أغمضتُ عينيّ بإحكام محاوِلةً التهرّب ولو قليلًا، لكنّ كايسيس كان، على غير العادة، أكثر جرأة اليوم و اقترب منّي أكثر.
“لا تتجنّبيني.”
كان قريبًا جدًّا الآن، على بُعد أنفاس، كأنّ أنفاسنا ستختلط في أيّ لحظة.
كان قلبي يخفق بسرعة جنونيّة.
يجب أن أُجري التوجيه، يجب أن أُوجّه الطاقة.
لكنّ رأسي كان مشوّشًا، فتقطّع تدفّق الطاقة مرّةً بعد أخرى.
“انظري إلي، مرّةً بعد مرّة، ثمّ فكّري.”
و عندما شددتُ أطراف أصابعي ببطء، وضع شفتيه عليها برفق.
“لأنّـكِ لا تأتينَ إن لم أفعل ذلك.”
في اللحظة التي لامست فيها شفتيه الحمراوان أصابعي بلين، سرت قشعريرة على طول عمودي الفقريّ.
و السبب أنّ الرجل الذي انحنى نحوي عضّ طرف إصبعي دون أيّ تردّد.
‘هل هو كلب؟ لقد قام بعضّي!’
و بينما كنتُ أفتح عينيّ على اتّساعهما من شدّة المفاجأة، رأيتُه يضحك بخفّة، كما لو كان راضيًا تمامًا عن ارتجاف جسدي.
“أنـتِ ساذجة فعلًا.”
قالها و هو يضحك بصوتٍ منخفض كنسمة، ثمّ همس بعينين نصف مغمضتين.
“كيف خطر ببالكِ أنّني قد أخلط بينكِ و بين تلك المرأة؟”
كانت عيناه الزرقاوان الحادّتان، اللتان تخترقان مَنٔ أمامه عادةً، جميلتين.
“لم أخطئ يومًا.”
لكنّ تلك النظرة التي لا يُريها إلّا لي في عمق الليل، أنا…
“و لا مرّة واحدة.”
أنزل شفتيه بلطف على طرف إصبعي الذي تُركت فيه آثار أسنانه، كأنّه يهدّئه.
و تبـع ذلك قُبلة ناعمة.
و في اللّحظة التي تلاقت فيها نظراتنا.
“أنـتِ مختلفة تمامًا.”
اقترب كايسيس منّي.
و انساب نَفَسه فجأةً على بشرتي.
“لم أخطئ بينكما أبدًا.”
ثمّ قبّلنـي.
لمسة دافئة، ناعمة.
‘آه.’
تجمّدتُ في مكاني، بدون أن أستطيع فعل شيء، أمام تلك الحركة الهادئة اللطيفة.
و مع لمسة يده التي مسحت خدّي كأنّها تطمئنني بأنّ كلّ شيء بخير، بدأ جسدي المتصلّب يسترخي ببطء.
كانت مجرّد قُبلة.
لم يكن توجيهًا.
كلانا كنّا نعلم، أنّ طاقة التوجيه منقطعة الآن، و مع ذلك ركّزنا فقط على تبادل الأنفاس.
خفض رأسه قليلًا، و مرّ صوت ضحكته الناعمة بين شفاهنا.
حدّقتُ فيه شاردةً، في عينيه المنحنيتين بسعادة.
“لذا، لا تغضبي.”
ما خطبكَ؟
“لن أتلقّى قوّةً من غيركِ بعد الآن.”
لماذا أنـتَ…
“و هذا يعني هذا أنّ عليكِ أن تأتي في كلّ مرّة لإنقاذي. هل فهمتِ؟”
لو قالها بهذه الطريقة المثيرة للقلق، فحتّى الغضب الموجود سيذوب بلا أثر.
“باعتدال، رجاءً.”
“لا يوجد اعتدال. يجب أن تأتي.”
“…….”
تنهدتُ.
و حين نهضتُ و أنا ألمس شفتيّ، كأنّ الدفء لا يزال عالقًا بهما، رفع رأسه بلطف ليمنحني مساحة
.
“…….”
“…….”
هذا مُحرج لدرجة قاتلة.
