أفعل في الماضي.’
لكن تهاون ليلييتا هذا سيكون فرصة ذهبية بالنسبة لي.
غير أن هناك شيئًا واحدًا يقلقني وهو قدرة ليلييتا.
‘اللون أدكن مما توقعت.’
في تلك اللحظة، رنّ تنبيه النظام و كأنه يهدئ مخاوفي و قلقي.
[ليلييتا رادايك.
نجح الكيان الملطخ بالظلام في تلويث أداة الساحر أردييل السحرية إلى منتصفها.
لكن لا تقلقي.
أنـتِ هي ‘الحقيقية’!]
‘بالطبع.’
زممتُ شفتي بهدوء.
في تلك اللحظة، شعرتُ بعدة نظرات تخترقني.
لم أشعر بالقلق أبدًا.
لو كان هذا في الماضي، لربما انكمشتُ أمام عينيّ هذه المرأة.
لأنني بالنسبة لها كنتُ مجرد ناقصة.
حشرة عديمة الفائدة، مغفلة.
مرشدة لا يرحب بها أي الإسبر.
تقدمتُ إلى الأمام.
تلاقت عيناي مباشرة مع ليلييتا التي كانت لا تزال واقفة بتباهٍ أمام الكرة الكريستالية.
“……”
“مرحبًا؟ قيل إن اسمكِ هيل، أليس كذلك؟”
كانت نظرتها استكشافية، نظرة تظن أنني لن أتمكن من التعرف على هويتها الحقيقية.
“أنا قلقة عليكِ. القدرة مهمة، لكن في النهاية، أليس المهم هو مَنٔ يكون الشخص الذي يبحث عنه جلالته؟”
كان كلامها الذي خرج و كأنها تخاف عليّ مثيرًا للسخرية، لكنني سألتُ متظاهرة بأنني لم ألحظ شيئًا.
“آها. هل تقصدين أن ذلك الشخص هو أنـتِ؟”
بالتأكيد، كانت هذه المرأة موهوبة في إخفاء نواياها السوداء.
ابتسمت ليلييتا وهي تزيح شعرها للخلف مع حمرة خجل على وجنتيها و كأنها سعيدة و محرجة للغاية.
“نعم. إنها أنا.”
هذا المستوى من الوقاحة ليس عاديًا.
ضيّقتُ عينيّ و أنا أشعر بتمام التعاطف مع ضيق حورية البحر في الحكايات.
ربما ظنت ليلييتا شيئًا ما بشأن صمتي، فهمست مرة أخرى بابتسامة واثقة.
“أنا أقول هذا من أجلكِ. انظري إلى الآنسة إيزوليت هناك. إنها تتعرض لانتقادات لا داعي لها.”
بالفعل، كانت وجوه أفراد عائلة المرشدات محتقنة، بينما كانت إيزوليت تطأطئ رأسها.
“حتى لو تراجعتِ الآن، فلن يلومكِ أحد. بما أن النتيجة ظهرت بوضوح، فلا داعي لتعقيد الأمور.”
كان صوت ليلييتا وهي تهمس بابتسامة رقيقة منخفضًا بحيث لا يسمعه أحد غيري.
و مع ذلك، لا بد أن بعض “المستيقظين” ذوي الحواس المتطورة قد سمعوا هذا الحوار جيدًا.
بما في ذلك المستيقظ الاقوى ، ذو العينين الزرقاوين الذي يراقب هذا الموقف من بعيد.
ضحكتُ بخفة.
“لا.”
تصلب وجه المرأة الذي كان لطيفًا منذ قليل.
“أنا أنوي إكمال المقارنة حتى النهاية.”
“لحظة……”
“هل يمكنكِ التنحي جانبًا؟ أنتِ تعيقينني.”
“……!”
مددتُ يدي و أمسكتُ بكتف ليلييتا التي كانت تسد طريقي ثم دفعتها.
ظهرت ملامح الكبرياء الجريح على وجه المرأة التي تراجعت و هي تترنح.
