في اليوم التالي، كان أوّل ما قالته أغنيس لسيدريك ما إن التقت به:
“أجئت لتشكرني؟”
شكر ماذا؟
كان يودّ لو يقدّم ضدها دعوى تعويض.
كاد يفقد أعصابه في اللحظة نفسها. عضّ على أسنانه وأطلقها، ثم التزم بالآداب وحيّاها رسميًا:
“أسعد برؤية جلالتك مجددًا.”
غير أنّ ملامحه لم تستطع أن تخفي عبوسه. وهذا طبيعي؛ فقد قضى ليلته ساهرًا يتساءل: ماذا قالت لإستيل حتى آل الأمر إلى ما هو عليه؟ وقد لاحظت الأميرة الثانية وجهه المتجهّم، فاستغربت وقطبت حاجبيها.
“ألست راضيًا حتى بعدما ساعدتك؟”
“وأيّ مساعدة تقصدين؟”
ردّت بإيماءة ساخرة وابتسامة ماكرة:
“دفعتُ إستيل للأمام، لتستمرّ بكم الحكاية.”
“أظنّ أنّ ثمة سوء فهم…….”
“ألستَ أنت من وضعت عينك على الآنسة إستيل بلانشيه؟”
أطبق فمه صامتًا.
لم يكن راغبًا في خوض حديث كهذا مع الأميرة، فمهما كانت العلاقة ودّية، لا ينبغي أن يكشف عن أموره الخاصة. فإن تكلم، ربما استغل القصر الامبراطوري ذلك ليمسكوا عليه مأخذًا.
وبينما كان يعدد في داخله أسباب التزام الصمت، قبض على كفّه في حزم.
لكن لا بدّ أن يعرف كيف وقع هذا الهرج.
رفع رأسه وردّ بلهجة ثابتة:
“أجل، صحيح.”
“……هاه؟”
“لذلك أريد أن أعرف، ماذا قلتِ لها البارحة؟”
‘يا للعجب، أهو يبوح بكل شيء صراحة؟’
حدّقت به أغنيس بدهشة، ثم انفجرت ضاحكة.
شعر سيـدريك بحرارة تتصاعد في أذنيه، فأغمض عينيه وقال بجدية:
“ماذا قلتِ لها؟”
“كانت حائرة في شأن رجل، ولما بدا لي أنّ الأمر يتعلّق بك، دفعتها قليلًا وحسب.”
الآن فهم.
رفع رأسه وأطلق ضحكة قصيرة ممزوجة بالذهول.
ففسّرت الأميرة ذلك ابتسامة شكر، فابتسمت هي الأخرى برضا.
“ألا ترى؟ يجدر بك أن تشكرني.”
“جلالتكِ.”
“نعم؟”
“بهذا كدتُ أفقدها لصالح رجل آخر.”
“ماذا……؟”
ارتبكت الأميرة، لكنه أطبق القول كالسكين:
“ثمة ساحر كان معنا منذ انضمامنا للأكاديمية. لا بدّ أنكِ علمتي به في التقارير.”
“إدغار لوران؟ أعرفه جيدًا.”
تصلّبت الأميرة فجأة وسألت مترددة:
“……لا تقول إنك تعني…….”
“بلى.”
“إذًا أنا لم أشجعها من جهة اللورد الصغير، بل…….”
“بل من جهة ذاك الرجل.”
تنفست الأميرة تنهيدة متثاقلة، وأدارت بصرها بعيدًا عنه بابتسامة محرجة.
لم يخطر ببالها أن ينقلب الأمر هكذا.
فهي تعرف إدغار لوران جيدًا: رجل من عامة الشعب، لكنّه اخترق صفوف المعهد الامبراطوري للسحر بموهبته النادرة، وصار اسمًا مرموقًا في مجال دراسات الساحرة العظيمة. لكن ما تذكّرته الآن هو سمعته: الرجل الذي حاول منافسة اللورد الصغير على امرأة وضع عينه عليها.
‘يقال إنّه وسيم أيضًا.’
ها قد تبيّن أن الآنسة بلانشيه محاطة برجال كُثر.
إدغار لوران…… رغم أنه وُلد من عامة الناس، إلا أنّ إنجازاته العظيمة صارت غطاءً يحجب أصله، بل قد تُرى كدعامة له. ومع أنه ليس مؤهلًا طبعًا ليطمع بابنة الساحرة العظيمة، إلا أن الوضع الحالي استثنائي، إذ إن معرفته الواسعة في السحر تساعد إستيل على بلوغ غاياتها، وهو يقوم بدور معلمها أيضًا. فلا عجب إن نشأ بينهما شيء.
