من قدمَي القط الأماميتين، تسرب ضوء أبيض نقي، فغمضت لوسي عينيها قليلًا.
قال إنها هدية يوم ميلاد.
رغم تألق الضوء مثل ذلك الذي يشع من آغنيس، كانت لوسي فضولية بشأن ماهية الهدية، ففتحت عينيها قليلًا.
“ماذا؟”
من كفها الملامس لآغنيس، انتشر إحساس دافئ.
كانت طاقة دافئة تشبه أشعة الشمس تتدفق ببطء لتغمر جسدها بالكامل.
عندما انتقلت الطاقة بالكامل حتى أصابع قدميها، فتح آغنيس عينيه.
“سيكون هذا مفيدًا يومًا ما.”
“ما.. ما هذا؟ ماذا فعلت للتو؟”
“سر!”
ترك آغنيس لوسي الفضولية وراءه وابتعد.
استعاد القط كبرياءه، فرفع ذيله عاليًا وتوجه نحو الباب.
ثم توقف، ناظرًا إلى لوسي كما لو يطلب منها فتح الباب.
“هل حقًا لن تخبرني؟”
“أنا جائع.”
“آآه، تلقيت هدية ولا أعرف حتى ما هي!”
ضحك آغنيس بخفة على تذمر لوسي.
تبع لوسي، التي فتحت الباب، إلى غرفة الطعام.
مع كل خطوة، اختفت ضحكات آغنيس.
لقد منح آغنيس لوسي قدرة خاصة احتياطًا لأي طارئ.
قدمها كهدية، لكنه لم يرد أن تعرف لوسي عنها.
كان يأمل ألا يأتي اليوم الذي تستخدم فيه تلك القدرة.
* * *
“آنستي، مبارك!”
“يوم ميلاد سعيد!”
“أنتِ اليوم جميلة جدًا!”
توجهت لوسي، التي تزينت بأبهى حلة، إلى قاعة الاحتفال.
كلما مرت، كان الخدم الذين تقابلهم يقدمون التهاني.
في البداية، شعرت بالخجل والغرابة، لكنها الآن كانت تستمتع بهذه اللحظة وترد بابتسامة.
كانت ترتدي فستانًا بنفسجيًا يرمز إلى كريسميل، اختارته والدتها، ورفعت شعرها الأسود الداكن بتصفيفةٍ جميلة.
كانت لوسي تبدو أجمل وألطف من أي وقت مضى.
لم يعجبها دبوس الشعر الأصفر الذي أصرت ميلودي على وضعه، لكنه لم يكن مرئيًا لها، فتوقفت تدريجيًا عن الاكتراث به.
“واااه!”
ما إن دخلت قاعة الاحتفال حتى أطلقت لوسي صيحة إعجاب.
كانت السقف الواسع ممتلئًا بالبالونات الملونة وزينة الزهور المعلقة، مع بالونات ضخمة على شكل حيوانات موزعة هنا وهناك، لا تعرف كيف صُنعت.
في وسط القاعة، كانت هناك أكوام من علب الهدايا، وبعض الأرائك الناعمة التي تبدو وكأنها ستغمر من يجلس عليها.
كان الخدم لا يزالون منشغلين بتقديم الطعام، لكن لوسي شعرت أن كل شيء مثالي كما هو.
“آنستي، هل أعجبكِ؟”
“نعم!”
اقتربت ميلودي، التي كانت ترتب المشروبات على الجانب، وعرق يتصبب من جبينها من فرط جهدها.
ردّت لوسي بابتسامة مشرقة كمكافأة لجهودها.
كانت تتخيل يوم ميلادها، لكنها لم تتخيل مشهدًا بهذه الروعة.
كل ما أرادته هو سماع تهنئة يوم الميلاد من والدها كما سمعتها من والدتها،
وتناول الطعام مع إيركين وماريليو بعد وقت طويل،
وإذا كانت جشعةً أكثر، رغبت أن يحضر سايرس من القصر الإمبراطوري.
