كانت الحسرة أكبر مما توقعت، فانسابت الدموع رغمًا عنها.
عندما رأت ذلك في ذكريات أمها، شعرت بالدهشة فقط.
مع مرور الوقت وزيادة التفكير، شعرت بالاستياء، لكن أمها كانت بجانبها فكان الأمر بخير.
لم يكن لديها وقت للحزن، فكلما أعادت أجمل ذكرياتها المفضلة، لم تشعر بشيء يذكر.
لكن الآن، لم تستطع التظاهر بذلك.
كان عليها الذهاب فورًا لرؤية ذكريات أمها.
ذكريات أمها وهي تنظر إليها وتقول إنها تحبها.
بحثًا عن ملجأ، استدارت لوسي.
لكن جسدها، على عكس إرادتها، عاد نحو الأرشيدوق آردين.
اقترب منها بسرعة وأدارها.
شعرت بحرارة ذراعيه الممسكتان بها.
“لماذا غادرت إيسيل هذا القصر؟”
عبست لوسي بوجهها لهذا السؤال المفاجئ.
ألم يكن يعلم ذلك حتى الآن؟ شعرت بالضيق من الرد، فعضت شفتيها، فهز الأرشيدوق آردين ذراعيها وحثها على الكلام.
“الجدة كرهت أمي.”
“وماذا بعد؟”
“الأرشيدوق…”
كادت تقول “لأنه كان غير مبالٍ”، لكن الكلمات توقفت تلقائيًا.
كانت أمها تعلم جيدًا بلامبالاة الأرشيدوق آردين.
لم تتحملها فحسب، بل عرفت أن طريقته في التعبير عن مشاعره مختلفة.
كانت تعلم أنه يعبر عن قلبه بالمجوهرات الجميلة باهظة الثمن والفساتين الفاخرة التي يهديها إياها.
كانت تشعر ببعض الأسى لأنه لم يعبر عن ذلك بالكلمات فقط.
كانت أمها تتفحص كل قطعة من المجوهرات التي يهديها إياها.
والمجوهرات التي اختارها بنفسه لم ترسلها إلى عائلة سيلفا.
بكت كثيرًا بمفردها عندما اضطرت لبيعها رغم حبها لها، لتعيش معها.
لذا، ربما لم تترك أمها القصر بسبب الأرشيدوق آردين.
وكانت لوسي تعرف الحقيقة جيدًا.
لهذا صمتت ولم تستطع المتابعة.
“وماذا بعد؟”
“……”
“لماذا غادرت؟”
حثها الأرشيدوق آردين على قول الجواب الذي يعرفه.
عادت دموع لوسي التي توقفت للحظة واندفعت مجددًا.
“لتنقذني!”
صرخت بالحقيقة كأنها تصرخ بألمها.
كان ذلك صحيحًا.
لأن الأرشيدوق آردين لم يرد طفلًا، كان على أمها مغادرة المكان لتلدها.
كانت تخشى أن يجدها الأرشيدوق ويتخلص منها.
أحبت أمها الأرشيدوق آردين، لكنها أحبتها بنفس القدر، حتى قبل أن تولد.
من بينهما، اختارت أمها لوسي.
كان ذلك مؤثرًا وجعلها تشعر بحب أمها، لكن لوسي شعرت دائمًا بالذنب تجاهها.
لو لم تكن موجودة، لعاشت أمها بجانب الأرشيدوق آردين بسعادة.
لعاشت براحة ورفاهية.
لاستمتعت بلقب أرشيدوقة كريسميل بكل حرية.
لكن أمها تخلت عن كل ذلك وأنجبتها.
تنقلت في أماكن غريبة وتحملت مشقة لم تكن مضطرة لها لتنقذها.
لذلك، ستلبي لوسي كل ما تطلبه أمها.
حتى لو كان طلبها الآن أن تتركها وتبقى هنا.
“لتلدني، أمي، هيك… لأنك كرهتني…”
بينما تبكي، كشفت لوسي حقيقة أخرى وأفرغت حزنها.
“نعم، هذه هي الحقيقة.”