ألا يجدر بي أن أُنهي التوجيه بسرعة، أُكمل المهمّة، ثمّ أهرب؟
“لقد فعلنا ما هو أكثر من هذا، فلماذا تشعرين بالخجل؟ أم نعيدها مرّةً أخرى حتّى تعتادي؟”
مدّ يده إلى شفتي السفلى، و مسحها بإبهامه بلطف، فحدّقتُ فيه بحدّة.
هل هذا يُقارَن بذلك؟
التوجيه، على الأقلّ، توجيه، أمّا هذا فمجرّد تقبيل!
‘يجب أن أُخفّض المستوى أوّلًا.’
اندفع الضيق فجأةً، فأمسكتُ باليد الملامسة لشفتي و شددتُها بقوّة.
ثمّ دفعتُ طاقة التوجيه إليه بعنف، كما لو كنتُ أُقحمها إقحامًا.
و بينما كنتُ أراقب الأرقام في نافذة النظام وهي تنخفض بسرعة، ارتجف الرجل أمامي قليلًا.
“لِـمَ، لِـمَ تضحك؟”
لقد كان يضحك.
صحيح أنّه يضحك كثيرًا أمامي مقارنةً بغيري، لكنّ هذا كان، بالنّسبة إليه، ضحكًا صاخبًا.
“لا تضحك!”
و بينما كنتُ أكاد أموت من شدّة الحرارة، انحنى نحوي و هو يضحك حتّى ارتجفت كتفاه.
هذه المرّة كانت على كتفيّ.
ضغط خدّه عليهما برفق، مثبتًا انتباهي، و قال.
“لن أنخدع بالمزيّفة. لكن أنـتِ أيضًا، عديني.”
ولِـمَ عليّ أن أعده أصلًا؟
“بِـمَ….”
لكنّ الأمر كان غريبًا حقًّا.
لماذا بـدا هذا الحوار مألوفًا بعض الشيء…؟
“لا تتركي أثرًا لغيركِ عليكِ. عديني بوضوح. لا تدعي أحدًا يلمسكِ.”
هذا الشعور بالوخز، و ارتفاع الحرارة، لقد عشتُه من قبل، بالتأكيد. بكل تأكيد.
“هذا يكفيني في الوقت الحالي.”
ابتسم بخفّة، ثمّ عاد هذا الرجل الماكر يُلقي بإغوائه من جديد.
شدّ يدي، و رفع رأسه محاولًا ابتلاع شفتيّ مرّةً أخرى.
لكنّ دفاعي كان أسرع هذه المرّة.
أوقفتُه بيدي بقوّة، فشعرتُ بشفتيه المصدودتين ترسمان قوسًا هادئًا على راحة كفّي.
كان صدري يحكّني.
هل سيبقى هذا الودّ، و هذا الاهتمام، و هذه الحرارة، حتّى لو عرف مَنٔ أكون حقًّا؟
ألن يشعر بالخيانة؟
و لماذا لم أعد خائفة كما كنتُ من قبل؟
كان الشوق يتضخّم، يكبر شيئًا فشيئًا، كأنّه سينفجر.
‘أريد أن أقول.’
ارتجفت شفتي.
كنتُ أريد حقًّا أن أخبره الآن، مَنٔ أكون حقّا.
في البداية، كان هدفي فقط النجاة و الوصول إلى نهاية سعيدة في رواية هي جحيم لكلّ مَنٔ ليس البطلة و البطل.
لكن في لحظةٍ ما، تغيّر ذلك.
أمنيتي.
أن أستقبل يومًا جديدًا معـكَ، حتّى بعد أن تعرف كلّ شيء.
حتّى لو كانت حياة عاديّة، لا بأس.
فقط، أن نبقى جميعًا على قيد الحياة.
و عندما تعمّقت نظراتنا.
─دينغ!
سمعتُ صوتًا يوقظني.
[تحذير!
انتبهي!
أنتِ لا تزالين غير مستقرّة.
حتّى اكتمال شظيّة ????، يُمنَع عليكِ الإفصاح عن هويّتكِ عبر فمكِ!]
نعم، أعلم.
‘ما زلتُ أقف على جليدٍ رقيق.’
ابتلعتُ أمنيتي الملحّة، و مددتُ يدي بحذر أُمرّرها على شعر كايسيس.
شعر فضّي ناعم و ملمس أملس.
