انعكست على وجه الأرشيدوق آردين، وهو جالسٌ أمامها، مشاعر معقدة يصعب وصفها.
كانت لا تزال معتادةً على صورته في ذكريات والدتها، لذا بدا لها هذا الجانب غير المتوقع مفاجئًا.
لم يبدُ أن هناك ما ينقصه.
كان دائمًا مفعمًا بالثقة، لا يتردد في اتخاذ القرارات، لم ينطق يومًا بكلمةٍ تُظهر ضعفًا أمام أحد، وكان يبدو كمن لا يمكن أن ينكسر مهما كانت الظروف.
لكن الأرشيدوق آردين، ذلك الرجل، أطلق تنهيدةً خافتةً مشبعةً بالندم والأسى.
“ما الذي يثير فضولك؟”
سألته لوسي، متسائلةً عما إذا كان يرغب في شيءٍ منها.
هل يريد رؤية ذكريات أحدهم؟ لم يكن هنا سواهما.
هل يجب أن يذهبا إلى مكانٍ آخر؟ أم أن أحدًا قادمٌ إلى هنا؟
أدارت لوسي رأسها تنظر حولها.
لم يكن هناك من يقترب من هذا المكان المثالي لاحتساء الشاي.
المسافة بينه وبين القصر والجناح المنفصل جعلتها تشعر كأنها وآردين منعزلان تمامًا عن العالم.
“صورتكِ وأنتِ صغيرة.”
كلماتٌ لم تتوقعها.
استقامت لوسي في جلستها، محدقةً في الأرشيدوق آردين بعينين متسعتين بدهشة.
“ليس هناك فرقٌ كبير عن الآن.”
تمتمت بذلك في داخلها دون أن تنطق به.
كانت عينا الأرشيدوق المواجهتان لها تفيضان بالترقب.
لم تكن لوسي قد أخبرته بعدُ بتفاصيل قدراتها.
كيف عرف؟ أن يعلم دون أن تُخبره!
نسيت لوسي تمامًا أنها أخبرت الخادم العجوز إيميت، وأدركت الآن الكمال الذي رأته في آردين عبر ذكريات والدتها.
“هل تعلم أنني أتحدث مع الجنيات؟”
قالتها بحذر، متوقعةً أنه قد يعرف ذلك أيضًا.
انتصب الأرشيدوق، الذي كان مسترخيًا، في جلسته، لكن لوسي لم تلحظ توتره.
“لم أجرب ذلك من قبل، لذا لستُ واثقة، لكن سأسأل على أي حال.”
بريق الاهتمام أضاء عيني الأرشيدوق البنفسجيتين.
أرادت لوسي تلبية توقعاته، لكنها لم تعرض ذكرياتها على أحدٍ من قبل، فشعرت بالتوتر بدلًا منه.
نظرت إلى سيلف، جنية الرياح التي كانت تتبعها دائمًا وتهمس بكلماتها المرحة.
كانت تتظاهر بعدم رؤيتها عندما تكون مع الآخرين.
كانت تعرف سبب ذلك، لكن سيلف كثيرًا ما أبدت استياءها.
لذا كانت لوسي تتجول في الحديقة بمفردها لأجلها.
مؤخرًا، مع قضائها وقتًا طويلًا مع إيركين وماريليو، تراكم استياء سيلف في صمت.
لكنها لم تتجاهلها عندما كانت مع سايرس، الذي يعرف قدراتها.
“هل يمكنني إظهار ذكرياتي لشخصٍ آخر؟”
– بينغ، بييينغ!
“تقولين إنه يجب استدعاء آغنيس؟”
فوجئت لوسي بأن آغنيس، أعلى جنيات النور مرتبةً، يجب أن يحضر.
حتى في جبل فلابيس، لم ترَ آغنيس سوى مرةٍ واحدة.
بعد أن اكتشفت قدرتها على رؤية الجنيات والتحدث إليها، جاءت كل جنيةٍ لتحيتها مرةً واحدة.