مسح آردين دموع الطفلة التي كادت تختنق بهدوء بكلتا يديه.
جلس على ركبتيه، ومع ذلك كانت أصغر منه.
أي جرح سببه لهذه الصغيرة؟
تأكدت شكوكه التي كان يخشاها دون أدنى شك.
عندما سمع عن قدرتها على رؤية ذكريات الآخرين، شعر آردين وكأن صخرة سقطت في صدره.
كان هناك شيء يزعجه، لكنه لم يستطع تحديده.
لحظات عالجته فيها إيسيل كالدواء عندما جاءت إلى كريسميل، تصرفاته القاسية عمدًا لأن عينيه كانت تتبعانها باستمرار، وأخيرًا اللحظة التي احتضنها فيها وأقر بكل شيء.
لم يكن ذلك كافيًا ليترك فقط جرحًا يمزق قلب طفلة لو رأته.
إن قالت إيسيل إنها ستعود إلى الجبل بعد شفائها، فذلك بسبب ألم لا يُنسى.
ألم نابع من عدم ثقتها به.
ثم تذكر العقد الذي كتبه مع إيسيل قبل الزواج.
لم يخطر بباله أن ابنته سترى تلك اللحظة، فتحدث حينها بقسوة أكبر.
كان آردين يريد حقًا إيقاف لعنة كريسميل.
“أنا أكرهك أيضًا! لا أحتاجك!”
رفضت الطفلة يديه وزادت من بكائها بشدة.
ابتلع آردين أنفاسه واحتضن لوسي.
يبدو أنها تكره تصرفاته كثيرًا.
بالطبع، لم يظهر في ذكريات إيسيل ولو مرة واحدة متوقعًا ولادة لوسي، فكان ذلك متوقعًا.
“لوسي.”
دفن آردين رأس لوسي في كتفه وناداها بهدوء.
“إيسيل أم حكيمة.”
كأن لديها قدرة على التنبؤ.
كيف أنجبت إيسيل طفلة ذكية ومحبوبة كهذه، حتى وهي تفكر في هجره؟
وكالعادة، كانت إيسيل على صواب.
“وأنا أغبى أب في العالم.”
لم يتخيل آردين أبدًا أن ابنته ستكون جميلةً وذكية هكذا.
كان يعتبر طفله كائنًا سيصاب بألم اللعنة فقط.
حتى ذلك الحين، كان يخشى إيذاء إيسيل أكثر من الطفل نفسه.
ومع ذلك، طفلة لم يتوقعها ولم يحلم بها أصبحت تتسلل إلى ذهنه باستمرار منذ لقائها الأول، حتى تعذر عليه العيش يوميًا بطبيعية.
شعور “أريد رؤيتها” كان مشابهًا لما شعر به تجاه إيسيل.
مجرد رؤيتها من بعيد كان يكفي ليبتسم تلقائيًا.
مثل الأيام التي ضحك فيها بحماقة وهو مغرم بـ إيسيل.
ابنته المفاجئة كان كل شيء فيها محبوبًا.
حتى لو لم يقترب منها، كان وجودها في نفس المكان يملأ قلبه.
وأكثر من ذلك كونها عادت مع إيسيل.
كلما نظر آردين إلى لوسي، تأسف على الوقت الذي لم يقضيه معها.
كان يعتقد أن الندم على الماضي من شأن البشر الحمقى فقط، لكنه أصبح واحدًا منهم.
كان عليه أن يجعل هذه الطفلة، التي لا تراه أبًا، تعبر عن جراحها.
كان أكثر أسفًا لأن تخمينه كان صحيحًا.
لو لم تكن لديها قدرة رؤية الذكريات… لما عادت مع إيسيل إلى هنا، لذا كانت فكرة بلا جدوى.
لا يمكن تغيير الماضي.
لذا، لشفاء ألم الطفلة، كان عليه أن يعترف أن كل شيء خطأه.
رفض الطفل لئلا ينقل له ألم اللعنة، لكنه تسبب لها بالألم قبل ولادتها.
“قلت ذلك لأنني أحمق. لم تفعلي شيئًا خاطئًا.”
زادت دموع الطفلة التي هدأت للحظة.