أطلقت الأميرة تنهيدة عميقة.
‘يا للمصيبة…… قد أكون أنا من وصلهما ببعض، لا اللورد الصغير.’
ثم قامت من مجلسها، وأرجعت خصلات ذهبية خلف أذنها بابتسامة مشرقة وقالت:
“آسفة! لم يكن هذا قصدي أبدًا! هاها!”
لم يكن الاعتذار الامبراطوري بالأمر الهيّن، لكن تقبّل اعتذار الأميرة الثانية لم يكن صعبًا، فهي معروفة بصراحتها الفاتنة.
تنهد سيـدريك وهو يحدّق بها باضطراب، ثم سلّمها أوراق التحقيق التي أعدّها منذ الفجر لكشف الجواسيس. وقال رسميًا:
“هذه قائمة بالمشتبه بهم. أرجو أن تأذنوا باستجوابهم.”
“حسنًا، سأراجعهم وأوافيك بالرد قبل المساء.”
كان هذا نهاية مهمته. همّ بالدوران راحلًا، لكن صوت الأميرة أوقفه:
“وماذا تنوي أن تفعل؟”
“عذرًا؟”
“أتراك ستتركها تُسلب منك؟”
مستحيل. لم يفشل سيـدريك قط في بلوغ هدف وضعه أمامه.
أجاب بوجه صارم:
“مستحيل.”
ارتسمت على وجهها ابتسامة مثبطة وهي تواصل الاختبار:
“وكيف؟ قد ينتهي الأمر بأن يجتمع ذاك الاثنان.”
“لن يحدث ذلك.”
لكنها ارتبكت مجددًا. لم تكن تسأل عن الاحتمال، بل عن خطته. فأعادت بلهجة ألين:
“ولكن لو اتفق لهما أن يقتربا…….”
“إستيل تفكّر فيه لأنه لطيف فحسب. لكنها لن ترتبط به أبدًا.”
كان جوابه قاطعًا يسد كل أبواب الاحتمال.
حملقت به الأميرة بدهشة وقالت دون قصد:
“……أيها اللورد؟ لطالما كنت أول من يفكر بالاحتمالات السلبية، فما بالك اليوم؟ أوقعتَ في الحب حتى فقدتَ عقلك؟”
في تلك اللحظة تذكّر سيـدريك ما بناه في ذهنه من استنتاجات خلال الأيام الماضية، وما كان يرتكز إليه: كلمات الساحرة العظيمة.
“يا غلام، لقد أعنتني كثيرًا في وضع الخطة. لذلك، سأهديك بعد عشر سنوات هدية.”
“وأيّ هدية؟”
“عروستك.”
لقد تحققت كل خطوات التثبت. لم يبق سوى أن يسأل إستيل نفسها. فنظر سيـدريك إلى الأميرة بوقار وأجاب:
“لدي ما أستند إليه في ثقتي.”
“أهو مجرد رجاء شخصي……؟”
لم يشأ أن يجيب. فحيّاها سريعًا وغادر الغرفة.
أطبق الباب بهدوء، ثم استند إلى جداره ضاغطًا على جبينه.
لم يبرحه منذ الليلة الماضية خاطر واحد:
‘إنها مجرد لحظة عابرة مزعجة…… لو كان تصرف إدغار نزوة، فستزول سريعًا، ولو كان وراءها نية، فسأكشفها وأسحقها.’
إذن، لا داعي للقلق. لن ينحدر إلى الأمور التافهة.
استقام وواصل طريقه، وما إن ابتعد حتى فتحت الأميرة الباب فجأة وأخرجت نصف جسدها وصاحت:
“أيها اللورد، يسمّون ذلك انتصارًا وهميًّا! “
لكن سيـدريك تجاهل كلماتها، وأعتبرها محض أوهام.
ذاك الذي كان يومًا يحرص على أخذ رأي الآخرين الموضوعي بدأ يحيد عن ذلك.
***
في هذه الأثناء.
كانت إستيل منذ استيقاظها عرضة لوابل من الأسئلة. إذ جرى تعديل غرفتها بأمر من سيـدريك لتنال قدرًا من الخصوصية. وما إن خرجت بعد تجهيز نفسها حتى كان إدغار منتظرًا عند الباب، فاتكأ إلى الجدار، وما إن رآها حتى تبعها.
“ماذا تفعلين اليوم؟”
“أعمل طبعًا. عليّ البحث عن الدوائر السحرية.”
