كان السؤال غامضًا أكثر من اللازم. وإذ لم تفهم شيئًا فلم تستطع الإجابة، واكتفت بتحريك رأسها بجنون، عندها تكلمت أغنيس بنبرة عادية وهي تجلس بجوار إستيل.
“أعني، مثل أن يكون هناك شخص تلتقينه، أو رجل يحاول الاقتراب منك…”
في تلك اللحظة فزعت إستيل بحق، فتحت فمها على اتساعه وأعادت السؤال بدهشة:
“هـاه؟! كـ… كيف عرفتِ ذلك؟”
“لا يجوز الاستهانة بجهاز استخبارات العائلة الإمبراطورية.”
“ماذا؟ بهذه السرعة؟ هذا غير معقول!”
ارتبكت إستيل أشد الارتباك.
ما جرى مع إدغار لم يمرّ عليه سوى ساعة واحدة تقريبًا، فكيف للأميرة أن تعرف ذلك؟
وفي تلك الأثناء كانت أغنيس تكاد تنفجر من الضحك وهي تحبسه بصعوبة.
‘يا إلهي، أحقًا حدث شيء كهذا بين ابن الدوق الصغير وابنة الساحرة العظيمة؟ هذا أمر في غاية الطرافة! لقد ترددت في المجيء مخافة أن أتعرض للمشقّة، لكني عقدت صفقة بسيطة مع والدي وجئت… وكان القرار صائبًا!’
لكن الحقيقة أن كلتاهما كانتا تفكران في أمر مختلف تمامًا.
تظاهرت أغنيس بالبراءة وابتسمت ابتسامة مشرقة وهي تصفق بيديها قائلة:
“أوه، أجل! هل تعلمين أن من مهام الأميرة كذلك التوفيق بين الأزواج؟ نتعرّف على شخصيات كثيرة في المجتمع، ونُعيد ترتيب قواعد النفوذ بما يتماشى مع رغبة البلاط… آه، ليس هذا ما أقصده. المهم، حين أجد آنسات وشبّانًا مناسبين، أقرّب بينهم.”
‘كادت أن تفلت مني كلمة لا ينبغي أن تُقال!’ــ
فكّرت وهي تمسح العرق البارد بخفة وتضحك مصطنعة.
وبعض ما قالته كان صحيحًا. فاهتمام الإمبراطور والأميرة بعلاقة سيدريك وابنة الساحرة العظيمة يرتبط في جزء منه بتوازن السلطة.
وللحظة خيّم على وجهها مسحة من البرود وهي تفكر:
‘وإن كان العالم مآله إلى الفناء، فما نفع السلطة أصلًا… لكن بالنسبة للبلاط، لا بد من التخطيط على أساس أنه لن يفنى.’
مهما يكن، كان من المؤكد أن إستيل بلانشيه ستجذب أنظار الجميع يومًا ما. وبناءً عليه وجب استمالتها، وأفضل وسيلة لذلك هي الزواج. بل إنها كانت تفكر في أن تُرغم شقيقها الأصغر على الرغم من أنه يعيش علاقة غرامية مستقرة على الزواج منها… لكن تبيّن أن الدوق الصغير قد سبق وخطا الخطوة بنفسه!
عائلة إيرنيست تمثل إحدى أكثر الأسر ولاءً للإمبراطورية. يضاف إلى ذلك أن ميكاييل إيرنيست، ثم سيدريك بعده، حافظا على صلة وثيقة بالمعبد، وهو ما يكفي لتخفيف سمعة إستيل السيئة باعتبارها ابنة تريستان بلانشيه. كما أن زواجها من ابن الدوق لن يهدد سلطة البلاط.
إنه الخيار الأمثل بلا شك.
وفوق ذلك، من المثير للاهتمام أن هذه الفتاة، التي تبدو مرحة وبريئة، تمسك بزمام سيدريك تمامًا!
قالت الأميرة بابتسامة واسعة:
“إذن إن كان لكِ شخص تريدينه، فأخبريني حالًا. إن رغبتِ يا إستيل، أستطيع أن أستعمل سلطتي لترتيب الزواج.”
