لا أعرف إن كان ما يسري على جلدي هو دم أم مجرّد ألم من الجروح.
“هاه، هاه.”
كان أردييل يكبح رغبته في الانهيار بصعوبة بالغة.
“أنتَ… مستيقظ شفائيّ من رتبة منخفضة.”
و هل يظنّ أنه لا يعلم ذلك؟
ألقى عليه نظرة جانبيّة خفيفة، فابتسم الفارس الذي يقف أمامه بصلابة و هو يسحق الأفعى الضّخمة بابتسامة ساخرة.
“كان من الأفضل لكَ أن تهرب.”
كان يعلم. أنّ النّهاية تقترب.
كان عدد الكروم التي تحترق و تتلاشى بعد أن تصيبها أنياب الأفعى السّامة يفوق بكثير النّباتات الجديدة التي تُلفّ جسد الأفعى و تشدّه.
ذلكَ الفارس المكروه، و هو نفسه الذي يعالجه، كلاهما اقترب من حدوده.
“لا تُضحكْني. إذا هربتُ من هنا…هل سيكون هناك مكان أهرب إليه أصلا؟ سيّدتي في مكانٍ ما، و كلانا نعلم أنّ علينا الصّمود!”
“….”
“و أنا أيضًا أعلم. أنّ هناك مشكلة سحريّة لدى سموّها!”
مسح أردييل دموعه.
كان غاضبًا جدًّا.
من نفسه التي لا تملك قوّة حقيقيّة.
أراد بجهد أن يصبح ساحرًا مساعدًا مناسبًا ليكون إلى جانب هيلاريا، لكنّ هذا ربّما يكون آخر يوم في حياته.
‘لماذا يجب أن تكون نهاية حياتي مع هذا الشّخص بالذّات!’
في تلك اللّحظة، سعل ديكاردو بعنف كأنّه لم يعـد قادرًا على الصّمود أكثر.
كان الدّم ممزوجًا بسعاله.
“يا رجل!”
حتّى قوّة الشّفاء لم تعـد تؤثّر.
‘هل هو على وشكِ الانفجار؟’
شحب وجه أردييل.
‘هذا الرّجل بذل قوّته بمفرده أكثر من اللّزوم!’
لا، لا يمكن أن يسقط هكذا.
جمع أردييل قوّته إلى أقصى حدّ و صبّ كلّ قوّة الشّفاء في ديكاردو.
أرجوك، انهض. انهض.
لكنّه وصل إلى حدوده هو أيضًا.
كان أردييل، الذي استخدم قدرته لأوّل مرّة دون مرشد حقيقيّ، ضعيفًا و يفتقر إلى الخبرة.
انهار أحد طرفي الحبل المشدود، فانتهت المواجهة بانتصار الطّرف الآخر.
“لا، لا…”
كرررك.
شعر بألم واضح كأنّ جلده صار أرضًا جافّة تتشقّق.
أصبحت الرؤية أمامه ضبابية فجأةً.
إذن هذا هو الانفجار.
هؤلاء المستيقظون المزعجون الذين كانوا يسقطون رغمًا عنهم، كانوا يعانون هذا الألم المروّع في كلّ مرّة.
لذلك كانوا يرتمون تحت قدمي المرشدين الذين ينقذونهم و يتوسّلون لهم…
“اللعنة!”
مـدّ أردييل يـده بصعوبة، و جذب عباءة ديكاردو المُلقى على الأرض.
لكنّ ذلك كان آخر شيء يمكنه فعله.
سعل هو الآخر، و تقيّأ دمًـا.
‘آه.’
انتشرت قشعريرة في جسده كلّه.
كانت الأفعى الضّخمة التي تحرّرت من النّباتات التي كانت تعصرها تنظر إليهما من الأعلى.
“…..”
ارتجف فكّـه.
كانت حدقة الأفعى المشقوقة عموديًّا أمامه مباشرة.
في عينيّ الوحش، انعكست صورته و هو متجمّد من الخوف.
‘آه، آآه.’
انفتح الفكّ الهائل على وسعه.
قطرة، قطرة.
تساقط السّائل السّامّ بصوت مقزّز، و أخذ يبلل الأرض أمامهما و يذيبها.
تنهّد أردييل.
‘انتهى الأمر إذن.’
بهذه البساطة المُحبطة.
دونَ أن يرى وجه سيّدته حتّى.
─ كياآآآك!
في اللّحظة التي فتح فيها فكّـه على اتساعه ليبتلعهما، فقـد أردييل وعيه.
كان ذلكَ أقصى حدّ له.
‘سيّدتي…’
تمنّى من كلّ قلبه أن يكون إطالة الوقت قد نجح، و أن تنجو الدّوقة على الأقلّ، ثمّ انهار.
* * *
ما الرّفاهية التي أريد الاستمتاع بها حتّى أعاني كلّ هذا!
لماذا عليّ أن أواجه كل هذا بعد أن انتقلتُ إلى هذا الجسد!
─ كراآآآآك!
ركضتُ كالمجنونة.
─ دينغ!
كان النّظام يومض بضجيج متواصل.
[أنقذي مرشّحيّ الختم المتعدّد!]
[أنقذي مرشّحيّ الختم المتعدّد!]
[أنقذي مرشّحيّ الختم المتعدّد!]
نعم، أعلم!
أنا أعلم أنّهما على وشكِ الموت!
مددتُ يدي و فعّلتُ السّحر الذي أصبح مألوفًا الآن.
“رماح النّار!”
مع شعور يشبه استنزاف الطّاقة داخل جسدي، انغرزت رماح لهب ضخمة في وجه الأفعى التي كانت على وشكِ ابتلاع ديكاردو و أردييل.
─ كواآآآن!
مع صوت مدوي كانفجار قنبلة، صرخت الأفعى و تخبّطت.
بوم، كواررر!
“اللعنة!”
انزلقتُ أثناء الرّكض، و أمسكت بطرفي ملابس ديكاردو و أردييل.
ثم نظرتُ إلى الأمام مباشرة.
‘إذن هذا هو زعيم هذه البوّابة؟’
في اللّحظة التي تقابلت فيها عيناي بعيني الأفعى الضّخمة، فكّـرتُ:
آه، لقد انتهينا.
من المستحيل أن نهزمه بمفردنا.
حتّى في هذه اللحظات، و رغمَ تنزف من عينها التي اخترقها رمح النّار، كانت ترفع ذيلها بغضب.
أمّا مساعدي السّاحر و فارس حراستي الفاقدين لوعيهما…
[مرشّحا الختم المتعدّد في خطر.
مطلوب توجيه طارئ.
مستوى الخطر!
خطر الانفجار يرتفع بسرعة.
72، 73، 74……]
كانا على وشكِ الانفجار!
إذا لم أوجّههما فورًا، سيصابان بإعاقة دائمة أو يموتان لا محالة.
‘آه، يا لهذا الوضع…’
لم يكن لدي الوقت لأفكر، فعلتُ ما أستطيع الآن لأعيش.
فتحتُ القماش الذي احتفظتُ به بعناية في حضني، و رميته أمامي.
سبلاش.
“تناول هذا!”
تناثر مسحوق أصفر في فم الأفعى.
توقّف الوحش لحظة، ثمّ رفع أنيابه مدركًا أنّه لم يحدث ضرر عليه.
لكنّني أعلم.
“هذا المسحوق…”
─ وووووووووووووو
هل يصدر النّحل العاديّ هذا الصّوت إذا تجمّع آلاف منه؟
“يجعلكم تقاتلون بعضكم بعضًا!”
كان سرب هائل من النّحل الضّخم يتجمّع بلا توقّف.
انبثق من الأرض، و طار مباشرة ليغرز إبره السميكة الحادّة في فم الأفعى.
بووم، بوخ!
─ كياآآآك!
عادةً، وحوش البوّابة الضعيفة تحمي الزّعيم.
أو بالأحرى تتحرّك بأوامره.
لكن هناك استثناءات معيّنة، و ما رششته الآن واحد منها.
مسحوق يُحدث الارتباك لدى الوحوش.
هاجم النّحل الضّخم الذي يفوق حجم رجل بالغ ثلاث أو أربع مرّات عينيّ الأفعى و وجهها.
كانغ، كاآنغ!
تردّدت أصوات كتصادم المعادن بقسوة.
شددتُ قبضتي على طرفيّ ملابسهما وأنا أراقب المشهد.
كان عليّ اتّخاذ قرار.
‘تأثير المسحوق مؤقّت.’
إذا تأخّرتُ، سأواجه الجحيم: الأفعى و سرب النّحل معًا.
بدأت الأفعى تصبّ غضبها على النّحل المهاجم بضراوة في كلّ الاتّجاهات.
و لكي لا أصبح روبيان يُسحق في صراع الحيتان…
‘آآآه!’
……استخدمتُ سحر النّقل.
“كح، كحح.”
شعرتُ بأن رؤيتي تتلوّى و جسدي يُعصر بينما ننتقل إلى مكانٍ ما.
ثمّ سقطنا أنا و الشخصان اللّذان أمسك بهما كقطع متساقطة في مكانٍ آخر.
‘يمكن الإنتقال داخل البوّابة، لكن لا يمكن الخروج منها.’
لكنّ تفكيري العقلانيّ توقّف هناك.
“آه، آآه!”
بسبب بذل القوّة إلى أقصى حـدّ، تخبّطتُ بحالة مروّعة لا تقلّ عن المستيقظين الموشكين على الانفجار.
شعرتُ و كأنّ أحشائي تذوب.
كدتُ أتقيّأ دمًا.
أيها النّظام، أرجوك. أرجوك!
“كح، كحح.”
سال الدّم فجأة.
تقدّمتُ بيد مرتجفة، فرأيت نافذة النّظام تومض بجنون أمامي.
[لقد تجاوزتِ حدّ السّحر!
يبدأ الألم و التشنّجات.
تُعوّض آلامك بتأثير اندماج الرّوح.
يُفعّل تأثير شظايا ????.
تمّ تخفيف شعور الدّوار.]
“كحح، كح.”
[تهانينا!
لقد حقّقتِ إنجازًا باهرًا.
لقد أنقذتِ معظم المرشدات المعزولات.
المعزولة المتبقّية: إيزوليت
ستُمنح المكافأة المتوسّطة.
المكافأة: إعادة تعيين عدد مرّات السّحر، زيادة هائلة في عدد الاستخدامات
الآثار الجانبيّة: سترتدّ عليكِ آلام مؤجّلة في المستقبل.
هل تقبلين؟]
أعطني إيّاها فقط، أرجوك أعطني إيّاها الآن!
‘الشّيء المهم هو أن أعيش الآن أوّلًا!’
صرختُ في داخلي، فومض النّظام كأنّه فهم صراخي.
[تمّ القبول، المكافأة.]
“كح، كح!”
سعلت طويلًا كالمجنونة، ثمّ نهضتُ فجأة.
لأنّ القوّة عادت إلى جسدي و كأن ما حدثَ مجرّد كذبة.
بدأ الألم يزول كذلك.
لكنّ تلك لم تكن النّهاية.
“هذا….ما الذي يحدث له؟”
بدأت نافذة النظام تومض بعشوائيّة كأنّها شمعة على وشكِ الانطفاء أمام الرّيح.
التعليقات لهذا الفصل " 105"