شعرتُ أنّ نظرات الفرسان، الّذين كانوا ينظرون إليّ بينما أنا مصدومة لسبب ما، كانت لاسعة كالسهام.
لم أستطع سحب يدي التي كان يمسك بها، فتكلّمت بجدّية.
“ما الّذي تفعله الآن؟”
“في الماضي، أمسكتِ بياقتي مرّة.”
هل كان يقصد اليوم الأوّل الّذي تجسدت فيه في هذا الجسد؟
“انظري الآن أيضًا. لا أظنّكِ تجرّأتِ على صفع الإمبراطور، لذا يجب عليّ أن أعتبر هذه اللّمسة مسحًا لخدّي، أليس كذلك؟”
لقد كان هذا ابتزازًا صريحًا.
في أعماقي، كنتُ أرغب في الصّراخ: أنا صفعتُ الإمبراطور! و لكن…
“……هل صفعتِ خدّي، أيّها الدّوقة؟”
شاهدتُ تلكَ الابتسامة السعيدة و المرحة أمامي، ممّا أشعل غضبي بلا حول و لا قوّة.
منذ فترة، بدأ هذا الرّجل يتسلّل للتّلاعب بي، لكنّه اختار أن يبتسم بتلك الطريقة المشرقة و يهزّ ريش ذيله بخفّة، فلم أستطع حتّى أن أغضب منه كما ينبغي.
‘هل لاحظ بطريقةٍ ما أنّني ضعيفة أمام الوجوه الوسيمة؟’
للأسف، بما أنّهم شخصيّات رئيسيّة في الرّواية، فإنّ جمالهم كان لا يُقارن.
خاصّةً مظهر كايسيس، و هو يبدو كلوحة فنية كما وصفه الكاتب…
“اتـرك يدي.”
أبعدت يدي و أنا أشدّ على أسناني.
و مع ذلك، لم تظهر على ابتسامة كايسيس المشرقة أيّ علامات على التّلاشي، و كأنّ شيئًا ما أسعده.
المضحك أنّ تلكَ الابتسامة كانت مُعدِية.
‘يا للغرابة.’
ما الّذي يسعده إلى هذا الحدّ؟
كان من المفترض أن يشعر بالقلق بشأن الوضع حيث بدأت البوّابات الّتي كانت هادئة إلى حدّ ما في الانفجار بشكل متفرّق مرّة أخرى، لكن رؤية وجه هذا الرّجل جعلتني أشعر و كأنّ قلقي قد تلاشى قليلاً.
‘حتّى و هو ذاهب للقتال مرّة أخرى.’
لن يدرك هذا المستيقظ المُتعجرف أبدًا أنّ سيّدة السّحرة الباردة الّتي تشبه شخصا ابتلع جليدا، قد تخلّت عن عملها المكتبيّ و هرعت إلى هنا بمجرّد سماعها بخبر دخوله المفاجئ إلى بوّابة ذات درجة خطورة عالية.
في الواقع، كانت لديّ شكوى واحدة لفترة طويلة.
كان البشر في هذا العالم متخلّفين جدًا فيما يتعلّق بالبوابات.
بغضّ النّظر عن النّظريّة غير الكافية حول الإسبر و المرشد، أو المُستيقظ و المرشد في هذا العالم، فإنّ سلامة المستيقظين الّذين يدخلون البوّابات كانت أيضًا مهملة للغاية.
‘يجب أن تكون هناك طريقة للهرب على الأقل، أليس كذلك؟’
شعرت بهذا بشدّة أكبر بعد أن جُررت قسرًا إلى البوّابة هذه المرّة و عـدت.
كان هناك شيء يُسمّى حجر العودة في حياتي السّابقة، و كان ذلك بمثابة عنصر إغاثة طارئ يسمح لك بالهروب من بوّابة مُغلقة في حالة عدم وجود خيار آخر.
كم كنتُ مندهشة عندما سمعتُ أنّه لا يوجد شيء كهذا هنا.
لا يمكن التّحقّق من الوضع داخل البوّابة مُسبقًا، ممّا يعني أنّهم إذا دخلوا و كان الوضع سيئًا، فعليهم أن يبقوا محتجزبن و يموتون جميعًا.
“جلالتكَ.”
لهذا السّبب، قرّرتُ صنع واحد.
بما أنّني نجوتُ من أزمة الموت، فقد وقع في يدي قلب زعيم البوابة، و هو الحجر السّحريّ الذي يمكن أن يصنع أوّل حجر عودة.
“جلالة الإمبراطور.”
“حسنًا، سأتوقّف عن المزاح. سأستعيد وعيي، هيلاريا.”
لا، لم يكن الأمر كذلك.
لقد أصبح الرّجل الذي أمامي يثير اهتمامي. لقد بدأ ذلك في لحظة ما.
في لحظات الأزمات، كنتُ أرغب بشدّة في رؤية كايسيس.
كرهتُ أن ترشده مرشدة أخرى ، و شعرتُ بالاستياء عندما رأيتُه صامتًا.
أصبح وقت زيارته ليلاً ثمينًا و كنزًا لا أريد أن أفقده.
كانت عيناه الزّرقاوان، التي كان ينظر إليّ بهما، تخطران ببالي فجأة مرارًا و تكرارًا.
أثناء تناول الطّعام، أثناء ارتداء الملابس، في اللّحظات التي شعرتُ فيها أنّني سأموت من عبء العمل، و حتّى عندما كنتُ أتألّم و كأنّني سأموت.
و اللّحظة التي اعتبرتُ فيها أنّه من الطّبيعيّ بالنّسبة لأقوى شخص في العالم أن يخاطر بحياته و يدخل بوّابة خطيرة، أصبحت كذبة.
‘لقد أصبحتُ قلقة.’
خائفة من أنّه قد لا يعود.
‘أنا خائفـة.’
و لهذا السّبب.
شعرتُ أنّني بحاجة إلى تأمين، فبالغتُ في نفسي.
قمتُ بإفراغ معرفتي المُتلاشية من حياتي السّابقة بالكامل، و دفعتُ السّحرة إلى وضع خطّة طويلة لصنع حجر العودة.
“خـذ هذا معك.”
تظاهرتُ باللّامبالاة و أخرجتُ ما كنتُ أحمله بإحكام في حضني منذ فترة، و ألقيتُه باتّجاه الإمبراطور.
اتّسعت عيون الفرسان الواقفين خلفي و كأنّهم أسماك كبيرة، و كادت أن تبرز من وجوههم بسبب إلقائي لشيء ما على سيّدهم.
رمقتُهم بنظرة واحدة، ثمّ نظرتُ إلى الرّجل الذي كان يرمش بعينيه بصمت وهو يمسك بالشّيء الّذي أعطيتُه إيّاه.
“هيلاريا؟”
“……”
ابتلعتُ لعابي بصعوبة.
من الجيّد أنّني أعطيتُه إيّاه، ولكن ماذا أقول الآن؟
“هذا…؟”
شعرتُ أنّ شحمة أذنيّ قد احمرّت قليلاً، لكنّني قرّرتُ أن أكون وقحة.
كلّ هذا خطؤك أنـتَ.
لو كنتَ قد أتيتَ إليّ مرّة واحدة عندما كنتُ مريضة، لكنتُ قد أعطيتُك إيّاه بلامبالاة و مضيت، لكن بما أنّني أعطيتُه لكَ في لحظة دخولك البوّابة، فقد أصبح المشهد غريبًا!
“عندما ندخل البوّابة، يغلق المدخل. لا يمكننا الهروب بأيّ طريقة قبل قتل وحش الزّعيم.”
أمال كايسيس رأسه قليلاً، و كأنّه وجدني غريبة و أنا أردّد نظريّة يعرفها الجميع.
نظرتُ إلى شعره المُبعثر و تنهّدت، ثمّ أشرتُ إلى الحجر الغريب المائل إلى الزّرق و البنفسجيّ الّذي كان يمسك به.
“هذا هو حجر العودة. إنّه أيضًا شيء مُؤسف يحمل دماء و عرق السّحرة نتيجة عملهم طوال الليل.”
خيّم صمت ثقيل على الأجواء.
الفرسان في الخلف، الّذين كانوا يتنفّسون بصمت و لم يفهموا أيّ شيء على الإطلاق، أطلقوا أصوات تعجّب.
نظرت إليّ العيون الزّرقاء بنظرة غامضة لم أرها من قبل.
ضغط كايسيس على شفتيه الجميلتين المُحمرّتين و نظر إليّ بإصرار.
نظرتُ مباشرةً إلى عينيه العميقتين، و التي لم تستطع معرفة ما أفكر فيه، أو ما إذا كان ما سمعه صحيحًا، و واصلتُ كلامي بهدوء.
“عندما حُبستُ في بوّابة مرّة، أدركت. أنّه أمر مروّع ألّا تتمكّن حتّى من الهروب إذا لم يظهر المدخل. و أنت شخص لا ينبغي أن يختفي أبدًا من هذه الإمبراطوريّة. لهذا السّبب صنعتُه.”
شعرتُ بالإحراج من نظراته التي كانت تحدّق بي بلا كلام لسبب ما، فتنفّستُ الصّعداء قليلاً، و أنزلتُ بصري لأوّل مرّة.
