“أنا، خذني معك أيضًا، أيّها الأرشيدوق!”
نظَر آردين بنظرة خاطفة إلى الأرشيدوقة الأرملة أودري التي اقتحمت المكتب بعنف.
صوتها القوي جعله يتفاجأ للحظة، وهو أمرٌ غير معتاد بالنسبة له، لكنّه سرعان ما استعاد رباطة جأشه.
على الرغم من غياب المفعول به في جملتها، إلا أنّ آردين لم يجد صعوبة في فهم مقصدها.
فتاريخ المغادرة كان غدًا، فكيف لا يعلم؟
لكن أن تطلب ذلك قبل يوم واحد فقط!
هل تلقّت الخبر متأخرًا، أم أنّها ظلّت تؤجّل وتؤجّل حتى استجمعت شجاعتها اليوم؟
هزّ آردين رأسه قليلًا وواصل النظر في وثائقه.
“سأبقى هادئة، ومطيعة. وإلا، سأذهب إلى الحفلات وأعيش في القصر كما لو أنّني غير موجودة. سأفعل كلّ ما تأمرني به، أيّها الأرشيدوق. ستأخذني، أليس كذلك؟”
اقتربت الأرشيدوقة الأرملة أودري خطوة من الأرشيدوق آردين وهي تتوسّل.
بل كان توسّلها أقرب إلى الرجاء.
ففي لحظة غير معهودة، انحنت قليلًا وجمعت يديها أمامها.
قبل أسبوع، سمعت الأرشيدوقة الأرملة أودري من الأرشيدوق آردين عن لوسي.
قيل لها إنّها ستغادر إقليم كريسميل مؤقتًا إلى العاصمة لعلاج مرض النوم.
كان ذلك بمثابة إخطار.
لم يمضِ شهرين حتى على محاولتها إقناع لوسي بعدم استخدام قوتها، والآن هذا!
شعرت الأرشيدوقة الأرملة أودري بالذهول من هذا الخبر المفاجئ، فلم تستطع الاعتراض.
تحمّلت عدم قضاء وقت الشاي مع لوسي لتتركها تقضي وقتًا مع والدتها، لكن أن تغادر قريبًا، شعرت بالفراغ.
تأخّرت الأرشيدوقة الأرملة في التفكير بقلق.
بالتأكيد، الأرشيدوق آردين، الذي لن يعرّض ابنته للخطر، قد اتّخذ القرار الأنسب.
أم أنّه ربما يخفي نوايا أخرى ويستغلّ ابنته؟
بعد تردّد وارتباك، توصلت إلى أنّ الذهاب معهم إلى العاصمة هو الحلّ الأمثل.
لم تستطع الأرشيدوقة الأرملة أودري استيعاب سبب تغيير الأرشيدوق لقراره.
كان عليها أن ترى بأم عينيها وتسمع الأخبار بسرعة.
“أنا، أنا قلقة جدًا. لا أستطيع الانتظار هنا حتى تصلني الأخبار. أليست العاصمة بعيدة جدًا عن هنا؟”
اقتربت الأرشيدوقة الأرملة أودري من المكتب حتى وصلت إليه، وسحبت كرسيًا وجلست عليه.
كانت مصمّمة على عدم التراجع حتى يوافق.
“لن يكون الأمر خطيرًا.”
“وكيف يعرف الأرشيدوق ذلك؟!”
رفعت الأرشيدوقة الأرملة صوتها ردًا على كلماته الباردة.
هل كانت شكوكها السيئة صحيحة؟
شعرت بالخيانة، لكن الأرشيدوق آردين رفع رأسه ببطء.
“لن أدعها تتعرّض للخطر.”
تحت وطأة نظرته الحادّة كشفرة مشحوذة، أغلقت الأرشيدوقة الأرملة فمها.
لكنّها لم تستسلم بعد.
“أليس الأمر بلا موعد محدّد؟ إذا ذهبت، لا أعرف متى ستعود، ومرضى النوم ليسوا قلّة.”
نهضت الأرشيدوقة الأرملة من مقعدها وتوسّلت بشدة.
لو كانت تملك المال الكافي، لاشترت منزلًا صغيرًا في العاصمة دون الحاجة إلى توسّل الأرشيدوق.
لكنّها لم تكن في وضع يسمح بذلك.
