بدأ احتفال مهرجان إمارة كريسميل.
منذ اليوم الأول، كانت لوسي متوترة.
كان القصر الهادئ يعج بالحركة منذ أيام استعدادًا للمأدبة، وهذا الصباح امتلأ بأشخاص لم ترَهم من قبل، مما زاد من الضجيج.
كان ذلك بسبب استضافة عائلة كريسميل لمأدبة بعد غياب طويل.
قيل إن العائلات الفرعية والتابعين لكريسميل، إلى جانب النبلاء الموقرين في الإمبراطورية، سيكونون حاضرين.
كان عليها أن تُحييهم جميعًا.
لم تكد لوسي تتناول غداءها، والآن لم يعد الماء يمر من حلقها.
“آنستي، حان الوقت للذهاب.”
عندما أنهت ميلودي تزيينها، أخذت لوسي نفسًا عميقًا.
كانت متحمسة للقاء كل هؤلاء الناس، لكنها كانت تخشى أيضًا نظرة النبلاء إليها.
“هل سأدخل وحدي؟”
“السادة الصغار سينتظرونكِ في غرفة الاستقبال. ستدخلين مع السيد.”
عندما سألت بقلق متزايد، أجابت ميلودي بتعبير مطمئن.
في عصر ذلك اليوم مع غروب الشمس، أمسكت لوسي يد ميلودي وتوجهت إلى قاعة المأدبة.
في طريقها، مرت لوسي بغرفة أمها للحظة.
كان قد مر يومان منذ عادت أمها إلى النوم مجددًا.
طلب الطبيب ديرموت أسبوعًا للتأكد من حالة أمها، لأنها كانت أول حالة وافورد يعالجها بنفسه، ويحتاج إلى آراء أطباء آخرين ومراجع آخرى.
كان من المفترض أن تكون لوسي قد اعتادت على نوم أمها، لكنها شعرت بألم أكبر هذه المرة، كما لو كانت مصابة بمرض جديد.
كان ذلك بسبب صرخات أمها التي سمعتها.
لذلك، رأت ذكريات أمها عند استيقاظها بحذر أكبر من أي وقت مضى.
لحسن الحظ، كانت أمها مرتبكة قليلًا فقط دون ظهور أعراض سيئة، مما ساعد لوسي على تهدئة قلبها والاستعداد للاستمتاع بالاحتفال.
“لوسي! أنتِ جميلة جدًا! لون فستانكِ يناسبكِ كثيرًا!”
عندما دخلت غرفة الاستقبال داخل قاعة المأدبة، قفز ماريليو من مكانه ورحب بها بحماس.
دار حول لوسي، التي كانت ترتدي فستانًا ورديًا، وابتسم ابتسامة عريضة.
“جميلة. أي أحد سيراها سيظنها الأميرة.”
أضاف إيركين تعليقًا مع ابتسامة.
“هل أنا مختلفة كثيرًا عن المعتاد؟”
تساءلت لوسي بعبوس، محرجة من التغيير الملحوظ.
“في العادة، أنتِ لطيفة، واليوم أنتِ جميلة.”
“في الأيام العادية، أنتِ رائعة، واليوم أنيقة!”
ربت إيركين على رأس لوسي بنبرة مرحة، وتبعه ماريليو بحركات مبالغ فيها.
عندما وضع يديه تحت ذقنه، حدقت به لوسي، وعندما مد ذراعيه، لم تستطع إلا أن تضحك بخفة.
“لوسي.”
فتح باب غرفة الاستقبال، ودخل الأرشيدوق آردين مناديًا لوسي.
توقف الثلاثة عن الضحك وفتحوا أفواههم بدهشة.
لم تكن لوسي وحدها هي التي تغيرت.
ارتدى الأرشيدوق آردين زيًا رسميًا أنيقًا، مما أثار إعجاب لوسي وابنيه بالتبني.
لم يعبأ آردين بنظرات الدهشة وتابع.
“أنتِ الآن لوسي كريسميل. كوني فخورة بكونكِ أميرة عائلة كريسميل.”
أمام طلبه الذي بدا كأمر، ضمت لوسي شفتيها وأومأت برأسها.
