تحولت حديقة الجناح الأمامي إلى فوضى في لحظة.
ضربت الجدة الكبرى أودري ظهر المرأة الغريبة بلا هوادة، وصرخت المرأة بصوت عالٍ من الألم.
ورغم توسلاتها بالتوقف، واصلت الجدة الكبرى أودري ضربها مرتين أو ثلاثًا أخرى.
“أين..، هل أصبتِ بأذى؟”
سألت الجدة الكبرى أودري لوسي وهي تلهث بصعوبة.
كان اهتمامًا غير متوقع، فترددت لوسي.
لم تصب بأذى، بل لم تلمسها يد المرأة أصلًا.
ومع ذلك، أدارتها الجدة الكبرى يمينًا ويسارًا لتتأكد.
هل من الممكن أن تكون قلقة عليّ حقًا؟
لم تعرف لوسي من أين ظهرت فجأة.
حدث كل شيء بسرعة، فشعرت بالحيرة.
“…..”
كان عليها أن تقول إنه لم يحدث شيء يستدعي القلق، لكن الجدة الكبرى التي طالما رأتها مخيفة بدت مختلفة، فلم تجد الجواب بسهولة.
“أيتها العجوز المجنونة!”
نهضت المرأة التي كانت ممدة على الأرض بعد ضربات الجدة الكبرى.
اقتربت المرأة ذات الشعر الفوضوي بتهديد، رافعة يدها نحو ظهر أودري.
وبينما كانت يدها على وشك الهجوم، لمست لوسي جسدها.
“توقفي.”
مع تلك الكلمة، سقطت المرأة فجأة.
لم تعد لوسي ترغب في مزيد من الضجيج.
“ما الذي يحدث؟ لماذا هي هكذا؟”
نظرت الجدة الكبرى أودري إلى فيريا الممدة على الأرض بحيرة.
كانت تنوي منع لوسي من التدخل، لكن فيريا هي من انهار على الأرض وليس لوسي.
كانت الجدة الكبرى أودري قد أوكلت إلى إيما مراقبة تحركات فيريا.
خافت من حدوث مثل هذا الأمر، لكنها لم تتوقع اندلاعه في الصباح الباكر، فهرعت دون أن تتهيأ.
لم تكن الجدة الكبرى التي من عائلة نبيلة قد ركضت في حياتها من قبل، فكادت أنفاسها تنقطع.
كان التنفس صعبًا، لكن الوضع الحالي كان أكثر إرباكًا.
كان يونيس أيضًا في حيرة مما حدث.
رأى كل شيء، وكان ينوي دفع المرأة قبل أن تؤذي الآنسة لوسي، لكنه لم يضطر لذلك.
مجرد لمسة من الآنسة لوسي لجسد المرأة أنهت الموقف.
تاهت يد يونيس، التي كانت تمسك بمقبض السيف، دون أن تعرف ماذا تفعل.
“يا إلهي، ماذا نفعل بها؟ ليست ميتة، أليس كذلك؟”
سقطت فيريا كما لو كانت دمية قد قطعت خيوطها، فارتجفت السيدة أودري.
بدت كمن أصيبت بموت مفاجئ.
“لا، إنها نائمة فقط.”
“فجأة؟”
“أنا من جعلتها تنام.”
ورغم تفسير لوسي، لم تستطع الجدة الكبرى أودري تهدئة نظراتها المرتبكة.
فحصت إيما، التي جاءت معها، حالة فيريا بحذر.
وبعد التأكد من تنفسها، عادت بوجه مطمئن.
“يا لها من فوضى.”
خرج آردين متأخرًا بعد سماع الضجيج، وأطلق تنهيدة للمشهد أمامه.
تبعه إيميت، يلهث من خطوات سيده السريعة.
تجمع إيركين وماريليو، اللذان خرجا للبحث عن لوسي بعد تأخرها عن الإفطار، أمام الجناح أيضًا.
نظر آردين إلى الموقف بعناية.
كانت ابنة الماركيز ممدة على الأرض، وشعرها الأحمر فوضوي، والجدة الكبرى مغطاة بالعرق، ولم تكن في حالة جيدة أيضًا.