لكن هذا لم يكن مجرد يوم ميلاد، بل كأنه مهرجان، مهرجان مخصص لها فقط.
“لوسي! يوم ميلاد سعيد!”
بينما كانت لوسي منبهرة بالسقف المليء بالبالونات، سمعت أصوات عائلتها تعلو بحماس من الجهة المقابلة.
كان الأرشيدوق آردين ووالدتها وإيركين وماريليو يقفون معًا أمام كعكة ضخمة.
لم ترهم قبل لحظات، فاتسعت عينا لوسي كما لو أنها شاهدت سحرًا.
الكعكة التي بحجمها كانت مذهلة أيضًا.
كعكة مكونة من ثلاث طبقات، أكبر مما رأته لوسي من قبل، مع شمعة على شكل الرقم 9 تتوهج في الأعلى، كما لو تؤكد أنها كعكتها.
“لوسي، يوم ميلاد سعيد.”
عند تهنئة الأرشيدوق آردين المصحوبة بابتسامة حنونة، ترددت لوسي ولم تجب على الفور.
لم تكن تهنئة يوم الميلاد غريبة عليها بعد الآن.
كانت تسمعها كل عام، باستثناء الوقت الذي كانت فيه والدتها نائمة بسبب مرض النوم.
واليوم، سمعتها من جميع الخدم في القصر.
إنها مألوفة.
إنها نفس التهنئة.
فلماذا تجعلها كلمات والدها ترغب في البكاء؟
“…شكرًا.”
نظرت لوسي إلى الأرشيدوق آردين بعينين محمرتين وأجابت بصوت مرتجف.
في ذكريات والدتها، رأت الأرشيدوق آردين لأول مرة.
في البداية، كان فضولًا، ثم تحول إلى خيبة أمل كلما عرفت عنه أكثر.
تدريجيًا، أصبح ذلك استياءً، وفي لحظة ما، تخلت عن أي أمل.
محت وجود الأب من حياتها.
لكن عندما جاءت إلى قصر كريسميل والتقت بالأرشيدوق آردين، بدأت تعرفه من جديد.
ظنت أنها تخلت عنه ومحته، لكن كلما قضت وقتًا معه، شعرت بأن وجود الأب يملأ قلبها بدفء.
كانت تعتقد أن والدتها تكفي، لكن قلبها أصبح أكبر، كما لو أن هذا هو شكله الطبيعي.
كأنها كانت تنتظر هذه اللحظة دون أن تدرك، شعرت لوسي الآن بسعادة تامة.
“صغيرتنا، سنحتفل بيوم ميلادكِ القادم بشكل أكبر.”
انحنى آردين وعانق لوسي التي كادت تبكي.
أدرك فرحها، فربت عليها بلطف.
لو كان الأمر بيده، لاحتفل بيوم ميلاد ابنته مع كل سكان الإمبراطورية.
بما أنهم في العاصمة، كان ينوي دعوة النبلاء البارزين على الأقل، لكن لوسي أرادت قضاء الوقت بهدوء مع العائلة.
الطفلة التي رفضته في البداية بدأت تعرف عائلتها.
وآردين أيضًا بدأ يدرك المعنى الحقيقي للعائلة.
أن مجرد التجمع معًا يجعل المرء يشعر وكأنه يملك العالم بأسره.
“أميرتنا الجميلة كريسميل! يوم ميلاد سعيد!”
دخلت الأرشيدوقة الأرملة أودري، التي تأخرت بسبب تزينها، إلى القاعة وهي تصيح.
بفضل ذلك، كبحت لوسي دموعها ورفعت رأسها.
“يا إلهي! أنتِ جميلة جدًا اليوم أيضًا!”
وضعت الأرشيدوقة الأرملة أودري علبة الهدايا واقتربت من لوسي، تنظر إليها من كل الجوانب.
كان الفستان البنفسجي يتناسب مع عيني لوسي، مما جعلها تبدو كريسميل حقيقية.
