كانت عيناها المذعورتان تنظران إليه ثم تجولان حولها في حيرة واضحة.
“لا توجد أي مشكلة، لذا ركزي على نفسك.”
حاول آردين أن يلتقط نظرات إيسيل المرتجفة ويثبتها بعينيه.
بدأت عيناها الخضراوان الواسعتان تهدآن تدريجيًا.
“إيسيل، هل هناك مكان يؤلمك؟”
مع سؤاله، بدأت إيسيل تتحسس جسدها لتتأكد من إحساسها.
كان قلبها الذي كان يخفق بقوة يستعيد إيقاعه الطبيعي ببطء.
لاحظت أيضًا وجه لوسي الجميل الملتصق بصدرها، تنظر إليها برأس مرفوع فقط.
يبدو أن هناك أشخاصًا كثيرين حولها، لكن كلما حاولت أن تدير وجهها، كان آردين يعيدها لتنظر إليه مباشرة.
كان آردين أمام عينيها، ولوسي على صدرها.
آردين ولوسي معًا.
كان الموقف محيرًا، لكنه في الوقت ذاته المشهد الذي طالما تخيلته إيسيل لفترة طويلة.
“إيسيل، انظري إليّ. يجب أن أعرف إن كان هناك شيء يزعجك أو يؤلمك.”
كرر آردين سؤاله مرة أخرى.
لكن إيسيل لم تستطع الرد، وبدلًا من ذلك انهمرت دموعها فجأة.
لم تعرف السبب، لكن وجود آردين ولوسي معًا لم يبد خطيرًا.
بل بدا مألوفًا بشكل مدهش.
كم من الوقت كانت نائمة؟ شعرت أنها لا تستطيع تحريك جسدها بحرية، مما جعلها تدرك أنها هذه المرة ربما نامت لفترة طويلة جدًا.
ماذا فاتها؟
لم تشهد نمو لوسي، ولم تعتنِ بها كما يجب.
في الوقت الذي كانت لوسي في أمس الحاجة إلى أمها، أصبحت هي عبئًا بدلًا من ذلك.
شعرت بالأسف، وفي الوقت ذاته بالفخر لأن لوسي نجحت في النمو بشكل جيد دونها.
بسبب مرض النوم، لم تكن إيسيل تعرف كم من الوقت ظلت نائمة، ولم تستطع تحديد المدة التي انفصلت فيها عن آردين.
بدا وجهه مألوفًا كما في ذاكرتها، لكنه يحمل أيضًا علامات تقدم السن قليلًا، مما جعله غريبًا بعض الشيء.
ثم تذكرت فجأة تلك الكلمات الباردة التي قيلت لها: “لا أريد أطفالًا”، فشعرت بقلبها يهتز بقوة.
“أمي، هل ما زلتِ تتألمين؟”
تحركت شفتا إيسيل عند سؤال لوسي.
مرض النوم لا يسبب الألم، لذا استغربت سؤال ابنتها.
ثم تذكرت أن آردين قد سألها الشيء ذاته مرارًا.
أدركت إيسيل متأخرة أنها كانت تعاني من حرارة وحكة في جسدها كجزء من أعراض المرض.
عندما تذكرت تلك اللحظات المؤلمة، عبست جبهتها، فاقترب وجه آردين منها.
“لا، لا… لا يوجد مكان يؤلمني.”
ردت إيسيل ببطء وهي مندهشة من نفسها.
لقد اختفى الألم الذي كان يعذبها.
كانت تشعر بحرارة في أنحاء جسدها، خصوصًا في ذراعيها، حتى إنها هرعت ذات مرة إلى الوادي سرًا بعيدًا عن لوسي لتبرد جسدها.
مع مرور الوقت، أصبح الألم الذي لا تستطيع إخفاءه يجعلها تعاني حتى وهي مستيقظة.
كان النوم هو السبيل الوحيد لنسيان ذلك الألم الشديد.
بل إنها شعرت بالامتنان لأن مرض النوم جاءها مبكرًا عما كانت تتوقع لهول تلك المعاناة.
بسبب الألم الذي لا تطيقه، وبسبب معاناتها منه، استخدمت إيسيل ذلك كعذر لعدم الاعتناء بـ لوسي.
“لوسي…”
كان يجب أن تعتذر، لكن قبل أن تنطق، شعرت إيسيل بحلقها يضيق.
