خَشِيَ آردين أن تُبدّد إيسيل انتباهها على أمورٍ تافهة، فحملَ إليها الحلوى.
“لا داعي للاهتمام بذلك الشّيء. الحيوانات إذا أكلت طعام البشر بتهوّرٍ قد تُصاب بأذى.”
“حقًا؟ يجب أن أكون حذرة إذن.”
نظرت إيسيل بأسى إلى القطّ الذي اقتربَ بهدوءٍ وجلسَ كما لو كان يفهم كلام البشر.
بدا وكأنّه يحتجّ ليطالب بشيءٍ ما.
“ما اسم هذا الصّغير؟”
“إنه… آغنيس…”
“حتّى مع سماعه مرّة أخرى، يبدو اسمًا مبالغًا فيه لقطّ.”
ضحكت إيسيل بخفّةٍ وكأنّها تذكّرت شيئًا، وقالت.
أجابت لوسي والدتها بتردّدٍ، ثمّ ألقت نظرة خاطفة على آغنيس الذي جلسَ إلى جانبها.
كانت ميلودي قد قالت الكلام ذاته عن الاسم، أنّه مبالغ فيه لقطّ.
لكن، لم يكن بإمكانهم إعطاء اسمٍ جديدٍ له فقط لأنّ مظهره تغيّر.
ولن يسمح آغنيس بذلك على أيّ حال.
لم تكن لوسي تعرف بعدُ سبب بقاء آغنيس إلى جانبها.
كان يتباهى بكونه روحًا عليا، والآن يقيم في جسد قطّ.
<متى ستغادر؟>
سألته مرّةً بلطف.
لكنّه، كما في الليلة الأولى التي استولى فيها على سريرها، أجاب بأنّ الذّهاب والعودة مجددًا مزعجان.
كان بإمكانه ألّا يأتي أصلًا…
لم تجرؤ لوسي على قول ذلك خوفًا من التّوبيخ.
لم يكن يزعجها الآن بشكلٍ خاص، فلم يكن هناك ما يدعو للشّكوى.
عندما يكون مع الآخرين، يتصرّف تمامًا كقطّ، فلم يكن هناك إزعاجٌ كبير.
باستثناء عادته في احتلال الوسادة أثناء النّوم.
على أيّ حال، مرّ أسبوعٌ منذ أن بدأت لوسي تعيش مع آغنيس المُتحوّل إلى قطّ.
وصار في سريرها وسادتان.
“لن آكل المزيد الآن.”
كانت النّزهة تجمع بين الغداء ووقت الشّاي.
بعد أن أكلت لوسي شطيرة وشعرت بالشّبع، ابتعدت عن الطّاولة.
تبعها آغنيس كذيلٍ ملاصقٍ لها، وجلس معها في مكانٍ تظلّله أغصان الدّلب بشكلٍ أنيق.
كانت ميلودي قد فرشت قماشًا نظيفًا وأحضرت وسادةً للجلوس في مكانٍ بارد.
اتّكأت لوسي على أغصان الدّلب، واستخدمت الوسادة كدعمٍ، ثمّ فتحت كتابًا.
لم تخرج للقراءة، لكنّها أرادت منح والديها وقتًا مميّزًا، فابتعدت قليلًا.
كم مرّة زارت أمّها هذا المكان بعد خطوبتها؟ على أيّ حال، مرّ وقتٌ طويل، فلا بدّ أنّه يثير ذكرياتٍ جديدة.
لعلّ لديها الكثير لتتحدّث عنه مع والدها وهما يسترجعان الذّكريات.
شعرت لوسي بأنّها تصرّفت بأسلوبٍ ناضجٍ، فرفعت كتفيها بفخرٍ وتصفحت الكتاب.
بعد أن أنهت قراءة <مغامرات ماتيلدا المثيرة>، بدأت بكتابٍ جديدٍ بعنوان <حياة ماتيلدا النّشيطة في الأكاديميّة>. اكتشفت أنّ ماتيلدا بطلة سلسلة كتبٍ تعليميّة.
هل سأتمكّن يومًا من الذّهاب إلى الأكاديميّة؟
ما إن قلّبت غلاف الكتاب حتّى تخيّلت إيركين وماريليو وهما يدرسان بجدّ في الأكاديميّة.
قالا إنّهما سينتظرانها في العاصمة خلال عطلة الشّتاء.
