ظهر شيءٌ في الهواء لم يره الضيف المفاجئ ولا أيّ المرأة الغارقة في نوم عميق بفعل النظام.
[أنتِ تحلمين كعقوبةٍ للتأثير الجانبيّ.
لا يمكنكِ معرفة ما إذا كان واقعًا، و لا يمكنكِ تذكّر أيّ شيء.
شظيّة من (؟؟؟؟) تعمل الآن!
يتمّ تخفيف التأثير الجانبيّ للعالم.
حتى لو نطقتِ بالحقيقة، فإنّ روحكِ ستكون محميةً بتأثيرٍ مؤقّت.
ينخفضُ تصدّع العالم.
لا تقلقي.
مرشدة النّظام تنقذُ روحكِ.]
“جلالة الإمبراطور.”
شعر كايسيس بالحيرة.
كان مندفعًا في مجيئه في جوف الليل بهذه الطريقة الوقحة.
منذُ أن ارتبطَ بعمقٍ بمرشدة الليل، كان يرتكبُ أفعالًا لا تليقُ به في كثيرٍ من الأحيان، فهل يجبُ أن نقول أنّ هذا أيضًا كان جزءًا من تلك الأفعال؟
اليوم بالذات، لم يكن قادرًا على إنجاز أيّ عملٍ على الإطلاق.
هو إمبراطور الإمبراطورية و القضايا التي يجبُ حلّها كانت متناثرةً.
و مع ذلك، عندما يتذكّرُ منظر شخصٍ ما وهو ينهار فجأةً في قاعة الاجتماعات، فإنّ رأسه يكادُ ينفجر ألمًا و قلبه ينقبض.
بالإضافة إلى ذلك…
‘سأقدّمُ قائمةَ الزوّار، جلالة الإمبراطور.’
وصلتْ تلك الحالة الغريبة إلى ذروتها عندما بدأ الفارس كايل، الذي أدرك بذكاءٍ انزعاجَ سيّده، في ذكر قائمة الأشخاص الذين زاروا سيّدة البرج السحريّ بجدّ.
في اللحظة التي ذُكر فيها اسم الكاردينال سيروين، كسرَ كايسيس ريشة القلم التي كان يمسك بها.
على الرّغم من علمه بأنّ صمتًا باردًا قد خيّم، فقد شاهد يده التي يقطر منها الحبر الأسود دون أيّ تعبير.
شعر و كأنّ أحشاءه تحترق.
كان يعلم أنّ عدد الأشخاص حول هيلاريا قد ازداد بعد حادثة البوابة.
‘سيروين.’
لكنّ ذلك الرجل كان مزعجًا كشوكةٍ مغروسةٍ في طرف إصبعه.
أدرك كايسيس أنّه يشعر بغيرةٍ دنيئة.
من الواضح أنّ وجود أشخاصٍ حول الدوقة آرييل، التي كانت مثل برجٍ هادئٍ، يهتمّون بها، و يجلبون لها الهدايا، و يزورونها للاطمئنان عليها، كان أمرًا جيّدًا.
لكن كان يجب استثناءُ كايسيس نفسه، من هؤلاء الأشخاص.
يُقال إنّها مريضة حقًّا، مريضةٌ لدرجة أنّها لا تستطيعُ استعادة وعيها و هي غارقة في النّوم.
‘كم أنا مثير للشفقة.’
حتى أنّه تساءل عن فائدة لقب الإمبراطور.
كان النبلاءُ حذرين من أيّ خطوةٍ يخطوها أو أيّ تصرّفٍ يتصرّفه تجاه أيّ شخص.
خاصّةً أنّ الجوَّ المتوتّرَ بعد سلسلةِ الأحداثِ كان غنيًّا عن البيان.
‘هناك أعين تراقبه حتى في القصر الإمبراطوريّ.’
بالإضافة إلى ذلك ، كانت ملامح الدّوقة آرييل مشابهةً للمواصفات التي ذكرها.
و لذلك، لم يطرد ليلييتا المرأة التي كان من الواضح أنّها مزيفة، بل أبقاها كضيفةٍ في القصر الإمبراطوريّ للتحقيق و التحرّي عن المجموعة المجهولة الهويّة.
لقد استغلّها و هو يعلم كيف سيظهرُ ذلك.
للتأكّد من أنّ العيونَ المشتّتة لن تتّجهَ نحو هيلاريا بسبب شائعة “يبدو الدوقة و الإمبراطورُ قريبان على نحوٍ غريبٍ”.
و أيضًا لمعرفةِ كيف سرقت تلك المرأة التي من الواضحِ أنّها مزيّفة، ذكرى لا يعرفها أحد غيره هو و هيلاريا.
كان يتظاهر و هو يضغطُ على أسنانه، لكنّ شعوره بالاشمئزاز لم يكنْ شيئًا يمكنه تجنّبه.
‘جلالة الإمبراطور، ألستَ تشعرُ بالتعب؟’
عندما رأى تلك المرأة تقترب مبتسمةً كأنها تحاول أن تبدو لطيفة، شعرَ و كأنّ ذكرياته الثمينة قد دُنّسـت.
‘إذا سمحتَ لي فقط، أرغبُ في منحِ جلالتكَ القوّةَ مرّةً أخرى.’
كايسيس، الذي كادَ أن يصدَّ يدها التي كانت تحاول لمسـه بخفاء ، ابتسم ببرودٍ و قال:
‘لا. لا حاجةَ لاتّصالٍ مباشرٍ.’
‘أنا أعلم، أنـتَ لا تثـقُ بي بعد، أليس كذلك؟’
من الواضح أنّ المرأة لم تكنْ ذاتَ شخصيّةٍ عاديّة.
كانت تبتسمُ ابتسامةً ناعمةً ، لكنّ تعابيرَ الكبرياءِ التي كانت تظهرُ بين الفينةِ و الأخرى كانت مظهرًا نموذجيًّا لشخصٍ مدلّلٍ بغطرسة.
لكنّ تغيّرَ تعابيرها كان سريعًا.
‘لكنْ، تفهّـم قلقي أيضًا. لقد سمعتُ أنّكَ ستدخل البوابة مرّةً أخرى قريبًا. أتمنّى أن تجـدَ الاستقرارَ بهذه القوّة.’
‘من أين سمعتِ عن هذا الأمر؟’
كانت سرعة انغماسها في محيطه مزعجةً أيضًا.
‘فرسانُ جلالتكَ و المستيقظون لطفاءُ حقًّا. لقد أخبروني بالعديد من الأمور. أنا، هل كنتُ وقحةً بعض الشيء؟’
‘لا. إنّه ليس سرًّا خاصًّا.’
‘شكرًا لكَ على كلماتكَ اللطيفة. إذًا، سأستخدمُ القوّة.’
على الرّغم من أنّ المستيقظين لا يستطيعون إلحاقَ الأذى بالمرشد، إلا أنّ هذا الحدَّ كان مفرطًا.
‘بشكلٍ مزعجٍ حقًّا.’
من الواضح أنّ القوّة التي انتشرتْ بهدوءٍ قد وصلتْ أيضًا إلى المستيقظين الآخرين الذين كانوا يحرسونه.
شاهد كايسيس تعابير الإرتياح التي ارتسمتْ على وجوههم، و عضَّ شفتَه الداخلية ليقاوم شعور الغثيان المتصاعد.
كان الأمرُ نفسه حتى بعد التأكّدِ مرّاتٍ عدّة.
‘إنها مزيّفة و متقنة الصنع.’
كايسيس، الذي كان مقيّدَ اليدين و القدمين و لم يستطعْ فعل أيّ شيءٍ سوى القلقِ بشأن هيلاريا التي كانت مريضةً حقًّا، وصلَ إلى هذا المكان.
مخاطرًا بمختلف الأخطار.
كان متوتّرًا أيضًا.
‘لماذا لم تـأتِ؟’
عندما كانت حالته تتفاقم، كانت هيلاريا تأتي دائمًا بطريقةٍ مجهولة و كأنّ شخصًا ما قد أخبرها عن وضعه.
لذلك، كان من الواضحِ أنّها رأت قوّته مستقرّةً، و اعتقدتْ أنّه حصلَ على القوّة من تلك المزيفة.
كان غاضبًا و محبطًا.
لو أنّها أتـت في الليل، لكان بإمكانه شرح كلِّ شيءٍ، لكان بإمكانه التفوّهُ باعتذار.
و بعد ذلك، عندما رآها تسقط، لم يكن يعلم كم شعرَ بالخوف.
جسدها المترنّح، بشرتها الشاحبة، و جفونها التي ارتختْ بلا قوّة.
في اللّحظة التي رأى فيها ذلك، تحرّكَ أسرع من أيّ شخصٍ آخر في المكان.
أمسكها و ساندها.
من المحتمل أنّ هيلاريا، التي أغمي عليها، لم تكنْ تعلم كيف تقاطعتْ النظراتُ الحادّة بينه و بين الأشخاص الآخرين الذين هرعوا إليها.
‘الأيدي التي تجرّأتْ على لمسكِ.’
لـمَنٔ يمكنه أن يعترف بأنّه شعرَ برغبة في قطعها.
كان واثقًـا.
جميع الذين تحرّكوا الآن قد تلقّوا قوّةً من هيلاريا بطريقةٍ أو بأخرى.
كلُّ هؤلاء الأشخاصِ بالإضافة إليه…
تزايدت لديه غيرة و غضب لا يمكنُ كبتُهما.
أراد حقًّا أن يصبحَ وحشًا، و ينسى أين هو و مَـنْ هو، و يمزّقَ كلَّ مَـنْ يلمس هيلاريا.
‘إذا كانوا يشعرون بالعطش نفسه الذي أشعرُ به.’
أليس هذا شيئًا لا يمكن تحمّله؟
أرادَ أن يسأل.
إلى أيّ مدى سمحتِ لهم؟
هل قمتِ بتقبيلهم كما قبّلتِنـي؟
على الرّغمِ من أنّه كان يعلم أنّها كانت في حالة يائسة للبقاء على قيد الحياة، إلا أن تلك الأفكار الدنيئة قد تملّكته لعدة مرّات ، فقلبت رأسه رأسًا على عقب.
لو لم تكن هي، التي أغمي عليها، تتألّم مثل شخصٍ مريضٍ للغاية، لربّما حدثَ حمّام دم حقًّا.
لقد تمكّن من تجميعِ صبره الذي لا يمتلكه و ابتلاع مشاعره بالكاد، و جاء في جنح الليل حيث لا يراه أحد.
“جلالة الإمبراطور.”
أليست ابتسامتها بهذه الطّريقة غشًّـا؟
“… جلالة الإمبراطور؟”
لقد كانت جميلةً.
تخلّت عن وجهها البارد الخالي من التعابير الذي كانت ترتديه و رسمت ابتسامة مشرقة على وجهها.
على الرّغم من أنّ وجهها الغارق بالعرقِ بـدا متألّمًا و كأنّ حرارتها لم تنخفض بعد ، إلا أنّها مع مـدّ يدها إليه و كأنّها تقول “لا تذهب إلى أيّ مكان” كانت تبدو مثيرة للشفقة و محبوبة في الوقت نفسه.
آه، كيف يمكن لشيء كهذا أن يحدث ؟
“هيلاريا؟”
“آه.”
على الرّغمِ من أنّه ناداها بتساؤلٍ لأنّها على الأرجح لم تستعدْ وعيها بشكلٍ صحيحٍ، إلا أنّها لم تحدق فيه ببرودٍ كالمعتاد، و لم تتراجع طالبةً منه إبعادَ يده.
أمسكت يدها البيضاء الناعمة بطرف ثوبِ كايسيس. و فركته بلطف.
“لماذا أتيـتَ الآن فقط؟”
“الآن…”
“كنـتُ أنتظـر.”
“… تنتظرينني أنا؟”
“أجل.”
انهار كايسيس عندما سمع صوتها الهامس الذي لم يستطع إخفاء خيبة أملها.
فقـدت ساقاه قوّتها و سقط على الكرسيّ بجانبِ السرير.
كيف يمكن لشيءٍ كهذا أن يحدث؟
كيف يمكن لشخصٍ ما أن يكون لطيفًا إلى هذه الدّرجة؟
لم تكن لديه أيّة مناعةٍ ضدّ مثل هذه الكلمات التي تخرج من فم هيلاريا.
ألم تكن هي نفسها مرشدة الليل التي اعتادت أن تخبره بأسرارها بهدوء بينما تضع وجها آخر لم يكن يعرفه؟
مع ذلك ، ها هي هيلاريا الآن تناديه و تبتسم له.
هذا الصدق.
‘هل أنا أحلم؟’
مـدَّ يده و كأنّه فاقد للوعي، و مسح بخفّة خدّها المحمرّ، فأغلق فمه بإحكام عندما رآها تسندُ وجهها على يده و كأنّها تطلب منه المزيد، بدلًا من إبعاد رأسها.
“و لكن يا جلالتكَ.”
“… نعم؟”
“لماذا ظهرتَ في حلمي؟”
آه.
“كنتُ أفكر أنّني أشتاق إليكَ. فهل أتيتَ إلى حلمي لهذا السّبب؟”
التعليقات لهذا الفصل " 126"