بالعكس، كان ديكاردو هو مَـنْ تشبّث بكلّ قواه ليصمد داخل البوّابة، و يبدو أنّ أردييل كشف عن هويّته بنفسه و عالجه…
‘كيف لي أن أقول ذلك؟!’
لم يعرف مستيقظ الرياح مشاعري، فبدت عليه علامات التأثّر الشديد.
احمرّت عيناه، و تنفّس الصعداء لرؤية حالة ديكاردو أفضل بكثير ممّا كان يتوقّع.
الحقيقة أنّه كان على وشكِ الانفجار التام، و أنا مَنٔ وجّهته و أعدته إلى طبيعته، لكنّني لم أستطع تفسير ذلك، فأطبقتُ شفتيّ بوقار.
على أيّ حال، لم نعد قادرين على مواصلة الحديث أصلًا.
“تفضّلا بالبقاء هنا قليلًا، سموّ الدّوقة. و كذلك الكاردينال.”
بإشارة من يده، استدعى مستيقظًا دفاعيًّا و وضعه بجانبي أنا و سيروين و الرجلين المغشيّ عليهما.
ما إن غطّتنا كرة نصف شفّافة حتى انضمّ جميع الآخرين إلى معركة كايسيس.
“يا إلهي، مرعب حقًّا.”
رأيتُ سيروين يتمتم باهتمام واضح ثم يجلس بارتياح داخل القبّة النصف كرويّة.
كان كلانا ينظر إلى الشيء نفسه.
‘كنتُ أظنّ أنّ سحري العظيم مهارة احتياليّة لا تُضاهى.’
لكنّ أقوى شخصية في هذا العالم كانت من مستوى مختلف تمامًا.
ما إن بدأ كايسيس ببذل قوّته الكاملة حتى بدأتْ جروح واضحة تظهر واحدة تلو الأخرى على الثعبان الضخم الذي كان بالنّسبة إلينا كارثة طبيعيّة.
قفز قفزة عالية جدًّا كأنّه يطير، ثم هزّ سلاحه.
تحوّل السيف الطويل العادي في لحظة إلى رمح جليدي طويل، و طعن ظهر الثعبان الطويل.
“كييييييييك!”
تحوّل زعيم البوّابة الذي كان يصطادنا إلى فريسة ضعيفة في طرفة عين، و أخذ ينزف الدماء و يصرخ.
“كياآآآآآك!”
كلّما تلوّى الوحش المجروح من الألم، اهتزّ المكان بضجيج مرعب.
“كواآنغ، كواآنغ!”
بينما كنتُ أعبس من غبار التراب المتطاير، غيّـر الثعبان اتّجاه هجومه.
“كياآآآك!”
حطّم الثعبان المستنقعي قفصه الجليديّ بجسده الهائل، ثم استهدف الفرسان الآخرين ذوي القوّة الهجوميّة الأضعف نسبيًّا بدلًا من كايسيس.
انهار جسد الثعبان فوق الفرسان الذين كانوا يهاجمون جروحه بطرق مختلفة.
لكن الفرسان لم يرتبكوا.
“توقّف!”
“ركّزوا الهجوم على الجانب الأيسر!”
“قوموا باستدراجه!”
انفجرت قوى المستيقظين المتنوّعة.
صدّوا هجوم الجسد المتساقط و مزّقوا جروح الثعبان.
في تلكَ اللحظات القصيرة من المواجهة، تشققت الأرض و ارتفع الحطام إلى السماء مرّات عديدة.
كانت المسافة بعيدة فلم أرَ كلّ شيء بوضوح، لكنّني لمحتُ فرسانًا أصيبوا في تلك المناوشة السريعة.
ابتلعتُ ريقي.
هكذا إذن تبدو معركة المستيقظين.
بالطبع دخلتُ البوّابات من قبل، لكنّني لم أرَ قط مجموعة صغيرة تواجه وحشًا بهذا الحجم.