“أنا من أخطأ.”
ربت آردين على ظهر لوسي الصغير.
الطفلة التي حاولت الابتعاد أمسكت الآن برقبته وأفرغت ماتبقى من بكائها.
كانت الحرارة المنبعثة من جسدها الصغير مقلقة.
خشي آردين أن تمرض، فواصل تهدئتها دون توقف.
“والدكِ كان مُخطِئًا، لوسي.”
رفع آردين لوسي برفق وجلس على الأريكة.
كانت الطفلة المستندة إلى صدره صغيرة جدًا حتى كاد يتوقف تنفسها.
بدت هشة لدرجة أن أي لمسة قد تؤذيها.
تمنى آردين أن تفرغ هذه الصغيرة كل ألمها الماضي فيه، وانتظر ذلك طويلًا.
***
بعد الفطور، تجمع الجميع في غرفة إيسيل.
وقفت لوسي بجانب أمها، ووجنتاها متورمتان بحمرة.
في الليلة الماضية، أعلن الطبيب ديرموت شفاء أمها من مرض وافورد.
قال إنه فعل كل ما يمكن طبيًا، واختفت الأعراض، فلا حاجة لعلاج آخر.
لذا، تجمع آل كريسميل لمشاهدة إيقاظ أمها.
ألقت لوسي نظرة خاطفة على الأرشيدوق آردين المقابل لها.
مرت أربعة أيام منذ بكائها في حضنه.
كان هذا أول لقاء بعدها.
تذكرت كلماته وهو يهدئها طوال بكائها قائلًا أن كل الخطأ خطأه، فجمعت لوسي شفتيها في عبوس.
شعرت بالحرج دون سبب.
بالطبع إنه خطأ الأرشيدوق! أرادت قول ذلك، لكنها في أعماقها شعرت أنها المخطئة.
لكن الأرشيدوق آردين أشار إلى ذلك بدقة كأنه يعرف قلبها.
شعرت ببعض الراحة أيضًا.
نظرت لوسي إليه خلسة.
الذي قال إنه أغبى أب في العالم.
‘نعم، إنه ليس خطأي.’
بما أن الأرشيدوق آردين الذي رفض وجود الطفل اعترف بخطئه بنفسه، شعرت أنه ليس خطأها حقًا الآن.
لكن الأمر لا يزال محرجًا.
لم تعرف ماذا تقول أو كيف تناديه.
كان الكلام أولاً أمرًا صعبًا.
لم تتجنبه عمدًا، لكنها لم تحاول الاقتراب أيضًا.
مناداته “أبي” فجأة جعلها تشعر بوخز في جسدها.
لحسن الحظ، لم يضغط عليها الأرشيدوق آردين.
قال لها أن تناديه أبي في المستقبل، لكن هذا الصباح، لم يعترض عندما حيته دون لقب.
كان هناك طلب آخر من الأرشيدوق آردين.
“لا تقولي إنكِ ستعودين إلى الجبال.”
قال ذلك بوجه آسف، كأن هذا الكلام أحزنه.
واكتشفت أنه يبكي أيضًا.
بكى معها وهو يقول إنه أخطأ.
كانت دموعه قليلة، لكنها صدمت لوسي كثيرًا.
لم تجد في ذكريات أمها أي مشهد له وهو يبكي.
لم يكن شخصًا يظهر انفعالات كبيرة، فربما كانت لوسي الوحيدة التي رأت دموعه.
تساءلت إن كانت دموعها قد لطخت وجهه، لكن عينيه الحمراوين لم تكذبا.
قررت البقاء هنا كما قال الأرشيدوق آردين، لكن كان لديها قلق باقٍ في زاوية من قلبها.
أصدقاؤها.
لم تخبر الأرشيدوق آردين عن الحيوانات والأرواح بعد.
سيتعين عليها قول ذلك يومًا ما.
ولو لزيارة أصدقائها فقط.
“آه، يبدو أنني الأخير. أعتذر.”
دخل الطبيب ديرموت، فنفضت لوسي ذكرياتها مع الأرشيدوق آردين.
التعليقات لهذا الفصل "29"