السّحرة أعداء لا يمكن مصادقتهم!
كانت تلكَ اللّحظة التي تشقّقت فيها ذكريات التربية التي تلقّتها كأنّها غسيل دماغ.
شدّدت أناييل على صوتها و همست:
“انظري. حتّى الآن، منظرها و هي تتحرّك لإنقاذ سحرتها التابعين لها رائع جدًّا. أجمل بكثير منّا نحن الذين لا نستطيع فعل شيء…”
“…..”
“نحن المرشدات. كان يجب أن نكون نحن مَـنْ يتحرّك داخل البوّابة . كان يجب أن أدرس أكثر. كان يجب أن أعرف المزيد. أنا نادمة جدًّا الآن.”
فضلاً عن ذلك، ألا تلمع الدّوقة بطريقةٍ أجمل بكثير من تلكَ التي تخلّت عنهما كأنّهما غبار؟
“إنها…رائعة حقًّا.”
شدّت أناييل على قبضتها بقوّة.
لم يُحلّ أيّ شيء من وضع البوّابة بعد، لكنّه لسببٍ ما لم تعـد خائفة.
سأعيش.
سأتمكّن من ذلك بكل تأكيد.
بمجرّد رؤية الدّوقة آرييل وهي تحافظ على مظهرها البارد و المتكبّر كالمعتاد، انبثقت فيها تلك الثّقة تلقائيًّا.
* * *
كان الوضع خارج البوّابة فوضى عارمة.
“كيف يمكن أن يحدث شيء كهذا!”
كلا الرّكيزتين اللتين تدعمان الإمبراطوريّة تورّطتا في بوّابتين مختلفتين.
بالطّبع، ذهب الإمبراطور لتدمير البوّابة، لكنّ دخول بوّابة من درجة خطيرة بعدد قليل من الأفراد بحدّ ذاته أمر خطير جدًّا.
كان النّبلاء يراقبون حركة البوّابة بقلق بالغ و وجوه شاحبة.
“هل الدّوقة آرييل على قيد الحياة؟ ففي البوّابة هو مجرّد ساحرة لا تستطيع استخدام قوّتها.”
تجمّع النّاس في مجموعات و هم يهمسون بقلقهم.
حتى لو كانت الدّوقة آرييل بنفسها ساحرة عظيمة، و رئيسة السّحرة، و شخصًا لا يتزعزع أمام فرقة فرسان المستيقظين، فإنّ البقاء على قيد الحياة مسألة مختلفة.
“هشش، اخفض صوتك. صاحب السّمو لوياس هناك.”
كان هانويل، الذي يراقب كلّ تلك الفوضى، يبتسم ابتسامة خبيثة في سرّه.
“سيدي الكاردينال، لماذا لا يظهر الكاردينال سيروين؟”
هـزّ هانويل رأسه و هو ينظر إلى الكاهن الذي يبدو و كأنّه سيموت من القلق.
‘لقد هرب إلى مكانٍ ما مرّة أخرى على الأرجح.’
لم تكن مشاعر هانويل تجاه سيروين جيّدة بعد.
ذلكَ الكاهن كان رجلاً خطيرًا جدًّا على عكس مظهره.
“أليس هذا طبعه دائمًا؟ إذا انتظرنا، سيظهر بوجه يوحي بأنه لم يحدث شيء.”
“لكن… لماذا حدث هذا الأمر؟”
أجاب في سرّه على سؤال الكاهن المفعم باليأس.
لأنّني مَـنْ جعلته يحدث بالطّبع.
سارت الخطّة بسلاسة.
تلكَ المرشدة الجشعة قامت بتفجير قنبلة البوّابة بنفسها و فتحت المدخل على مصراعيه.
دخلت الدّوقة آرييل البوّابة كما توقّعتُ تمامًا، و من أجل منع الإمبراطور من التّدخل، جعلت بوابة أخرى تظهر مما جعل الإمبراطور مضطرا للاهتمام بها بنفسه.
‘هل سيتمكّنان من العودة أحياء حقًّا؟’
الدّوقة آرييل.
وضع يـده على قلبـه وهو يتذكّر ذلكَ الوجه البارد.
كان خفقان قلبه أسرع قليلاً من المعتاد، فاستغرب ذلك.
هو مَـنْ وضع تلكَ المرأة في الخطر بنفسه، فلماذا يتفاعل جسده و كأنّه قلق؟
‘يبدو أنّ هوارد ديكايل يتحرّك جيّدًا أيضًا.’
من بين النّبلاء القلقين، كان هناك أشخاص المحايدون الذين لا علاقة لهم بقوّة المستيقظين.
هؤلاء الذين يعانون عادةً من عقدة النّقص لعدم امتلاكهم تلك القوّة كانوا يتأثّرون بوضوح بكلمات الماركيز ديكايل التي تُغذّي قلقهم.
كان هانويل يراقب ذلكَ المشهد بابتسامة هادئة، ثمّ وقعت عيناه على فرسان الإمبراطور.
كانوا في حالة تأهّب قصوى بينما يقومون بحماية شخصٍ ما بينهم.
‘الأمير لوياس، أليس كذلك؟’
الطّفل الذي اخترته كطُعم أوّلي ليفصل بين الدّوقة و الإمبراطور.
تلميذ تلكَ المرأة.
السّاحر الذي لا يستطيع الكلام…
‘يمكنه استغلاله.’
* * *
كان لوياس يريد البكاء.
لو كانت صديقته السّرية، القطّة لوسي، بجانبه الآن، لكان ذلكَ رائعًا.
‘أخي جلالة الإمبراطور، معلمّتي.’
كان جسـده يرتجف كأنّه في وسط شتاء قارس.
