شعر بشعور مرعب يسري في الجسد، فجمع ديكاردو كلّ قوّته دفعةً واحدة و نشَرَ نباتاته.
سبلاااش!
“كيااغ!”
─ كواآآآآ!
مع صوت هادر يسحق الجسد، اهتزّت الأرض بضجيج مخيف.
انهمر سائل سامّ كالمطر يذيب كلّ شيء.
فتحت الأفعى الضّخمة التي رفعت رأسها عاليًا في المستنقع فكّها، و صبّت بين أنيابها الحادّة سائلًا سامًّا أسود بلا رحمة فوق رأسه.
“آه!”
و في الوقت نفسه
بوف، بووف!
“هاه!”
ما كان يهوي على الأرض هو طرف ذيل هائل.
بووم، بوخ!
هجمات حادّة تتابعت كأنّها تريد أن تثبّته كسمكة على سيخ.
تفتّت النّباتات كالغبار و انخفضت قوّته بسرعة.
تنفّس ديكاردو بعنف و واصل تبادل الضّربات بيأس عدّة مرّات.
─ كياآآآك!
بووم!
صوت انفجار شيء ما.
شعر وكأنّ الأرض تتقلب و السّماء تهتزّ مرّات عديدة.
تمزّقت الأوراق التي نشرها كدرع دفاعيّ حتّى صارت بالية.
بدأت تظهر آثار استعمال القوّة إلى جانب ألم الجسد.
كاد قلبه ينفجر من الألم، و انتشرت في جسده حرارة تحرق الجلد.
“هاه، هاه…”
و مع ذلك لم يتوقّف.
جمع قوّته إلى أقصى حدّ و غطّى جسد الوحش بأكبر قدر ممكن من النّباتات الشّائكة الحادّة.
بدأت مواجهة القوى.
‘كر، كريخ!”
─ كياآآآك!
دوم، دوم، دوم.
اهتزّت الأرض بعنف.
كأنّها لا تطيق ما يعصرها، تدحرجت الأفعى الضّخمة التي خرجت كليًّا من المستنقع.
قفز ديكاردو بمساعدة الكروم إلى الأعلى بالكاد لينجو من أن يُسحق، ثمّ عضّ على أسنانه حين اجتاحه دوار كاد يسقطه فورًا.
─ كياآآآك!
كما توقّع.
لا يستطيع جرح ذلك الشّيء.
“كر، كريخ!”
كان أفضل ما يمكنه أن يفعله هو شدّ جسده المقاوم و ثتبيته.
و الأكثر يأسًا أنّه لا يعرف كم سيصمد على هذا الحال.
‘إذا نفدت قوّتي.’
سيحدث أسوأ ما يمكن.
النّباتات التي تسلّقت جسد الوحش و شدّت عنقه و تغلغلت في أنيابه بدأت تتحوّل إلى اللّون الأسود تدريجيًّا، و تتناثر أطرافها كغبار.
“هاه، هاه!”
جلالة الإمبراطور، من فضلك.
‘لا يهمّ مصيري.’
أرجوك، أنقذ النّاس داخل هذه البوّابة. و بالأخصّ ذلكَ الشّخص…
‘الدّوقة آرييل.’
تشييك─ تشيك.
سقط سائل لم يتمكّن من صده، فتصاعدت رائحة اللّحم المحترق الذائب.
انتشر ألم حارق في كلّ جسده.
“ها، ها.”
شمّ رائحة الدّماء عند أنفه، فعضّ ديكاردو على أسنانه.
اهتزّ الهواء كأنّه يتمزّق من جرّاء الهجمات الصّارخة التي لا تتوقّف مع التّدحرج.
رنّت أذناه كأنّ حاسّة السّمع لديه قد تعطّلت.
ارتعش جفناه، و أصبحت رؤيته ضبابية.
كان جسده كلّه يحذّره بأنّه لم يعد بإمكانه استخدام القوّة أكثر.
