آردين، الذي وبّخ الروح العليا بشدّة، تنهّد بعمق مرات عديدة.
قام آغنيس، غاضبًا من كلامه الوقح، برفع قدمه الأماميّة وهو يقف.
لوّح بمخالبه بسرعة بعد أن أخرجها، لكن قدم الوحش القصيرة لم تصل إلى الإنسان.
“كيف يجرؤ إنسان!”
“قُلتَ إنّك لا تعرف!”
عندما رفع الأرشيدوق آردين يده، أنزلت لوسي يديها اللتين كانتا تسدان أذنيها، واستمعت إلى جدالهما.
لم افهم سبب الخلاف، فاتّسعت عيناها البنفسجيّتان بدهشة.
“أنا… روح عليا ليست كلية القدرة!”
“ألستَ روحًا من الطبقة العليا؟”
“آغغ… المستقبل لا أعرفه!”
“أنا أيضًا كذلك. لا فرق بين روح وإنسان تافه.”
“هاه…!”
نظرت لوسي بحيرة إلى الاثنين وهما يتجادلان كالأطفال.
لكنّها أمسكت آغنيس برفق خوفًا من أن يسقط وهو يتحرّك بإنفعال على ركبتيها.
بدى الأرشيدوق آردين متجهّمًا وهو يدير رأسه، بينما لوّح آغنيس بذيله بقوّة أكبر من قبل.
كان المشهد مذهلًا لدرجة أنّ لوسي لم تستطع التدخّل بكلمة واحدة.
ما الذي تحدّثا عنه حتى اقتربا فجأة هكذا؟ اعتقدت لوسي أنّ الأصدقاء المقرّبين فقط يمكنهم الجدال بهذه الطريقة.
كانت تجربتها الوحيدة في الحياة هي الخلافات القليلة مع والدتها في جبل فلابيس، فلم يكن لديها خيار سوى التفكير بهذا الشكل.
لأنّ المعرفة العميقة بين اثنين تُولد الاستياء وتخلق أسبابًا للخلاف.
لكنهما لم يلتقيا سوى مرّتين. لا، بل هذه أوّل مرّة يواجهان بعضهما وجهًا لوجه.
ومع ذلك، بدا الأرشيدوق آردين وآغنيس قريبين جدًا.
هل لأنّ الشخصيّات المتعجرفة تجد أرضيّة مشتركة؟
الآن وهي تفكّر، بدا سايرس أيضًا مشابهًا لهما في الطباع.
أومأت لوسي برأسها وهي تجد سببًا لانسجامهم، آردين وسايرس وآغنيس، في ذهنها.
“كيف يجرؤ قط أن يعيش في منزل إنسان؟ أخرجي هذا الخنزير فورًا.”
وقف الأرشيدوق آردين، الذي بدا منزعجًا، فجأة وأشار بإصبعه إلى آغنيس.
بغض النظر عن كونه غاضبًا كيف يصفُ قطًا بكونه خنزيرًا؟
نظرت لوسي المذهولة وآغنيس المصدوم إلى الأرشيدوق آردين وهو يغادر الغرفة دون أن ينبسا بكلمة.
“آآه، إنسان تافه…!”
شعر آغنيس بالغضب لعدم تمكّنه من قول كلّ ما يريد، فرفع صوته متأخرًا وهو يدقّ الأرض بقدمه الأماميّة.
لكنّه بدا مجرّد قطّ سمين قليلًا، فبذلت لوسي جهدًا لكبح ضحكتها.
على الرغم من جدالهما، بدا أنّ آغنيس هو الطرف الخاسر.
الأرشيدوق آردين، الذي يخسر في الجري أمام سايرس، يتجاهل آغنيس، الروح العليا للنور.
ماذا سيحدث لو التقى الثلاثة معًا؟ ومن سيكون الأقوى بين آغنيس وسايرس؟
ابتسمت لوسي وهي تتخيّل أفكارًا تافهة، معتقدة أنّ آغنيس سيغادر قريبًا.
بالتأكيد، بما أنّه غاضب، سيختفي دون أن يجيب على أسئلتها.
متى يمكنها البدء بإيقاظ المصابين بمرض النوم؟
هل يجب أن تنتظر حتى تتعافى والدتها؟
كان لدى لوسي الكثير من الأسئلة التي تريد طرحها.