إذا ذهبت إلى الأكاديميّة، هل سأتمكّن من التّجول مع إيركين وماريليو؟
تساءلت عن شعور الجلوس إلى جانبهما والدّراسة معًا.
إذا سألتهما عن شيءٍ لا تعرفه، فإنّ ماريليو سيبحث في كلّ الكتب ليشرح لها.
وإذا تعثّر ماريليو، سيقود إيركين الطّريق ببراعة.
ربّما يجذبان الأنظار في الأكاديميّة بصفتهما أبناء عائلة الأرشيدوق كريسميل.
بينما كانت لوسي تتخيّل الذّهاب إلى الأكاديميّة مع إيركين وماريليو، ضحكت بخفّةٍ وقلبّت صفحة الكتاب دون تفكير.
عليّ أن أكتفي بالتّخيّل والكتب.
ربّما لن يسمح الأرشيدوق آردين بذهابها إلى الأكاديميّة.
حتّى لو شعرت بالأسف، قرّرت ألّا تتشبّث بالأمر هذه المرّة.
فقد سمح الأرشيدوق آردين بصعوبةٍ بإيقاظ المصابين بمرض النّوم.
كان هو الأكثر معارضةً لذلك.
لكن، لا تعرف إن كان آغنيس قد أقنعه أم أنّه استسلم لإصرارها.
بدا متذمّرًا، لكنّه وافق.
لكنّه اشترط أن تكون أمّها بصحّةٍ تامّة تسمح لها بمرافقتها إلى العاصمة.
ولم تعترض لوسي على ذلك.
هل ستتعافى أمّي تمامًا خلال شهرٍ أو اثنين؟
رفعت لوسي عينيها عن الكتاب للحظةٍ،
ونظرت إلى أمّها التي كانت تتحدّث مع والدها.
بدت أمّها سعيدةً بالخروج إلى هنا، وابتسامتها تملأ وجهها.
ربّما سأحتفل بيوم ميلادي هذا في العاصمة، فقد كانت أمي تبدو بحالةٍ جيّدة.
تبعت لوسي أمّها وابتسمت بدورها، ثمّ عادت لتقلب صفحات الكتاب.
استقرّ آغنيس، الذي كان يتجوّل حولها، عند قدميها واستلقى.
كانت أصوات والديها وهما يتحدّثان بهدوءٍ تصل إليها، وأحيانًا كان ضحك أمّها المنعش يملأ الفضاء المحيط بهما.
هبّت نسمةٌ خفيفةٌ تهزّ شعر لوسي بلطف، وكانت أشعّة الشّمس دافئة.
مع مرور الوقت، تباطأت يد لوسي التي كانت تقلب صفحات الكتاب.
“يا هيّا.”
عند سماع صوتٍ منخفض، هزّ آغنيس أذنيه.
عرف من هو صاحب الخطوات المقتربة منهم.
كان آغنيس، الذي نامَ مستريحًا على ساق لوسي، لا يزال مغمض العينين حتّى عندما شعر بلمسةٍ تدفع مؤخّرته.
“سأرميكَ بعيدًا.”
“هيه…”
تحت تهديدٍ لا يمكن أن يكون مزاحًا، رفع آغنيس رأسه وهزّه.
فتح عينيه الزّرقاوين المتلألئتين وحدّق في الأرشيدوق آردين.
هل لأنّه في جسد قطّ؟ أصبح آغنيس يستمتع بالنّوم أكثر من قبل.
كان يحبّ النّوم في حضن لوسي الدّافئ، أو الاستلقاء على وسادةٍ سميكة.
كان النّوم بعد الظّهر ضروريًّا بشكلٍ خاص.
شعر بالضّيق لأنّ أهمّ وقتٍ لديه قد قُوطع.
“إلى متى ستبقى هنا؟”
تجاهل آغنيس السّؤال الحادّ، ومدّ قدميه الأماميّتين ليتثاءب.
ثمّ جلس متّكئًا على قدم لوسي الصّغيرة، مواجهًا الأرشيدوق آردين.
كانت الطّاقة السّوداء المزعجة لا تزال تتدفّق منه، فأصدر آغنيس همهمةً ساخرةً أوّلًا.
“أنا لا أنام في سريركَ، فلمَ التّذمّر؟”
هذه هي المشكلة الأكبر! أراد آردين أن يمسك برقبة القطّ ويصرخ، لكنّه كبح نفسه بصعوبة.
