كانت لحظة التّعاون مع أردييل ، السّاحر الذي ظهر فجأة تبدو و كأنّها كذبة، لكن على أيّ حال، وفقًا لصديقه كايل، فقد تـمّ إنقاذه بمعجزة.
‘مَنْ الذي هدّأنا بينما كنّا بوضوح على وشك الهيجان؟’
كان هذا شيئًا لا يمكن أن يحدث إلا إذا كان هناك مرشدة تخفي هويّتها داخل البوّابة.
ما زاد الطّين بلّة هو الشّعور و كأنّ روحه قد ارتبطت و كأنّها مُقيّدة في مكان ما.
‘رفيقة.’
و كأنّه قد لمس الوجود الذي كان يبحث عنه بشوق بشكلٍ عابر، خنـقَ العطش الغامض حلقه.
ثمّ واجه الدّوقة.
في اللّحظة التي التقت فيها عيناه بتلك العينين اللاّذعتين اللّتين كانتا تحدّقان به بتركيز، شعر ديكاردو و كأنّه صُعِق بالبرق.
مرّ شيء غير معقول جدًّا في ذهنه.
كيف يمكنه أن يتخيّل ملمس شفتيه وهو يقترب من جلد هذه المرأة البارد ، على الرّغم من كونها ساحر نار؟
‘هل أنا قذر إلى هذا الحدّ؟’
لم يستطع حتّى النّظر إليها بشكلٍ صحيح. أخفض ديكاردو رأسه مع شعوره بموجة من الحرارة تكاد تنفجر.
عندما أنزل نظره في اللّحظة الأخيرة، التقت عيناه بأردييل الذي كان يحدّق به و كأنّه يهدّده.
‘ربّما هو قلق من أنّه سيكشف سرّه.’
لكن ماذا سيقول الآن؟ أنّ السّاحر الذي كأنّه عدوّه اللدود و الذي خاضا معًا أزمة الموت هو في الواقع مُستيقظ شفاء يخفي هويّته؟
لا، حتّى هذه الأفكار كانت بلا فائدة.
جزّ ديكاردو على أسنانه.
كان جميع فرسان الإمبراطور يعلمون.
أنّ نظرات سيّدهم تتجه إلى الدّوقة آرييل بشكلٍ خاصّ.
و أنّ هناك تغييرًا قد حدث في موقفه تجاه سيّدة السّحرة التي كانت عدوّته.
كانوا جميعًا يعلمون أنّه قدّم لها حلويات لذيذة و أجرى معها محادثات لطيفة تحت ذريعة التّظاهر أمام الكرادلة.
ربّما لن يهمّ الأمر حتى لو ظهرت المرأة التي تدّعي أنّها مرشدة الإمبراطور.
‘اللعنة.’
لذا، كان عليه أن يتخلّى عن هذا الخفقان القلبيّ، وهذه الرّغبة في الاقتراب منها، وهذا الشّغف الذي يجعله يلقي عليها النّظرات مرارًا و تكرارًا.
* * *
بسبب ديكاردو، الذي بدت حالته غريبة و أحنى رأسه و فتح الباب، تمكّنتُ أنا ، التي كنتُ أسير أمام السّحرة، من الدّخول إلى قاعة الاجتماعات أوّلًا.
خلال الجوّ الهادئ المعتاد، كان هناك رجل يجلس بالفعل في أعلى مكان.
عندما التقت نظراتنا، شعرتُ و كأنّني نسيتُ كيف أتنفس للحظة.
‘إنّـه بخيـر.’
بينما كان أحدهم يحدّق في نافذة حالته طوال اللّيل دون أن يتمكّن من النوم جيّدًا بسبب قلقه بشأن شخص ما.
قابلتُ نظراته و كأنّني أحدّق به، و شعرتُ ببعض الخبث الملتوي يرتفع.
و لكن من المضحك أنّ نظرة كايسيس لم تكن لطيفة مثلي.