هل تطلب الذهاب إلى العاصمة كهديّة يوم ميلادها؟
شعرت بأمل أنّ والدتها ستتحسّن بحلول يوم ميلادها بعد شهرين.
عندها، أرادت أن تكون الرحلة إلى العاصمة مع الجميع هي هدية يوم عيد الميلاد.
غرقت لوسي في أفكارها، ودون أن تشعر، بدأت تمسح على القطّ الذي استعاد رشده وأصبح هادئًا.
مرّرت يدها بلطف من رأس القطّ الناعم إلى ظهره الناعم.
كان القطّ الذي هو بالأصل آغنيس ناعم الفراء، كأنّ أحدًا يعتني به، فتحرّكت يدها تلقائيًّا.
“مياو… مياو..”
“آه!”
انتبهت لوسي لحركتها عندما سمعت صوت القطّ، فـ ارتعبت فجأة.
خافت أن تُوبّخ بكلمة “كيف تجرؤين” مرّة أخرى، فأبعدت يدها بسرعة.
نظر آغنيس إليها بعينين نصف مفتوحتين وهو يدير رأسه.
“آمم… متى ستذهب؟”
سألت لوسي أوّلًا، لأنّه لم يقل شيئًا ونظر إليها فقط.
كان يفترض أن يغادر على شعاع من النور كما فعل سابقًا بعد انتهاء مهمّته، لكنّه ظلّ في هيئة قطّ.
فتح فمه متثائبًا، ثم نهض من على ركبتيها وتمدّد ببطء.
“لقد أرهقني استخدام الكثير من طاقتي.”
تثاقل آغنيس وهو ينزل من ركبتيها متّجهًا إلى الوسادة.
استلقى عليها كإنسان واستعدّ للنوم على الفور.
هل ينوي النوم حقًا؟ فتحت لوسي فمها بدهشة وهي تحرّكه دون صوت.
“ألن تستدعينني مرّة أخرى لاحقًا؟ أنا متعب من الذهاب والعودة.”
أخبرها بسبب بقائه، لكنّ لوسي لم تستطع الردّ.
أن يبقى هنا في هيئة قطّ لأنّه يشعر بالكسل؟ هل يُسمح لروح النور بذلك؟
نظرت لوسي بدهشة إلى القطّة السمين الذي احتلّ جزءًا من سريرها وهو يغرق في النوم.
* * *
“هاااه…”
تنهد آردين بعمق وهو يشعر بالإحباط، ثم نزل السلالم مسرعًا.
حاول أن يكون لطيفًا ظنًّا أنّ ذلك سيساعد، لكنّ النتيجة لم تكن مرضية.
ذلك الروح المتعجرف، الذي يتباهى بنفسه، لم يعرف الشيء الأهم.
سرّ إمبراطوريّة بيراكا العظيم لم يكن مهمًا بالنسبة له.
كلّ ما أراده آردين هو معرفة الثمن الذي ستواجهه لوسي نتيجة استخدام قدراتها، وكيف يمكنه الاستعداد لذلك.
بالطبع، بفضل الروح، عرف الكثير من الحقائق التي كان يجهلها، لكنّها جميعًا كانت مخيّبة للآمال.
أن تكون لوسي مضطرّة لإيقاظ المصابين بمرض النوم؟ مجرد التفكير في ذلك جعل قدميه تتوقّفان تلقائيًّا من اليأس.
توقّف في المدخل الرئيسيّ وهو يفكّر في المستقبل.
وُلدت لوسي وهي تحمل مهمّة إيقاظ الناس من مرض النوم.
لذا، يجب عليها القيام بهذه المهمّة لمنع المزيد من الانحراف عن نظام الطبيعة الذي اختلّ بالفعل.
لكن، حتى وإن كانت لوسي قد وُلدت لهذه المهمّة، فلا يمكنها إيقاظ المصابين بمرض النوم إلى ما لا نهاية.
ولتخفيف هذا العبء عنها، يجب أن يصبح هو الإمبراطور ليصحّح نظام الطبيعة المنحرف.
وقف آردين ساكنًا وهو يرتب كلام الروح في ذهنه، وهو يعضّ على أسنانه بقوّة.