“زواج…؟ آه، شكرًا جزيلاً.”
انحنت إستيل شاكرة وهي تتصبب عرقًا تحت نظرات الأميرة المعلّقة عليها بلا فكاك.
‘ما الذي يُفترض أن أقول أكثر من هذا؟’
تساءلت مرتبكة، ثم تلعثمت:
“على أية حال… لننقذ العالم أولًا…”
“أيعني هذا أنك تفكرين في الأمر بإيجابية؟”
كانت تنوي تأجيل النقاش، لكن أغنيس وكأنها قرأت أفكارها تمتمت ناصحة:
“لا، لا. فكّري بإيجابية. أعلم أن لديك مهامًا عظيمة، لكن أليس من الجيد أن يكون بجانبك من يعينك؟”
كانت تقصد سيدريك، غير أن إستيل فهمت الأمر على نحو آخر.
‘نعم… صحيح أنه في البداية كان يضايقني، لكنه بعد أن تعوّد عليّ صار عونًا كبيرًا…’
“كما أنه وسيم وأخلاقه حسنة.”
‘حسنًا… لا أنكر أن إدغار وسيم.’
‘لكن… أخلاقه حسنة؟ هذا لا يشبه إدغار إطلاقًا!’
أرادت أن تشكك في الأمر، لكنها عادت وأقنعت نفسها:
‘لعل هذا هو ذوق الأميرة فحسب.’
حاولت إنهاء الحديث، فابتسمت بتكلف ولوّحت بيدها:
“لكنه يبدو مجرد مزاح لا أكثر.”
فتحت الأميرة عينيها على اتساعهما وردّت بسرعة:
“ماذا؟ لا، لا! على حد علمي هو ليس ممن يمزحون بتلك الأمور! ألا تظنين أنك فهمتِ خطأ؟”
‘حقًا؟ أهذا ممكن؟’
ولأن الكلام صادر عن أميرة رفيعة المكانة، لم تستطع إستبل إلا أن تُصدقها. ربما هي من بالغ في حكمها على إدغار بسبب ظروف لقائهما الغريبة حيث كان عن نهاية العالم…
أغنيس وقد بدا عليها الضيق من تردّد إستيل، مالت نحوها وقالت:
“كفي عن الحيرة، وفكّري بعقل منفتح. أنا أشجعك.”
أمعنت إستيل النظر فيها بتوجس.
‘غريب… لم يمض وقت طويل منذ تعارفنا، فكيف تشجعني بهذه الحماسة على الارتباط بإدغار؟’
ثم هزت رأسها في نفسها:
‘لا بأس، لعلها تهتم كثيرًا بشؤون الآخرين.’
وقبل أن تُنهي الأمر، ربتت الأميرة على كتفها قائلة:
“من يدري؟ قد يكون في ذلك عون أكبر لك فيما تنوين فعله.”
“…….!”
“ثم إن المهمات كلما كانت أثقل، احتاج الإنسان إلى سند عاطفي. وأنا أحب أن أكون داعمة لك.”
ارتجف قلب إستيل للحظة، وبدت على وجهها علامات التردد.
أما أغنيس فابتسمت ابتسامة ظافرة ووقفت راضية.
‘هاه، أيها الدوق الصغير، عليكَ أن تُحسن معاملتي حقًا!’
وأرسلت له إشارة بعينها وهي تودّع.
“حسنًا، سأترككِ الآن. سأبقى أسبوعًا تقريبًا، فإن واتت الفرصة نلتقي مجددًا.”
وغادرت مسرعة كما لو أنها عاصفة جرفت كل شيء وراءها.
بقيت إستيل تحدق في ظهرها، غارقة في التفكير.