عادةً، يُعتبر من الفضائل ألا يظهر النبلاء، حتى الصغار، مشاعرهم علنًا، لكن لوسي السعيدة كانت محبوبة جدًا بالنسبة للأرشيدوقة الأرملة أودري.
“جدتي، شكرًا!”
عندما شكرتها لوسي بابتسامة مشرقة، ارتفعت زوايا فم الأرشيدوقة الأرملة أيضًا.
لو أنها تستطيع رؤية هذه الابتسامة كل يوم، لكانت مستعدة لتتوسل يوميًا لإيسيل وحتى للأرشيدوق آردين.
“كوني بصحة جيدة.”
ربتت الأرشيدوقة الأرملة أودري على خدي لوسي الممتلئين متمنية لها السعادة.
أمام حفيدتها التي جعلتها تضع كبرياءها وهيبتها جانبًا، كانت الأرشيدوقة الأرملة مجرد جدة حنونة.
* * *
غارقة في السعادة، نفخت لوسي شموع الكعكة وشاركت الجميع في تقطيعها.
بالنسبة ليوم ميلاد أميرة كريسميل، كان الحفل متواضعًا، لكن الأجواء كانت ودية لا مثيل لها.
بعد العشاء، قضت لوسي وقتًا مع إيركين وماريليو.
قالا إيركين وماريليو إنهما حصلا على إذن بالخروج فور انتهاء حصص الأكاديمية.
بما أنها ليست اجازة رسمية، سيعودان صباح الغد، لذا حاولت لوسي قضاء الوقت القصير بأفضل طريقة.
استمعت إلى طرق الدراسة والوجبات الخفيفة الشائعة في الأكاديمية،
وشاهدت، وهي تصفق، سحر الألعاب النارية الذي تعلمه إيركين أمام عينيها.
“همم، بشر مثيرون للاهتمام.”
“آآه!”
بينما كانت تلعب بحماس وتتناول الوجبات الخفيفة،
ظهر آغنيس فجأة، ففزعت لوسي.
منذ وصولها إلى القاعة، اختفى آغنيس ولم تستطع العثور عليه.
لم تبحث عنه لأنها ظنت أنه لا بأس بالابتعاد قليلًا.
لم تفزع لوسي لأن آغنيس ظهر فجأة بجانبها.
بل لأنه، رغم كل التحذيرات في العاصمة، تحدث أمام إيركين وماريليو.
بينما كانت تحاول معرفة كيف تشرح الموقف، اقترب إيركين وانحنى أمام آغنيس.
“مدهش. كيف وصلت إلى هنا؟”
“ألا ترى الطفلة البشرية بجانبي؟”
“آه!”
فوجئت لوسي بأن إيركين لم يبدُ متفاجئًا كثيرًا، ففتحت فمها فقط ثم نظرت حولها.
لحسن الحظ، لم يكن هناك خدم مهتمون.
كانت والدتها ووالدها يجلسان جنبًا إلى جنب يتحدثان بحميمية، وكانت الجدة تشرب النبيذ مع خادمتها.
كان ماريليو الوحيد المذهول مثلها.
كان متجمدًا منذ أن تحدث القط.
“آمم… آمم…؟”
“هش، هش!”
نحو ماريليو، الذي كان يحرك شفتيه كما لو سيصرخ، أسرعت لوسي لإسكاته.
كان واضحًا أن ماريليو، بصوته العالي، سيجذب الانتباه إذا تسبب في جلبة.
نظرت لوسي بحدة إلى آغنيس الذي كان يجلس بجانبها ببرود.
رؤيته بهدوء جعلها تدرك أنه لم ينسَ طلبها.
“آه، هذا القط المشاغب!”
صفع لوسي مؤخرة القط الذي أربكها.
“همف! همف! منظر البشري المذهول مضحك. أليس هذا ما يسمونه المفاجأة؟”
حتى وهو يُضرب بلا رحمة من لوسي، كان القط يضحك، مما جعل إيركين هذه المرة يشعر بالحيرة.
التعليقات لهذا الفصل "76"