“لا تجعلني أضحك!”
شهقت ليلييتا بعينين تقدحان شرًّا.
لم تستطع أن تفهم الأمر حتّى الآن.
إن كانت هي البطلة، فلماذا للإمبراطور شريكةٌ حقيقيّةٌ أخرى؟
تصاعد الشكّ في النّظام، لكنّها كانت في وضعٍ لا يسمح لها حتّى بالتمرّد، إذ إنّ حياتها كانت مرهونةً به.
قبل موتها، كان جميع الإيسبر من حولها يتوسّلون إليها لتمنحهم الإرشاد، و لم تُعامل يومًا بهذه الطريقة المهينة!
لكنّها ماتت بذلك الحظّ السيّئ…
‘كفى، لا يهمّني شيء.’
ما دام الأمر قد وصل إلى هنا، فعليها أن تسهر اللّيل كلّه إن لزم الأمر لتعرف مَنٔ هي مرشدة الإمبراطور الحقيقيّة.
كانت منزعجة، لكن قد تكون هذه فرصةً جيّدة على العكس.
و في تلك اللّحظة.
[تحذير!
الحاكم المزيف……
تدخّل…….]
“ماذا؟”
بدأ النّظام يصرّ كجهازٍ إلكترونيٍّ أصابته صاعقة.
وفي تلك اللّحظة نفسها، شعرت ليلييتا بألمٍ لا يُحتمل، و صرخت بلا صوت.
‘آآه!’
كان مؤلمًا. مؤلمًا جدًّا!
ما هذا؟
مَنٔ الذي فعل بي هذا؟
‘آه…….’
بدأ السّواد يومض أمام عينيها، ثمّ انقطع كلّ شيء فجأة، كأنّ التيّار قد فُصل.
حلّ ظلامٌ دامسٌ كامل.
سقطت ليلييتا أرضًا بلا حراك، كأنّها قطعةُ خشب.
و بعد قليل.
“لا أعرف لماذا سقطت هذه المرأة، لكن…”
ظهر رجلٌ و على وجهه تعابير توضّح ضيقه الشديد.
إنّه الذّراع الأيسر للإمبراطور، مستيقظٌ يستخدم قدرة الرّياح.
الفارس، كايل.
‘كما قال جلالته، أشعر و كأنّ رأسي مشوّش و ذكرياتي تتلاشى. هل كانت الحقيقيّة تأتي دائمًا بهذه الطّريقة لتعتني بجلالته؟’
إن كان الأمر كذلك، فلماذا على تلك المرشدة الحقيقيّة أن تستخدم هذه الوسيلة؟
لماذا لا تظهر بثقة و تصبح شريكة الإمبراطور علنًا؟
و إن كان جلالته يشتبه في شخصٍ ما، أفلن يكون الهدف الوحيد الذي يعامله مؤخرًا بمودّةٍ مقصودة هو شخصٌ واحد فقط؟
‘آه! في ماذا أفكّر!’
أوقف كايل سلسلة أفكاره عند هذا الحدّ، قبل أن يصل إلى حقيقةٍ لا يريد معرفتها.
“على أيّ حال، تـمّ تنفيذ الأمر.”
كان الإمبراطور قد أصدر أوامره هذه اللّيلة بإخلاء محيط غرفة نومه تمامًا عند حدوث أيّ تغيير، حتّى لا يبقى فأرٌ واحد.
و المرأة الشاحبة السّاقطة أمامه كانت ذلك الفأر.
حملها كايل بهدوء على كتفه، متّجهًا لإعادتها إلى غرفة النّوم التي كانت فيها.
أمرٌ واحدٌ بات واضحًا اليوم.
هذه المرأة التي تزعم أنّها مرشدة الإمبراطور كانت حقًّا مزيفة.
و أنّ الإمبراطور كان يعلم ذلك كلّه و مع ذلك يغضّ الطّرف عن ذلك.
وأنّ مَنٔ دخل غرفة النّوم الآن هو المرشدة الحقيقيّة.
‘جلالتكَ، ما الذي تفكّر فيه حقًّا؟’
أطلق الفارس المتعب تنهيدةً ثقيلة.
