عندما اقتحم سيل القصر بسرعة، مالت لوسي برأسها في حيرة ثم نهضت من المقعد.
يبدو أن اليوم لن يكون يوم لعب مع سيل.
فقد طار بعيدًا مرتين متتاليتين.
قررت لوسي العودة إلى غرفتها.
كانت تنوي استكمال قراءة كتاب『 مغامرات ماتيلدا المثيرة 』 الذي تركته دون إكماله أمس.
كان الكتاب يروي قصة ماتيلدا، البطلة التي تجولت في إمبراطورية بيراكا وعدة ممالك محيطة بها، وما واجهته من أحداث.
لم يكن المحتوى ممتعًا فحسب، بل كان أيضًا درسًا لـ لوسي التي لم تكن تعرف قبل قراءته سوى إمبراطورية بيراكا، فتعلمت منه عن ممالك أخرى.
لتجنب المدخل الرئيسي المزدحم، استخدمت لوسي بابًا صغيرًا يسلكه الخدم.
لم تكن ترغب في إزعاج الأطباء المصطفين في القاعة.
“أوه؟ وصلتني رسالة؟”
عندما دخلت غرفتها، رأت لوسي رسالة موضوعة على طاولة الشاي فشعرت بالفرح.
هل أرسل إيركين أو ماريليو رسالة بهذه السرعة؟
قيل إن الرحلة إلى العاصمة تستغرق خمسة أيام، وما زال الوقت مبكرًا على وصولهما، فتساءلت في حيرة، لكنها فتحت الظرف بسرعة ظنًا أنهما كتباها أثناء الطريق.
لكن الرسالة التي بدأت بـ “إلى المنقذة العزيزة، الآنسة لوسي” لم تكن كما توقعت.
لم يكن كاتبها من الذين حسبتهم، ولا حتى سايرس الذي راودها أمل بكونه المرسل.
جلست لوسي على الأريكة وقرأت الرسالة بهدوء.
ورغم جهلها بمن أرسلها، كانت المضامين تتوالى بجدية لا يمكن التهاون بها.
“هاا؟”
عندما وصلت إلى منتصف الرسالة، أفلتت لوسي صوتًا متفاجئًا.
ثم راحت تقرأ بسرعة بعينين مفتوحتين على اتساعهما.
أنهت الرسالة، لكنها لم تجد في النهاية من كتبها.
كُتب أنها من “مرسول السلام الذي يتمنى سلام الإمبراطورية”، لكن لوسي عرفت أن هذا ليس اسم شخص.
بالنسبة إليها، كان المحتوى أهم من هوية المرسل، فأمسكت الرسالة وخرجت من الغرفة مسرعة.
“أمي!”
ركضت لوسي نحو غرفة إيسيل المقابلة.
***
أصدر آردين لسولون الأمر ذاته الذي أعطاه لـ سيل.
“اقبضوا عليه حيًا. إن قاوم، اقتلوه.”
كان الأمر بإحضار الطبيب الخاص ديرموت.
لم يكن متأكدًا إن كان قد غادر عائلة كريسميل أم لا، لكن كان يجب وضعه أمام عينيه أولًا.
وفقًا لتقرير إيميت، كان ديرموت موجودًا حتى أمس، بل إن طبيبًا رآه صباح اليوم، مما يعني أنه ربما غادر بعد الظهر.
لم يكن واضحًا إن كان قد هرب أم غادر القصر مؤقتًا.
مع ذلك، اتخذ آردين قرارًا حاسمًا بتحريك قائد الفرسان والفيلق الأول.
أمر قائد الفرسان سولون ونصف الفيلق الأول بمطاردته خارج الإقطاعية على افتراض أن ديرموت قد هرب، بينما أمر النصف الآخر بتفتيش الإقطاعية نفسها.
كل ما تبقى الآن هو الانتظار… لكن كلمات سيل ظلت تؤرق آردين.
لص يتبعه.
من كان يتبع، وماذا سرق؟ كان ينوي تأكيد هذا اللغز بعد إحضار ديرموت.
