اعتمد كايسيس على معصم هيلاريا الذي يتّسع في كفّـه، و على حرارة جسدها التي تنتقل من تحت القماش، ليكبح بالكادٍ تلك العاصفة الغاضبة التي كادت تنفجر من صدره.
‘هيلاريا قويّة.’
لا يعلم كم ارتاح لهذه الحقيقة.
عندما دخل البوّابة، أدرك فورًا أنّها بوّابة صعبة لا يستطيع مستيقظ من الدرجة A مواجهتها بمفرده.
ظنّ أنّ ديكاردو ربما أصيب بجروح بالغة أو تعرّض لأمر فظيع.
لكنّه ما إن رأى آثار المعركة الطويلة حتى ارتسمت ابتسامة على شفتيه.
لقد حوّل لهيب هيلاريا المكان إلى عالم أحمر قرمزي، كأنّه بوّابة أرض بركانية، رغمَ أنّه كان مستنقعًا.
و تحويل المستنقع إلى سهل جاف واسع لم يكن كافيًا، بل وجدها تواجه الثعبان الضخم، فخفق قلبه بقوّة و اندفع إليها كالمجنون.
‘لكن ذلكَ الوغد…’
يتذكّر جيّدًا.
إيزوليت من عائلة المرشدات التي أبدت تحرّكات مريبة.
و الكاردينالان اللذان كانا بعيدين عن المدخل بما يكفي لينجوا من الانفجار.
في كفّـه كان معصم هيلاريا، بدأ نبضها المتوتر يخفق بقوّة.
‘دائمًا ما تكون نحيلة.’
مَنٔ لم يروا هيلاريا عن قرب كانوا يظنّون أنّ سيّدة برج السحر تملك هيبة باردة و صلبة، بأكتاف عريضة و جسم متين و مظهر خشن.
كان يضحك بسخرية عندما يسمع تلكَ الشائعات سابقًا، أمّا الآن فلم يعـد قادرًا على الضحك.
لقد كانت نحيلة إلى هذا الحد.
نحيلة إلى درجة أنّ أيّ قوّة زائدة منه، و هو ذو الجسم الأشبه بجسم وحش، قد تكون كارثة عليها.
كبح تلكَ الرغبة الشرسة في إمساكها بقوّة و عدم إفلاتها إلى الأبد، و أرخى يده عمدًا.
لكنّه حافظ على قبضة كافية ليؤكد أنّه لن يتركها أبدًا، ثم حدّق أمامه.
‘لم يعجبني منذُ البداية.’
كان رجلًا مريبًا للغاية.
كلا الكاردينالين كانا كذلك، لكن هذا الرجل بالذات كان يثير أعصابه كأنّ إبرًا حادّة تطعنه.
‘كيف يجرؤ على مناداتها بـ«عزيزتي»؟’
كان هناك حدّ لاحتقار دوقة الإمبراطورية.
لم تعجبه أبدًا تصرفاته المغازلة الساخرة، و ما أمر لقب عزيزتي هذا؟!
‘لا بدّ أنّ شيئًا ما حدثَ داخل البوّابة.’
و الأكثر إثارة للغضب أنّ عينيّ هيلاريا، التي كان هو الوحيد الذي يعرفهما، كانت تتّجهان نحو ذلك الرجل بارتياح خفيف.
‘كأنّها تنظر إلى شخصٍ في صفّهـا.’
لم يكن هذا موجودًا قبل دخول البوّابة، إذن لا بدّ أنّ شيئًا حدثَ داخلها.
غلى شعور الغيرة داخله بعنف.
‘ماذا فعل بمرشدتي؟’
أراد أن يسحبه إلى غرفة التعذيب حتى يفرغ كلّ شيء.
لو لم يكن عضوًا في وفد المملكة، و كاردينال تحديدًا…
‘لا، حتى لو كان كذلك، لو حدثَ لهيلاريا أيّ أذى لما كنتُ سأتركه…’
ضحك بسخرية وسط المواجهة.
كان قد توصّل سابقًا إلى أنّ هذه المشاعر المشتعلة مجرّد غريزة تملّك و تعلّق فطري يشعر به المستيقظ تجاه مرشدته.
‘هـراء.’
كان هراءً كاملاً.
لو كانت مشاعره مجرّد ذلك لاستطاع السيطرة عليها بسهولة.
شعرَ بالمرأة التي تقف خلفه.
شعر أحمر، بشرة بيضاء، تعبير بارد، نظرات متساهلة تظهر أحيانًا.
أسرارها التي يعرفها هو وحده.
عندما اختفت شعر بالجحيم، و عندما رآها ارتفع نشوة الفرح في صدره.
هذا ليس مجرّد غريزة تملّك.
‘شعور لم أشعر به قط تجاه أيّ من المرشدات الثلاثة.’
شعور بأنه لا يريد أن يُخدش طرف إصبعها حتّى.
عندما وجدها حيّـة أخيرًا داخل البوّابة، كاد ينسى كلّ شيء و يعانقها.
نسـي أعين الآخرين، و وضعها الحالي، و حتى أنّه يعرف جيّدًا أنّها مرشدة الإمبراطور و يتظاهر بالجهل.
‘أردتُ أن أعانقها فقط.’
أن أملأ هذا الحضن بها. أن لا أدع أولئك المزعجين يرون حتى خصلة شعر واحدة منها.
كطائر عملاق يغطّي عشّـه بجناحيه.
وفي الوقت نفسه، شعر بالقلق.
ظنّ أنّ ديكاردو سيكون في حالة بائسة، لكنّه كان مغشيًّا عليه و سليما فقط.
نظر إلى الساحر الشاب من برج السحر الملقى بجانبه، و اكتشف آثار القوّة المتبقّية في جسده، فأدرك أنّه كان مستيقظًا.
‘اثنان من المستيقظين بالفعل حول هيلاريا.’
اتّجهت عيناه الحادّتان إلى الكاردينال الذي يقف بتعبير متقلّب.
‘هذا الوغد أيضًا مستيقظ.’
ربّما هذا هو سبب وجود مَنٔ كان يفترض أن يكون خارج البوّابة داخلها.
استطاع كايسيس، من بقايا الآثار، أن يخمّن نوعه: رائحة و آثار مستقيظ يعبر الفضاء و يفتحه.
‘نقل مكاني إذن.’
و كون هذا الرجل مستيقظ، و لا يزال سليمًا رغمَ انفجار البوّابة، يعني…
‘أنّ الجميع تلقّوا قوّة من هيلاريا.’
إذن هل يعرف هذا الرجل السرّ أيضًا؟
سرّ سيّدة برج السحر و يتظاهر بالجهل.
أنّها في الحقيقة مرشدة قويّة جدًّا.
‘و هل سمحت لهيلاريا له بذلك؟’
لـه ، و ليـس لـي.
كانت مشاعره حقيرة إلى هذه الدّرجة.
أراد أن يجد أيّ ذريعة ليبعده عنها.
“أنا بريء، جلالة الإمبراطور.٫
“لا يوجد تفسير.”
لمع سهم الجليد المهدّد بمزيد من الحدّة.
ابتسم كايسيس.
ابتسامة قاتلة ارتفعت كوحش، فشحب وجه الكاردينال الواقف أمامه تمامًا.
نعم، إذا تخلّص مِمّن تلقّى قوّة هيلاريا بهذه الطريقة…
في تلكَ اللحظة.
“جلالة الإمبراطور.”
صوت هادئ و بارد.
حركة خفيفة تسحب المعصم الممسوك.
سمع صوت امرأة لم يعد يستطيع تجاهلها حتى لو مات.
“ليس هو.”
صوت تدافع فيه عن مستيقظ مشبوه تلقّى قوّتها أمامه مباشرة.
“الكاردينال سيروين بريء. كان معي طوال فترة العزلة داخل البوّابة.”
كان نفس صوتها الذي يجعله يبتسم عادة، لكنّه الآن…
“عالجني بقوّته المقدّسة، و أنقذ حياة إيزوليت إحدى مرشدات جلالة الإمبراطور أيضًا.”
الآن، يشعر بالضيق فقط.
“إنّـه بـريء.”
هيلاريا، أنـتِ تهدّئين رجالًا غيري؟
إلى أيّ مدى؟
هل ترك أحدهم أثرًا على بشرتكِ؟
كما في ذلكَ الوقت، مثل ذلك الأثر؟
“لذلك لا يجوز قتله.”
دارت الحرارة في عينيه الزرقاوين.
* * *
لماذا جـنّ جنونه إلى هذا الحد؟
بالطبع كان هناك شكوك، لكنّ نية القتل التي ظهرت و كأنّه سيقطع رقبة سيروين في أيّ لحظة أرعبتني.
‘لا، لا يجب أن يحدث ذلك.’
إنّه متعاون مع النظام.
لم أسمع بعد تفسيرات واضحة، و كان عليّ أن أسحب هذا الكاردينال المجهول الهويّة إلى قطّتي لوسي لأسمع كلّ شيء.
التعليقات لهذا الفصل " 113"