‘ما خطبكَ أيّها الرّجل؟’
على الرّغم من أنّ هذا الرّجل لا يعرف الحقيقة، لكن إذا كان هناك شخص يجب أن يغضب هنا، ألا يجب أكون أنا؟
ليس الأمر أنّني أكـنّ لهذا الرّجل عاطفة ما أو مشاعر شخصيّة، و لكن من الطّبيعيّ أن أشعر بهذا الشّعور عندما أرى المستيقظ خاصّتـي يستقبل قوّة مرشدة أخرى، حتّى لو كان ختما نصفيا فقط.
‘في كتاب مقدّمات الإرشاد في حياتي السّابقة، ذُكر أنّ الأشخاص المختومين مع بعضهم يشعرون وكأنّهم يشاهدون مشهد خيانة عندما يرون شخصًا آخر يستعمل قوتهم عليه.’
عبستُ كثيرًا و شدّدتُ على عينيّ، ثمّ أدركتُ ما نسيتُه عندما شعرتُ بالجوّ البارد من حولي.
لم أكن وحدي في قاعة الاجتماعات، كان هناك عدد كبير من السّحرة الذين يتبعونني، و فرسان الإمبراطور الذين دخلوا ورائي.
“…..”
“….”
أدركتُ أنّني كنتُ أتبادل نظرات قاتلة عن غير قصد، مثلما كنتُ أفعل في بداية التّجسيد، و سعلتُ في داخلي.
قرّرتُ أن أظهر اللّطف هذه المرّة.
على أيّ حال، هذا الرّجل هو الإمبراطور، وأنا تابعته المخلصة.
أحنيتُ رأسي أوّلًا.
“يسرّني أنّك تبدو بصحّة جيّدة، يا جلالة الإمبراطور.”
لا أعرف لماذا خرجت نبرة باردة و كأنّني أسخر منه، على الرّغم من أنّني قصدتُ أن ألقي تحيّة وديّة.
في تلك اللّحظة، ابتسم كايسيس الذي كان يحدّق بي بحدّة.
وجهه الوسيم بلا داعٍ كان مشعًّا لدرجة مزعجة حتى و هو يبتسم بوقاحة.
“نعم، أيتها الدوقة آرييل. أنتِ أيضًا تبدين كشخص نام بعمق اللّيلة الماضية.”
آه، يا له من فرق.
ألم يكن كان يناديني هيلاريا بلطف، و الآن يناديني بدوقة آرييل؟
شعرتُ بالاستياء بلا سبب، فابتسمتُ بابتسامة ساخرة.
“نعم، لقد نمتُ جيّدًا. شكرًا لكَ على المديح.”
“للأسف لم يكن مديحا. لم أستطع النّوم جيّدًا و تقطّع نومي طوال اللّيل بسببِ القلق.”
“هل هذا معقول؟ في حين أن المرشدة المناسبة تمامًا قد ظهرت ، ما هو السّبب الذي يجعلكَ لا تستطيع النّوم؟”
شعرتُ بأنّ السّحرة و المستيقظين كانوا يتنهدون بالإجماع و ينظرون إلينا بتوجّس، فقرّرتُ التّوقّف عند هذا الحدّ.
‘آه’
تنهدت و أشرتُ بعينيّ إلى أولئك الذين لم يتمكّنوا من التّحرّك بسببي للوقوف.
تحرّكوا من تلقاء أنفسهم.
بينما جلس الآخرون على عجل في مقاعدهم، سحبتُ أيضًا الكرسيّ الموضوع أسفل كرسيّ الإمبراطور مباشرة و جلستُ.
“أوّل شيء أريد التّحدّث عنه من بنود جدول أعمال اليوم هو أنّ إنجازات سحرتنا ليست قليلة.”
“باختصار؟”
لمس كايسيس ذقنه النّاعمة، مبتسمًا و بعينين منحنيتين قليلاً.
في المقابل، عبستُ بوجه قاتل.
“ما الذي يجب تلخيصه؟ لقد تحقّقتَ يا جلالة الإمبراطور من عرض السّحرة و السّحر داخل البوّابة.”
“صحيح.”
“نعم، كما وعدت، أطلب من جلالتكَ توسيع سلطة البحث عن البوّابات لبرج السّحرة و السّحرة كمكافأة على هذا العمل.”
“سأفعل.”
اعتقد أنّـه لن يوافق بسهولة… ماذا؟
“ما الذي قلتَـه للتوّ؟”
لم أكن أنا الوحيدة التي اعتقدتُ أنّ حوارًا حادًّا سيحدث.