ما لم تصر أمها على العودة إلى جبل فلابيس، كانت ستعيش هنا من الآن فصاعدًا.
وبما أنه لا يوجد سبب يجعل أمها ترغب في الرحيل، فإن هذا القصر، قصر كريسميل، سيكون منزل لوسي منذ اليوم.
كان هذا الموقف لتثبيت مكانتها أمام العديد من الناس، فأصلحت لوسي تعبيرها.
عاد التوتر الذي نسيته وهي تضحك مع إيركين وماريليو.
“أنا سعيد لأننا أصبحنا عائلة واحدة، لوسي.”
“أنتِ الآن أختي حقًا. لا تذهبي إلى أي مكان!”
وجه إيركين كلمات دافئة إلى لوسي المتوترة، وصرخ ماريليو المبهج كعادته.
“هيا.”
رغم جهود ابنيه، تقدم الأرشيدوق آردين بتعبير غير مبالٍ.
وقفت لوسي إلى يمين الأرشيدوق آردين، وإلى جانبها اصطف ماريليو وإيركين.
بمجرد رفع الستار الأحمر، ظهر ممر يؤدي إلى وسط قاعة المأدبة.
بدأ أفراد عائلة كريسميل بالتقدم نحوه خطوة بخطوة.
“أتريدينني أن أحملكِ؟”
بينما كانت لوسي تسير محدقة أمامها، جاءها سؤال مفاجئ.
رفعت رأسها بسرعة، فرأت الأرشيدوق آردين يبتسم بخفة.
“أنا لست طفلة.”
“همف.”
أدركت لوسي النية وراء لطف الأرشيدوق آردين.
كان يعني أنها طفلة صغيرة تشعر بالتوتر والتعب، فـ سيساعدها، مع لمسة من السخرية.
“أنتِ طفلة بالفعل.”
“لستُ صغيرة لدرجة إحتياجي لمن يحملني!”
“لكنكِ طفلة أيضًا.”
“أين توجد طفلة بهذا الحجم!”
“أنتِ لا تصلين حتى إلى خصري، فأنتِ لا تزالين طفلة.”
“…هاه!”
انتهى جدال الأب وابنته المفاجئ بتنهيدة عميقة من لوسي.
كان هذا الجانب من الأرشيدوق آردين، الذي يمسك بأطراف الكلام، جديدًا، فلم يتمكن إيركين وماريليو من التدخل وارتبكا.
ثم ضحكا بهدوء متأخرين.
في النهاية، حيّت لوسي النبلاء وهي في حضن الأرشيدوق آردين.
بحجة أنها صغيرة جدًا ولن يراها الضيوف البعيدون، لذلك لم يكن لديها خيار.
كانت متوترة لأنها المرة الأولى، لكنها لم تكن بحاجة لفتح فمها.
تولى الأرشيدوق آردين شرح كل شيء، فاكتفت بإيماءة خفيفة برأسها.
قيل إن ذلك كافٍ، فتحررت من ذراع الأرشيدوق آردين في غضون عشر دقائق.
كان الكثيرون فضوليين بشأن قدرات لوسي.
كان من الطبيعي أن يفترضوا وجود قدرات خاصة لأنها من نسل كريسميل، وكانت أسئلتهم مبنية على ذلك.
تحدث الأرشيدوق آردين بطلاقة عن ولادتها وأمها، لكنه التزم الصمت بشأن قدراتها.
عندما تكررت الأسئلة عن قدراتها، أجاب بإجابة غامضة مفادها أنه لا يمكن التأكد بعد لصغر سنها.
تفاجأت لوسي قليلًا في تلك اللحظة، لكنها لم تصحح شيئًا.
فقد شرح الأرشيدوق آردين أنه أظهر قدراته في الثالثة عشرة، فبقيت صامتة.
كانت لوسي ترى الأرواح منذ بدأت تتكلم، ثم أصبحت قادرة على التحدث إلى الحيوانات بعد ذلك.
أما قدرتها على إيقاظ مصابٍ بمرض النوم، فاكتشفتها بعد مرض أمها.
كانت هذه القدرات حتى الآن سرًا خاصًا لم تخبر به أحدًا بالتفصيل.
أخبرت أمها، لكنها لم تبدو مصدقة.