لم يفهم آردين لماذا لا تزال هذه المرأة في قصر الأرشيدوق، ولماذا تثير ضجة أمام الجناح.
ثم ضحك بصوت خافت عندما رأى وجه لوسي الهادئ.
“في المرة القادمة، اسحب السيف أولًا.”
لامهُ آردين على عدم تصرفه السريع، فأرخى يونيس يده من مقبض السيف أخيرًا وأحنى رأسه.
“أنا، أنا من أخطأ.”
عندما اجتاح نسيم بارد الحديقة، انبطحت الجدة الكبرى أودري أمام الأرشيدوق آردين.
“سأتحمل المسؤولية وأعيدها، سأفعل كل ما تأمرني به.”
واصلت الجدة الكبرى أودري، بعينين دامعتين، وهي تراقب رد فعل الأرشيدوق آردين.
“مرة واحدة فقط، حتى لو مرة واحدة، دعني أتناول الطعام مع لوسي.”
رفع آردين حاجبه للطلب المفاجئ، بينما التفتت لوسي، التي كانت متجهة نحو يونيس، بسرعة.
“حتى لو أرسلتني إلى دسيلتا، لن أعترض. مرة واحدة فقط، أخيرة. أرجوك.”
بكت الجدة الكبرى أودري وتوسلت.
كانت دسيلتا إحدى المناطق النائية في إقليم كريسميل.
قاحلة، وقريبة من الشمال، حيث تظهر الوحوش أحيانًا، مما يجعلها خطرة.
مال رأس آردين باستغراب.
لم يكن ينوي إرسال الجدة الكبرى إلى دسيلتا، لكنه تساءل لماذا تتوق إلى تناول الطعام مع لوسي لهذه الدرجة.
لم يستطع تخمين نواياها.
هل تغيرت بسبب السن، أم أن هذه حيلة أخرى لمضايقته؟
منذ زمن طويل، توقف عن الاهتمام بها.
لم يعد يتوقع منها شيئًا أو يشعر بخيبة أمل.
كانا مجرد شخصين يعيشان في منزل واحد دون أي تفاعل مع بعضهما.
ثم اكتشف ما فعلته بـ إيسيل بعد مغادرتها القصر.
ومع ذلك، لم يطردها لسبب واحد فقط.
وصية والده بأن يشفق عليها ويعيشا معًا.
لولا كلمات والده الذي اعتذر عن تحميل أخطائه لابنه، لكان قد عاش منفصلًا عنها منذ زمن.
تحولت نظرة آردين إلى لوسي.
قيل له إنها تشاجرت مع الجدة الكبرى عندما وصلت هنا.
سمع أن هذه الصغيرة وقفت أمام الجدة وواجهتها لأجل أمها.
ظن أنها لن تهتم بهذا الموقف على الإطلاق.
لكن عينيها البنفسجيتين المتسعتين كانتا موجهتين نحو الجدة الكبرى.
“لوسي، ماذا تريدين أن تفعلي؟”
رمشت لوسي بعينيها ونظرت إلى الأرشيدوق آردين بعد سماع اسمها فجأة.
“هذه العجوز لا تحب الأطفال ولها طبع غريب، لكن افعلي ما تريدين.”
قال آردين بنبرة تحمل بعض التهكم.
نظرت الجدة الكبرى أودري إليه بنظرة جانبية، غير متأكدة إن كان ذلك موافقة أم سخرية، ثم التفتت إلى لوسي.
أصبح القرار بيد الطفلة الآن.
زحفت الجدة الكبرى أودري على ركبتيها نحو لوسي كمن يتوسل للحياة.
“يا صغيرتي…”
أمسكت الجدة الكبرى أودري بكلتا يدي لوسي وترددت.
كانت تعلم أن هذه الطفلة الجميلة تعرف ما فعلته بأمها.
كانت تعلم أن هذه الطفلة التي تسر الناظرين تكرهها.
أرادت أن تعبر عن رغبتها الصادقة في عناقها ولو مرة واحدة.
لكن عندما تقابلت عينيهما، شعرت بالخجل.
