كان يتمنّى أن يكبر سريعًا و يصبح شخصًا نافعًا لأخيه جلالة الإمبراطور.
و كان يتمنّى أن يكون تلميذًا رائعًا لمعلّمته، التي كانت تبدو باردة لكنّها كانت لطيفة و دافئة في النهاية.
و لهذا، تمنى أن يستعيد صوته المفقود، و أن يصبح قادرًا على الكلام.
لذلك، عندما اقترب الكاردينال هانويل و سأل لوياس عن أمنيته، تبـع الساحر الصغير ذلك الأثر.
شبه غريزيّ، و كأنّه كان مسحورًا.
لكنّ ذلك الصبيّ لم يكن طفلًا عاديًّا.
كان لدى الأمير الصغير حكمةُ العالم التي تلقّاها من أخيه، أقوى و أروع شخصٍ في هذا العالم.
‘احذر البشر الذين يقتربون منكَ ليُحسنوا إليكَ دون سبب.’
و كانت معلمته قد قالت كلامًا مشابهًا من قبل.
‘تذكّر، لا شيء مجانيّ في هذا العالم.’
كما كان للصبيّ صديقة خاصّة.
و هي القطّة المتكلّمة، لوسي.
و كانت تلكَ الصديقة قد حذّرته مرارًا.
‘إذا أصبح جبينكَ ساخنًا، اهرب فورًا من هناك، تذكّر هذا جيّدًا، مياو!’
لكن عندما كان يمسك بيد الكاردينال هانويل و يصلّي، كان جبينه يسخن.
و منذُ تلك اللحظة، بدأ وعي الأمير الصغير بالاستيقاظ.
كان جميع من حوله غريبين أيضًا.
كانوا يشربون الشاي الذي يوزّعه الكاردينال هانويل بوجوهٍ شاردة، و لا يبدون في كامل وعيهم.
و عرض الكاردينال شايًا دافئًا على الأمير الصغير كذلك.
تظاهر لوياس بالارتشاف دون أن يشرب قطرةً واحدة.
تأمّل بهدوء وجه الكاهن المبتسم بابتسامة لطيفة، ثمّ قبض يده الصغيرة بإحكام.
‘شخصٌ غريب يُحسن إليّ منذ اللّقاء الأوّل، و يسخن جبيني عنده. يبدو لطيفًا، لكنّ نظرته باردة و لا يمكن معرفة ما في داخله!’
و عندما زاره للمرّة الثّانية، كان لوياس قد استعاد وعيه تمامًا.
‘هذا الشّخص، إنّه سيّئ.’
فكّر قليلًا في الشخص الذي ينبغي أن يخبره فورًا، لكنّ الأمر المفاجئ أنّه لم يكن أخاه جلالة الإمبراطور.
لأنّه إن اعترف بأنّه أمسك بيد شخصٍ خطير و خرج معه، فقد يغضب شقيقه غضبًا مخيفًا.
‘سأخبر لوسي أوّلًا!’
لكن عندما ذهب إلى صديقته الذّكيّة و روى لها ما حدث، تلقّى توبيخًا قاسيًا، و تعرّض جبينه للّطم عدّة مرّات بمخالبٍ هلاميّةٍ سميكة.
‘إن لاحظتَ أمرًا مريبًا، كان عليكَ أن تخرج فورًا، لماذا ذهبتَ مرّةً أخرى، مياو!’
و هكذا، في الحاضر.
جاء ليعترف لمعلّمته و هو يعانق القطّة بين ذراعيه.
لكنّ معلمته لم تغضب كثيرًا.
بل أطلقت تنهيدةً عميقة و ربّتت على رأسه، و كان ذلك شبيهًا جدًّا بالمرة التي عانقته فيها بعد خروجها من البوّابة، فارتسمت على وجهه ابتسامة عريضة.
“لا بدّ أنّكَ تشبه شخصًا ما، فأنتَ ذكيٌّ لدرجة أنّك لن تُخدع أينما ذهبتَ… لكنّكِ مختلفة، يا لوسي.”
أدارت المعلّمة رأسها فجأة.
نحو لوسي التي كانت جالسة أمام النّافذة و هي تلعق كفوفها بلا توقّف.
“لماذا جررتَ هذا الطّفل إلى أمرٍ خطير؟”
أطلقت لوسي فحيحًا.
“هل تعتقدين أنّني عرّضته للخطر، مياو؟ ألم أحذّره؟ تغيير القدر ليس أمرًا سهلًا، مياو!”
