ربّما كان ذلك أسرع إنهاء لبوابة في التاريخ.
بهذه الطّريقة المجنونة و الخطيرة التي لا تهدأ، أنهى كايسيس البوابة.
عندما قطعت رماح الجليد التي ملأت السماء عنق الوحش العملاق، و تدفّق دمه الأحمر الداكن كالنهر، أخيرًا انفتح مدخل البوابة.
قبل أن يتمكّن الفرسان من قول أيّ شيء، خرج كايسيس أوّلًا من المدخل.
كانت حركته مليئة بالعطش و اليأس.
أوّل ما رآه كان طفلًا صغيرًا يركض نحوه و دموعه تملأ وجهه: لوياس.
كان توسّل الطفل الصامت الممزوج بالدموع يخـزه في قلبه.
عانقه بقوّة لمرّة واحدة ، ثمّ نظر فورًا إلى البوابة التي لم يتمكّن من دخولها.
البوابة المغلقة.
‘هيلاريا داخلها.’
وقـفَ عند مدخل البوابة و هو يحدّق بها بنظرةٍ باردة، فقال كايل الذي خرج خلفه بوجه قلق:
“جلالتكَ، لقد بالغتَ كثيرًا.”
كان يعلم ذلكَ أيضًا.
لكن لم يكن هناك وقت.
“أنـتَ تعلم، أليس كذلك؟ البوابة مغلقة.”
“لكن هناك طريقة، أليس كذلك؟”
“لكن جلالتكَ…”
نظر كايسيس إلى البوابة المتلألئة التي توشك أن تتشوّه و كأنّها ستتكسّر في أيّ لحظة.
في داخلها، كان يدور قتال عنيف.
أنزل بصره و مسحَ رأس لوياس الصغير الذي كان يمسك ببنطاله و يتشبّث به.
“لوياس.”
مسح الدموع التي تجمّعت في عينيه وهو ينظر إلى شفتيه الصغيرتين المرتجفتين.
“أعـدك.”
خدّاه المنتفخان محمّران . يبدو أنّه كان قلقًا حتى وصل الأمر إلى هذا الحدّ.
“لا تقلـق.”
لذا، كان على كايسيس أن يتحرّك، و لو من أجل إعادة ابتسامة هذا الطفل فقط.
“سأنقذ معلّمتـكَ بكل تأكيد.”
أخي الإمبراطور.
وقفَ و هو ينظر إلى كتابة الطفل التي كتبت بسرعة على يـده:
“جلالتكَ”
حمى الفرسان الباقون لوياس بسرعة، و وقف كايسيس أمام البوابة المغلقة بإحكام.
‘هيلاريا.’
تحمّلي قليلاً فقط.
“سأفتحها بالقوّة.”
شعر بذهول الفرسان، لكنّه تجاهل الجميع و بدأ يرفع قوّته إلى أقصى حدّ.
انتشرت برودة قارسة في كلّ الاتجاهات.
ثمّ ─
بوم!
─كررررر!
مرّة أخرى!
“بالتأكيد.”
كما لو كان يضرب صخرة ببيضة، بدأ يجبر مدخل البوابة الذي يبدو أنّه لن يتحرّك أبدًا على الانفتاح.
“هيلاريا، بالنّسبة لي…”
مع ألم يشبه خلع كلّ جسده، بصق الدم الذي كان يتصاعد فجأة.
صريييير──
“أنـتِ…”
اصطدمت قوّته بالبوابة التي تصدر صوت احتكاك مرعب مرّة بعد مرّة.
و أخيرًا،
كرررك.
“بالتأكيد.”
حتى تتشقّق تلك الجدار الشؤم.
* * *
كانت طريقتنا في الهروب بسيطة.
لا يمكننا ترك الاثنين الفاقدين للوعي، لذا أمسكتُ بهما، بينما كان سيروين يبعدنا بصعوبة عن موجة الوحوش.
لكن لم نتمكّن من تفاديها تمامًا، فكنتُ مضطرّة لاستخدام رماح النار باستمرار.
“رائعة يا عزيزتي!”
سيروين، الذي لا يعرف سرعتي، كان يطلق تعليقات إعجاب عند رؤية التماسيح العملاقة التي تحترق و تسقط ، لكنّني كنتُ أعلم:
‘إذا استمرّ الأمر على هذا النحو، فلن ينتهي أبدًا!’
مهما زاد عدد استخدامات مرات السحر ، إلا أن هناك حدّ.
‘ربما أستخدم الكارثة الكبرى؟’
لكن الكارثة الكبرى…
لم أجرؤ حتى على التفكير في تجربتها.