نظر الجميع في قاعة الاجتماعات بعيون واسعة إلى كايسيس الذي ابتسم ابتسامة خفيفة و أجاب بسلاسة.
ما خطبـه؟
ألم يُضرَب على رأسه عندما كان يتعامل مع الوحوش في البوّابة؟
فحصتُ ذلك الوجه اللّامع مرّة أخرى بمزيد من التّفصيل.
‘قياساته طبيعيّة. وجهه يبدو طبيعيًّا كالمعتاد. لا توجد شعرة واحد مبعثرة، هناك شعور طفيف بالتّعب، لكن…’
لماذا هو مُطيع جدًّا؟
كان الأمر يبدو و كأنني أرى الإمبراطور أمامي عندما أذهب اليه بصفتي مرشدته الليلية.
المستيقظ المطيع خاصّتي الذي يقول ‘حاضر’ و يقدّم لي كلّ شيء بمجرّد أن أقول ‘أعطني شيئًا’.
“يا جلالة الإمبراطور، هل تناولت شيئًا خاطئًا؟”
حتّى سؤالي الذي كان غير لائق، لم يجعل الإمبراطور يحدّق بي بغضب، بل ابتسم بعينين جميلتين كالثّعلب.
واو، ما خطبه؟
ارتجف الجميع بمَنْ فيهم أنا من هذا المظهر غير المألوف، على الرّغمِ من جماله.
“لماذا؟ لقد وافقتُ لأنّني أقدّر تمامًا جهود السّحرة و الدّوقة آرييل.”
“من المُخيف أن تعترف بذلك بسهولة.”
“أيّتها الدّوقة، أشعر بالاستياء من ردّ فعلكِ.”
نعم، من الواضح أنّ هناك خطأ ما في رأسه.
في تلك اللّحظة، قال كايسيس فجأة:
“هيلاريا.”
نادى اسمي بتعبير جادّ قليلًا.
“من الآن فصاعدًا، سأسمح للسّحرة بالدّخول إلى البوّابات.”
ساد صمت مروّع لبضع ثوانٍ.
صرخ الفرسان “يا جلالة الإمبراطور!”
و كأنّهم يعانون من نوبة، و اتّسعت عيون السّحرة بشكل كبير بسبب القرار اللّطيف و غير المتوقّع.
انتقلت العيون الزّرقاء التي كانت تحدّق بي بإصرار إليهم على الفور.
“لماذا ردود الفعل هذه؟”
“لكن، يا جلالة الإمبراطور!”
“يجب أن تكونوا قد أدركتُم ذلك خلال هذا الموقف. أنّه كان من الممكن القضاء على الوحوش بسحر نار الدّوقة آرييل.”
شعرتُ بجميع النّظرات التي تحدق في خدّي، و كافحتُ بكلّ قوّتي لأمنع نفسي من حكّ مؤخّرة رأسي بإحراج.
عندما حدّقتُ في المُستيقظين بنظرة باردة و كأنّني أسأل: ‘ماذا تريدون؟’، تنهّدوا لسبب ما.
“إنّ الدّوقة آرييل حالة خاصّة، و معظم السّحرة ليسوا مستعدّين بعد لدخول البوّابات.”
بينما كان يستمع إلى اعتراض الفارس كايل الهادئ، أمال حاكم الإمبراطوريّة رأسه و قال بهدوء:
“عليكم بالتعاون.”
“…نعم؟”
“تصالحوا بينكم”
“هاه، يا جلالة الإمبراطور؟”
“إلى متى ستستمرّ المجموعتان في التّشاجر مثل الأطفال؟ تعاونوا مع بعضكم البعض و ادخلوا البوّابات في هذه الفرصة.”
فتحت المجموعتان فمهما بدهشة.
تناوبت النّظرات المُصرّة بيني و بين كايسيس.
يا له من أمر مضحك، أنتم مَنٔ كنتم تتشاجرون كالأطفال أكثر!
…هل أنا أتوهم أم أنّني أشعر حقا بوجود احتجاج صامت مختلط في الجوّ؟
التعليقات لهذا الفصل " 121"