تحت نظرة الإمبراطور الحادّة كالسّكين، تجمّدت شفتاي.
كأنّ ضوءًا أحمر غير مرئيّ يومض بتحذيرٍ قاتل.
‘يجب أن أقول شيئًا، أيّ شيء.’
في الأحوال العاديّة، كان يفترض أن يظهر الآن صوتٌ خفيفٌ مع “طنين”، و يسلب النّظام السّيطرة على جسدي.
لكن، لسببٍ ما، كانت نافذة النّظام صامتة.
‘الآن حين أحتاجـكِ، تصمتين؟’
حتّى لو لم أكن مرشدة، كان بإمكاني معرفة ذلك من الجوّ وحده.
الإمبراطور يشـكّ بي.
‘و يشتبه بي بشدّة!’
يعتقد أنّ هناك مرشدةً بين السّحرة، و أنّ الدّوقة آرييل، عدوتُـه، تملكها و تخفيها عمدًا.
‘عندما يلتقي المستيقظ بشخصٍ يمكنه إرشاده، عادةً ما يفقد عقله.’
خاصّةً المستيقظون من الطّراز الرّفيع الذين يعانون من قلّـة المرشدين المتوافقين معهم، فإنّ هوسهم يكون شديدًا لدرجة لا يمكن تخيّلها.
في كوريا، تسبّبت هذه الهواجس في جرائم تتبّع أدّت إلى مشاكل ليست بالقليلة.
لذا، على الرّغمِ من تعبير الإمبراطور الخالي من العواطف كالتمثال، فإنّ داخله بالتّأكيد مضطربٌ بشكلٍ مرعب.
تحدّث الإمبراطور، كايسيس:
“يا دوقة، فكّري جيّدًا. ألا تخافين من كيف سأفسّر صمتكِ الآن؟”
“….”
“إذا أصررتِ على الصّمت، فماذا يجب أن أفعل؟”
يا إلهي! لكن!
كيف يمكنني أن أقول أنّ المرشدة التي هربت هي أنا بالفعل، و أنا الدّوقة آرييل التي تكرهها بشدّة؟
تحرّك فمي قليلًا.
خاصّةً من أجل إكمال مهمتي، يجب ألّا أكشف هويّتي أبدًا، حتّى لو وُضع سكّين على رقبتي.
كنت سأجـنّ حقًّا.
لماذا قمتّ بالإرشاد في هذه الفوضى؟
لا، في ذلك الوقت، كان هذا هو الخيار الأفضل!
في هذا الجوّ القاتل، فتحت فمي أخيرًا:
“إذا…”
كانت نظرة الإمبراطور، التي تحرّكت حاجباه فقط كما لو يقول “تكلّمي”، متعجرفةً جدًّا. لكنّها كانت مخيفة لدرجة جعلت العرق البارد يتصبّب على ظهري.
‘اللعنة على هذا المستيقظ.’
هكذا إذن، أنقذه ثمّ يصفعني و يطالب بحقيبتي أيضًا.
حدّقت به كما لو كنت أنظر إلى إنسانٍ ناكر للجميل، و فتحت فمي و كأنّني أمضغ الكلمات:
“إذا كان الأمر، كما تظنّـه جلالتك، و كانت هويّة تلكَ المرشدة واحدةً من السّحرة لدينا، فما الذي تنوي فعله؟”
ابتلعتُ ريقي ببطء، متظاهرةً أنّني الدّوقة الباردة و المتّـزنة.
“ألن تكون هذه نتيجةً لا ترغب بها، جلالتك؟ في اللّحظة التي أجدها فيها، سيصبح الأمر رسميًّا بين السّحرة. حتّى لو استدعيتني بشكلٍ خاص و أصدرت أوامركَ كما تفعل الآن.”
أتمنّى ألّا يكون قد لاحظَ العرق البارد المتجمّع على صدغيّ.
رأيت شفتَي كايسيس الجميلتين تنحنيان في الوقت الحقيقي.
حسنًا، لا يهم، واصلت إلقاء الكلمات:
“و علاوةً على ذلك، إذا كان ذلكَ الشّخص، كما تشكّ جلالتك، أوّل شخصٍ يمتلك طبيعتين كساحر و مرشد في آنٍ واحد…”
“ماذا إذن؟”
“بصفتي قائدة السّحرة، سأحميه بشدّة.”
ارتجف حاجبا الإمبراطور.
رأيت يـده، التي كانت تغطّي ذقنه النّاعمة، تنزلق إلى الأسفل.
بالنّسبة لساحرةٍ عاديّة، قد لا يهمّ، لكن بالنّسبة لي كمرشدةٍ أستطيع الشّعور بهالة المستيقظ، كنت كمَـنْ يرى برميل بارودٍ على وشك الانفجار.
كانت هالته تتقلّب بعنف.
تتصاعد كالأشواك و تتشنّج.
هالة المستيقظ تتزامن مع حالته الذّهنيّة والعاطفيّة.
بمعنى آخر، هذا الرّجل يريد الآن أن يضربني بشدّة.
“إذن، ما تقولينه الآن، يا دوقة…”
كما توقّعت، خرجَ صوت كايسيس، مع صوت تكسّر الأرضية، منخفضًا و عميقًا كما لو كان قادمًا من الجحيم.
“هل تعنين أنّكِ ستخفينها تحت اسم الحماية بعيدًا عن عينيّ و أذنيّ؟”
رفعت زاوية فمي المتصلّبة، مبتسمةً بأكثر طريقةٍ وقحة ممكنة:
“يعني أيضًا أنّني لن أضعهـا تحت سلطتكَ، جلالتك. لذا أقول، ألن يكون من الأفضل أن تتحرّك بنفسكَ بنشاط كما تفعل الآن بدلًا من ترك الأمر لي؟”
تجمّعت هالةٌ حادّة كالسّكين في أطراف أصابع الإمبراطور للحظة ثمّ تبدّدت.
تشـوّه وجهي تمامًا.
يا إلهي، هل حاولَ قتلي للتوّ؟
بغضّ النّظر عن الأمر، برقت عيناه الزّرقاوان بوضوح نحوي.
“تقولين لا تعبثي و تجعلين الأمر معقدًا. لكن، يا دوقة…”
“نعم، جلالتك.”
“لقد تأخّـر الأمر بالفعل.”
هذا الرّجل، يبتسم لي، لكنّني أعرف جيّدًا أنّه ليس مبتهجًا.
“لقد كشفتُ حقيقةً مهمّة جدًّا لعدوّتي. بمجرّد أن يُقال الكلام ، لا يمكن استرجاعه.”
شعرت بإحساسٍ غريب.
أليس هذا يعني…
أنّه يائسٌ لدرجة أنّه يجعل عدوّته شريكة في هذا الأمر؟
و أنّه يثـق، و لو قليلًا، بأنّني لستّ الشّخص الذي سيستغلّ نقطة ضعفه و يهـزّه أو يضع قيدًا حول عنقه؟
لكن، الشّخص الذي يبحث عنه بشدّة… هو أنا.
“لنرتب الأمور. ظهرت مرشدةٌ تستطيع الإمساك برقبة أقوى مستيقظ في الإمبراطوريّة. وقد تكون تلك المرشدة تحت ظلّكِ.”
“نعم، هذا أصبح نقطة ضعفٍ قاتلة لكَ، جلالتك. وأنا يمكنني اليوم أن أخرج متظاهرةً بأنّني لم أسمع شيئًا.”
“كفّي عن التظاهر بعدم الفهم، أيتها الدّوقة آرييل. ألـم أقل لكِ؟ هذا تحذيرٌ لكم أيضًا.”
اللعنة، اللٌعب بالكلمات لا ينجح.
ابتلعت ريقي.
ربّما لو نظرت في مرآة الآن، سأرى وجهًا شاحبًا مضيئًا، لكن بما أنّ وجهي عادةً شاحب، فلن يُلاحظ ذلك كثيرًا.
مرّر كايسيس يـده على ذقنه النّاعمة:
“الصّراع بين السّحرة و المستيقظين ليس بجديد. لكن، الحقيقة المزعجة هي أنّ السّلام في الإمبراطوريّة يُحافظ عليه بالكاد بسببِ صراعنا أنا و أنـتِ.”
“ثمّ ماذا؟”
“هل تريدين كسر هذا التّوازن؟”
إنّه يهدّدني بنفسه.
شعرت بالظلم الشّديد، لكن الدّوقة تحت الإمبراطور هي في النّهاية الأضعف.
“هل تعني أنّك ستمنحينني فرصةً لتجنّب ذلك؟”
“نعم.”
“إذا أحضرت تلكّ المرشدة…”
“سيبقى السّلام محافظًا عليه.”
لعنت النّظام الذي لا يساعدني في مثل هذه اللحظات و بدأت أتفوّه بأيّ كلام:
“ماذا لو كان الأمر خارج قدراتي؟ ماذا لو حدث شيءٌ مؤسف؟”
كرااك.
مزّقت قوّته المرئيّة الأرضيّة.
حرفيًّا، “مزّقتهـا”.
يا للجنون!
أردت أن أصرخ و أجلس على الأرض و أتراجع زحفًا، لكن أفضل ما استطعت فعله هو بذل قصارى جهدي لمنع رجليّ المرتجفتين من الانهيار.
“أنا آمـركِ، يا دوقة.”
“… أنا أستمع.”
“ابحثي عن منقذتي. قدّميها لي بنفسكِ كما لو كنتِ تقدّمين عرضًا.”
شعرت كما لو أن رقبتي كانت تخنق.
لماذا قرأتُ بإصرار روايات تحمل كلمة مفتاحيّة عن المرشدين لأصل إلى هذا المصير؟
“هذا ليس تحذيرًا من نوع المراوغة التي اعتدنا عليها، يا دوقة. كما قلتِ، أنا وحشٌ مجنون لا يستطيع التخلّي عن الثّمرة التي تذوّقها مرّة. أريد إزالة أيّ شيء يعيقني.”
“….”
لم يكن هناك خيار.
إثارة هذا الرّجل أكثر لن تكون خيارًا صحيحًا.
بل ستزرع المزيد من الشّك بأنّني أحاول إخفاء شيء.
رفعت الرّاية البيضاء أخيرًا:
“كنتُ دائمًا خادمةً ممتازةً للإمبراطوريّة. أعدكَ بتعاونٍ و دعمٍ نشط من السّحرة بناءً على أمر جلالتك.”
سُحبت هالتـه.
في الوقت نفسه، أصبح التّنفّس أسهل.
لكن رؤية عينيه المنحنيتين وهو يستمتع بهزيمة العـدوّ لم تكن مريحة.
اللعنة عليك، هل يُرضيك هذا؟ أنا الآن يجب أن أواصل مهمّةً قاتلة، بينما حياتي على المحكّ!
“لكن…”
رميت حجرًا في الجوّ الذي كان يهدأ:
“لا يمكنني أن أضمن ذلك تمامًا.”
عادت عيناه المرتخيتان بارتياح إلى البرودة.
لكن لا خيار، يجب أن أمهّد الأرضيّة إلى حدٍّ ما.
حقيقة أنّ الخيارات في المهمّة قد انقسمت تعني أنّ هناك مرشدةً أخرى في هذا العالم تناسب الإمبراطور غيري.
حتّى لو كانت البطلة الرّئيسيّة المشرقة قد اختفت كما لو تبخّرت دون أثرٍ يسهل العثور عليه!
إذن، يجب أن أكسب وقتًا.
“وماذا يعني ذلك؟”
طق، كانت أطراف أصابع كايسيس، التي أمسكت بمقبض الكرسيّ، ناعمةً و جميلة كبطلٍ رئيسيّ، لكن مشهد التصدّع و التكسّر مع حركة إصبعٍ صغيرة لم يكن جميلًا.
“حتّى كلاب الصّيد الشّرسة التي تملكها جلالتك لم تستطع العثور عليه بسهولة، أليس كذلك؟”
“و ماذا بعد؟”
حدّقت مباشرةً في عينيه الباردتين بنزعةٍ مزعجة و دفعت المسمار:
“يجب أن تمنحني وقتًا. و أيضًا، لا تحمّلني مسؤوليّة نتائج البحث.”
ضحك المستيقظ، الذي نفـد صبره من كلامي، بعصبيّة:
“كيف أعرف إن كنتِ ستبحثين أم تتظاهرين بذلك فقط؟”
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 11"