عندما استعاد ديكاردو وعيه لأوّل مرّة، أدرك فورًا مدى الوضع المروع الذي وقع فيه.
‘هل أنا معزول داخل بوّابة تبدو و كأنها من الرّتبة A على الأقلّ دون أيّ قوّة قتاليّة؟’
كون المنطقة مستنقعًا كان أمرًا محظوظًا نسبيًّا بالنّسبة إليه كمتحكّم في النّباتات، لكنّ عدم رؤية أحد حوله كان مشكلة بحدّ ذاتها.
‘أنا متأكد أنّ الدّوقة آرييل و ذلكَ السّاحر قد جُـرّا معي.’
حتّى لو كان مستيقظًا من الرّتبة A، فهو من نوع ضعيف في الهجوم.
“…لا يمكن للدّوقة أن تكون بخير.”
كان ديكاردو دائمًا يتولّى دور الدّعم خلف المقاتلين المهاجمين الأقوياء.
لهذا السّبب كان يُلقّب بذراع الإمبراطور اليمنى.
هو يعلم بذلك جيّدًا.
بعد إغلاق البوّابة عادةً لا يستطيع أحد الدّخول، لكنّ جلالة الإمبراطور…
إذا كان سيّـده، فسيجد طريقة للدّخول مهما كلّفـه ذلكَ.
لكنّ المشكلة أنّ المحاصرين داخلها ليسوا مستيقظين.
“لا يمكنني البقاء مكتوف اليدين هكذا.”
لو اختبأ و تجنّب الوحوش فقط و استمرّ في إطالة الوقت، فقد ينجو، لكنّ ذلك تفاؤل زائد.
الوحوش تبدأ تلقائيًّا بالبحث عن الدّخلاء بعد مرور وقت معيّن.
يبدأ الأمر بالوحوش الضعيفة ثمّ يصل إلى الوحش الزّعيم.
إذا وصلت الأمور إلى ذلك الحدّ، سيموت الجميع.
‘يجب أن ألفت الانتباه قبل وقوع ذلك.’
نهض ديكاردو بهدوء و تفحّص المناطق المحيطة بحذر.
كان مستنقعًا لا نهائيًّا مغطّى بضباب سامّ.
عادةً تفتح بوّابة الخروج بمقتل الوحش الزعيم للبوّابة.
المشكلة أنّ بوّابات المستنقعات شاسعة المساحة جدًّا، و إن لم يُقتل الزّعيم داخلها…
“اللعنة.”
السّحرة لا يستطيعون التّنفّس داخل البوّابات.
لا يمكن التّكهّن بمدى روعة الاختراع الذي صمّمه أردييل، ذلكَ السّاحر الصّغير سيّء الطّبع ذو الوجه الجميل.
إنه مجرّد نموذج أولي ، أليس كذلك؟
‘يجب أن أجـد الدّوقة بسرعة.’
تحرّك بتوتّر مستخدمًا النّباتات لمـدّ جذورها تحت الأرض.
باتّجاه المكان الذي تتجمّع فيه طاقات الوحوش، نحو قلب معسكر العدوّ.
لو كان هناك مستيقظ آخر يقاتل، لكان يجب أن يشعر باهتزازات عبر الهواء، لكنّ المكان كان هادئًا بشكلٍ مفرط.
إذن…
“هل جلالته لم يدخل البوابة؟ ما الذي حدث؟”
حتّى لو جُـرّ مع البوّابة، كان لدى سيّده الذي كان بعيدًا عن المدخل وقت كافٍ للدّخول، يبدو أنّ هناك متغيّرًا غير متوقّع.
أظلمت عينا الفارس.
‘هذا يعني…’
أنّه الوحيد القادر على القتال هنا، و عليه أن يجذب انتباه الوحوش بمفرده حتّى يتمكّن رفاقه من الدّخول.
“تدمير نواة البوّابة بمفردي مستحيل.”
عضّ ديكاردو على أسنانه و مرّر يده في شعره.
لو واصل القتال بضجيج، فسيتمكّن أولئك المبعثرون هنا و هناك من الاختباء و تجنّب الخطر.
إذا استطاع الصّمود فقط.
‘عندها سيكون كلّ من الدّوقة و السّحرة بأمان.’
قطع مسافة طويلة جدًّا، و مع ذلك لم يشعر بأيّ أثر للدّوقة آرييل أو السّحرة الآخرين.
“هل أصيبوا بأذى…”
قبض قبضته بقوّة.
بالطّبع، إذا كان بإمكانهم التّنفّس، فلن تستسلم تلكَ السّاحرة العظيمة بسهولة.
لكنّ ديكاردو كان يعرف حقيقة لا يعرفها أحد.
“الدّوقة… لا تستطيع استخدام السّحر.”
ذلك هو السّبب الوحيد في شعوره الشّديد بالتوتر.
‘الدّوقة…’
الدّوقة آرييل التي شاهدها طوال الوقت الماضي لم تكن قادرة على استخدام السّحر بحرّية.
لم يعرف السّبب.
كانت الدّوقة تبدو و كأنّها تحاول إخفاء الأمر بيأس، لكنّ ديكاردو شهـد خلال الأيّام القليلة الماضية أنّ تلكَ المرأة لا تستطيع إطلاق السّحر بحرّية.
كانت دائمًا باردة الوجه و تطلق كلمات قاسية، لكنّ سيّدة برج السّحر لم تكن تستخدم السّحر أكثر من عدد معيّن من المرّات مطلقًا.
‘كان وجهها يشحب أحيانًا.’
حدثَ خلل لدى ساحرة النار العظيمة التي كانت مثاليّة إلى درجة تثير غيرة ديكاردو.
عندما علم الفارس بذلك، التزم الصّمت.
بالطّبع كان يجب أن يخبر سيّـده أوّلًا، لكنّه أخفى هذه المعلومة.
بما أنّ الدّوقة تريد إخفاءها بشدّة، فقد أراد احترام رغبتها.
لكنّ لو أخبره…
‘اللعنة.’
لكان جلالة الإمبراطور قد دخل البوّابة منذُ البداية.
‘إنه خطئي.’
إذا كانت الدّوقة آرييل بمفردها الآن، غير قادرة على استخدام السّحر بينما تتعرّض لهجوم الوحوش…
كراك.
صدر صوت مرعب من قبضة الفارس.
“مستحيل.”
مستحيل أن يرى ذلكَ المشهد مطلقًا.
محرّد تخيّله فقط جعله يشعر بالغثيان كأنّ قلبه سيتوقّف.
لمع ضوء عنيد في عينيّ المتحكّم في النّباتات الخضراء الدّاكنة.
لا خيار سوى أن يهاجم الوحش الزّعيم أوّلًا و يصمد.
يعرف أنّ مستيقظًا يبذل قصارى قواه دونَ وجود مرشد معه لن يدري كم سيصمد، و أنّ كلّ شيء مقامرة…
و مع أنّ تلكَ المرأة لا تزال باردة معه و تعامله كأنه مستيقظ تكرهه، إلّا أنّه رغمَ ذلك…
“دوقة، أريد أن أنقـذكِ.”
ابتسم ديكاردو ابتسامة خافتة.
في تلكَ اللّحظة بالذّات.
“كياآآآآك─!”
مع صوت مزّق الأذان، مرّ شيء ما فوق رأسه مباشرة.
انحنى فورًا و مـدّ النّباتات ليدمج نفسه في غابة المستنقع، ثمّ راقب الوحش الذي قطع الهواء.
وحش ضخم على شكل خفّاش.
‘بناءً على اتّجاه حركته، فالزّعيم بالتّأكيد في الغرب.’
يبدو أنّ ذلك الخفّاش الوحش يهرب من وحش أقوى منه بكثير.
مالك المستنقع.
الاتّجاه الذي يتواجد فيه هو الغرب بلا شكّ.
أمسك سيفه و بـدأ يتقدّم غربًا.
* * *
و هكذا، في الوقت الحاضر.
وصل ديكاردو بمفرده إلى المستنقع الضّخم الذي يختبئ فيه مالك البوّابة، و كان يواجه الوحوش التي تنهمر بلا توقّف.
عندما قفز عاليًا ليتفادى الهجوم، تصاعد ضباب سامّ كثيف.
“أيتها الوحوش اللّعينة!”
ما كان يقترب منه و هو يصرخ هو وحش سحلية بحجم يفوق حجم ديكاردو بعدة أضعاف، لكنه لا يزال صغيرًا نسبيًّا مقارنة بالزّعيم الضّخم.
شااك!
سمع صوتًا مرعبًا بينما كانت الوحوش تهزّ مخالبها.
طقطقة
اقتربت الأنياب لتخترق كتفـه.
“آغغ!”
رفعَ النّباتات التي صارت أقسى من الفولاذ بقوّة المستيقظ كسالاح.
سويش─
ركّز ديكاردو بيأس على سحق الوحوش المهاجمة و صدّها بالنّباتات.
حتّى في خضمّ ذلك، كان الشّعور المرعب في عموده الفقريّ واضحًا.
‘ذلك الوحش.’
رأى وحشًا ضخمًا على شكل أفعى يرفع رأسه داخل مستنقع أسود واسع إلى درجة تبدو سوداء.
‘ذلك هو مالك هذه البوّابة.’
حدقة عموديّة مشقوقة.
جسم أسود مغطّى بحراشف سميكة.
حتّى لو استخدم أقوى جذوره، لن يتمكّن من عمل ثقب واحد في جسد ذلك الشّيء.
شعر باليأس، لكنّ الوحوش التي تحرس للزّعيم كانت تنهمر عليه كالنمل، فلم يجـد حتّى وقتًا للغرق في مشاعره.
تفادى هجومًا آخر طائرًا و هزّ كرومًا شائكة.
“كياآآآك!”
تدحرج على الأرض ليتفادى الهجوم، لكنّ وحشًا آخر اندفع فورًا.
نشَرَ على الفور أنواعًا مختلفة من النّباتات القابلة للاستدعاء على نطاق واسع و دفع بها بقوّة.
لكنّ القوّة لم تكن هيّنة.
“آه!”
قلب الأرض و أسقط التّضاريس، و مدّ كرومًا ممزوجة بطاقة معدنيّة، فاخترق الوحش أمامه و قتله، ثمّ أمسك برقبة وحش آخر كان يفتح فكه خلفه، فكسر عظامه.
سبلاش!
تناثرت دماء مسمومة.
“لا نهاية لها.”
لو كان جلالته هنا، لكانت رماح الجليد قد مسحت هذه الوحوش التّافهة دفعة واحدة.
لكنّه ليس متحكّمًا في النّار، و لا ذلك الرّفيق الذي يستدعي رياحًا قويّة كالتمزيق.
كلّ ما يستطيع هو الخنق و التّفجير و الصّمود.
ضاق قلبه بشدّة و استخرج قوّة المستيقظ إلى أقصى حدّ.
فجّر نباتات قوّية جدًّا صلبة باتّجاه مجموعة سحالي يفوق عددها الثّلاثين.
بووم.
بوخ!
انبثقت النّباتات من الأرض بقوّته التي قلبّت التّضاريس، فاخترقت نقاط الضّعف لكلّ وحش.
“كياآآآك!”
“كييآآآك!”
مع صرخات تمزّق الأذان، تقيّأت دمًا أخضر و انهارت.
“هاه، هاه.”
تدحرجت منتجات البوّابة التي تسقط عند قتل الوحوش في دماء و سموم الوحوش.
في تلك اللّحظة بالذّات.
“….!”
ألقت ظلّال هائلة فوق رأس ديكاردو الذي كان يقاتل بضراوة.
التعليقات لهذا الفصل " 103"