ازداد تعابيري صلابة لسببٍ ما من الخجل.
“إذا حدث شيء مروّع، فيمكنكَ العودة إلى هنا مرّة واحدة فقط.”
حتّى لا تتأذّى، و حتّى لا تنهار في موقف لا تستطيع فيه فعل أيّ شيء.
“هل تفهم؟ إنّها حياة إضافيّة لجلالة الإمبراطور.”
****
لقد قامت بمعجزة لا تُصدّق، و مع ذلك تبدو على وجهها تلك التّعابير.
‘إلى أيّ مدى تنوين أن تكوني رائعة؟’
تعبير صارم، نبرة حديث لامبالية، و حتّى النّظرة المُتعجرفة.
كان من الممكن أن يُخطئ المرء في اعتبارها الدّوقة آرييل التي عرفها دائمًا، لكنّ العيون التي كانت تتوق سرًا إلى ما سيقوله، كانت جميلة جدًا لدرجة أنّه وقع في حبّهـا.
على الرّغم من أنّه خمّن أنّها لن تتذكّر أيّ شيء حدث اللّيلة الماضية، إلا أنّه أدرك أنّ توقّعه أصبح حقيقة عندما واجهها و رأى تعبيرها الهادئ كأنّ شيئًا لم يكن.
لقد وعدها أنّه قد فهـم تذمّرها بأنّها لا تريده أن يتلقّى القوّة من مرشدة أخرى.
كان يشعر بالأسف لرؤية ماهية تعابيرها إذا كانت صادقة و رأت غياب ليلييتا.
و لهذا السّبب، قام بجرّ يدها المُغلّفة بالقفّاز و قام بهذا النّوع من التلامس.
توقّع أن تُبعده بفزع، لكنّ وجهها المتردّد رغم تعابيرها الجامدة هـزّه.
‘آه، هيلاريا.’
و لكن الآن، حجر عودة!
حياة إضافيّة.
أن لا يموت…
‘أنـتِ حقًّا….’
لقد اخترقت العواطف قلبه بالكامل.
لقد شعر بفرحة لا يمكن إخفاؤها لأنّ مثل هذه المرأة هي مرشدته.
و لهذا السّبب.
أمسك بيديها المُغلّفتين بالقفّازات و طبع قبلة لا يمكنه كبحها على ظهر كفّها.
كانت تحيّة و كأنّهما سيدة نبيلة عاديّة و فارس، و ليسا دوقة و إمبراطور.
كان يعلم أنّ الفرسان الذين يشاهدون من الخلف، و كذلك هيلاريا نفسها، كانت تعابيرهم مندهشة، و لكن ماذا عساه أن يفعل؟
تلك الزّهرة التي ازدهرت في قلبه.
“حسنًا أيّتها الدّوقة، بناءً على رغبتكِ، لن أموت.”
طالما أنّ الشّخص المقابل له لطيف إلى هذا الحدّ.
“سأعود كالعادة.”
عرف كايسيس هيلاريا التي لم تسحب يدها بفظاظة، تلك التي أمسك بها ليقبّلها، حتّى في لحظة دهشتها.
في تلك النّظرة التي ارتجفت قليلاً بينما ينظر إليها، كانت هناك بالتّأكيد شرارة من نفس شعوره مختبئة داخلها.
“توقّف عن هذه التصرفات الجنونيّة.”
“همم؟”
“……فقط عُـد.”
عندها فقط، لم يستطع إلا أن يبتسم عندما سحبت يدها فجأة، و على الكلمات الجافة التي ألقتها و هي تتجنّب النّظر إليه.
****
جنون! جنون! جنون!
‘ماذا فعلت بحقّ الجحيم؟ هل كان حجر العودة جيّدًا إلى هذا الحدّ؟ ها؟!’
جعلها تلمس خدّها، و في النّهاية قبّـل ظهر يدها و اختفى؟
و بعد ارتكابه لهذا الفعل يهرب إلى البوّابة؟
ماذا عنّي أنا المتروكة هنا؟
“سيّدتنا؟”
“……”
كانت تعابير السّحرة مصدومة و كأنّهم تعرّضوا لهجوم مفاجئ.
[انتبهي!
هذا يتعارض مع تصرّفات الشّخصيّة!
الإمبراطور و الدّوقة عدوّان سياسيّان.
إنّهما لا يمسحان الخدود أو يتبادلان القُبل على ظهر اليد!]
حتّى النّظام كان يُرسل تحذيرات حمراء بجنون، مع عبارة لم أرها منذ وقت طويل.
‘آه!’
أردتُ أن أحفر حفرة عميقة في الأرض و أستلقي فيها دون ندم.
التعليقات لهذا الفصل " 131"