كان لدى آردين تخمين.
ربما كان يتبع لوسي.
تذكر آردين ما قاله ديرموت عندما أيقظوا إيسيل سابقًا، حتى لحظة انبطاحه وهو يهتف بـ “المنقذة”.
كانت المنقذة المزعومة هي لوسي بلا شك.
لكن آردين لم يفهم لماذا وصفه سيل بـ “اللص”. إذا كان ديرموت بحاجة إلى لوسي أكثر من أي شيء، فإن لوسي ما زالت في القصر.
هل كان يتربص بها ليختطفها عند أول فرصة؟
عندما وصل إلى هذا الاستنتاج، صر آردين على أسنانه بقوة وشد قبضته.
‘كيف يجرؤ على المساس بابنتي…’
إذا كان ديرموت يتعقب لوسي، فقد بدا في عيني سيل كمن يتبعها.
عندما ترسخت هذه القناعة، أغمض آردين عينيه بقوة.
كان يشعر أنه لو فقد أعصابه قليلًا، ستنطلق هالة سوداء منه دون سيطرة.
“هوو.”
مد آردين يديه وتنفس بعمق.
لوسي ما زالت إلى جانبه الآن.
مهما كانت خطة ديرموت، فقد تأكد من وجود لوسي في القصر، فلا خطر فوري بعد.
لكن كان عليه القبض على ديرموت قبل أن يحاول المساس بـ لوسي.
لم يكن آردين ليكشف قدرات لوسي للعالم مهما قال أحد.
كيف يمكن لأب أن يعرض ابنته للخطر؟
لم يثق آردين بكلام الأمير الأول.
قال إن إعلان قدرات لوسي سيحميها، لكنه لم يصدق ذلك.
ألف كاهن سيحمون لوسي؟
يا لها من سذاجة من صبي لم ينضج بعد.
لماذا يعهد بسلامة ابنته لكهنة عاجزين بينما هو هنا؟ لم يتردد آردين لحظة في رفض كلام الأمير الأول.
“كان يجب أن أقتله…”
تمتم آردين بصوت حاد وهو يصعد إلى الطابق الثاني.
لم يكن غافلًا عن احتمال هروب ديرموت.
حتى فكر في قتل جميع الأطباء بعد استيقاظ إيسيل.
لكن حتى آردين لم يستطع معاقبة أحد على فعل لم يحدث بعد.
“كان يجب أن أسجنه.”
ابتسم آردين ابتسامة خفيفة وهز رأسه، متذكرًا كيف فكر فقط في إزالة المخاطر.
يبدو أن فرحة استيقاظ إيسيل وسعادة وجود ابنة جميلة أضعفتا قلبه.
مع ذلك، كان آردين مستعدًا للقضاء على أي كان إذا تعرضت لوسي للخطر.
“لوسي؟”
صعد آردين إلى الطابق الثاني وبحث عن غرفة لوسي أولًا.
كان ينوي سؤالها إن كانت قد التقت ديرموت على انفراد، لكن الغرفة كانت خالية.
عندما التقى الأطباء وأصدر الأوامر، رأى لوسي تدخل القصر، فأغلق باب غرفتها وتوجه إلى غرفة إيسيل.
ابنته التي لا تعرف سوى أمها لابد أن تكون هناك.
وكما توقع.
رأى آردين لوسي.
تجلس إلى جوار إيسيل، فرفع زاوية فمه في ابتسامة.
“ها هي هنا…”
“آردين، انظر إلى هذا.”
قاطعته إيسيل وهي تمد له ورقة بوجه ثقيل، فتوقف عن الكلام.
لم يكن وجه لوسي أفضل حالًا.
بدت كأنها على وشك البكاء، فمحا آردين ابتسامته.
نظر إلى الورقة التي قدمتها إيسيل أولًا.
كانت رسالة موجهة إلى لوسي من شخص ما.
“ها.”
ضحك آردين ضحكة مريرة بعد قراءة الرسالة بسرعة.