فكّرت حتى في بيع مجوهراتها، لكن ذلك لن يكفي لتغطية تكلفة منزل في العاصمة.
لذا، كان أفضل خيار للأرشيدوقة الأرملة أودري هو التمسّك برحمة الأرشيدوق آردين.
“يقولون إنّ الطفل يكبر بسرعة حتى لو لم تره لشهر واحد. ألا يعرف الجميع في هذا القصر أنّ رؤية لوسي، ولو من بعيد، هي سعادتي؟ كم سأعيش بعد الآن…”
بينما كانت تتوسّل، شعرت الأرشيدوقة الأرملة فجأة بالحزن ومسحت عينيها بكمّها.
لم يكن الأمر رحلة قصيرة محدّدة المدة.
إذا فكّرت بعدد المصابين بمرض النوم، فالأمر سيستغرق عامًا على الأقل.
حتى لو زارت العاصمة بين الحين والآخر، فإنّ جسدها المسن لن يتحمّل سوى زيارة أو اثنتين سنويًا.
وإن لم يحالفها الحظ، قد لا تجد لوسي في العاصمة وتعود خائبة، فالمصابين بمرض النوم ليسوا موجودين في العاصمة فقط.
تنهّد آردين باختصار ونظر إلى الأرشيدوقة الأرملة أودري.
كان من المضحك أن تتحدّث امرأة في منتصف الخمسينيات عن أيامها المتبقية.
كان واضحًا أنّها تحاول استجداء عطفه، لكنّه لم يستطع تجاهلها تمامًا.
فهو يعلم جيدًا مدى حبّها لـ لوسي.
فكّر آردين في علاقته بـ إيسيل، ولهذا استبعد الأرشيدوقة الأرملة من قائمة المرافقين إلى العاصمة.
لكن بالأمس، سألته لوسي إن كانت جدّتها ستذهب معهم.
عندما أجاب بـ”لا”، رأى في عينيها نظرة أسف خفية.
“لن يكون لديك وقت كافٍ لتحضير أمتعتك.”
لو لم تقل إيسيل إنّها لا تمانع، لما سمح آردين للأرشيدوقة الأرملة بالمرافقة.
“ماذا؟ الأمتعة؟ لقد جهّزتها بالفعل! أليس المغادرة غدًا؟ لقد أنهيت كلّ شيء!”
“ها…”
“شكرًا، شكرًا لك!”
كما لو أنّها تلقّت هديّة عظيمة، أمسكت الأرشيدوقة الأرملة أودري يد آردين وشكرته بحرارة.
ثم، خوفًا من أن يتراجع، استدارت بسرعة وغادرت المكتب.
نظر آردين إلى الأرشيدوقة الأرملة وهي تخرج كمن يهرب، وهزّ رأسه في استغراب.
لقد تغيّر الكثير بفضل لوسي، لكن تغيّر الأرشيدوقة الأرملة أودري كان شيئًا لم يتوقّعه حتى آردين.
ومع ذلك، رؤيتها تحبّ ابنته بهذا الشكل جعلت قلبه يشعر بالسخاء، حتى أنّها طمست آلام طفولته الماضية.
* * *
“لوسي، إذا شعرتِ بالنعاس، يمكنكِ القدوم إلى عربتي. سأكون وحدي. لديّ دواء لدوار السفر، فلا تتحمّلي إذا شعرتِ بالدوار.”
“حسنًا.”
احتضنت لوسي دمية الأرنب التي قدّمتها لها الأرشيدوقة الأرملة أودري ولوّحت بيدها.
بعد أن رأت الأرشيدوقة الأرملة تصعد إلى العربة، اتّجهت لوسي نحو العربة الأمامية.
“كم قالوا إنّها ستستغرق؟”
“أسبوع.”
“واو، إنّها بعيدة فعلًا.”
بعد محادثة قصيرة مع الأرشيدوق آردين، صعدت إلى العربة.
صرخت إيسيل، التي كانت جالسة على العربة، بنعومة.
“البشرية الصغيرة هنا.”
كان آغنيس، الذي صعد إلى العربة أولًا، يضرب ذيله على الأرض ويدعو لوسي.
كانت والدتها، الجالسة قبالته، تنظر إليه بنظرات حذرة.
“تخلّصي من هذه الكومة المزيّفة من الفرو واحتضنيني.”