“وغدًا؟”
‘وهو يعرف الجواب ويسأل؟’
رفعت حاجبيها وردّت بنبرة عادية:
“وغدًا أيضًا سأعمل…….”
ابتسم وقال:
“إذن ليس لديك وقت حتى أغريك.”
لم تكن تقول ذلك رفضًا له، بل محض تصريح بالواقع.
فضحكت إستيل ضحكة محرجة، ثم رفعت بصرها إليه بارتياب وهي ترى ملامحه وقد بدا عليها الانكسار. ابتسم عندئذٍ وسألها:
“لماذا؟ أترينني وسيمًا اليوم؟”
“بصراحة، لا أفهم بمَ تفكّر.”
“لا أفكّر في شيء. ولو كنتُ أفكّر، لما تصرّفت كالأحمق هكذا.”
رأت عينيه الخضراوين تتلألآن بوميض خاص، كالذي يلوح عند اكتشاف جديد، فأشاحت بوجهها مضطربة.
لم يمضِ على اعترافه لها سوى يوم واحد، لكنها بدأت تشعر باليقين.
وكيف لا؟ فحين تُقابَل بهذا البريق في عينيه طوال الوقت، يستحيل ألا يرسخ اليقين. عندها قالت مبهورة:
“أنت حقًا تحبني، أليس كذلك؟”
“أتصدقينني؟ أسرع مما توقعت.”
ابتسمت بخفة، ومدّت يدها ترتّب خصلات شعره الأمامية، دون أن تلاحظ كيف تجمّدت ملامحه المتبجّحة فجأة. استدارت قائلة:
“لقد قضيت سنوات أتعلّم قراءة الوجوه. أعرف ما إذا كان المرء يخدعني أم لا.”
إلا أن إستيل لم تكن في مزاج يسمح بالتدقيق في ذلك. فما لبث أن لحق بها مبتسمًا من جديد وسألها:
“فما الذي تنوين فعله الآن؟”
“سأقرأ مذكرات أمي.”
“سيصعب عليك قراءتها وحدك.”
“ربما، لكن سأجرّب أولًا. وإن احتجت لشيء، فساعدني.”
لمح في وجهه خيبة صغيرة، لكنها سرعان ما اختفت ليعود ببسمته الماكرة متقدمًا خطوة:
“لا بأس لو طلبتِ مساعدتي من البداية. فأنا أتوق لأن أساعدك.”
“قلت لك، سأجرب أولًا!”
في الحقيقة، كانت قد أمضت ليلتها السابقة تقاوم النوم، تقرأ المذكرات على ضوء المصباح. حاولت حتى أن تتمتم بالشفرات الغامضة المدوّنة فيها، لكنها لم تخرج بشيء واضح.
خشية أن تغلبها النعاس، شربت ماءً باردًا وجلسـت على الكرسي، ثم فتحت المذكرات مجددًا. راحت تمرّر أصابعها على الصفحات المثنية الكثيرة وكأنها تضع علامات، قبل أن تطلق تنهيدة:
“هيا…… لنحاول.”
للوهلة الأولى بدت المذكرات مجرد سجل أبحاث متواصل، عدا صفحة افتتاحية تشبه المذكرات اليومية. لكن ما اكتشفته ليلة الأمس هو أنّ بينها خربشات وملاحظات صغيرة مبعثرة في كل مكان، حتى إن ثمانين بالمئة من الصفحات مثنيّة لأجلها.
الملاحظات قصيرة كلّها، لكنها كثيرة جدًا عند جمعها.
جلست إستيل تفكر قليلًا، ثم تمتمت:
‘أخفض نقطة في الصحراء… عظام التنين المتبقية… لوتشي.’
بعد أن عرفت هذه الحقائق الثلاث، ربما إذا قرأت الملاحظات الصغيرة بتمعّن تكشّف لها شيء ما.
‘إذن فلنبدأ.’
أطلقت كتفيها المتيبسين، وحدّقت في المذكرات بين يديها.
****
ترجمة : سنو
بالنسبه لقُراء المواقع.
انشر الفصول في جروب التيليجرام أول والواتباد. وممكن لو انحظر حسابي بالواتباد بعيد الشر بتلاقوني هناك ( ملاحظه، الي يدخل ويطلع رح ياخذ حظر )
بس اكتبو في سيرش التيليجرام : snowestellee
او هذا اللينك صوروه وادخلو له من عدسه قوقل: https://t.me/snowestellee
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات