كايسيس لا يعلم أنني تلكَ المرشدة التي تزوره في الليل، و يظنّني مجرّد عدوّة تحسّنت علاقته بها قليلاً، لذا فهذه المسافة بيننا منطقية تمامًا.
‘لكن لماذا أشعر بهذا الضيق؟’
المشكلة كانت فيّ أنا.
في تغيّر مشاعري.
حتى في هذه اللحظات، كنتُ أفكّر بحالة كايسيس.
‘حالته ساءت أكثر بعد المعركة.’
لولا تلكَ الإرادة العنيدة التي يتمتع بها، لكان قد انهار منذ زمن.
أمرٌ غريب حقًا.
في هذا اليوم بالذات، شعرتُ بالضيق الشديد من وضعي الذي يجبرني على الاختباء خلف قناع الدّوقة آرييل .
ضيق يصل إلى حدّ الجنون.
‘كان هدفي الوحيد وفقًا لتحذير النظام هو أن أبقى على قيدِ الحياة دونَ أن تُكشف هويتي.’
بينما كنتُ أعبث بزاوية فمي بطريقةٍ مرتبكة، اقترب الكاردينال الممدّد كالهلام و قد بدا الارتياح واضحًا عليه، فابتسم لي بعينيه و شكرني بحركة شفتيه مرارًا و تكرارًا.
تجعّد وجهي فجأة.
أغلق فمـكَ أيها الوغد. كلّ هذا بسببكَ!؟
شعرتُ بمشاعر من اللوم ترتفع داخلي دون سبب.
فجأة، قطع الهواء المتوتر شخصٌ ظهر كالريح.
“سيدي!”
كان كايل، مستيقظ الرياح.
عاد مع الفرسان الذين تفرّقوا، فركع أمام كايسيس.
“لقد أحضرنا جميع الأشخاص الذين كانوا معزولين.”
في لحظة، اندفع عددٌ من الأشخاص الذين كانوا يتلقّون التقارير خلف الفرسان نحوي كالسهام.
“وااآآه”
“سيّدتي!”
“ظننتُ أننا سنموت!”
عندما سمعتُ هذا البكاء الصاخب و الأصوات العالية، انفجرت ضاحكة فجأة.
يبدو أن السحرة صمدوا داخل البوابة دون أن يتراجعوا أبدًا.
“آه! لماذا يبدو ساحرنا الأصغر هكذا…”
“هل تعلمين يا سيّدتي! إن تأثير القطعة الأثرية التي اخترعها أردييل مذهل. كنا نتنفس بصعوبة قليلاً و انخفضت قوة سحرنا كثيرًا عن المعتاد، لكننا كنا بخير تمامًا…”
“مهلاً لحظة. هذه الآثار النارية… إنها لسيّدتنا! لا تزال الأفضل كما هي دائمًا! كيف فعلتها رغمَ انخفاض القوة؟”
همم، يبدو أنهم كانوا يجرون أبحاثًا حتى في خضمّ ذلك. إنهم رائعون حقًا، م أستطع فعل شيء سوى الضحك بدهشة مرّةً أخرى.
“هل كنتم تجرون أبحاثًا و أنتم على وشك الموت؟”
“أليس هذا واجب الساحر؟”
“كيف يمكن أن يكون اختراع ساحرنا الأصغر غير فعّال؟ بالطبع كان الأمر مرعبًا، لكننا اعتبرنا هذه التجربة فرصة عظيمة!”
“بالضبط! هاهاها!”
حتى كبار السنّ كانوا يركضون نحوي ، يمسكون بردائي و يهتفون بحماس.
هذا المشهد كان مختلفًا تمامًا عن السابق.
‘ليس لأن النظام صامت.’
صحيح أن النظام تعطّل و لم يعد يضع قيودًا، لكن ذلك ليس السبب الوحيد.
حتى السحرة الذين كانوا يحافظون على مسافة معي تغيّروا إلى هذا الحد…
‘حسنًا. عندما نخرج، سأحاسب لوسي حسابًا عسيرًا.’
وجود ذلكَ الرجل المسمّى سيروين، و هدف النظام.
كنت أريد التأكد من كلّ شيء عن الوضع الحالي المتغيّر و عن الأمور المقبلة.
لقد أصبحتُ جشعـة.
في البداية، كنتُ أنوي تسليم الإمبراطور إلى البطلة المشرقة فور ظهورها أو العثور عليها.
‘كنتُ أنوي فعل ذلك وفقًا للمهمة الأولى التي تلقيتها.’
لكن الآن؟
‘البطلة المشرقة غير موجودة أصلاً.’
إذًا، لم يعـد من الضروري عليّ أن أتراجع دائمًا أو أخفي هويتي.
‘إذا تيقّنتُ أنني لن أموت حتى لو كُشفت هويتي.’
أنا… أنا…
ألا يمكنني الوقوف أمام كايسيس بصفتي مرشدته الحقيقية؟
على الأقل، لن تحدث تلكَ اللحظات التي يقف فيها المستيقظ خاصتي بهذا الشكل البائس دون أن أتمكّن من توجيهه.
بينما كنتُ أستمع إلى شكاوى السحرة و أنا أنظر إلى كايسيس، كان هو قد اقترب من المرشدات الثلاثة ذات الوجوه الشاحبة.
“صا… صاحب الجلالة.”
“أنتن.”
إيزوليت ، ليان ، و أناييل.
لسببٍ ما، كانت أناييل تنظر إليّ بعينين لامعتان بدلاً من الإمبراطور، فتصبّب عرقٌ بارد من ظهري.
حينها، ضيّق كايسيس عينيه و قال:
“لقد رأيتُ شيئًا ما.”
“…..!”
تنهّد كايسيس بعمق و هو يرى ردة فعلهم الواضحة.
“أعتقد أنكن تعرفن ما أعنيه. سنتحدث كثيرًا عندما نخرج.”
بدت إيزوليت و كأنها اهتزت للحظة، ثم رفعت رأسها و حدّقت في كايسيس، فاندهشتُ.
ما الذي يعطي هذه المرأة كلّ هذه الجرأة؟
“أشكركَ على إنقاذنا. لكن يا صاحب الجلالة، أنا لا أفهم على الإطلاق ما الذي تقصده بكلماتكَ هذه.”
“هاه. هل حقا لا تفهمين؟”
“نعم. أنا بريئة.”
ليان كانت تنظر إلى إيزوليت الواثقة بقلق، و أناييل أدارت وجهها بخيبة أمل واضح.
هل أنا أتوهّم، أم أن هناك جوًّا غريبًا و محرجًا يسود بين المرشدات؟
‘في الأصل، كنّ في الرواية الأصلية دائما معًا.’
يبدو أن بقاء شخصين فقط في الكهف ترك بعض المشاكل بينهم.
‘أناييل، توقفي عن التحديق بي.’
بعد أن رمقتها بنظرة حادة، أدرتُ وجهي.
من الواضح أن انفجار البوابة لم يكن طبيعيًا كما يشتبه كايسيس.
كان هانويل بعيدًا جدًّا، و لم أشعر بأي طاقة مستيقظ آخر.
‘إذًا…هو عمل داخلي.’
بما أن كايسيس يضغط عليهن هكذا، فمن المؤكد أن إحداهن فعلت شيئًا ما.
فهمت ذلك، لكن ألا يجب أن نخرج أولاً؟
إنّ استمرّ على هذا الشكل ، سيفقد السيطرة.
شعرتُ بالقلق الشديد.
يبدو أن طاقته التي تطعنه من الداخل مرئية لي وحدي هنا.
كان ألمه يصلني بوضوح، لكنه يحافظ على تعبير هادئ، فامتلأ حلقي بالتنهيدات.
نعم، هكذا كان يصمد في كل بوابة حتى الآن.
تعكّر مزاجي فجأة.
‘لحظة، هل سيتمكّن من الصمود حتى الليل في هذه الحالة؟’
كنتُ متعبة بشكلٍ مرعب و أريد أن أركض إلى سريري و أنهار فورًا، لكن يبدو أن عليّ ارتداء قناع الخادمة المزيّفة و الذهاب لتوجيه كايسيس.
في تلكَ اللحظة بالذات، اهتزّت السماء.
كان الفرسان لا يزالون يحملون أردييل و ديكاردو المغمى عليهما، و يجمعون بقايا البوابة.
انفتحت طاقة مظلمة زرقاء كأن الأرض تشقّقت، فتشكّل مدخل أزرق داكن على الأرض.
كان مخرج النجاة.
“…..”
“….”
التقت عينا كايسيس بعينيّ للحظة.
حدّق بي كأن لديه شيئًا يريد قوله، ثم أومأ برأسه.
ربّما اكتشف بقايا الإرشاد المتبقية على ديكاردو و أردييل.
و ربّما يشكّ في أن أردييل ليس ساحرًا فقط بل مستيقظ، و أن مستيقظين انفجرت طاقتهم عادوا سليمين.
لكنه لم يسألني.
كأنه اكتشف شيئًا و اختار التغطية عليه.
خفق قلبي بعنف.
لا أعرف إن كان ذلكَ خوفًا أم شعورًا آخر.
على أي حال، لقد نجـوتُ.
قدتُ السحرة الذين يتبعونني كذيل السمكة الذهبية، و خطوتُ نحو مخرج البوابة الذي يبتلع كل شيء.
* * *
عندما انقلب مجال الرؤية و خرجنا إلى الخارج، كان أول ما رحّب بي بكاءٌ صامت.
يـد صغيرة تمسك بثيابي بقوة، مصرّة على عدم تركي مهما كان، بينما الدموع كانت تتساقط دون توقّف.
في الأصل، كنتُ سأكتفي بمداعبة رأس لوياس المعتلّق بي هكذا.
لأنني الدّوقة آرييل.
─تيرينغ
[النظام قيد الاستعادة.]
بينما كنتُ أنظر إلى النظام الذي يصبح أوضح تدريجيًا مع صوت التشويش، انحنيتُ قبل أن يتمكّن من تقييدي مجدّدًا.
بينما السحرة المنهكون يشتكون إلى زملائهم.
“….!”
فوجئ لوياس و اتسعت عيناه، فحملته بين ذراعيّ و رفعته عاليًا.
أمسكت يداه الصغيرتان المذعورة بكتفيّ حتى لا يسقط.
ضممته بقوّة إلى صدري، ثم قبّلتُ جبهته قبلة خفيفة.
لم يكن السحرة وحدهم مَنٔ اتسعت عيونهم بدهشة و هم ينظرون إلى هذا المشهد.
مستيقظو الإمبراطور أيضًا، و النبلاء الذين كانوا ينتظرون عودة الإمبراطور بقلق.
و…
‘أنـتَ.’
و حتى هانويل، الذي كُشف أنه زعيم الأشرار.
‘لن أتركـكَ.’
حدّقتُ فيه بعينين مفتوحتين على وسعهما، و ضممتُ لوياس الذي تجمّـد من الصدمة بإحكام، و أقسمتُ في نفسي.
نجاتي لوحدي لم يعـد كافيًا.
بسلام ، و بأمان ، و بسعادة.
لوياس، و الناس من حولي، و…
‘المستيقظون المربوطون بي بفضل توجيهي.’
و كذلك ذلكَ الرجل، كايسيس.
سأختار الطريق الذي يجعل الجميع سعداء.
في تلكَ اللحظة بالذات، ابتسم هانويل ابتسامة غامضة.
“آغغغ!”
طاقة شرسة واضحة لا يمكن تجاهلها.
“صا… صاحب الجلالة!”
صرخات الناس.
انهيار ذلكَ الرجل.
في اللّحظة التي فتح فيها فمـه.
─دينغ!
رنّ صوت النظام في أذنيّ، ذلكَ الصوت الذي يغرقني في اليأس أحيانًا، و ينقذني أحيانًا أخرى.
التعليقات لهذا الفصل " 114"