في حياتي السابقة، كان بعض المستيقظين تتغيّر ألوان شعرهم أو أعينهم، لكن لم يكن هناك لون بهذا الجمال.
“حسنًا. لن ألمس أحدًا آخر بهذه الطريقة.”
“بهذه الطريقة؟”
ابتسم، و أمال رأسه، ثمّ رأيته ينقر شفتيه بخفّة، فاستشاط غضبي و ضربتُ كتفه.
و لسببٍ ما، خُيّل إليّ أنّني أرى سيروين يصرخ في مكانٍ ما، لكن لا بأس.
التوجيه يمكن أن يتمّ كما في المرّة السابقة، بالإمساك بالجبهة مثلًا.
“لكن يا جلالة الإمبراطور.”
“نعم.”
لا بدّ من هذا القدر على الأقلّ.
“لقد قلتَ إنّه رهان.”
“صحيح. سأعثر عليكِ.”
ابتسمتُ بهدوء.
فلستَ أنتَ وحدكَ مَنٔ يملك مهارة المناورة.
مددتُ يدي، أمسكتُ بياقته، وجذبته نحوي.
اتّسعت عيناه قليلًا، وكان ذلك لطيفًا.
آه، يقولون إنّها مصيبة حين يبدأ رجل بالغ في الظهور بمظهرٍ لطيف.
“من الآن فصاعدًا، سأفعل ما يحلو لي.”
لن أبقى مختبئة بعد الآن.
بما أنّ أردييل أنهى اللمسات الأخيرة على الأداة السحرية، سيبدأ قريبًا أمر التحقق من مرشدة الإمبراطور.
“لذا، لا تُفاجأ كثيرًا.”
وفي اللحظة التي مدّ فيها كايسيس يده بارتباك، غير فاهمٍ كلامي.
استقرّ المؤشّر في التوقيت المثاليّ.
[اكتملت المهمّة!
تمّ تثبيت المؤشّرات.
تمّ استلام مكافأة المهمّة.
مستوى إعجاب الطرف بكِ بلغ الحد الأعلى، ولا يمكن زيادته أكثر…
العودة!]
غمر البياض بصري.
****
و هو ينظر إلى المرأة التي تلاشت كالضباب، رفع كايسيس يده ليغطي فمه، و ضحك بهدوء.
لا يعلم ما الذي تنوي فعله، لكنّها تحاول التدخّل بطريقةٍ لم تخطر له على بال.
و كان ذلك كافيًا.
سرقة لحظةٍ من الذكريات التي لا تتذكّرها هيلاريا، و انتزاع وعدٍ الآن، كان كافيًا ليُرضيه.
و قبلةٌ بلا توجيه.
ذلك الإحساس.
و تلك اللمسة.
‘لم تدفعني بعيدًا.’
و هذا وحده كان كافيًا.
بل أكثر من كافٍ.
****
كان السحرة يحدّقون بنظراتٍ مريبة، و كذلك الفرسان المستيقظون.
‘اللعنة.’
لم يكن هناك ما يُفعل.
فبعدما فعلتُ ما فعلتُ الليلة الماضية، ركلت الغطاء خجلًا حتى وقت متأخر.
‘كيف لي أن أرفع رأسي أصلًا؟’
و ما زاد الأمر جنونًا أنّ كايسيس، على عكس محاولاتي المستميتة لتجنّبه، كان يحدّق بي اليوم بإلحاح و هو يبتسم.
“دوقة.”
انتهى الاجتماع وسط أجواءٍ متوتّرة، و خرج السحرة دفعةً واحدة.
و بعد أن خرج الفارس كايل أخيرًا، و هو ينظر إليّ بوجهٍ غير مرتاح، لم يبقَ في القاعة سواي أنا و الإمبراطور.
تماسكِ.
تنفّستُ بعمق، ثمّ رفعتُ نظري إليه.
“لم أُلقِ عليكِ التحيّة.”
كان قد اقترب منّي كثيرًا دون أن أشعر.
“بفضلكِ، عدتُ سالمًا.”
ابتسم و هو يهزّ قلادة حجر العودة التي لا تفارق عنقه.
“هيلاريا، بفضلكِ.”
التعليقات لهذا الفصل " 141"