“أمي.”
عانقتها لوسي بقوة مرة أخرى.
كانت تخشى على أمها من الألم طوال تلك الفترة، لذا وضعت كل قوتها في ذلك العناق.
“إيسيل، كل شيء على ما يرام.”
ربت آردين على رأس إيسيل ليهدئها.
مسح الدموع التي بللت عينيها الخضراوين بأطراف أصابعه.
“لوسي هي من أحضرتك إلى هنا. لذا، الآن كل شيء بخير.”
ذهلت إيسيل من كلمات آردين واتسعت عيناها بدهشة.
أعجبته تلك النظرة اللطيفة، فرسم ابتسامة ناعمة على شفتيه.
“تهانينا على شفائكِ التام!”
“يا للراحة، لقد تعافيتِ!”
“يا إلهي، سيدتي!”
“سيدتي…”
استغل ماريليو الفرصة ليكون أول من يهنئ إيسيل على استيقاظها.
تبعه إيركين وإيميت ويونيس الذي كان يكتم أنفاسه، يرفعون أصواتهم واحدًا تلو الآخر.
ربتت إيسيل على ظهر لوسي ببطء ثم أدارت رأسها.
لم تكن لوسي وآردين وحدهما من ينتظرانها.
كانت هناك وجوه مألوفة أسعدها رؤيتها بعد غياب طويل، ووجوه غريبة لم تفهم لماذا تهنئها.
“هناك الكثير عليكِ معرفته.”
عندما مرت مشاعر الفرح والحيرة على وجه إيسيل، تحدث آردين بنبرة ممزوجة بالضحك ليطمئنها.
“يمكننا أن نأخذ وقتنا، لكن دعينا أولًا نتأكد من حالتك الجسدية.”
كان ماريليو متحمسًا جدًا وهمّ بتقديم باقة الزهور التي أعدها، لكنه وضعها بجانب السرير بعد كلام آردين وابتعد بسرعة.
أراد أن يلقي التحية، لكنه شعر أن ذلك قد يكون جشعًا منه الآن.
تقدم إيركين خطوة ليحييها ثم توقف.
“…الطبيب؟”
لم يسمع ديرموت كلام آردين، فظل واقفًا بوجه شارد.
لم يكن يدرك ما يدور من حديث حتى تلك اللحظة قبل أن يناديه الأرشيدوق آردين.
أمال آردين رأسه قليلًا ناحية ديرموت.
انتفض فجأة، ثم انحنى وألقى نفسه على الأرض.
“أنت المنقذة!”
أثارت صيحته المفاجئة دهشة الجميع في الغرفة.
حتى لوسي التي كانت تدفن وجهها في حضن أمها رفعت رأسها.
لم يعرف أحد لمن وجه كلامه، فمالت رؤوس الجميع في حيرة.
فقط آردين عبس وفتح فمه.
“توقف عن هذا الهراء وافحص إيسيل.”
“آه، نعم.”
نهض ديرموت بعد توبيخ آردين الحاد، لكنه لم يستطع تهدئة مشاعره المتأثرة بسهولة، فتنفس بعمق.
ابتعدت لوسي التي كانت ملتصقة بأمها، وترك آردين يد إيسيل ووقف بجانبها.
“هل أنتِ بخير؟”
حاولت إيسيل رفع جسدها عند اقتراب الطبيب، لكن جسدها الذي لم تستخدمه منذ زمن كان ثقيلًا ولم يساعدها.
مد آردين يده بسرعة ليدعمها.
أطلقت إيسيل أنينًا خافتًا من المجهود الذي بذلته، وبعد عدة محاولات تمكنت من الاتكاء على رأس السرير.
“هوو.”
أطلقت نفسًا متعبًا، ثم ركزت عينيها وأغمضتهما.
كان جسدها متصلبًا ومرهقًا، لكن الجلوس جعل رأسها أكثر صفاءً من الاستلقاء.
تجولت عينا إيسيل بين لوسي وآردين اللذين يقفان بجانبها.
كان وجودهما معًا لا يزال يصعب تصديقه، لكنه لم يبدُ غريبًا، مما جعل قلبها يرتجف بمشاعر متضاربة.
‘يشبهان بعضهما حقًا.’
كانت تفكر في ذلك كلما نظرت إلى لوسي.
كانت تشبه آردين تمامًا.
كان ذلك يفرحها ويوقظ الحنين بداخلها في آنٍ معًا، مما جعل الأمر صعبًا أحيانًا.
واصلت النظر إليهما وهما يقفان جنبًا إلى جنب، فهدأ قلبها المتوتر وبدأت تبتسم.
بدا وكأن لوسي نسخة مصغرة من آردين بثياب فتاة، مما جعلها تضحك لا إراديًا.
“سيدتي، سأبدأ الفحص.”
حتى مع كلام الطبيب، ظلت إيسيل تنظر إليهما.
لم تتغير ابتسامتها وهي تركز على آردين ولوسي بينما كان الطبيب يفحص نبضها ويتفقد ذراعيها.
هل هذا حلم واقعي؟ تجهم حاجبا إيسيل قليلًا.
“شكرًا لأنكِ عدتِ.”
أمسك آردين رأس إيسيل بيد واحدة وقبل جبهتها.
استرخى تجعيد جبهتها، وارتفعت زاوية فمها مجددًا.
كان هذا التصرف مألوفًا من آردين عندما كانا معًا.
شعرت كأن السنوات الطويلة التي قضتها بعيدة عنه تلاشت في لحظة.
هل كان يرحب باستيقاظها من مرض النوم، أم يفرح بعودتها إلى جانبه؟ أيًا كان السبب، كان الأمر مقبولًا بالنسبة إلى إيسيل.
طالما أن آردين لا يكره لوسي، بدا كل شيء على ما يرام، رغم السنوات التي قضتها هاربة وعيشها في خوف.
ومع ذلك، شعرت أن الأمر يشبه السراب، وأنها ستحتاج إلى وقت لتعتاد على هذا الواقع.
“نبضات القلب وجسد السيدة، كل شيء طبيعي. يبدو أن الأمر كان كما توقعت، ألمًا وهميًا.”
أومأ آردين برأسه باختصار بعد انتهاء فحص ديرموت.
أمالت إيسيل رأسها نحو آردين باستغراب، لكنه لم يوضح أكثر.
اعتبر أن هذه المعلومات غير ضرورية لها الآن بعد أن فتحت عينيها للتو.
بدا أنها لا تتذكر لحظة استيقاظها السابقة مع صراخها نتيجة الألم.
“راقبوها بعناية لفترة.”
“نعم، سأبلغ الجميع.”
انحنى ديرموت بشدة عند أمر آردين.
نظر آردين إلى إيسيل التي كانت ترمش ببطء بعينيها المملوءتين بالقلق، محاولًا إخفاء توتره الداخلي.
كان استيقاظها من مرض النوم بفضل لوسي.
لكن لوسي قالت إن استيقاظها مرة واحدة لا يعني بالضرورة عودتها إلى حالتها قبل المرض، لذا لم يكن متأكدًا من أن عينيها الخضراوين المتسعتين دليل على تمكنه من الاطمئنان بعد.
ومع ذلك، جعلته عيناها الخضراوان المتورّدتان يبتسم.
بدا أنها تتساءل لماذا تحتاج إلى رعاية مكثفة وهي تشعر أنها بخير، فابتسم لها أولًا.
“لايزال من الصعب عليكِ الحركة، أليس كذلك؟ لذلك تحتاجين إلى مساعدة الطبيب.”
“آه…”
كان كلامه منطقيًا، فهي لا تملك القوة للنهوض من السرير.
كانت إيسيل تشعر أن رؤية لوسي وآردين معًا قد شفاها من كل مرض، لذا لم تأخذ حالتها على محمل الجد.
“إيميت، انقلها إلى غرفتها غدًا.”
أومأ إيميت بطاعة لأمر سيده، ونظرت إيسيل إلى آردين باستغراب مجددًا، ثم بدأت تتفحص المكان من حولها بعناية.
ابتسم الغرباء لها عندما التقت أعينهم، فأجابتهم بابتسامة خفيفة من عينيها كتحية.
“آه.”
ثم رأت يونيس بعيدًا، فأطلقت تنهيدة خافتة.
انحنى يونيس فور التقاء أعينهما.
بدا أنه لا يزال يعمل هنا، مما يعني أن آردين لم يتخذ قرارًا قاسيًا بحقه.
التعليقات لهذا الفصل "44"