كان يشعر بالضيق حدَّ الموت أنّ شخصًا يُدعى سيروين أصبح أوّل ضيفٍ لبرج السّحر الخاصّ بسيّدتهم و جلس إلى جوارها.
‘و مَنٔ تكون تلك المرأة أيضًا؟’
فقد وصله خبرٌ كالصّاعقة بأنّ امرأةً نبيلة تُدعى أناييل أصبحت الضّيفة الثّانية لبرج السّحر و ستقيم فيه.
حتّى بين السّحرة المخلصين لسيدتهم حتّى النّخاع، ظهرت علاماتُ الاستغراب.
فأناييل كانت واحدةً من المرشدات الثّلاثة للإمبراطور.
“لا أفهم ما يدور في ذهن سيّدتي.”
ومع ذلك، كان الأمر المُطمئنّ أنّه ما إن تنتهي من أعمال تعزيز الأداة السحرية التي حصلت على إذنها في مرحلتها الأخيرة، فسينال تفضيلاً لدى سيّدته.
عينان حمراوان كجمر جميل، تبدوان باردتين، لكن إن تأمّلتَهما بهدوء ستشعر بدفء الشخص الذي يمتلكهما.
كان ذلك أكثرَ ما يحبّه أردييل.
‘نعم، إنه حب من طرفٍ واحد.’
و سيدته أيضًا…
‘هل يمكن أنها مثلي؟’
ساحرة ، و مرشدة.
‘لو استطعتُ فقط أن أمسك بيدها.’
ولو جرّبتُ عضَّةً خفيفة على بشرتها، كما رأيتُ بشكلٍ ضبابيّ في الحلم.
“أنا حقًّا وقح….”
كان يضغط على تلك الفرضيّات التي تجعل قلبه يرتجف لمجرّد التّفكير بها و يبتلعها بصعوبة، حين دوى صوت طرق على الباب.
“…….”
قطّب أردييل وجهه بقوّة قبل أن يتأكّد من هوية الطّارق.
فلم يكن هناك سوى قلّةٍ من الأشخاص الذين يرحّب بهم، و لا أحد منهم سيأتي للبحث عن أردييل المحبوس في مختبره.
و بعد أن ضاق ذرعًا بصوت الطّرق المستمرّ و كأنّه لن يتوقّف حتّى يُفتح الباب، نهض أردييل من مكانه دون أن يخفي انزعاجه.
ما إن فتح الباب بعنف، حتّى ظهرت امرأةٌ تبتسم ابتسامةً هادئة.
“لماذا تأتين إلى هنا باستمرار؟”
مرشّحةٌ لمنصب مرشدة الإمبراطور.
و مع ذلك، ما الّذي يدفعها للتسكّع في برج السّحر؟
كان شعوره بالغيظ يقتله، لكنّه كان قد سمع شيئًا عابرًا من سيّدته من قبل.
‘احذر أن تلمس الأداة السحرية.’
كانت سيّدته قد شدّدت الحذر تجاه المرأة التي تُدعى ليلييتا، لكنّها لم تمنعها بشكل صريح من التّجوّل حول برج السّحر.
لا بدّ أنّها كانت تراقب ما الّذي تنوي فعله.
على الرّغم من أنّه لم يخـف امتعاضه و عبس بشفتيه، فإنّ ليلييتا كانت عنيدة.
“هل يمكن أن تسمح لي اليوم بالدّخول إلى المختبر؟ لديّ الكثير من الفضول. الجميع مشغولون جدًّا، و يبدو أنّكَ الساحر الوحيد من عمري، يا سيّد أردييل.”
كانت تجيد التّواصل البصريّ و.هي ترفّ بأهدابها، حاملةً ابتسامةً لطيفة.
لكم كان كلّ ذلك مُقرفًا بالنسبة إلى أردييل.
تصرّفاتها الصّغيرة التي تكسب بها ودّ الآخرين بسهولة، و ثقتها المتغطرسة بأنّ الطرف الآخر سيقبل بها رغم وقاحتها، بل وجودها بحدّ ذاته.
‘أشعر بالقرف أكثر.’
الآن فقط فهم بوضوح.
إن كان الجلوس إلى جوار سيّدته يُشبه الجلوس في بستانٍ نضر و استنشاق هواءٍ منعش.
‘فإنّ التواجد مع هذه المرأة نقيضُ ذلك تمامًا.’
كان الأمر أشبه بالتدحرج في مكبّ نفايات.
و هل هذه هي شريكة الإمبراطور المزعومة؟
هراء.
“اخرجي. نحن لا نُدخل أيّ شخصٍ إلى مختبر السّحرة.”
“سمعتُ أنّه أوشك على الاكتمال. و بما أنّها أداة سحرية لاختباري، أردتُ فقط إلقاء نظرة… أهذا أيضًا صعب؟”
بلغ الضّيق حلقه، لكنّه كان قد تحدّث في الأمر مع الفارس ديكاردو.
إنها شخص تراقبه سيّدته.
إن كان الأمر كذلك، فمجاراة تصرّفاتها قليلًا ومراقبة ما تنوي فعله قد لا يكون فكرةً سيّئة.
“نظرة فقط.”
“شكرًا لكَ، يا سيّد أردييل! كما هو متوقّع، قلبكَ جميل بقدر جمال مظهركَ المتألّق.”
كاد أن يصفع يدها حين أمسكت بطرف ثوبه، لكنّه بالكاد تماسك و منع نفسه من العبوس، و قاد المرأة إلى الدّاخل.
كانت عيناها تتّجهان نحو الكرة البلوية الضخمة ، الأداة السحرية التي تنثر ضوءًا .
“يا إلهي، حقًّا… إنّها جميلة.”
هذا المديح وحده راق له، فرفع أردييل ذقنه كقطّ متغطرس.
كانت الكرة البلّوريّة، كأنّها مجرّة خافتة، تشعّ بضوءٍ غامض.
و في تلك اللّحظة بالذّات.
حين حدّقت ليلييتا في الكرة البلّوريّة بتركيز.
شعر أردييل بإحساسٍ مزعجٍ يصعب وصفه.
إحساسٌ شبيهٌ بتلكَ القشعريرة المخيفة عند مواجهة وحشٍ زعيم داخل البوّابة.
لذلك.
تخلّى فورًا عن فكرة مراقبة تصرّفات المرأة، و تدخّل مباشرةً ممسكًا بكتفها.
التقت عيناه بعيني المرأة و قد دار بها فجأة.
“أظنّكِ شاهدتِ ما يكفي. من الأفضل أن تغادري تحسّبًا لأيّ خطرٍ محتمل.”
لم تكن المرأة تبتسم.
و حين شعرَ أردييل بقشعريرة من ذلك البرود المرعب، ارتسمت ابتسامةٌ بطيئة على وجهها الجميل.
حتّى تلك الابتسامة بدت مُقلقة و مشوّهة بالإحساس الغريب.
هل فقـدَ الجميع صوابهم؟ ما الّذي يعجبهم في هذه المرأة حتّى يمدحوها هكذا؟
‘مرشدةٌ عطوفة ترعى الجميع؟ لا تجعلوني أضحك.’
رغم أنّه لم يشمّ أيّ رائحةٍ كريهة، فإنّ أردييل كبت بصعوبة رغبته في تغطية أنفه، و أشار بحزمٍ إلى الباب المفتوح.
“اخرجي. حالًا.”
****
ذلكَ الوغد.
كابحة رغبتها في البصق مع شتمه، اندفعت ليلييتا إلى خارج الممرّ.
لكنّ انزعاجها لم يدم طويلًا، إذ ارتسمت ابتسامةُ رضا على وجهها الجميل.
و السّبب كان نافذة الحالة التي ظهرت أمام عينيها مباشرةً.
[تهانينا.
على الرّغم من عدم حدوث تلامسٍ مباشر، نجحت طاقة الإرشاد المحمّلة بهالة <البركة> في التّواصل المسبق مع الأداة السحرية.
تـمّ اكتساب نصف قوّة التّأثير على الهدف.
حتّى لو ظهرت المرشدة الحقيقيّة للإمبراطور، فلن يُزاح موقعكِ.]
نعم، هذا هو.
هذا يكفي.
لن تعود إلى برج السّحر المشؤوم هذا أبدًا.
‘هل يكفي أن يكون الوجه جميلًا فحسب؟’
كانت ترغب في الإمساك بشعر أردييل و هزّه بعنف، خاصّةً أنّه إحدى الشّخصيّات الرّئيسيّة التي يُفترض أن يكون لطيفًا معها، و مع ذلك كان يتصرّف بتكبّر.
لكنّ اليوم لم يكن مناسبًا.
استدارت ليلييتا فجأة.
و بعد قليل.
خرج رجلٌ كان يختبئ خلف عمودٍ رخاميٍّ سميك، متنهّدًا.
كان الفارس ديكاردو.
“يبدو أنّ ما يجب رفعه إلى صاحبة السّموّ قد ازداد.”
****
قرّرتُ أوّلًا استقبال أناييل، الّتي كانت المشكلة العاجلة، كضيفةٍ ثانية في برج السّحر.
استدعيتُ المساعدين و السّحرة المسؤولين عن أعمالي، و جعلتهم يرافقون أناييل الباكية.
أوصيتُهم بأن يعتنوا بها جيّدًا، لتأكل، و تغتسل، وتنام براحة.
و بذلك أصبحت الغرفة اليسرى من نصيب سيروين، و اليمنى من نصيب أناييل.
“إذًا الآن.”
حان وقتُ الذّهاب لرؤية لوياس.
لا بدّ من التحقّق ممّا نوع الخطر الّذي تورّط فيه هذا التلميذ الصغير…
“مياو.”
…كنتُ على وشكِ فعل ذلك، لكنّ هذه القطّة السّمينة اللّعينة دخلت فاتحة الباب و هي بين ذراعي تلميذي الثمين.
عجزتُ عن الكلام.
لأنّها….
“إن كنـتِ معلّمة فعليكِ أن تعتني بتلميذكِ، مياو!”
قالت ذلك أمام لوياس!
لوسي، هل جننتِ؟ هل فقدتِ عقلكِ؟
تجمّدتُ بوجهٍ متصلّب بينما كنتُ أصرخ في داخلي، لكنّ تلميذي الصّغير الظّريف و الوقور ركض نحوي بخطواتٍ سريعة، و أنزل القطّة، ثمّ أمسك بطرف ثوبي و نظر إليّ بعينين لامعتين.
بوضعيةٍ لطيفةٍ لا تسمح حتّى بتوبيخه.
“إنّه يعرف بالفعل، مياو. لوسي هي أوّل صديقة للوياس، هذا ما يقوله، مياو.”
نظرتُ إلى لوسي بتعبيرٍ مصدون، ثمّ انحنيتُ و أمسكتُ برفق يد لوياس الصّغيرة البيضاء التي كانت تمسك بثوبي.
و حين تلاقت أعيننا، دارت عيناه الكبيرتان في كلّ اتجاه.
“ذهبتَ للبحث عن الكاردينال هانويل، أليس كذلك.”
ارتجف و تجمّد مكانه. كان منظره مثيرًا للشّفقة.
هذا الوجه البارد و المتجمد مشكلةٌ لا مفرّ منها.
يكفي أن أشدّ نظرتي قليلًا حتّى يسيء الآخرون الفهم هكذا.
حاولتُ أن أليّـن نبرتي قدر الإمكان بينما أمدّ يدي و أربّت على رأسه الصّغير.
نظرتُ إلى عينيه اللتين بدتا أكثر ارتياحًا وسألتُ بهدوء.
“ماذا قال لكَ الكاردينال هانويل؟ لا أعلم ما الّذي همس به لكَ، لكن…”
في تلك اللّحظة، وقبل أن أُنهي كلامي، قدّم لي تلميذي الذّكي دفترًا مليئًا بكتابة صغيرة متراصّة، و هو يهزّه قليلًا و كأنّه يطلب منّي أن أنظر إليه بسرعة.
و حين أخذته و بدأتُ القراءة، لم أستطع منع نفسي من الضّحك.
هاه، حقًّا.
‘لوياس، أيّها الصّغير.’
ليس سيّئًا أبدًا.
يبدو أنّه لم يكن شقيق كايسيس بدون أي سبب.
“إذًا.”
ابتسمتُ لا إراديًّا و أنا أنظر إلى الطّفل ذي العينين المتلألئتين.
“لم تنخدع منذُ البداية؟”
─نعم!
هزّ رأسه بقوّة.
و بينما كان يكتب إجابته بحزم، واصل لوياس هزّ رأسه الصّغير بإصرار.
التعليقات لهذا الفصل " 137"