مال لوياس برأسه في حيرة.
لسببٍ ما، بدا له أنّ نبرة معلّمته مختلفة قليلًا عن المعتاد.
و لم يفهم الحوار المتبادل بينهما.
لكنّ أمرًا واحدًا كان واضحًا.
إن بقي الأمر على هذا النّحو، فستحاول معلمته إبعاده عن الأمور الخطيرة حفاظًا على سلامته.
تلألأت عينا الأمير الصغير.
أراد أن يكون عونًا.
لذلك ركض و أمسك بياقة معلّمته، و كتب بسرعةٍ على كفّه الصّغير.
─أنا سأتولّى الأمر!
****
يبدو أنّني كنتُ فعلًا أستخفّ بتلميذي الصّغير.
لم أستطع دفع الطّفل الذي تعلّق بثوبي و هو يبكي، فقمت بتهدئته و أجلسته على السّرير.
كان الطّفل الذي يشهق يكتب بحروفٍ دائريّةٍ محاولًا إقناعي بأيّ طريقة.
─الشّخص الذي اقترب منّي فعل ذلكَ لأنّني نقطة ضعفٍ لكِ و لأخي الإمبراطور.
يا إلهي، متى أصبح طفلنا الصغير ذكيًّا إلى هذا الحدّ؟
و بينما كنتُ مذهولة في داخلي، أساء لوياس فهم تعابير وجهي الباردة التي كنتُ أنظر بها إليه و ذراعاي متشابكتان، فمسح أنفه و كتب بسرعة.
─هناك أشياء غريبة تحدث في ذلك المكان. يستخفّون بي لأنّني طفل. سأجلب دليلًا على أنّه شخصٌ مريب. أرجوكِ، أرسليني إلى هناك.
كنتُ أعرف جيّدًا سبب يأسه.
الماضي الذي رأيته في الوهم.
الحادثة التي حاولت فيها الإمبراطورة جرّ لوياس إلى داخل البوّابة.
كان طفلًا ذكيًّا، فلا بدّ أنّه يتذكّر ما حدث آنذاك و يحمله في قلبه.
ثمّ تكرّر أمرٌ مشابه أمام عينيه هذه المرّة.
خرجت البوّابة عن السّيطرة و عرّضتني أنا و كايسيس للخطر.
في الحقيقة، كان لوياس يعلم منذ صغره أنّ هناك أناسًا في هذا العالم قادرين على التلاعب بالبوّابات.
و يعلم أيضًا أنّهم يستهدفون أخاه العزيز عليه أكثر من أيّ شيء.
“أتظنّ أنّ جلالة الإمبراطور سيبقى صامتًا إن أرسلتُكَ إلى هناك؟”
تذكّرتُ فجأة أنّني كنتُ أتحدّث مع لوسي بشكلٍ عادي من شدّة الصّدمة، فخفضتُ صوتي متصنّعة الوقار.
─معلّمتي.
“لا.”
ربّتُّ على رأسه الصّغير و أطلقتُ زفيرًا.
‘الحياة التي أنقذتُها.’
أردتُ حمايتها بأمانٍ حتّى النّهاية.
─إن لم أظهر فجأة، فسيشكّ ذلك الشّخص. و ربّما يُخفي الأدلّة المريبة!
آه، كايسيس. لماذا ربّيتَ أخاكَ ليصبح ذكيًّا إلى هذا الحدّ؟
لا، ربّما السّحرة في برج السّحر الذين تولّوا تعليمه بدلًا منّي هم السّبب؟
أمسكتُ رأسي بقلق، لكنّ كلام لوياس لم يكن خاطئًا تمامًا، فازداد توتّري.
إن أدركت القوى الخفيّة أنّ لوياس خرج من نطاق سيطرتهم، فقد يستهدفونه بشكلٍ أكثر مباشرة.
اشتعل الغضب في صدري تجاه هانويل.
أمنية هذا الطّفل الصّغير…
‘إنّه فقط يريد أن يتكلّم. يريد أن يكون نافعًا لأخيه.’
هذا كلّ ما في الأمر.
و أنتَ تستغلّ ذلك؟
‘أيّها الوغد.’
صررتُ على أسناني وأنا أستحضر صورة هانويل، ثمّ رغبتُ في احتضان الطّفل الذي أمامي و تهدئته.
أردت أن أقول له إنّه ثمين حتّى لو لم يفعل شيئًا، فلا داعي للقلق.
و أنّ أخاه هو أقوى شخصٍ في هذا العالم و لن يسقط أبدًا، و أنا لن أسمح بغير ذلك.
لكنّ العيون التي كانت تلمع بالأمل بدأت تخبو شيئًا فشيئًا.
آه، هذا جنون حقًّا.
“حسنًا.”
جلستُ القرفصاء أمام الطّفل الذي كاد يرفع رأسه مبتسمًا بفرح، و نقرتُ جبينه الأبيض الأملس نقرةً خفيفة.
“لكن تذكّر جيّدًا، يا لوياس. لا تفعل أيّ شيءٍ خطير أبدًا.”
لا أعلم إن كان هذا القرار صائبًا حقًّا.
لذلك قرّرتُ نهب مستودع كنوز الدّوقة آرييل.
في برج السّحر، لكلّ ساحرٍ مستودع أدوات سحرية خاصّ به، و كان لي واحدٌ هناك أيضًا.
و من بينها، أمسكتُ بخاتم سحري يبدو الأكثر فائدة، خاتمٍ يملك وظيفة التّسجيل، و راقبتُ تلميذي الصّغير بقلق.
‘لو أمكنني صنع حجر عودةٍ إضافيّ، لكان رائعًا، لكنّ ذلك مستحيل.’
ناديتُ النّظام في داخلي.
منذُ أن حصلتُ على مهارة القناع، كنتُ أعبث بالنّظام بين الحين و الآخر، وكان هذا الأمر من بينها.
[يمكن للسّاحر أن يعالج السّحر داخل حجر المانا.]
و أنا ساحرة عظيمة.
أن أتمكّن من احتواء سحر ساحرٍة عظيمة، أليست هذه المهارة غشًّا؟
بالطّبع، كان لها عيب.
‘ما هذا الجنون في وقت التّهدئة؟ سنة كاملة؟ و فوق ذلك تستهلك عدد استخدامات السّحر اليوميّ كلّه؟’
و مع ذلك، لم يكن هناك ما هو أنفع من هذا الآن.
قبضتُ على الخاتم بقوّة، و استخدمتُ كامل عدد المرّات اليوميّة لأحشر [رمح النّار] بأقصى طاقةٍ في قلادة لوياس.
شعرتُ بقشعريرةٍ مرعبة و كأنّ القوّة تُسحب من جسدي دفعةً واحدة.
يا للهول، أشعر و كأنّني سأتقيّأ دمًا.
تأرجحتُ قليلًا، لكنّني تماسكتُ بصعوبة.
[تـمّ بلوغ الحدّ الأقصى للسّحر!
تحذير.
في حال استخدام المزيد من المانا، سيتأثّر الجسد و الرّوح.]
أعرف، أعرف.
“إن هاجمكَ أحد، أحرِقه بهذا كلّه. و بعدها اركض فورًا إلى أخيكَ الإمبراطور أو إلـيّ. و عند ذهابكَ إلى المعبد، سأُرفق بكَ أقوى السّحرة. إن حاولوا إيقافكَ، فاتّخذ ذلك ذريعةً للعودة.”
“بهذا يمكنه القضاء على فرقة فرسانٍ كاملة، مياو.”
بالطّبع يجب أن يكون كذلك.
يا له من أمرٍ مُحزن.
─نعم!
ذلك الطّفل الذي كان يقول إنّه يريد أن يفعل أيّ شيء، لم يُظهر ابتسامةً عريضة إلّا الآن.
****
كانت ليلييتا تختبئ خلف عمودٍ و تعضّ أظافرها.
‘لماذا لا يقوم باستدعائي؟’
عاد الإمبراطور من البوّابة.
و لأنّه لم يتلقَّ إرشادًا حتّى قبل الدّخول، فلا بدّ أنّ حالته الآن في أسوأ وضع، ومع ذلك رفض مقابلتها.
لماذا؟
هل أدركَ بالفعل أنّني مزيفة؟
حدّقت بعينين محتقنتين في نافذة النّظام التي ظهرت أمامها.
[قومي بتوجيه الإمبراطور!
يجب منع شريكة الإمبراطور الحقيقيّة من العثور عليه و توجيهه.
اسرقي الذّكريات العالقة في الأشياء و أقنعيه بأنّكِ الحقيقيّة.]
اللعنة على هذا النّظام!
لا يساعد في شيءٍ واحدٍ بشكلٍ صحيح، و مع ذلك يطلب الكثير بلا خجل.
التعليقات لهذا الفصل " 138"