هل يمكن القول إنه تلقى ضربة؟ لم يُذكر المرسل، لكن آردين كان متأكدًا أنه ديرموت.
مرسول السلام؟ يا للسخرية، علقت الكلمات في حلقه.
أي شخص بلا خجل يختار طفلة في الثامنة من عمرها منقذةً؟
لم يكن آردين مهتمًا بـ آفا، أساس إمبراطورية بيراكا.
بعد أن عانى من قوة لم يطلبها، لم يعد قادرًا على الإهتمام.
وكان يشعرُ بالإستياء كلما تلوى من الألم.
“أبي، هل هذه الرسالة حقيقية؟”
سألت لوسي عن صدق ما في الرسالة، لكن آردين لم يجب.
أراد أن يمزق تلك الرسالة المفعمة بالعواطف فورًا.
كانت إيسيل تترقب رد فعله، وهو يحرك شفتيه دون صوت.
“أمي، هل هذا حقيقي؟ هل هناك فعلًا هذا العدد من المصابين بمرض النوم؟”
“لوسي…”
لم تجد لوسي جوابًا من آردين، فألحت على إيسيل.
لم تستطع الأم أن تقول ببساطة “نعم، إنه صحيح”، مترددة أمام وجه آردين المعبس.
كان عالمًا لا يجب على طفلة معرفته بعد.
صحيح أن لوسي تمتلك قدرة خاصة، لكن ليس عليها واجب حل المشكلة بنفسها.
لم يمضِ ثلاثة أشهر منذ نزولها من جبل فلابيس.
في العالم الكثير من الجمال، فلماذا يُظهر لها جانبه المظلم أولًا؟
“ليس شيئًا يجب أن تشغلي بالكِ به.”
تقدم آردين أولًا.
لكن ابنته التي تشبهه لم تصمت.
“لماذا؟ أليس مرض النوم شيئًا لا يستطيع إيقاظه سواي؟ أم أن هناك طريقة أخرى غيري؟”
“هاه.”
تنهد آردين بخفة.
في هذه اللحظة، تمنى لو لم تكن ابنته بهذا الذكاء.
لكنه لم يرد أن يكذب عليها قائلًا إن هناك طريقة أخرى، فستسأله عنها بدقة.
“ماذا عن هؤلاء الناس؟ إنهم ينتظرون مثل…”
امتلأت عينا لوسي بالدموع وهي تهمس.
صحيح أنها أيقظت أمها متأخرة بسبب مرض وافورد، لكنها انتظرت طويلًا حتى أفاقت أمها بأمان.
في ذلك الانتظار، كانت عواطف كثيرة.
شعرت بالوحدة أحيانًا، بالخوف أحيانًا، وتحملت الكثير.
لكن في النهاية، كان هناك أمل.
“لو أيقظتها بيدي فقط، لاستفاقت أمي.”
تمتمت لوسي وهي تبكي، غير قادرة على التخلي عن تعلقها.
كان الأمل موجودًا بالنسبة لها، لكن هل سيكون كذلك بالنسبة لهم؟
حتى الأطباء الذين بدوا محترفين باستخدام أدوات غريبة قالوا إنه لا علاج لمرض النوم.
إذن، قد تكون هي أملَهم الوحيد.
نظرت لوسي إلى الأرشيدوق آردين بعينين دامعتين وهي تشهق.
كان شيئًا بإمكانها فعله.
الطريقة بسيطة.
في يوم واحد، يمكنها إيقاظ عشرات الأشخاص.
أرادت لوسي أن تصبح أملًا لعدد لا يحصى من مرضى النوم، متمنية أن يقترح الأرشيدوق آردين مساعدتهم أولًا.
لكن، خلافًا لأمنيتها، أدار الأرشيدوق آردين رأسه بعيدًا بسرعة.
“هيينغ!”
أدركت لوسي أن هذا رفض، فاندفعت إلى حضن إيسيل وبكت بصوت مرتفع.
التعليقات لهذا الفصل "57"