كان يشعر بخوفٍ غريزيٍّ مؤكّد بأنّ أحداثًا صادمةً و مرعبة على وشك الوقوع.
****
كنتُ على وشك أن أجن بسبب شعوري بالقلق بعد أن أرسلتُ لوياس بكلّ الاحتياطات و التّوصيات.
وفي تلك اللّحظة، امتلأ بصري بنافذة النّظام التي لم أرها منذ زمن.
[ظهرت مهمّة!
قيمة توجيه الإمبراطور، كايسيس، غير مستقرّة.
انتقلي فورًا إلى الإمبراطور و قومي بتوجيهه.
لكن نظرًا لحدوث تغيّرٍ في المهارة، ستُضاف طريقة استخدامٍ خاصّة.
سيتمّ تشويش إدراك المحيط كما في السّابق، بحيث لا يتعرّف عليكِ أحد.
المهارة: هل تستخدمين “القناع” للانتقال إلى الإمبراطور؟
عند نجاح المهمّة: ارتفاع مستوى الودّ
عند فشل المهمّة: ارتفاع مستوى القلق]
رمشتُ بعينيّ ظنًّا أنّني رأيتُ خطأً، لكنّ النّظام لم يتغيّر.
إن لم أذهب، سيرتفع القلق؟ ما هذا؟ هل يتحدّث عن مزاج الإمبراطور؟
“سأذهب، لا بدّ من ذلك، لكن….”
في الحقيقة، كنتُ أراقب منذ فترة نافذة الخطر لشخصٍ ما، و هي تومض باللّون البرتقاليّ.
“همف.”
قيمةٌ لا تنخفض أبدًا.
“هل تظنّ أنّني سأذهب طوعًا الآن؟”
قد تكون تلك القيمة عذابًا لا يُحتمل بالنّسبة لشخصٍ ما، لكن……
‘هاها.’
خرجت منّي قهقهةٌ خفيفة.
كان الأمر محرجًا لأنّ مزاجي الكئيب كان يتحسّن قليلًا كلّما رأيتُ استقرار قيمته، لكنّني شعرتُ أنّ ذلك الرّجل الماكر يتعمّد مناداتي.
كأنّه يقول بأنه يعلم أنّ ليلييتا مزيفة، وإنّه لم يستخدم قدرتها، فتعالي إليّ.
مرّت لحظاتٌ قصيرة.
حدّقتُ في النّافذة ، ثمّ نفختُ شفتيّ.
‘و هل هناك خيار آخر؟ إنه يناديني بهذا الإلحاح.’
ما إن وافقت، حتّى لمع بصري.
و عندما أفقت، كنتُ في ممرٍّ مألوفٍ في القصر الإمبراطوريّ، و تحديدًا أمام غرفة نومه.
‘المكان هادئ. كأنّه أصدر أوامره مسبقًا.’
إذًا هو يعلم فعلًا أنّ ليلييتا ليست الحقيقيّة.
هل اكتشف ذلك هذه المرّة؟ أم كان يعلم منذ البداية؟
ابتسمتُ دون وعي، و كدتُ أفتح الباب مباشرة، ثمّ توقّفت.
‘همم؟ لماذا هذا البرد؟’
لم تكن القيم خطيرةً إلى هذا الحدّ، فلماذا أشعر بأنّ طاقةً خطرة تتدفّق من داخل الغرفة؟
شعرتُ بقشعريرةٍ في ظهري، فتردّدتُ و لم أفتح الباب.
و في تلكَ اللّحظة ،
صرير.
انفتح الباب.
كأنّ أحدهم كان ينتظر في الدّاخل، فُتح الباب و امتدّت يـد.
و تـمّ الإمساك بمعصمي.
“تأخّرتِ.”
يا أمّي! كاد قلبي يقفز من صدري.
ما هذا الوضع؟ لماذا خرج بنفسه؟
‘هاه! لا، جننتُ. أيّها النّظام!’
سواء فزعتُ أم لا، كان كايسيس قد شدّ معصمي بقوّة و نظر إليّ من بين فتحة الباب.
ابتسم ببطء و هو ينظر إليّ.
كانت تلكَ العينان الزّرقاوان المتألّقتان له بلا شكّ.
وكانت ابتسامته الجميلة مألوفة، لكن……
“أحرقتِ النّاس قلقًا ثمّ تأتين الآن، هكذا؟”
لماذا ينظر إليّ كأنّه ينظر إلى حبيبته التي خانته؟
لم أتمكّن من الاعتراض، إذ سُحب معصمي فجأة، و جُذبتُ إلى الدّاخل، ثمّ أُغلق الباب بقوّة.
****
لم أستطع تمييز تعابيرها بدقّة بسبب تلك القدرة الغامضة التي تُشوّش الإدراك.
‘كنتُ أعلم أنّها ستحدّق بتلك النّظرة.’
نظرة هيلاريا المحتارة، و كأنّها لا تفهم لماذا أتصرّف هكذا.
لكن ما العمل؟
كان الغضب يعصف به، فهي لا تذكر وعد تلك اللّيلة أصلًا، و لا تدرك حتّى أنّه يعرف هويّتها.
‘هذا جنون.’
لن تعلم المرأة الّتي أمامه كم رفع الخبر الأوّل الذي سمعه بعد عودته من قتل الوحوش ضغط دمه.
‘ضيفان في برج السّحر.’
و ليس واحد فقط ، بل اثنان.
كانت المرأة التي تنتمي لعائلة المرشدات تبدو ذات سبب خاصّ، لكن ذلك الكاردينال الوغد…
لا، لماذا وضعته في الغرفة المجاورة لها؟
تذكّر سيروين، الكاردينال ذو النّية الواضحة، فطغى عليه الألم حتّى نسي الألم الذي ذاقه بسببِ استخدام قدرته.
حاول كبح شعوره بالاشمئزاز و غيرته المتّقدة، و ابتسم ابتسامةً شرسة.
خشي أن تهرب مثل حيوان خائف يطوي ذيله، فكتم مشاعره في صدره و راح يتفحّصها وهو يمسك بها.
أوّلًا، معصمها.
تحقّق بدقّة من وجود آثار أو علامات بغيضة.
ثمّ مـرّ بسرعة على عنقها الأبيض الطّويل، الذي يشبه عنق غزال.
لحسن الحظّ، لم تكن هناك أيّ آثار تُفقده صوابه.
ذلك لم يُهدّئ قلبه، و مع ذلك……
“…….”
“…….”
أدرك كايسيس حينها فقط أنّها هادئة أكثر من اللازم.
و أدرك أيضًا أنّه تصرّف بطريقةٍ لا يمكن لهيلاريا أن تفهمها، و قد استسلم تمامًا لمشاعره و غضبه.
خفّ وهج الغيرة قليلًا.
كان رجلًا يعرف تمامًا متى يشدّ و متى يرخِي.
“لماذا. لماذا لا تقولين شيئًا؟”
شعر برضاٍ عميق لأنّها لم تسمح لأي أحد آخر بتلامسٍ حميم، و أمسك بيدها الباردة نوعًا ما.
“لماذا لم تأتِ؟”
كانت تقف بنظرةٍ باردة، لم تدفعه بعيدًا، لكنّها توحي بأنّها تنتظر لترى ما الّذي سيقوله.
“قولي أيّ شيء.”
بينما كان ينظر اليها، تخيّل وجهها الجميل المعروف لديه مع تلك العيون التي كانت تتلألأ بلونٍ ذهبيّ في كل ليلة.
“لا تعلمين كم انتظرتُـكِ.”
همس بتوسّلٍ حزين، و قد أدرك تمامًا أنّ مَنٔ أمامه هي هيلاريا.
رفع يده إلى خدّها و ألصقها بها، ناظرًا إليها.
“عندما ظهرت المزيفة، أنتِ لم تـأتِ. لا تقولي أنّـكِ….”
شعر بارتجافة في اليد التي أمسكها، فمرّر شفتيه برفق على أطراف أصابعها.
“عندما ظهرت مرشدة أخرى قادرة على العلاج….”
لم يكن يرى أمامه شيئًا، فقرّر استخدام هذا الوجه الذي تحبّه هي على وجه الخصوص.
“هل كنـتِ تفكّرين في التخلّي عنّي؟”
التعليقات لهذا الفصل " 139"