‘في الحقيقة… بعد ما قالته الأميرة لم أعد أرى ضرورة لتأجيل الموضوع تمامًا. كلام إدغار لم يكن يعني لقاءً عاجلًا، بل مجرد طلب أن أخصّه ببعض وقتي… وذلك أمر يسير ما دمنا نقضي جلّ أوقاتنا معًا أصلاً. ثم إنه وسيم، موهوب، وكان سندًا عظيمًا لي أكثر من مرة… أن يطلب مني القليل من وقتي فقط… يبدو طلبًا مسكينًا بعض الشيء.’
ظنّت أنها مجرد مزحة، لكن أحيانًا ما تخرج الحقائق متخفية في هيئة مزاح، وذلك جعلها أكثر تسامحًا.
‘ربما عليّ أن أترك الأمور تجري… ونرى.’
وفيما كانت الأفكار تتلاطم في ذهن إستيل، نظرت إليها لوتشي بقلق وحرّكت عينيها مضطربة.
‘لا يا إستيل… أظن أنكِ تفهمين الأمر على غير وجهه…’
***
بعد دقائق قليلة، وبينما كانت إستيل تعود إلى غرفتها برفقة لوتشي، اعترضها سيدريك في الممر وأوقفها.
“علينا أن نتحدث.”
“آه! لقد أفزعتني.”
انتزع لوتشي منها برفق وأدخلها إلى الغرفة، ثم أخذ بيدها وسار بها نحو الممشى المؤدي إلى الحديقة.
كان الطقس أدفأ من ذي قبل، غير أن برودة الليل ما زالت تلسع، فارتجفت كتفاها.
وفي الحال نزع سيدريك معطفه وألقاه على كتفيها.
غاص جسدها الصغير في ثنايا ثوبه الواسع وسألته:
“ألم يكن من الممكن أن نتحدث داخل الغرفة؟”
“وماذا تنوين أن تفعلي بشأن إدغار؟”
“آه… سأفكر بالأمر على مهل.”
اسودّت عيناه أكثر.
كان قد احتفظ بشيء من التحفّظ، لكن الآن لم يعد هناك أي أثر له. وتشنّجت ملامحه ساخرًا بمرارة.
‘أنا مرهقة، لماذا الآن بالذات؟’
تمتمت في نفسها، وكادت تتثاءب، لكنه باغتها متسائلًا وكأنه يقنع نفسه:
“هل تقصدين أنك تفكرين في طريقة لرفضه؟”
“كلا. أعني أنني أترك كل الاحتمالات مفتوحة… وسأراقب ما يجري. ثم، هل هناك شيء أرفضه أو أقبله أصلًا في هذه المرحلة؟”
تجعد وجه سيدريك كمن سمع أن النهاية التي كان يظنها بعد ثلاثة أشهر ستقع غدًا.
لم تفهم إستيل سبب ذلك، لكنها رأت أن عليها أن تسمعه توضيحًا:
“أظن أنك أسأت الفهم. لم أحسم شيئًا بعد. بل في البداية كنت أنوي رفض الأمر؛ لأنه بدا مزاحًا أو ربما يخفي نية ما، لكن…”
“إذن، ما الذي غيّرك فجأة…؟”
“لقد أقنعتني سموّ الأميرة. قالت إنه ليس من النوع الذي يمزح بمثل هذه الأمور. ففكرت بجدية قليلًا، وقلت في نفسي، إن كان حقًا يحبني ويطلب فقط بعضًا من وقتي… أليس ذلك أمرًا مؤثرًا؟! وأنا طيبة، فلِمَ لا أُعطيه بعضًا من وقتي؟”
ثم كأنها تذكرت أمرًا نسيته، فأردفت:
“في الحقيقة، أنا من النوع الذي يفضّل أن يلتقي بالناس أولًا، ثم يقرّر.”
كانت تريد من هذا أن توضّح أنها لم تُسق تمامًا وراء كلام الآخرين لتتخذ قرارًا طائشًا. لكن ما إن سمع سيدريك تلك العبارة حتى ارتفع ضغطه إلى أقصاه.
ابتسم ابتسامة باردة وهمس:
“أن تلتقي أولًا ثم تقرري….”
“……ماذا تقصد بذلك؟”
“أي أنك التقيتِ برجال من قبل، أليس كذلك.”