كان الجميع يقاتل بيأس.
‘عنيفة جدًّا.’
تصبّب مني العرق البارد.
لكنّ ما شعرتُ به هو أنّه لم تكن أيّ من وجوههم تحمل ملامح اليأس.
كانوا يقاتلون كمَـنْ يثقون بشخصٍ ما.
جالتْ عيناي بسرعة في المكان.
لماذا لا أراه؟
‘أين كايسيس؟’
لم تتمكّن عيناي من مواكبة سرعة المستيقظين، فتجولت في الفراغ.
لن يُصاب، لكنّ فمي جفّ و شعرتُ بالقلق.
ما إن خطوتُ خطوة إلى الأمام دونَ وعي حتى…
“صاحبة السّمو، لا تتجاوزي الكرة!”
“آه.”
استعدتُ رشدي فجأة عند صرخة المستيقظ الدفاعي الملحّة.
‘يا إلهي، تحرّكتُ دون أن أشعر.’
قبضتُ يدي بقوّة.
في تلكَ اللحظة بالذات، انهالتْ أسهم الماء الباردة و الجليد و العواصف فوق الأرض الناريّة التي دمّرتها تعويذتي سابقًا.
“كواآآآآنگ!”
بينما كان الثعبان يمدّ أنيابه ليهاجم فرسانًا آخرين، أصابت هجمة كايسيس التي تحرّك بها إلى اليسار عين الثعبان مباشرة.
“…..!”
تردّد صراخ مرعب لا يُسمع صوتُه لكنّه يهزّ الهواء.
تخبّط الثعبان بجسده في كلّ اتّجاه من شدّة الإصابة القاتلة.
ثم
“كووووونغ!”
“لقد سقط!”
“الجميع هاجموا، ركّزوا على الوجه!”
اهتزّت الأرض، و انهمر دم الثعبان كالمطر.
سقط دمـه على الأرض السوداء التي لا يزال فيها الجليد و الشرار، فأصدر صوتا غريبًا.
ارتفع صراخ الثعبان عاليًا تحت الهجمات الموحّدة للفرسان.
بدأتْ حركة ذلكَ الجسد الهائل الذي كان يشقّ الأرض تتباطأ شيئًا فشيئًا.
ثم في لحظةٍ ما…
توقّف تمامًا.
رأس الثعبان المشقوق، و الدماء التي تسيل فوقه. كميّتها كانت كبيرة جدًّا حتى بدت كنهر من الدماء.
‘هل مات؟’
في اللّحظة التي دهشتُ فيها داخليًّا، اقترب سيروين الذي وقف فجأة و همس في أذني بخفّة:
“عزيزتي، هذا ليس مزاحًا على الإطلاق، صحيح؟”
علمتُ كم سيبدو هذا المظهر الودود غريبًا و مثيرًا للريبة للآخرين، فضربته بقبضتي في جانبه.
“أغغغ”
ابتعد و هو يصدر صوتًا، فقلتُ ببرود:
“اخرس.”
في تلكَ اللحظة، التقت عيناي بكايسيس الذي التفت إلينا و أخذ ينظر من بعيد.
تلكَ العينان الزرقاوان كانتا تنظران إليّ وإلى سيروين بدقّة.
كانت الشكوك واضحة فيهما.
آه، اللعنة.
‘كيف سأفسّر هذا؟’
من الطبيعي ألا يكون الرجل الذي كان يفترض ألّا يُمسّ بانفجار البوّابة موجودًا هنا، و أنا أعرف تمامًا نوع الشكوك التي تدور في رأس كايسيس الآن.
الجماعة الغامضة التي تسبّبت في كلّ هذا، وفد المملكة الذي ظهر فجأة، و الرجل المريب سيروين.
‘سيظنّ أنّ كلّ شيء مرتبط.’
بينما كتمتُ تنهيدة، اقترب كايل، ممثّل الفرسان تقريبًا، بعد التأكّد من موت الزعيم.