اشتاق إلى معلّمته التي كانت اداعب رأسه بهدوء و دفء.
اشتاق إلى أخيه جلالة الإمبراطور الذي كان يحمله في حضنه و يروي له قصصًا مختلفة بلامبالاة.
‘لا تأخذوهما منّي.’
البوابة… مجدّدا.
ذلكَ الثّقب المرعب الذي ابتلع والدته.
وقف لوياس بين الفرسان الذين لم يخفضوا حذرهم، و هو ينظر إلى السّحرة الشّاحبين الذين يحدّقون في البوّابة.
سموّ الأمير لوياس؟”
في تلك اللّحظة، سمع صوتًا غريبًا.
نظر مذعورًا، فرأى الفرسان قد أظهروا سيوفهم بالفعل.
“لا تقترب، سيدي الكاردينال. لا تتصرّف بشكلٍ مفاجئ و ارجع إلى مكانكَ.”
أمسك لوياس بثياب الفرسان و سحبها و اختبأ خلفهم، ثمّ رمش بعينيه نحو الرّجل الغريب الذي ركع على ركبة واحدة ينظر إليه.
“أنا هانويل.”
تلكَ الثّياب هي ثياب الكهنة.
جمع أصغر ساحر في برج السّحر شجاعته و أطلّ برأسه.
“هل ترغب في الصلاة معي؟”
إذا صلّينا، هل سيعودان سالمين دونَ أذى؟
فتح فمـه كأنّه يظهر أنّه لا يستطيع إصدار صوت، فأشاح الرّجل الجميل اللّطيف بعينيه.
“يمكنك الصلاة في قلبك أيضًا.”
إذن…
نظر إلى الفرسان كأنه يطلب الإذن بعينيه، فهزّوا رؤوسهم بعد تردّد و سمحوا له.
اقترب من الكرسي المعدّ للانتظار و جلسا معًا، فمـدّ هانويل يـده نحو لوياس.
يـد بيضاء مرتدية قفّازًا أبيض.
نظر إليها و مال برأسه متعجّبًا، فابتسم الرّجل ابتسامة صغيرة و طرق على يده بلطف.
“يكفي أن تمسك يدي.”
ابتلع لوياس ريقه و ببطء وضع يده فوق القفّاز.
لكنّ هل هذا خيال منه؟
في لحظة تلامس اليدين، شعر بوخز!
انتشر ألم في جبهته.
آه.
صرخ بصمت و فرك جبهته بيده الأخرى، فشدّ الشّخص بجانبه يـده بقوّة لسببٍ ما.
“ممتع.”
هذا مؤلم.
“ممتع جدًّا.”
كان غريبًا. أراد سحب يـده.
كان يشتاق إلى معلّمتـه.
أخي جلالة الإمبراطور!
حين هـزّ لوياس رأسه و حاول شـدّ يـده، همس هانويل بلطف:
“آه، آسف لأنّني أخفتـكَ. هل تألمت؟”
كانت جبهته تؤلمه أكثر من يـده.
كأنّ و ما حدثَ مجرّد كذب، لم يعد يشعر بشيء الآن.
حرّك لوياس يده الممسوكة ثمّ هزّ رأسه، و مـدّ يده و كتب على القفّاز.
─صلِّ من أجلهما.
“نعم، اتّفقنا على الصلاة معًا. سأسأل أوّلاً: ما هي أمنيتكَ يا صاحب السّمو؟”
فكّر لوياس.
كان وجه الكاردينال جميلاً و لطيفًا كما في الرّسومات بلا شكّ، فلماذا يخفق قلبه بقلق هكذا؟
“أن يعود جلالة الإمبراطور و الدّوقة آرييل سالمين؟”
أومأ بسرعة، فانحنى الرّجل ضاحكًا بصوتٍ خافت.
“أو…”
“…؟”
همس في أذن لوياس بصوتٍ منخفض جدًّا لا يسمعه أحد:
“أن تستعيد صوتكَ المفقود.”
“…..!”
مـدّ الكاردينال يده بلطف نحو الأمير الصّغير المذهول الذي اتسعت عيناه.
“ألا تريد أن تتكلّم؟”
نحو الجبهة التي شعر فيها لوياس بالألم عندما لمسها سابقًا.
“أستطيع أن أفعل ذلك من أجلكَ.”
بينما كان متردّدًا و غير قادر على الرّد بشكلٍ صحيح، سمع لوياس الرّجل يتمتم وهو يمسح جبهته كأنّه يداعبها.
‘وجدتُ أثر الحاكم.’
يبدو أنّه قال ذلك.
لكنّ لوياس لم يتمكّن من التّأكّد ممّا سمعه.
كوونغ!
اهتزّت الأرض بهزّة مرعبة.
نظر مذعورًا، فصرخ ساحر كان يراقب البوّابة وهو يشدّ رقبته:
“البوّابة، البوّابة تهتزّ!”
آه.
اتّسعت عيون الأمير الصّغير كأنّها ستنشقّ.
البوّابتان اللّتان ابتلعتا أغلى شخصين بالنّسبة له.
كانت السّوداء و الحمراء تهتزّان بجنون في الوقت نفسه.
و هذا يعني أنّ المعركة قد بدأت.
* * *
انتشرت سيقان نبات متسلّق عملاقة و صدّت بالكاد السّمّ المتدفّق.
لكنّ ذيلًا هائلًا انقضّ من الهواء و أصدر صوتًا مرعبًا.
كواجيك.
“اللّعنة!”
صرخ الفارس ديكاردو، وهو يشدّ قبضته بقوّة.
التعليقات لهذا الفصل " 102"