‘كيف تجرؤ حثالة مثلكِ على عدم سماع كلامي؟’
كان تعبيرها يقول ذلك تمامًا.
قبل أن أضع يدي على الكرة بعد دفع المرأة، رفعتُ رأسي و نظرت مباشرة إلى الرجل الذي كان ينظر إليّ من الأعلى.
‘كايسيس.’
أتساءل إن كنتُ الوحيدة التي لاحظت أن هاتين العينين الزرقاوين تبدوان لطيفين نوعًا ما.
‘سأفعل ما يحلو لي من الآن فصاعدًا.’
ذلك الرجل الذكي لا بد أنه أدرك الآن تمامًا ذلك الإعلان الذي أخبرته فيه أنني لا أنوي الاختباء.
بينما يتذكر الحوار الذي دار بيننا ليلاً و يتساءل عن هويتي أكون بهذا المظهر.
تمتمتُ في داخلي.
شعرتُ بطريقة ما بالراحة و الرغبة في الضحك.
الآن، لم أكن بحاجة للتمثيل أو التظاهر بالانزعاج.
كنتُ أشعر بحرية و راحة لا مثيل لهما.
يومًا ما، سأنتهي من المهمة الأخيرة بسلام و أستقبل يومًا كهذا.
سحبتُ طرف فمي بابتسامة عريضة، و تلاقت نظراتي مرة واحدة مع سيروين الذي كان يتخذ مظهر الدّوقة آرييل البارد.
ثم أخيرًا، تحققتُ من الرجل الذي ظهر بين النبلاء منذ وقت غير معروف.
‘هانويل.’
رأيتُ نظراته تستقر عليّ، ثم على ليلييتا التي تراجعت.
في تلك اللحظة، برد ما في داخلي.
‘لقد ظهرتَ الآن كما توقعت.’
كان غضبي يشبه الجليد.
لا يهمني أي خدعة استعملها.
‘في هذه الحياة.’
لن أسمح للآخرين بالتحكم بي أبدًا.
قال كايسيس إنه لم يختلط عليه الأمر و لو لمرة واحدة.
صدقتُ تلك الكلمات.
رابطنا لم يكن شيئًا يمكن لأحد أن يسرقه.
‘أليس كذلك، يا جلالة الإمبراطور؟’
بعد أن أخذتُ نفسًا عميقًا، وضعتُ يدي ببطء فوق الكرة الكريستالية.
‘انظر جيدًا يا كايسيس. إنها أنا، و ليست تلك المرأة.’
شعرتُ بتلك العيون الزرقاء القوية و كأنها تبتلعني كما لو كانت أمامي مباشرة.
‘أنا مَـنٔ أنقذتـكَ، و عالجتـكَ، و اعتنيتُ بـكَ. لقد تحدثنا كثيرًا، و كنّا عزاءً لبعضنا البعض. تلك الذكريات هي ملكي و ملككَ……’
لامس ملمس الكرة البارد راحة يدي. ثم بدأت قوتي تنتشر ببطء. القوة المألوفة التي كنتُ أصبّها في كل مرة أهدئ فيها شخصًا ما.
‘أنا هي مرشدتكَ.’
بدأ لون الكرة يتغير.
ازدادت أصوات إعجاب الناس الذين يراقبون بحبس أنفاسهم، و أصبح الجو مضطربًا.
أنفاس شخص مرتبك، اهتمام يزداد عمقًا، و أخيرًا.
لون أحمر داكن.
من بين التغييرات الثلاثة، كان لوني هو الأدكن بلا شك.
رغم أن الفرق كان ضئيلاً، إلا أنه كان بالتأكيد اللون الأحمر الأكثر كثافة.
‘حسنًا.’
فكرتُ و أنا أنظر إلى ليلييتا التي تسمّرت في مكانها.
‘ماذا ستفعلين الآن؟’
التعليقات لهذا الفصل " 145"