انعقد حاجبا إستيل في انزعاج وهي ترد:
“طبعًا… أليس ذلك بديهيًا؟”
كان تعبيرها يوحي بأنها تستغرب سؤاله عن أمر بهذا الوضوح، فما كان منه إلا أن شعر بصداع يفتك برأسه.
تذكّر كيف فرحت في البحر حين قيل لها إن شعبيتها لم تنطفئ بعد، وتذكّر ألفتها في التعامل مع الناس رجالًا ونساءً حين يتعلّق الأمر بالمشاعر.
كان يتوقع شيئًا كهذا، لكن أن يسمع ذلك منها بعد أن تلقّت اعترافًا من رجل آخر للتوّ… فلا عجب أن يغلي صدره.
ولما لاحظت إستيل ملامحه المتوترة أسرعت إلى التوضيح:
“أقول هذا فقط حتى لا تسيء الظن. لم أنسق وراء كلمة قالها الآخرون فحسب! إنما قصدت أن أترك الأمر مفتوحًا، وأراقبه لا أكثر!”
“ومَن قال إني اعترضت؟”
تمتمت إستيل بنبرة مترددة:
“لكن… وجهك كان يقول الكثير…”
“……الأمر ليس كذلك.”
“على كل حال، أردت فقط أن أوضح أنني لست سهلة الانقياد حتى أغيّر قراراتي بكلمة تُقال لي.”
بمعنى آخر، هي من طبيعتها أنها إن سُمِعت منها كلمة إعجاب، تفكر وتراقب برويّة قبل أن تحكم، وكانت تنوي استبعاد إدغار أصلًا لأنه بدا مازحًا أو ماكرًا، لكن بعد إقناع الأميرة عادت ببساطة إلى طريقتها المعتادة.
‘اللعنة، ما الذي قالته الأميرة بالضبط؟’
تمتم سيدريك بضحكة باردة، ولأول مرة راودته فكرة أن يسحب ولاءه من البلاط.
عندها، ومن غير قصد، سدّدت إستل الضربة القاضية وهي تتنهد بارتباك:
“أنا أعلم أنني لا أحب إدغار كثيرًا… لكن على أية حال، القرار لي. إنها حياتي.”
قشعر جسد سيدريك وشعر بالبرد يسري في ظهره.
لا بد له من الدفاع عن موقفه بأي وسيلة. وبدافع من الشعور بالواجب قال:
“لكن أنتِ أيضًا تدخلتِ في شؤوني. قلتِ إنك ستساعدينني حتى أجد من جاءت في نبوءة الساحرة العظيمة. فهل يُمنع عني أن أتدخل؟”
“آه… تلك القصة.”
ظن أن هذا الكلام سيفتح له بابًا، لكن العكس هو ما حصل.
تجمدت ملامح إستيل وارتسمت على محياها الجدية، فأدركه شعور مشؤوم وكريه. ثم هزت رأسها بحزم وقالت:
“لن أتدخل بعد الآن. تبدو أنك تبلي بلاء حسنًا من دوني أصلاً—”
“ماذا؟”
“لا تقلق كثيرًا. أعتقد أن قلبك هو ما سيقودك إلى الجواب الصواب!”
ابتسمت ابتسامة مشرقة، وراحت تربّت على كتفه بخفة.
أما هو فقد بقي بلا تعبير وهو يوجه بصره إلى جهة المساكن التي خُصّصت للجنود الذين وصلوا اليوم.
‘مهما حدث… مع بزوغ الفجر سأكون أول من يقابل الأميرة.’
*****
ترجمة : سنو
بالنسبه لقُراء المواقع.
انشر الفصول في جروب التيليجرام أول والواتباد. وممكن لو انحظر حسابي بالواتباد بعيد الشر بتلاقوني هناك ( ملاحظه، الي يدخل ويطلع رح ياخذ حظر )
بس اكتبو في سيرش التيليجرام : snowestellee
او هذا اللينك صوروه وادخلو له من عدسه قوقل: https://t.me/snowestellee
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات