شعرتُ بعرق بارد يتصبّب في ظهري من كلماته التي نزلت كالقنبلة.
‘حتّى حديثنا السابق كان كذلك.’
كنتُ مشغولة لدرجة أنني نسيت، لكن سيروين كان يثرثر وقتها أيضًا بأن علاقتنا ليست عاديّة.
تجهّم وجهي فجأة.
هل كان يعلم؟ إلى أي مدى؟ و الأهم، كيف عرف أنها أنا؟
‘هل يعني ذلكَ أن هذا الرجل مستيقظٌ أقوى من كايسيس؟’
لا، هذا غير منطقي.
مستوى كايسيس حقيقيّة.
الطاقة الواضحة التي انبعثت من كايسيس عندما اقترب لم أشعر بمثلها في الإمبراطورية ولا في حياتي السّابقة.
‘لكن لماذا هو الشخص الوحيد المختلف؟’
النظام قال أن هذا الرجل متعاون.
متعاون…
عندما نظرت إليه بشك، ابتسم ابتسامة لا تُوحي بأي ثقـة.
‘متغيّر لم يكن موجودًا في الأصل، و مع ذلك تدخّل في حياتي بشكلٍ كبير جدًّا، و الآن استُدعي بواسطة النظام حتّى.’
أنا لا أعرف شيئًا تقريبًا عن هذا الخصم.
إذا كان عدوًّا، فقد أُهزم دونَ أن أستطيع فعل شيء.
“لا أفهم ما الذي تتحدّث عنه.”
هل أنكـر؟
“عزيزتي، هل ستفعلين ذلكَ مجددًا؟”
بينما أعـضّ شفتيّ و أحدّق فيه، وقف الرجل فجأة و اقترب مني.
انحنى قليلاً ليتساوى مستوى عينيه مع عينيّ، ثم ابتسم سيروين ابتسامة خفيفة.
العينان الخضراوان اللتان تبدوان غامضتين عادةً بدتا للحظة لطيفتين.
“يبدو أن أفكاركِ معقدة، هل نحـلّ هذا أولاً؟”
“ماذا؟ ما الذي تعنـيه؟”
“ألا تشمّين رائحة الدماء؟”
قال سيروين بعينين خضراوين بدتا رقيقتين نسبيًا:
“جلـدكِ الجميل جُرح يا سموّ الدوقة. أنـتِ في حالة فوضوية الآن.”
عندها مـدّ يـده.
في الوقت نفسه، غمرني ضوء دافئ انتشر بلطف.
غريب، كان دافئًا بشكلٍ مريح.
شعرتُ بالجروح التي لا أعرف متى أُصبت بها في كل جسدي تلتئم. لقد كان شعورًا لطيفا.
شعوري بالألـم كان يـزول.
‘آه.’
هذه الطاقة الدافئة هي قوّة سيروين المقدّسة.
لكن هذه القوة المقدّسة…
‘غريب. لماذا تذكّرت لوسي الآن؟’
قد يبدو كلامي غريبًا، لكنها تشبه الدفء الذي أشعر به عندما أدفن وجهي في بطن تلكَ القطة السوداء اللامبالية المزعجة.
في تلكَ اللّحظة ، شعرتُ مجدّدًا بنظرة تراقبني كأنها تحلّلني.
“أبعـد عينيكَ.”
“آه، قاسية جدًّا.”
“إذا أردتَ من أحدهم أن يجيبكَ، فعليكَ أن تشرح كلامكَ جيّدًا. لا ترمِ كلامًا غامضًا غير مفهوم.”
بالطبع لم تخرج مني كلمات لطيفة.
بـدت على سيروين علامات الحزن بسببِ كلامي البارد، لكنها كانت مصطنعة جدًّا لدرجة أنني لم أتمكن من فعل شيء سوى الاستهزاء منه في داخلي.
“أنتِ قاسية جدًّا يا عزيزتي. لقد فعلتِ ذلك المرة الماضية أيضًا، إلى متى ستتظاهرين بعدم المعرفة؟ أنا أعلم كل شيء.”
“لذلك….أجـب.”
“ماذا؟”
“مَـنْ أنـتَ.”
وقفتُ أمام ديكاردو و أردييل بنيّة الهجوم إذا لزم الأمر .
في تلك اللحظة، رأيتُ في عينيّ الكاهن الثاقبتين حزنًا حقيقيًا، فتوقفتُ للحظة.
“سأقولها مرة واحدة فقط يا دوقة.”
هـبّ نسيم.
عندما عبستُ قليلاً لأن شعري دغدغ عينيّ، مـدّ سيروين يـده و مسح بإبهامه داخل معصمي حيث ترك أثرًا سابقًا.
[المستيقظ الذي تـمّ ختمه يلامس.]
“أنا دائمًـا في صفّـكِ.”
ما هذا الكلام مجددًا؟
“بحثتُ عن شخص طوال حياتي. بحثتُ و بحثتُ. و كنتِ أنـتِ هذا الشخص يا هيلاريا. لذلك…”
عبستُ و حاولتُ سحب يـدي لكنها لم تتحرّك بسهولة.
“حتى لو رفضـكِ العالم، حتى لو رفضـكِ الجميع، سأكون إلى الأبـد في صفّـكِ يا عزيزتي. أنا أول خادم للحاكم الأعلى، و أنـتِ قطعة من الحاكم.”
“…..ماذا؟”
“أنتِ الأكثر حبًّـا من قِبل الحاكم.”
ما هذه الترّهات؟
‘حاكم؟ هل يقصد أن النظام قوّة مقدسة؟ إذن ماذا عن لوسي التي أعطاني إياها النظام؟’
عندما رفعتُ حاجبيّ بقوة، أطلقَ سيروين ضحكة خافتة و نظر إلى الاثنين المُغمى عليهما خلفي.
“لكن يا عزيزتي، هذان أيضًا مرتبطان بـكِ مثلي، صحيح؟”
لماذا يتكلّم هذا الرجل فجأة بلا رسميّات؟
و منذُ المرة الماضية و هو يردّد “عزيزتي” كما يشاء.
“أعلم أنـكِ تعبتِ من تهدئة هذين.”
كدتُ أردّ عليه بقسوة، لكن سيروين أصدر صوتًا متألما و هو يضغط بقوّة على داخل معصمي.
“أنا أيضًا مستيقظ.”
قالها بصوت متدلّل و ابتسم، ثم ضغط بقوّة على جلدي.
“لقد استخدمتُ قوّة كبيرة جدًّا لأجدكِ. لذلك أنا الآن متعب و أشعر بالدوار. عزيزتي، القليل فقط. ما رأيكِ؟”
و ها قد بـدأ مجدّدًا.
كما حدثَ في تلكَ اللّيلة.
“أنتَ!”
بدأت الطاقة تُسحب مني بقوّة.
لكنها مختلفة عن إرشاد أردييل و ديكاردو.
‘الإرشاد يحدث قسرًا مجددًا!’
سواء صدمت أم لا، همس سيروين :
“آه، رائع جدًّا. حبيبتي، أنا سعيد حقًا. أين كنتِ مختفية حتى الآن…”
وجهه الوسيم موضوعيًا كان مشتّتا، و خدّاه محمّرتان ، لذلك شعرتُ بشعور غريب جدًّا.
كأنني أصبحتُ منحرفة معه!
لكن السّبب الذي منعني من دفعه بقسوة لم يكن فقط قوّة يده التي تمسك بي و كأنها لن تتركني أبدًا.
‘تلك القوة المقدّسة اللعينة.’
عندما لامستني تلكَ القوة الدافئة، شعرتُ غريزيًّا أن هذا الشخص لن يؤذيني أبدًا، و أن كلامه صحيح و أنه في صفي تمامًا.
كان شعورًا مشابهًا لتلكَ القطة السوداء التي كانت تحذرني عن عدم معرفتي هويتي، لكن قلبي يرتاح بجانبها.
عدت إلى وعيي في لحظة، فرفعتُ رأسي دونَ وعي، عندما رأيتُ شيئًا ما خلفنا تجمًّد وجهي.
نظرتُ إلى الرجل المرتاح من امتصاص طاقة توجيهي، ثم اتخذتُ قراري.
“أعلم أنّـكَ تشعر بالراحة الآن.”
“همم؟ ماذا؟”
“أنـتَ. يا مستيقظ قدرة الإنتقال.”
أطلقتُ طاقتي بقوّة.
لم تعـد قوّتي تُسحب قسرًا، بل كنتُ أنا بنفسي أدفع طاقة الإشاد إلى سيروين حتى الحد الأقصى.
بما أن النظام هادئ رغمَ أن هويتي كمرشدة انكشفت ، فلا توجد مشكلة كبيرة.
“آه، لذيذ جدًا… لكن عزيزتي، لماذا فجأة؟”
“كُـل.”
“ها؟”
“قُـم بامتصاص الطاقة بسرعة!”
رأيتُ عينيّ الرجل المتفاجئ تتسعان، فتنهّدتُ و أمسكتُ بياقته و سحبته بقوة.
“آه؟”
طريقة أسرع من مسك اليدين.
لم أرد فعلها بالفـم، لهذا فركتُ شفتيّ على خـدّه، فشعرتُ بتحسّن كفاءة الإرشاد بشكلٍ مذهل.
“أنا أحب ذلك، أحب ذلك للغاية…”
أبعدتُ شفتيّ بسرعة، ثم أمسكتُ بشعر سيروين المذهول.
“لا تتوهّـم.”
“مـاذا؟”
ثم وجّهتـه إلى الأمام.
“…..”
“…..انظر.”
يمكنني استجوابه عن هويته بعد أن نخرج أحياء.
لكن الآن ، قررتُ أن أتبع غريزتي.
سيروين ليس عـدوّي.
‘هذا يعني أن زعيم الأشرار هو الكاردينال هانويل، ذلكَ الوغد.’
ابتسمتُ بهدوء بجانبِ الرجل الذي تجمّـد وجهه أمام المنظر.
لم أكـن أريد الابتسام، لكن الموقف بـدا مضحكًا جدًّا.
وحوش لا نهاية لها تتدفّق من بعيد.
بـدت أكثر عددًا مما كانت عليه سابقًا. و كانت تندفع نحونا كأنها ستبتلعنا.
‘هذه الوحوش قد حددتنا بالفعل. حتى لو هربنا، ستطاردنا إلى نهاية العالم. لذلك يجب أن نهرب و نصمـد قدر الإمكان.’
مستيقظان في حالة شبه ميّتـة ، أنـا، ساحرة يسهل على وحوش البوابة افتراسها ، و سيروين، مستيقظ لا يجيد القتال.
إنه الوضع الأسوأ على الإطلاق.
أمسكتُ بكتفي الكاهن بقوة.
“قلتَ أنّـكَ في صفـي.”
شعرتُ بالمتعة و أنا أرى ابتسامته الواثقة السابقة تتلاشى.
سأل سيروين وقد شحـب وجهه:
“قلتُ ذلك بالفعل، لكن عزيزتي… هل ستستخدمينني هكذا؟”
بالطبع.
قلتُ ببرود و أنا أهـزّ ياقة مستيقظ النقل مجددًا:
“اعمل، أيها المستيقظ.”
و الآن ، حان وقت الهروب.
التعليقات لهذا الفصل " 109"