كانت تتوق إلى ذلك منذ زمن، لكنها لم تتخيل مواجهة لوسي في مثل هذا الموقف.
وكيف كان شكلها الآن؟
أرادت استقبالها كجدة كريسميل الأنيقة والموقرة.
تمنت تمشيط شعرها المشعث على الأقل، لكنها لم ترغب في ترك يدي الطفلة.
كانت هذه فرصتها.
لم تكن تريد إفساد علاقتها بـ لوسي كما حدث في لقائهما الأول بغباء.
ربما كانت الفرصة الأخيرة، فكانت الجدة الكبرى أودري حذرة.
“يديكِ جميلتان أيضًا.”
تفكرت فيما تقوله أولًا، لكن الكلمات خرجت دون قصد.
كانت يدا لوسي صغيرتين حقًا.
تساءلت الجدة إن كانت يدها يومًا بهذا الحجم.
كان من النادر أن تمسك يد طفل صغير، أو ربما كانت هذه المرة الأولى، إذ لم تمسك يد آردين عندما كان صغيرًا.
جلدها الناعم والممتلئ جعلها تود لمسه طوال اليوم من فرط لطافته.
ربما بدت كلماتها مفاجئة، إذ تقلصت أصابع لوسي.
خافت أن تسحبهما، فضغطت الجدة الكبرى على يديها برفق.
“كما تعلمين، لقد أخطأت كثيرًا في حق أمكِ.”
أحنت الجدة الكبرى أودري رأسها أمام لوسي.
لم تستطع النظر إليها.
“ومع ذلك، لا يزال أصل أمكِ لا يعجبني.”
انخفض رأس الجدة أكثر.
أرادت أن تظهر بلطف أمام لوسي، لكن هذا الشعور كان صادقًا.
“لكن إن استردت أمكِ وعيها ولو للحظة، سأعتذر إليها. حتمًا.”
كان ذلك صادقًا أيضًا.
كانت إيسيل امرأة طيبة.
عرفت الجدة الكبرى أودري أنها مختلفة عن والدها المستغل والماكر.
لكن في ذلك الوقت، بدت طيبة إيسيل وضعفها ساذجة وهشة، فكرهتها.
لم تعجبها منذ البداية، فحتى محاسنها بدت عيوبًا في عينيها.
لم ترها سوى دون المستوى بكثير.
مررت الجدة الكبرى أودري إبهامها على ظهر يد لوسي.
يبدو أن لوسي تشبه إيسيل.
لم تظهر أي انزعاج من كلامها، واستمعت بهدوء، وهذا وحده كان كافيًا لتشعر بالامتنان.
“ولو مرة واحدة فقط، هل يمكنكِ تناول الطعام معي؟”
كانت الجدة الكبرى أودري متوترة كمن ينتظر إصدار الحكم عليه.
عزمت في قرارة نفسها ألا تتوسل إن قالت لوسي لا، حتى لا تزعجها.
لكنها تمنت أن تمنحها لوسي فرصة ولو لمرة واحدة فقط.
رفعت الجدة الكبرى أودري رأسها لتواجه عيني لوسي.
تألقت عيناها البنفسجيتان تحت ضوء شمس الصباح كجوهرتين.
من قرب، بدت ملامحها أكثر لطافة وجمالًا من إيفان أو الأرشيدوق آردين.
يبدو أنها أكلت جيدًا في القصر، إذ أصبح جلدها ناعمًا وأبيض، واكتسبت بعض الوزن.
لم تكن الجدة من أطعمتها، لكنها شعرت بالفخر رغم ذلك.
شعرها الأسود اللامع المتدفق أصبح ناعمًا، وعيناها البراقتان كشفتا عن إرادة قوية رغم صغر سنها، وشفتاها الصغيرتان الحمراء أطبقتا بثبات.
شعرت الجدة الكبرى أودري بفخر جديد لأن هذه الطفلة حفيدتها.
حتى لو لم تستطع التباهي بها أمام الآخرين، شعرت أنها لن تنسى هذه اللحظة أبدًا.
التعليقات لهذا الفصل "27"