كانت الجنيات، التي لم تتفاعل مع البشر منذ زمنٍ طويل، تعتبر لوسي شخصيةً بارزةً بينها.
لكن آغنيس كان الوحيد الذي زارها مرةً واحدةً فقط.
– لا تزال صغيرةً.
ترك تلك الكلمة مع ضحكةٍ ساخرة، ثم اختفى في ومضةٍ من الضوء.
لم تكن صديقةً له، ولا حتى تحدثت إليه، فهل سيأتي إذا نادته؟
شعرت لوسي بانعدام الثقة، فنظرت خلسةً إلى الأرشيدوق آردين.
كانت عيناه المتلألئتان لا تزالان مسلطتين عليها.
– بييينغ، بينغ! بييينغ!
“من أين يأتي هذا الصوت المزعج؟”
“آآه!”
انتفضت لوسي من كلمات الأرشيدوق اللامبالية.
توقفت سيلف، التي كانت تدور حولها بجناحيها، مذهولةً وسقطت على الطاولة.
“لا يبدو أنها بعوضة، هل هذا صوت جنية؟”
كان الأرشيدوق آردين أول من لاحظ وجود جنيةٍ غيرها.
لم يلاحظ ذلك أي أحد سواء كانت والدتها، أو سايرس، أو إيركين، وحتى ماريليو.
“تسمعها…؟”
سألته لوسي بعينين متسعتين من الدهشة.
بدلًا من الرد، بدأ ينظر حوله كأنه يبحث عن شيء، ثم توقف محدقًا في نقطةٍ في الفراغ.
لم تلاحظ سيلف، التي كانت متجمدةً على الطاولة كطفلٍ تم القبض عليه في لعبة الغميضة، أنه رآها.
“لا على الإطلاق. سمعتُ فقط صوت نقيقٍ خافت.”
قال أولًا إنه “مزعج”، والآن “نقيق” تعبيراتٌ لا تليق بجنية رياحٍ تطير برشاقة.
لم تعجب سيلف تلك التسمية، فرفعت قرون استشعارها فوق رأسها وأشارت بغضبٍ إلى الأرشيدوق.
لماذا سمعها الأرشيدوق آردين وحده دون غيره؟ تأملت لوسي الأرشيدوق للحظة، ثم أومأت برأسها بهدوء.
ربما كان ذلك ممكنًا بفضل جنيةٍ ترافقه.
في الحفل، عندما أطلق قوته كضبابٍ كثيف، كانت الجنية التي معه من أعلى جنيات الظلام مرتبةً، تُدعى سبرايت.
كانت لوسي قد التقت سبرايت عدة مراتٍ في جبل فلابيس.
كانت تأتي فقط لتراها، دون أن تنطق بكلمة، تحدق بها بصمت ثم تغادر فجأة.
تساءلت إن كانت لا تستطيع الكلام، لكن جنيات الظلام الأخرى كانت ثرثارةً جدًا.
افترضت أن الفارق في الرتبة هو السبب، فلم تعره اهتمامًا كبيرًا.
عندما التقت الأرشيدوق هنا، رأت سبرايت معه ودهشت قليلًا.
لكنها علمت أن الأشخاص ذوي المانا الوفيرة غالبًا ما ترافقهم الجنيات، فلم تستغرب كثيرًا.
لم يبدُ أن الأرشيدوق يعرف ذلك، فلم تُخبره.
كانت الجنيات، بشكلٍ غريب، تتوق إلى أن يُلاحظها البشر، أن يُقدّروا قدراتها وجمالها.
لذا كانت تتبع أصحاب المانا الغزيرة، وتقرضهم قوتها أحيانًا.
ثم قد تمل من أولئك الذين لا يعترفون بها فترحل، أو تبقى أحيانًا فقط.
كما فعلت سبرايت مع الأرشيدوق آردين، الذي ينشر طاقة الظلام.
