نظرتُ إلى ذلك المشهد لبرهة، ثمّ همستُ و أنا أتنهد:
“لوسي، أنـتِ، كان هناك قيدٌ عليكِ حقًّا.”
عدا عن رغبتها في مساعدتي بشدّة، يبدو أن سبب اختفائها المتكرّر كان هذا أيضًا.
بالطبع، لم تُحلّ كل الشكوك.
شرح القطّة حول وجود قيود كان ناقصًا جدًّا.
على سبيل المثال، لماذا أنا بالذّات؟ وكيف سيساعد تلبية أمنيتي لوسي؟
من الواضح أنّ لوسي، بناءً على محتوى الحوار، تبدو و كأنّها قطعة من الحاكم أو تجسيد للحاكم…
‘قيود النّظام، قطعة الحاكم. لوسي لا تملك قوّة قويّة بما يكفي لتكون تجسيدًا مقدسا.’
القطّة التي شاهدها كايسيس في البوّابة ربّما كانت لوسي.
لماذا كان على قطّتي أن تتنقّل عبر البوّابات؟
هل هي تبحث عن شيء ما؟
‘لماذا تجسيد الحاكم بهذا الشّكل؟ وهل سيساعد هذا العالم بأيّ شكل إذا أنهيتُ المهمّة بنجاح…’
نظرتُ إلى القطّة السّوداء النّائمة بشفقة لبرهة.
ربّتُ بلطف على جسدها الملفوف بعينين حزينتين.
الملمس الدّافئ و النّاعم هو ملمس حيوان عاديّ، و لكن هذا المخلوق كان يحميني…
‘شكرًا لكِ.’
همستُ بكلمات لن تصل إليها، و وضعتُ القطّة الثّقيلة جدًّا على وسادة ناعمة.
ثمّ استدرتُ.
“حسنًا.”
لأنّه كان هناك شخص آخر لم يغادر هذا المكان بعد.
“الكاردينال سيروين.”
تحدّثتُ بوجه خالٍ من التّعبير و برودة:
“إلى متى تنوي البقاء هنا؟”
“هاه؟ أنا؟”
فتح الرّجل، الذي تلقّى كلامي اللاّذع كالسّهم، عينيه، ثمّ تنهّد بتذمّر و كأنّه تعرّض بالظلم.
“عزيزتي، هل قرّرتِ الآن التّحدّث براحة أكبر؟”
“انظر إلى تصرّفاتك.”
“حسنًا، جيّد. هذه هي هيبة الدّوقة. لكن لماذا أشعر بالاستياء الشّديد؟ أشعر و كأنّكِ تتعاملين معي باستخفاف.”
“لا تقل أشياء لا فائدة منها.”
“عزيزتييي، أنا مستاء.”
“ألن توقف عن هذه التصرفات؟ لقد حذّرتُك أن تتوقّف عن استخدام هذا اللّقب، فلماذا تستخدمه الآن؟”
عند كلامي هذا، عبّر سيروين عن استيائه بصدق.
“اسمحِي لي بهذا القدر على الأقل. ألم نمرّ بمخاطر موت معًا؟ و علاوةً على ذلك، ألم تسمعي ما قالته مبعوثة الحاكم للتوّ؟ يجب أن تثقي بي.”
همم، هذا صحيح.
بينما كنتُ أراجع ماضيّ بذهني خلف وجهي المتصلّب بالبرودة، تصبّبت عرقًا باردًا.
‘هل كنتُ قاسية أكثر من اللزوم؟’
الحقيقة أنّ كلماتي كانت تخرج باردة بشكلٍ خاصّ تجاه هذا الرّجل.
هل يجب أن أقول إنّ هناك شيئًا مراوغًا فيه يجعلني لا أثـق به…
‘يديّ و قدماي و فارسي؟ لوسي، هل أصابكِ شيء ما؟’
هل قرأ عدم ثقتي العميقة فيه؟
فتح الرّجل، الذي اقترب منّي بخطوة واحدة دون أن أشعر، فمـه بجدّيّة.
“سموّ الدّوقة، آسف إذا لم أمنحكِ الثّقـة الكاملة. لكنّكِ تعلمين الآن أنّـكِ مميّزة بالنّسبةِ لي.”
“…ماذا تنوي أن تفعل الآن؟”
عندما سألتُ بصوت أكثر هدوءًا، ابتسم سيروين و رفع كتفيه على الفور.
“عليّ أن أبقى هنا لفترةٍ أطول، أليس كذلك؟”
عندما نظرتُ إليه و كأنّني أسأل: ‘ماذا تقول؟’، تحدّث و كأنّ الأمر بديهيّ:
“يجب أن أستقرّ في هذه الإمبراطوريّة، يا عزيزتي. يجب أن أكون بجانبكِ لمساعدتكِ. ربّما هانويل… ذلك الرّجل يفكّر بالطّريقة نفسها. لقد رأيتُ بوضوح كيف كان ينظر إليكِ بنهـم.”
بالحديث عن ذلك، كان قد تحدّث عن هانويل بطريقة تشير إلى أنّه مزيّف.
“هل تشـكّ في الكاردينال الآخر؟”
“ألا تشكّين أنـتِ بدوركِ؟”
“…أعتقد أنّ السّبب مختلف عن سببك.”
تذكّرت نظرة هانويل عندما واجهتُه وهو يحتضن لوياس بعد خروجي من البوّابة مباشرةً.
بعد كل ما فعله، كان يبتسم كأنه قلق عليّ، لذا لن يرحل بهدوء كما يقول سيروين.
في تلكَ اللّحظة.
أحنى سيروين، الذي كان أمامي مباشرةً، رأسه قليلًا و قابل نظري.
عبس و كأنّه مستاء منّي لأنّني كنتُ غارقة في التّفكير.
“انظري إليّ أيضًا، يا عزيزتي.”
ثم ركع على ركبة واحدة.
“ماذا… تفعل؟”
“لقد أخبرتُـكِ. لقد كنتُ أبحث عنكِ طوال حياتي. ‘قطعة الحاكم’ المفقودة. القدر الذي يوجد في مكان ما. لذا، دعيني أفعل هذا على الأقل.”
مدّ يده و وضع يدي برفق فوق يديه.
تبعته دون تفكير، ثم اتسعت عيناي من فعلته التالية.
لأنّ الرّجل، الذي اختفت منه كلّ مظاهر المزاح من وجهه، انحنى على ظهر يدي و همس بجدّيّة:
“أعلم أنّـكِ لا تثقين بي. لكنّني أقسم باسمي، يا سموّ الدّوقة. بصفتي شخصًا نال بركة الحاكم و عاش على هذه الأرض، سأتبعـكِ.”
حدّقتُ فيه مذهولة، فابتسم بلطف وهو لا يزال راكعًا و يضع يدي فوق يده كأنها بركة مقدسة:
“أنـتِ هدف حياتي، و مرشدتي الثّمينة.”
“الختم ليس مكتملاً. لا ينبغي أن تُخطئ في فهم ذلك.”
“على الرّغم من أنّ قسوتكِ في هذه اللّحظة تجعلني أشعر و كأنّني سأبكي…”
أحنى رأسه و وضع جبهته على ظهر يدي.
“أنتِ لا تعرفين يا هيلاّريا، كم كان عطشي عميقًا.”
و كأنّه يخفي تعابيره:
“هدف للحياة. شعرتُ و كأنّني سأذبل و أموت إذا لم أجـده. شكرًا لكِ لأنّكِ أخرجتِني من تلك الحياة المروّعة. أقسم لكِ. أنا سروين: سأعيش و أموت من أجلكِ أنـتِ لوحدكِ.”
كان قسمًا جادًّا لدرجة أنّه كان مرهقًا.
كان مشابهًا لقسم الفرسان لسيّدهم.
فكّرتُ فيما يجب أن أقوله، و في النّهاية قبضتُ يدي بقوّة كأنّني أقبله.
لكنّ ذلك لم يدم طويلًا.
رنّ صوت تقبيل مرح .
رفع الرّجل رأسه فجأة و فرك شفتيه على ظهر يدي.
“يا هذا!.”
عندما أمسكتُ برأسه، قابلني بنظره مبتسمًا ببهجة.
“لم تتحمل تلك اللحظة القصيرة و سحبتَ القوة؟”
“آه، عزيزتي. إنّه شعور مُبهج للغاية. أشعر بسعادة بالغة. إذا كان الختم غير الكامل يعطي هذا، فكم سيكون الأمر رائعًا لو كان كاملًا؟”
توقّفتُ للحظة.
الختم النّصفيّ.
الرفيق الآخر
في تلك اللّحظة، تذكّرتُ شخصًا آخر استقرّ بقوّة مرشدة أخرى غير قوّتي.
* * *
‘أعلم. أنـتِ تفكيرين في الإمبراطور مرّةً أخرى.’
كان سيروين سريع البديهة.
لم يكن ليفوّت حقيقة أنّ سيّدته، هدف حياته، التي كان وجهها جادًّا، كانت تنظر إلى الإمبراطور بنظرة مختلفة بشكل خاصّ.
تلك المرأة.
عندما ظهرت المرأة مجهولة الهويّة و هدّأت الإمبراطور.
‘هيلاريا، أنتِ لا تعلمين حتى أي تعبير كان على وجهكِ.’
تلك النّظرة الفارغة.
تلك العينان المرتعشتان و كأنّ ثقبًا قد اختُرِق في قلبها.
تلك الزّاوية المرتجفة من فمهـا و كأنّها على وشكِ البكاء.
هو الوحيد الذي شاهد كلّ هذا.
من المستحيل ألّا يشعر بالغيرة عندما يراها تنظر إلى شخصٍ آخر بهذه النّظرة.
لكنّ حب سيروين الأعمى لتلك المرأة كان أعظم من جشعه و رغباته.
كانت هذه المرأة ثمينة بالنّسبة له.
ثمينة جدًّا.
كان مُنزعجًا من شريكته التي كانت تفكّر في رجل آخر على الرّغم من وجوده أمامها، و لهذا، قام بتقبيل ظهر يدها مرّة أخرى مع صوت و سحب القوّة كما لو كان يحاول جذب انتباهها.
“أنـتَ. لا تتجاوز حدودك.”
هذه المرأة لا تعلم.
مدى روعة الضوء الذي تمنحه له، هو الذي يلفّ جسده بآثار الحاكم.
‘طريقة كلامها لطيفة.’
الدّوقة الباردة و القاسية.
لكنّ في داخلها روح رقيقة مُخبّأة.
كانت التّعابير التي تظهرها أحيانًا و الطريقة التي تتحدّث بها بارتياح أكبر له وحده مختلفة تمامًا عن طبيعتها المعتادة.
شعر و كأنّ غيرته الخفيّة تجاه الإمبراطور قد تبدّدت.
‘أنا الوحيد الذي يعرف جانبكِ هذا.’
هل يجب أن يسمّي هذا تملّكًا؟
سحبت يدها التي كان يمسكها بقوّة بعنف و تنهّدت، و هذا كان تصرّف الدّوقة الأنيقة بحدّ ذاته، و لكن عندما التقت عيناهما رأى اهتزازًا طفيفًا.
‘في الوقت الحاليّ، أظهرِي هذا الجانب الضّعيف لي وحدي.’
كان سيروين أيضًا مستيقظًا يطمع في المرشدة.
سواء كانت تعلم ذلك أم لا، أطلقت المرأة التي شدّت عينيها تحذيرًا مرة أخرى.
التعليقات لهذا الفصل " 118"