لأنّه عندما أضغط على الكارثة الكبرى، تظهر هذه النافذة:
[هل ترغبين في استخدام الكارثة الكبرى؟
تحذير: الكارثة الكبرى سحر عظيم لا يمكن لأعظم السحرة استخدامه إلّا مرّة واحدة في اليوم.
سيستهلك 10 مرات.]
و علاوةً على ذلك، نحن في منطقة مستنقعات.
إذا استخدمتُ السحر الذي يقلب السماء و الأرض، فقد يجرف حلفائي حتّى.
لذا كنتُ أستخدم رماح النار بشكلٍ أساسي، لكنّ
‘نطاق رماح النار ضيّق. أحتاج سحرًا واسع النطاق…’
إذا استمرّ الأمر هكذا، سنُحاصر تمامًا.
سيروين يتظاهر بأنّه بخير، لكن وجهه شاحب، يبدو أنّ هناك حدّ لحركته السريعة مع الجميع.
كان عليّ اتخاذ قرار.
“إلى هناك أوّلًا.”
أشرتُ بإصبعي إلى مكانٍ في المستنقع يمكنه كسب بعض الوقت.
سيستغرق الوحوش وقتًا طويلاً لتسلّق الجرف العالي، و سأستغلّ تلك اللّحظة.
“وااه، سأموت!”
سقط سيروين فورًا بعد نقلنا مكانيًا و إفلاتنا.
قرّرتُ أن أستخدم الفرصة التي ادّخرتها حتى هذه اللحظة.
النظام لا يزال يومض، لكن
‘سحب سحر واحد على الأقل ممكن، أليس كذلك؟’
النقاط التي ادّخرتها بكلّ جهد.
أرجوك، سحر واسع النطاق واحد فقط.
بيـدٍ مرتجفة حرّكتُ إصبعي، فظهرت نافذة النظام:
[هل…ترغبين…في…سحب…سحر؟]
ماذا أفعل؟
شكل نافذة النظام خطير جدًا.
‘يبدو أن النظام يحتضر؟’
باختصار، كان ممزّقًـا.
صوت التشقق المزعج كان مشؤومًا.
عضضتُ شفتيّ بقلق و ضغطتُ “نعم” بسرعة، فظهر شيء بعد إصدار صوت.
و السحر الذي ظهر كان…
‘مطر النار؟’
ضغطتُ على الشرح لقراءة تفاصيل السحر.
لكن في تلك اللّحظة بالذات.
── پوف!
“……”
كما لو أنّه لم يعد يتحمّل، أصدر النظام صوتًا مشؤومًا و اختفى من أمام عينيّ.
“هيّا، عزيزتي؟”
سحر بدون نظام…
و سحر لم أقرأ شرحه حتى… هل يمكن استخدامه؟
“عزيزتي! عزيزتي!”
“اخرس.”
لم يكن هناك وقت للتردّد.
استدرتُ نحو الاتجاه الذي يصرخ فيه سيروين المذعور.
استخدمتُ فورًا السحر المسمّى [مطر النار].
ثمّ…
“آغغ.”
في البداية تفاجأتُ من الشعور بأنّ كلّ المانا تُعصر مني، على خلاف كل أنواع السحر الذي استخدمته حتى الآن.
“يا للجنون.”
و تضاعف ذهولي حين انفجر في السماء وهجٌ أحمر لا يُعدّ و لا يُحصى خلال ثوانٍ معدودة.
‘ساحرة عظيمة؟…هذا الشيء غير معقول’
في اللحظة التي اكتمل فيها السحر،
حتّى بدأ مطر النار ينهمر من السماء مع شهقة سيروين المذهول.
── كوااااا!
كما لو أن نيازك سقطت على الأرض.
“كياآآآآك!”
“كراآآآآك!”
سقط مطر النار كالقذائف على رؤوس الوحوش التي كانت تتدفّق كالأمواج.
و ترامت أصوات الانفجارات مع ارتجاف الأرض وكأنّ الجبال تنشق، حتى أنني— أنا مُطلِقة السحر ذاتها— تجمّدتُ مذهولة أمام المشهد.
في أقل من دقيقة واحدة،
تمزّقت التماسيح العملاقة بوحشية تحت حدّة اللهب المتساقط بغزارة من السماء، دونَ أن تترك جلودها حتّى.
لم يتبقَّ إلّا رماد متناثر بوضوح.
طقطقة، طقطقة
رائحة دخان تحرق الأنف.
سعل سيروين عدّة مرّات، ثمّ استدار نحوي ببطء.
أشار بأطراف أصابعه البيضاء إلى المشهد المروع أمامنا.
“عزيزتي. الجبل اختفى.”
“.…”
“لا يمكن أن تكون السّاحرة العظيمة أقوى من مستيقظ من الدرجة S، أليس كذلك؟”
“….”
“نظريًا، لا يفترض أن يتمكّن السحرة من استخدام قوّتهم الكاملة داخل البوابة.”
“اخرس.”
لكن كان هناك حدّ أيضًا.
جلستُ فجأة في مكاني كما لو أن جسدي انهار.
أوقفتُ سيروين الذي حاول الاقتراب مذعورًا بيدي و هززتُ رأسي.
‘ أشعر بأن المانا في جسدي قد انتهت تمامًا.’
من الواضح أنّ مطر النار كان سحرًا من نفس مستوى الكارثة الكبرى.
ألم يسحق الأرض و يجعل التضاريس مستوية حتّى أصبحت سهلاً؟
السّاحرة العظيمة، مخيفة حقا.
لكن بعد أن تجنّبنا خطر الموت المباشر، تنفّستُ الصعداء براحة أكبر.
رغمَ ذلك ، كان هناك شيء نسيناه.
عند استخدام سحر بهذا الحجم، فإنّه سيتمّ جذب انتباه زعيم هذه البوابة،
ذلكَ الوحش الضخم الذي هربتُ منه بكلّ ما أوتيتُ من قوّة.
شعرنا أنا و سيروين المنهارين بنفس الشعور المرعب في اللحظة نفسها.
رعب يقشعرّ له البدن.
غريزة.
إدراك أنّ علينا الهروب فورًا.
“……عزيزتي، أنا أرى شيئًا غريبًا.”
أنا أراه أيضًا.
“أليس ذلكَ رأس ثعبان؟”
بينما أسمع صوت سيروين المذهول، فكّرتُ:
‘ذلكَ الشيء الذي يكبر بجنون، لا يمكن أن يكون زعيم هذه البوابة، أليس كذلك؟’
اللعنة! لماذا قد يطير ثعبان يعيش في المستنقعات؟
“……”
“……”
في النهاية، غطّى ظلّ كثيف رؤوسنا.
وحش هائل على شكل ثعبان، يبدو أنّه أصبح أكثر سمّية ممّا كان عليه عندما التقينا أوّل مرّة، و كأنّه مرّ بالانسلاخ و النموّ عدّة مرّات.
هبط بقوّة على الأرض.
“كرآآآآآآآ!”
مزّق صراخه الهواء.
انبطحنا أنا و سيروين على الأرض.
لم يكن ذلكَ بإرادتنا.
كأنّنا سُحقنا تحت جاذبية خانقة و مخالب هائلة تضغط علينا بلا رحمة، سقطنا أرضًا كما لو كنّا نلفظ أنفاسنا الأخيرة اختناقًا.
آه.
آآآه.
‘مؤلم.’
شعرتُ أنّ أذنيّ ستسقطان… أو تتمزّاق.
لا، الأمر أشبه بأنّ روحي تهتزّ.
‘إنّـه مؤلم!’
أشـدّ ، و أفظع ، مما حدثَ في المرّة السابقة.
‘آه…. رأسي.’
يصبح غريبًا.
في كلّ مرّة يصرخ فيها، أعجز تمامًا غن فعل أيّ شيء.
يأس ، رعب ، و انهيار الذات.
إن استمرّ الأمر… سأمـوت…
‘هل… سأمـوت هكذا؟’
لا. لا… أنا…
أنا أريـد أن أعيـش.
أن أعيـش…
‘كايسيس.’
أن أعيـش بحرّية…
و أفعل كلّ ما لم أستطع فعله في حياتي السابقة.
“.…س.”
أريد أن أعيـش بهذه الطّريقة.
“كا….”
شعرتُ بانفجار الأوعية الدمويّة في عينيّ. رأيتُ سيروين يمـدّ يـده ليشفيني و فمـه يتحرّك بينما الدم يتناثر مني.
صرختُ بأعلى صوتي.
باسم شخـصٍ قد ينهي هذا الجحيم.
أقوى شخـص في هذا العالم.
“كايسييييييس……!”
المستيقظ خاصّتـي.
ثمّ ضربت صاعقة المكان.
── كوآآآآآنك!
دوي هائل، و صدى يَشُقّ الأرض.
“كيآآآآك!”
صرخة الثعبان العملاق .
رماح جليدية لا تقارن بمطر النار الذي استخدمته ، أخذت تقطع الوحش و تخترق الأرض بشدّة.
“هيلاريا.”
و صـوت جعلني أشعر أنني أريد أن أبكي من شدّة الفرح.
“الآن.”
عينان زرقاوان لامعتان تنظران إلـيّ مباشرةً.
“هل ناديتِ باسمـي؟”
التعليقات لهذا الفصل " 110"