تسك. نظام الطبيعة قد انحرف بالفعل، فهل يجب تصحيحه بالضرورة؟
كيف يمكنه أن يعرف الاعراض التي ستواجه ابنته وهي توقظ المصابين بمرض النوم اثناء نتيجة استخدام قدراتها،
وهو لا يعرف شيئًا عنها؟ شعر آردين بحاجة إلى متنفّس لإحباطه.
هل يتدرّب مع الفرسان في مبارزة جماعيّة، أم يذهب إلى السجن تحت الأرض ليواجه ديرموت؟
لم يتردّد طويلًا وهو يتجوّل.
غادر المدخل الرئيسيّ وتوجّه إلى الجزء الخلفيّ من القصر.
من الخارج، بدا القصر التذكاريّ مكانًا لتوابيت الأرشيدوقات السابقين من عائلة كريسميل،
لكنّ تحته كان سجنًا لم يخرج منه أيّ سجين مرّة أخرى.
نزل آردين الدرج تحت الأرض دون تردّد وهو يصرخ:
“علّقوه بالمقلوب، واخرجوا جميعًا.”
ردّدت جدران الحجر تحت الأرض صوته الغاضب، فتحرّك الجنود الذين يحرسون السجن بسرعة.
عندما وصل آردين إلى زنزانة ديرموت، كانت التحضيرات قد اكتملت.
خرج الجنود جميعًا، ودخل آردين إلى الزنزانة حيث كان ديرموت معلّقًا بالمقلوب.
“آآآه!”
أطلق ديرموت، الذي قضى ليلة في زنزانة رطبة بلا ضوء، صرخة رعب.
عندما أُسر، ظنّ ديرموت أنّ الأرشيدوق
آردين لن يقتله على الأقل.
كان واثقًا من أنّ خدمته المخلصة لعائلة كريسميل ستنقذ حياته.
على الرغم من قوّته الهائلة، كان آردين غالبًا غير مبالٍ أو متساهلًا مع الخدم.
لكن، وهو معلّق بالمقلوب، أدرك متأخرًا أنّ ظنونه كانت خاطئة تمامًا.
“أنا… أخطأت. ارحمني!”
كان ديرموت يتلوّى كسمكة خارج الماء، والدم يتدفّق إلى رأسه، مما جعل عينيه تدوران.
حاول، رغم يديه المربوطتين خلف ظهره، أن يلوي جسده ليواجه عيني الأرشيدوق آردين.
“كلّما أسرعت بالإجابة، أرحتك من العذاب. من الذي أرسلتَ إليه الرسالة؟”
ضغط عليه الأرشيدوق لآردين بصوت بارد دون أن يردّ على كلامه.
شعر ديرموت أنّ الموت يقترب، فتدفّقت دموعه.
بسبب تعليقه بالمقلوب، سالت الدموع بإتجاه معاكس، مما أعاق رؤيته أكثر.
هل يعترف بالحقيقة ليتخلّص من هذا العذاب؟ تردّد قليلًا.
لكن، ألن تكون هذه بمثابة محنة لمرسول السلام؟ عضّ ديرموت شفته السفلى بقوّة وحبس دموعه.
كلمة واحدة منه قد تنقذ العديد من الكهنة، أو تحافظ على سرّ قدرة الآنسة لوسي إلى الأبد.
“ارحمني!”
كرّر ديرموت نفس الكلمات كببغاء، لكنّ صوته هذه المرّة كان قويًا ومليئًا بالعزيمة، بعكس خوفه السابق.
“آآآه!”
لكنّ هذا العزم النبيل لم يدم طويلًا.
ملأت هالة سوداء أطلقها الأرشيدوق آردين فجأة الزنزانة بأكملها.
كان من الطبيعيّ أن يختنق ديرموت.
كان يعاني أصلًا من صعوبة في التنفّس بسبب تعليقه، والآن شعر بألم شديد كأنّ عينيه ستنفجران.
“الفرصة تُمنح لمرة واحدة فقط. فكّر جيدًا وأجب.”
سحب آردين الهالة السوداء ونظر إلى ديرموت الذي أصبح مظهره بائسًا.
التعليقات لهذا الفصل "65"