كانت لوسي تظن أنها لم تتأثر بقوة الأرشيدوق في الحفل لأنها تعرفت على سبرايت.
“على أي حال، سيلف، أرجوكِ ساعديني. اذهبي بسرعة.”
– بييينغ.
“لا أعرف إن كان سيأتي أم لا، لكنني استدعيت جنيةً أخرى. علينا الانتظار.”
“حسنًا.”
رد الأرشيدوق مبتسمًا بخفة.
اختفت سيلف، التي بدا عليها الإحباط للحظة، محمولةً على الريح.
لم تكن سيلف جزءًا من الحديث، لكن غيابها أحدث صمتًا مؤقتًا.
“متى عرفتِ بقدراتكِ؟”
كسر الأرشيدوق الصمت أولًا.
لم يكن سؤالاً ملحًا، بل بدا كأنه كان يتساءل منذ زمن دون فرصةٍ للسؤال، فاقترب بجذعه قليلًا من الطاولة.
“بدأت أتحدث مع الجنيات منذ كنتُ في الخامسة. كنتُ أراها منذ أن بدأت أتكلم، لكنني سمعت أصواتها منذ ذلك الحين.”
“…هذا مبكرٌ جدًا.”
لم تفهم لوسي همهمته الخافتة.
“علمتني الجنيات أنني أستطيع رؤية ذكريات الآخرين، وكان ذلك منذ السادسة تقريبًا.”
هذه المرة، أومأ برأسه بصمت.
رغم فضوله، كانت عيناه متجهةً إلى الطاولة.
بدا غارقًا في التفكير بعد كلماتها.
هل هناك مشكلة؟ مع هذا السؤال المفاجئ، ضمت لوسي شفتيها، لكنها لم توقف حديثها.
“إيقاظ أمي كان صدفة. لم أعرف أن ذلك يُعد قدرة إلا بعد قدومي إلى هنا.”
كان مجرد صدفة.
كانت أمها تستيقظ دائمًا قبلها، لكن يومًا ما تأخرت، فأيقظتها لوسي لأول مرة.
بعدها، أصبحت أمها تنام كثيرًا وتبدو متعبةً عندما تستيقظ.
كانت أمها ضعيفة، فكانت لوسي تمسك يدها لتنام براحة.
كانت أمها تستجيب كأنها تطيعها وتنام.
ظنت لوسي أنها مجرد متعبة، لكن تبين أن ذلك كان قدرتها.
كانت لوسي راضيةً بقدرتها على إنعاس أمها المريضة وإيقاظها متى شاءت، دون أن تتساءل.
كانت تظن أن الجميع يستطيعون ذلك.
“ألا تعانين من أي ألم؟”
دهشت لوسي من السؤال، فنظرت إلى الأرشيدوق مباشرةً، ثم هزت رأسها نفيًا.
“لم أمرض قط. لم أصاب حتى بنزلة برد. ألستُ محظوظةً؟”
كانت أمها تمرض كثيرًا، لذا كان من حسن حظها ألا تمرض هي.
لم تكن تريد أن تثير قلق أمها، التي كانت دائمًا تخاف عليها حتى وهي بصحةٍ جيدة.
ربما أخذت صحة أمها كلها عند ولادتها.
لذا، رغم تعثرها وإصابتها أحيانًا، لم تمرض يومًا.
“إن شعرتِ بأي ألم، ولو طفيف، أخبريني فورًا.”
“…مهلًا، لقد أتى.”
بينما كان الأرشيدوق يتحدث بعاطفةٍ قلقة، ظهر آغنيس، جني النور.
نزل شعاعٌ خافتٌ من بين أغصان الكرمة، ثم تجلى آغنيس أمامهما.
“لم أتوقع أن يأتي.”
لم تسمع لوسي كلمات الأرشيدوق من فرط دهشتها بظهور آغنيس.
التعليقات لهذا الفصل "40"