‘متى سيأتي جلالته…؟’
نظر ديكاردو إلى الوحش الهائل الذي ينثر السّمّ في كلّ اتّجاه غاضبًا، مدركًا أنّ الدّماء تسيل و تغطّي إحدى عينيه.
كانت قوّة النّباتات تتلاشى تدريجيًّا.
و عندما بدأ توازن مواجهة القوى ينهار و يميل إلى جانب واحد.
‘لا.’
في تلكَ اللّحظة بالذّات.
“اللعنة، اصمـد!”
وضع أحدهم يـده فجأة على كتفه و صرخ كالرّعد.
هذا الصّوت…
نظر ديكاردو مذهولًا إلى من ظهر خلفه و هو يلهث.
شعر أرجوانيّ فوضويّ جدًّا على غير عادته، يبدو بائسًا، و عينان ليمونيّتان بارزتان مع زوايا مرفوعة بعصبيّة دائما إلّا أمام الدّوقة.
‘أردييل؟’
كان أصغر سحرة برج السّحر.
“إذا سقطتَ الآن، سيموت الجميع!”
و ما ينتقل إليه عبر ذلك السّاحر واضح جدًّا.
“أنتَ… كنتَ مستيقظًا شفائيًّا…؟”
كانت قوّة مستيقظ.
* * *
‘مجنون، مجنون، مجنون!’
تمكّن أردييل من البقاء حيًّا حين واجه وحوشًا وهو يحمل زملاءه السّحرة بفضل أولئك السّحرة أنفسهم.
‘اركض، أردييل!’
‘اركض، اركض!’
‘نحن نهاجم من الخلف! إذا اضطرّ الأمر، اتركنا و اهرب!’
للأسف، كان باحثًا متخصصًا، فلم يكن موهوبًا بالسّحر الهجوميّ.
بعد أن ركض بيأس و نجا من عدّة أزمات، وصل أخيرًا إلى مكان هادئ نسبيًّا يبدو آمنًا، فسقط مع رفاقه كأنّهم يتدحرجون، و ضحكوا بصوت عالٍ.
بـدا السّحرة سعداء.
‘لقد استخدمنا السّحر هنا! لو علمت سيّدتنا بهذا لكانت سعيدة جدًّا. حتّى السّحرة يستطيعون مهاجمة الوحوش داخل البوّابة!’
‘أردييل، يا أصغر سحرتنا. بفضل القطعة الأثريّة التي صنعتها استطعنا التّنفّس. رائع! لكنّكَ حملتنا نحن الاثنين بينما كنتَ تركض، أنتَ قويّ جدًّا.’
‘هذا ليس الشيء المهم. كفاءة المانا تبدو منخفضة قليلًا، أليس كذلك؟ لقد سقطت تلكَ الوحوش لكنّها لم تمت!’
‘حسنًا، لا مفرّ من ذلك. ربّما لأنّ سحر الهجوم وحده لا يقارن بقوى المستيقظين؟’
هؤلاء السّحرة المجانين.
هل هذا وقت مناقشة هذه الأمور؟
بالطّبع هو أيضًا أحدهم، لكنّ أردييل كان قلقًا على هيلاريا إلى درجة الجنون.
ثمّ في لحظة ما.
‘……!’
تجمّد أردييل فجأة، و سدّ أفواه زملائه السّحرة الصّاخبين و انحنى.
‘اشش!’
‘ماذا؟ لماذا…’
شيء لا يشعرون به.
كان يحدث شيء مرعب في مكانٍ ما.
ركض أردييل فورًا، و دحرج زملاءه في حفرة تبدو آمنة نسبيًّا، و غطّاهم بالأعشاب.
‘يا صغير!’
دوم، دوووم─
تردّدت أصوات عالية.
كاد قلبه ينفجر من الرّعب في كلّ مرّة.
كان أردييل يعرف حدوده.
بالطّبع هو عبقريّ! لكنّه ليس قوّة مفيدة هنا، فربّما الأفضل أن يصمت و يختبئ مع الآخرين.
‘أنا لستُ مستيقظًا حقيقيًّا. و ليس لديّ خبرة قتاليّة!’
لكن، لكن!
‘ابقيا هادئين هنا. لا تصدرا أيّ صوت. هل فهمتما؟’
‘يا أصغر سحرتنا! إلى أين أنتَ ذاهب!’
دون وقت للتّفسير، بدأ أردييل بالركض.
كان يلتصق بالأرض و يحبس أنفاسه عندما يمرّ صوت خطوات وحش قريبًا جدًّا.
‘سيّدتي، سيّدتي! أنا خائف!’
بينما كان يتذكّر عينيّ هيلاريا الباردتين و يمسح دموعه المتساقطة بعنف، و تقدّم نحو مصدر الصّوت.
ثمّ اكتشف.
“هذا الأحمق!”
الفارس الذي يواجه وحشًا ضخمًا بمفرده، ديكاردو!
كان في حالة يرثى لها كأنّه خرج للتوّ من بركة دماء.
جروح خطيرة تنزف من جسده، و عروق سوداء تتسلّق ذراعيه . كان يبدو أنّه على وشك الانفجار من الإرهاق.
عضّ أردييل على أسنانه.
بصراحة، لقد أراد الهروب.
‘أنا خائف…’
لكنّه لا يستطيع ترك هذا الفارس يموت.
لأنّه، لأنّه….!
‘أنا أعرف لماذا يفعل هذا الفارس كل ذلك!’
بالتّأكيد بسبب سيّدتهم، هيلاريا.
أردييل ليس أحمقًا.
ما اكتشفه هذا الفارس الجامد ذو الرأس المملوء بالعضلات ، لا يمكن لأردييل الذي كان يتشاجر معه في كلّ حصّة تدريب أن يجهله.
‘سيّدتي لا تستطيع استخدام السّحر بشكلٍ صحيح!’
لذلك قرّر هذا الرّجل أن يصمد بأيّ ثمن.
كان يكافح حتّى في هذه الحالة البائسة التي قد ينهار فيها بضربة ذيل واحدة.
لكن تلكَ كانت حدود صموده.
ركض أردييل و هو يعتبر نفسه مجنونًا.
وضع يده على كتف الفارس الذي كان على وشكِ الانهيار.
القوّة، قوّة المستيقظ.
استدعى تلكَ القوّة الغريبة جدًّا عليه.
عندما صبّ قوّة الشّفاء، رأى بوضوح جلد الفارس المجروح يتعافى بسرعة كأرض جافّة تشرب المطر.
“أنـتَ.”
“أغلق فمكَ و ركّز أمامكَ!”
صرخ في وجهه المذهول، ثمّ شدّ يـده بعصبيّة.
كان جسده كلّه يؤلمه من التّدحرج و الرّكض.
أردييل الذي لم يعالج أحدًا بشكلٍ صحيح لمرّة واحدة حتّى، عضّ على أسنانه و هو يتخبّط بسببِ الشّعور الغريب الذي يشعر به.
‘مؤلم.’
كأنّ قلبه يُعصر.
لأنّ الطّرف الآخر مصاب بجروح بالغة، فلا بدّ من استخدام قوّة مماثلة.
“الفارس ديكاردو، إذا كشفتَ سرّي، لن أترككَ أبدًا. هل فهمتَ؟”
“…هل أبدو جبانًا إلى هذا الحدّ!”
“انظر أمامكَ فقط!”
مستيقظ يضغط على الأفعى الضّخمة بالنّباتات، و مستيقظ شفائيّ يعالجه.
للأسف، قوتهما محدودة. أي أنّها معركة ضدّ الزمن.
ارتجفت عينا أردييل بيأس.
‘رجاءًا. رجاءًا فليأتي أحد قبل حدوث ذلك!’
بدأت المواجهة المرعبة.
التعليقات لهذا الفصل " 104"