عندما سألت الأرواح، قالت إنها الوحيدة التي تراها، ولا يمكن للآخرين فهم ذلك، لذا لم تحاول لوسي تفسيره.
“آنستي الأميرة، هل يمكنني الجلوس؟”
كانت لوسي قد عزمت على إخبار الأرشيدوق آردين قريبًا، عندما اقتربت منها سيدة نبيلة.
كانت تجلس على طاولة جانبية في قاعة المأدبة تنتظر إيركين وماريليو، اللذين ذهبا لإحضار وجبات خفيفة مع العصائر.
لم تعرف لوسي كيف تتعامل مع شخص غريب، فحدقت بالسيدة بهدوء.
كانت تبدو أصغر من السيدة أودري وأكبر من أمها، امرأة في منتصف العمر.
كانت ترتدي قلادة وأقراط مرصعة بجواهر كبيرة، وخواتم في كل أصابعها، مما يشير إلى حبها للزينة.
كما زينت شعرها المرفوع بمشابك مرصعة بالجواهر.
عدّلت السيدة فستانها الأرجواني اللامع وجلست بقوة أمام لوسي.
“حتى لو كانت زهرة من الحقل، كان يجب أن يُهتم بإناء الزهرة إذا أُدخلت إلى البيت. يا إلهي!”
فتحت السيدة مروحتها، مغطية نصف وجهها، وتمتمت.
لم تفهم لوسي كلامها فمالت رأسها.
لكنها شعرت بالانزعاج من نبرتها، فنظرت حولها.
بدا أن التعامل مع شخص بالغ غريب بمفردها سيكون صعبًا.
للأسف، كان الأرشيدوق آردين بعيدًا يشرب مع حشد من الناس، ولم يكن إيركين وماريليو في مكان قريب.
كان النبلاء الآخرون منشغلين بحديثهم، فلم يلاحظوا حيرة لوسي.
“اسمعي، أيتها الصغيرة. كم مضى على دخولكِ هنا حتى لم تتعلمي الآداب بعد؟”
طوت السيدة مروحتها وضربت الطاولة بقوة.
ارتعشت كتفا لوسي من المفاجأة.
تغيرت سلوكيات السيدة، التي سألت بلطف إن كان بإمكانها الجلوس، فجأة.
شعرت لوسي وكأنها تُوبخ دون سبب، فاتسعت عيناها الكبيرتان أكثر.
“أخبريني بصراحة. أليس لديكِ أي قدرات حقًا؟”
هل كان هذا ما أرادت معرفته؟ تساءلت لوسي إن كان عليها الكشف عن قدراتها لتتخلص من هذه السيدة المخيفة.
لكنها لم تكن قد أخبرت أباها، الأرشيدوق آردين، بعد، فشعرت أنه من الخطأ أن تقولها لسيدة غريبة أولًا، فأغلقت شفتيها بإحكام.
“أنتِ، هل لا تستطيعين الكلام؟”
تحركت شفتا لوسي عند سوء الفهم غير المتوقع.
“من أين جاءت هذه الطفلة المعيبة؟ حسنًا، لم يتزوج حتى، فلا فرق بينكِ وبين ابنة غير شرعية. آه، كيف يقدمون طفلة كهذه رسميًا كأميرة؟ تسك!”
تمتمت السيدة بما يحلو لها، ثم فتحت مروحتها وأدارت رأسها بعيدًا.
شعرت لوسي بضيق في التنفس أمام هذه الكلمات المهينة التي تسمعها لأول مرة في حياتها.
لم تُبدِ كلمة واحدة، ومع ذلك أصبحت “طفلة معيبة” في نظرها.
لم تفهم كل معاني كلام السيدة، لكنها شعرت وكأنها تهين أمها وأباها أيضًا، فخفق قلبها بعنف.
حتى السيدة أودري، رغم رفع صوتها أحيانًا، لم تحتقرها أبدًا.
أمام هذا العداء غير المبرر من شخص غريب، شعرت لوسي بالظلم وعينيها تلسعاها.
“جـ- جدتي!”
لاحظت السيدة أودري تمر بالقرب، فرفعت لوسي صوتها.
التعليقات لهذا الفصل "31"