“سموّ الدّوقة، سننقل هذين المغمى عليهما. ستظهر بوّابة الخروج بعد قليل، فانتقلي فورًا.”
“الفارس كايل. السحرة و ثلاثة من مرشدات الإمبراطور، مختبئون . ألا يستطيع المستيقظون الشعور بطاقتهم فورًا؟ من الأفضل أن تأتوا بهم.”
“آه! شكرًا لكِ، صاحبة السّمو. سنبحث عنهم و نحضرهم فورًا.”
ما إن غادر كايل مع فرسانه حتى بقينا فقط أنا و كايسيس الذي اقترب، و سيروين.
ساد صمت بارد.
‘ماذا أقول؟’
لكنّ فكرة أخرى كانت تدفعني بقوّة أكبر.
‘الإرشاد.’
يجب أن أمسك يـده و أساعده.
كانت عيناي مثبتتين على يد كايسيس الملطّخة بالدماء و عبوسه الشديد.
‘هل أصابته هجمة الثعبان؟’
تساقط الدم قطرة قطرة.
يبدو أنّ درجة خطر الانفجار ارتفعت كثيرًا فلم يُشفَ تمامًا.
‘هذا يعني أنّه جاء مسرعًا إلى هذا الحد.’
شعرتُ بوخز في قلبي.
عندما تفحّصته ببطء مرّة أخرى، لم يكن في حالته المعتادة أبدًا.
كايسيس الذي كان يظهر في معظم المعارك دونَ خدش واحد.
عضضتُ على شفتي بقوّة.
أريد أن أوجّهه.
هذا الرجل ، أنا أريد مساعدته الآن فورًا.
‘أريد أن أوقف هذا الدم.’
لكنّه اقترب ملفوفًا بهالة باردة، فنظر إليّ مرّة، ثم إلى سيروين الواقف بجانبي مرّة.
مرّت ابتسامة ساخرة شرسة على شفتيه.
“حسنًا، الآن سأسأل.”
انتشرت رائحة الدم بقوّة.
تحوّلت جثة الوحش الهائل ببطء إلى غبار و تطاير.
تساقطتْ منتجات البوّابة البرّاقة التي يهلّل لها المستيقظون عادة، لكنّ أحدًا هنا لم يلتفت إليها.
لأنّ العينين الزرقاوين كانتا مشحوذتين نحونا فقط بحدّة.
“هيلاريا.”
سيبدأ الاستجواب بي أوّلًا؟!
ما إن ارتعشتُ حتى اقترب كايسيس بخطوات واسعة و أمسك معصمي بقوّة.
“……!”
لحسن الحظّ أو لسوئه، كان فوق الأكمام. لكنّ قلبي خفق بشدّة لأنّ كايسيس نادرًا ما يلمسني بإرادته.
تجمّعت الحرارة في المعصم الممسوك.
كان ذلكَ المكان بالذات هو الذي ترك فيه سيروين أثره بعنـاد قبل قليل.
“هيلاريا.”
ناداني مرّةً أخرى، ثم، بشكلٍ مفاجئ، لم يستجوبني بل أخفاني خلف ظهره.
كأنّه يحميني.
“الكاردينال سيروين.”
و انصبّت نظرة شرسة واضحة كمَـنْ يواجه عدوًّا على سيروين.
“أتذكّر جيّدًا أنّك كنتَ بعيدًا جدًّا عن البوّابة.”
تجمّد وجه سيروين الذي كان يبتسم بسلاسة.
“فلماذا أنـتَ هنا، أيّها الوغد.”
حتى الاحترام اختفى في نبرته.
“اشرح.”
كانت أقواس جليدية حادّة موجّهة نحو سيروين، كأنّها ستمزّقه إن أجاب بشكلٍ خاطئ.
آه، اللعنة.
التعليقات لهذا الفصل " 112"