ما إن جلست لوسي حتى ضرب آغنيس دمية الأرنب التي أعطتها إياها الأرشيدوقة الأرملة بقدمه الأمامية.
ثم استلقى على ركبتيها كما لو أنّهما مكانه الطبيعي.
“أن أقضي أسبوعًا في هذا المكان الضيّق مع شخص يحمل هذه الهالة الشريرة!”
تمتم آغنيس وهو ينظر إلى الأرشيدوق آردين الذي كان يصعد إلى العربة، مصحوبًا بزفرة غضب.
شعرت لوسي بالحيرة لأنّها لم تعرف بالضبط سبب استيائه.
“ماذا لو ذهبت إلى عالم الأرواح مؤقتًا وعدت عندما نصل إلى العاصمة؟”
اقترحت لوسي، ظنًّا منها أنّها فكرة جيّدة، لكن آغنيس ثار غضبًا، فارتجفت.
“سأتحدّث إلى القطّ جيّدًا.”
“لا أثق بعقل الحيوانات. لقد اعتدت على جسد هذا القط أيضًا.”
“إذن، اذهب فقط. ولا تتذمّر!”
رفعت لوسي يدها وضربت مؤخرة القط برفق.
كانت قد فعلت ذلك عدّة مرات من قبل، ولم يغضب آغنيس، فأصبح ذلك عادة.
ومع ذلك، ظلّ آغنيس دون تأثّر، مستلقيًا بارتخاء أكبر.
“سننطلق!”
مع صيحة السائق، بدأت العربة تتحرّك ببطء.
نظرت لوسي من النافذة وتخيّلت مظهر العاصمة.
على الرغم من أنّ الطريق لا يزال طويلًا، كان قلبها المتحمس قد وصل إلى العاصمة بالفعل.
كان إيركين وماريليو ينتظرانها في العاصمة.
خلال الشهرين الماضيين، تبادلت لوسي معهما، اللذين عادا إلى الأكاديمية، ثلاث أو أربع رسائل.
أخيرًا، قبل ثلاثة أيام، أرسلت لوسي أخبارًا سارّة إلى إيركين وماريليو، اللذين كتبا في نهاية كل رسالة أمنيتهما بأن تأتي إلى العاصمة.
“عندما أذهب إلى القصر الإمبراطوري، سيتفاجأ سايرس برؤيتي فجأة، أليس كذلك؟”
توقّعت لوسي أن يرحّب بها بسعادة.
عربة عائلة كريسميل، التي تحمل توقّعات لوسي، مرّت عبر البوابة الرئيسية بسرعة متزايدة، كسرعة صيف الشمال القصير.
* * *
“هذا يكفي.”
أعاد سايرس سيفه إلى غمده وهو يتحدّث إلى الفارس أمامه.
على عكس سايرس، الذي وقف بلا تعبير، كان الفارس راكعًا على ركبة واحدة، متكئًا على سيفه ليتماسك، يتنفّس بصعوبة، ويتعرّق بغزارة.
كانت هوية الفارس هي قائد فرقة الفرسان الإمبراطورية وسيّد السيف، لكنّه لم يكن ندًا لـ سايرس.
حتى لو كانا سيّدي سيف، كانت الفجوة في مستواهما واضحة.
قبل نزال قائد الفرسان لأنّه ظنّ أنّه قد يحسّن مزاجه، لكن بالنسبة إلى سايرس، لم يكن ذلك حتى تمرينًا خفيفًا.
شعر سايرس بالإحباط غير المحلول وهو يستدير، مقطبًا جبينه قليلًا.
“شكرًا على التوجيه، سمو الأمير!”
صاح الفرسان بدءًا من قائدهم، لكن سايرس اكتفى بهزّة رأس خفيفة وغادر ساحة التدريب.
كان سايرس يعرف جيدًا سبب ضيقه.
“ذلك” الوقت كان يقترب شيئًا فشيئًا.
‘خمسة أشهر تقريبًا؟’
المهلة التي حدّدها الإمبراطور لم يتبقَّ منها سوى أقل من خمسة أشهر.
كان على سايرس اتّخاذ قرار قبل ذلك.
هل يطيع أوامره، أم يبحث عن طريقة جديدة؟
التعليقات لهذا الفصل "72"