كان قد عدّل وضعيّة لوسي التي كانت نائمة متّكئة على الشّجرة لتنام بشكلٍ مستقيم.
غطّاها ببطانيّة خفيفة، وعندما استدار، أزعجه القطّ الذي كان نائمًا على ساق ابنته.
من الواضح أنّه أنهى مهمّته، لكنّ القطّ لم يُظهر أيّ علامة على نيته في المغادرة.
كان يتجوّل مع لوسي يوميًّا، وينامان في سريرٍ واحد.
يقول إنّه بسبب المانا، لكنّه لم يفترق عنها لحظة.
مهما نظر إليه، كان ذكرًا.
حتّى دون رؤية شكله كروح، كان من الواضح أنّه ذكر.
أيّ أبٍ سيترك ذكرًا يقضي 24 ساعة مع ابنته دون اعتراض؟
كان آردين ممتنًا لأنّه ساعده في وضع خططٍ مستقبليّة بمعلوماته، لكنّه الآن يتمنّى لو يغادر.
“أليس لديك ما تفعله؟ لا يمكن أن تكون ابنتي هي من تُبقيك هنا.”
يبدو أنّه ليس بموقعٍ مهمّ في عالم الأرواح، إذ يقضي وقته نائمًا.
لذلك، بدأ آردين يشكّ قليلًا في كلام آغنيس السابق.
لم يرَ لوسي تعتني بالقطّ بشكلٍ مفرط، لذا بدا أنّه يبقى دون موافقتها.
“همم، إذا غادرت، ستكون أنتَ الأكثر ندمًا.”
“أنا؟”
أن يتّهمه هو بالذّات! ضحك آردين بسخريةٍ لعدم تصديقه.
كان هذا الرّوح، الذي يبدو أنّ لكمة واحدة ستقضي عليه، جريئًا جدًا.
لم يتأثّر آغنيس بسخرية آردين، بل تثاءب ببطءٍ وغمض عينيه.
“أنا، الرّوح العليا، لمَ أستعير جسد حيوانٍ وأبقى هكذا إن لم يكن هناك سبب؟”
“…….”
لم يستطع آردين طرده بقسوةٍ لأنّه لم يعرف السبب.
لا بدّ أن هناك سببًا لتعلّق هذا الرّوح بـ لوسي.
ليس من المعقول أن يبقى فقط لاستكشاف عالم البشر، فهو لا يبتعد عن لوسي لحظة.
لا يستطيع التجوّل بمفرده بسبب المانا.
لكن، بما أنّه لا يفعل شيئًا ملموسًا، كان من الطّبيعي أن يشعر بالاستياء.
“سأكون أوّل من يكتشف ذلك.”
“تكتشف ماذا؟”
“همم، يا لك من إنسانٍ وحامٍ جاهل.”
عندما استفزّه فجأة، عبس آردين.
هل يضربه أوّلًا؟ هل إذا علّقه مقلوبًا سيصبح أكثر طاعة؟
في ذهنه، كانت تتكشّف سيناريوهات قاسية لا يمكن لإنسانٍ يقابل روحًا غامضة أن يتخيّلها.
“ألم تكن أنتَ الأكثر فضولًا؟”
“…….”
“أحاول جاهدًا معرفة ما هو الثمن، ومع ذلك تشتكي. البشر حقًا وقحون.”
آه، توقّف آردين عن التفكير في تلك الصّور القاسية.
لم يكن يعرف.
شعر بالأسف متأخرًا.
قال آغنيس إنّه سيكون الأوّل الذي سيكتشف أيّ ردّة فعل تنتج عن استخدام لوسي لقدراتها.
كان ذلك السّؤال الأوّل الذي شغل بال آردين.
لم يكن هو الوحيد، بل حتّى هذا الرّوح، الذي اعتقده عاجزًا، يهتمّ بـ لوسي.
أومأ آردين برأسه بلطفٍ بدلًا من النّظر إلى آغنيس، معبّرًا عن أسفه.
تحرّكت رأسه ببطءٍ إلى الجانب.
هل يجب أن نقلق بشأن الثمن من الآن؟
لوسي في الثّامنة فقط، فهل يجب أن نقلق بشأن الثمن منذ الآن بما أنّ الرّوح يراقبها؟
شعر آردين بالخوف فجأة، فأمسك برقبة القطّ بسرعة.
التعليقات لهذا الفصل "67"