أي علاقة هذه؟ شخص ممل لا يعرف حتى كيف يغضب، قبل قليل فقط صرخ في وجهي وخرج غاضبًا، والآن يُقال إنه منسجم مع شخص آخر وكأنهما ثنائي؟! مبالغة في غير محلها!
ارتسمت على وجهها ملامح استنكار وهي تردّ:
“ماذا تقول…؟ ليس الأمر هكذا إطلاقاً. فقط، شعرتُ ببعض الضيق لأنني انخدعت بذلك الكذب طوال هذا الوقت. أي كلام مضحك هذا…!”
“أحقاً؟ كان مضحكاً إذن. لكنني لم أجده مضحكاً.”
كانت تهمّ بأن ترد ضاحكة على كلماته، غير أنّها ما إن رفعت رأسها حتى تجمّدت.
إدغار الذي لم يبدُ على شفتيه أدنى أثر للابتسام كان جالساً أمامها يحدّق فيها بنظرة باردة ويسند ذقنه بكفه ووجهه بلا تعبير يكشف ما يفكر به.
ظل يطيل النظر إليها في صمت ثقيل حتى بدأت تشعر بالحرج من طول الصمت، ثم قال أخيراً:
“بما أنّه لا يمكنكِ الخروج إلى الصحراء مؤقتاً، فلا مهام تؤدينها. والدوق الصغير يطالب براحة تامة، مما يجعل التجول بحرية أمراً صعباً حتى تهدأ الأوضاع… هذه حالكِ الآن، أليس كذلك؟”
“…نعم، هذا صحيح.”
“لكن بينكما، لا توجد ثغرة واحدة… فما العمل معكما؟”
“أنت تغضبين حين تسمعين عن النساء الأخريات، لكنك تكتفين بالسخرية حين يُقال إنك على علاقة بالدوق الصغير… هذا يعني أنّ علاقتكما ليست وثيقة لدرجة يستحيل فصلها.”
“…ماذا؟”
ما الذي يعنيه؟ أليس الأمر بديهياً؟ بالطبع لم تغضب لأنها ليست مرتبطة به. ثم ما معنى “فصلنا”؟ لماذا؟
تجهمت إستيل وقد بدا الأمر سخيفاً، وهي تفكر أن هذا الرجل الذي يسخر عادة من الكلام المكرر وغير المجدي، هو نفسه يصرّ على قول مثل هذه الأمور.
كان دفء أصابعه على ذقنها ملحوظاً. وبغض النظر عن ملامحها المتوترة، ظل يحدّق فيها بعينين هادئتين وهو يهمس:
“ما العمل إذن؟ لو بقيا معاً فسيسبب الأمر إزعاجاً.”
عيناه الخضراوان اللتان اعتادت أن تراهما باردتين ساخرتين، كانتا تشعان هذه المرة بوميض مختلف وهما تحدّقان بها.
ارتبكت إستيل من ذلك التغير النادر وسألته:
“مـ… ما بك؟”
ربما شعرت باختلاف الجو المعتاد، فارتجفت قليلاً.
أنزل ابتسامته المصطنعة التي كان يرفع بها طرف شفتيه دوماً ليخفي مشاعره، وقال بوجه متجهم:
“ما كان يزعجني، صار يزعجني أكثر… وهذه مشكلة.”
“هاه؟ ماذا قلت؟”
لم تفهم ما قاله، فأعادت السؤال، لكن لم يأتِها جواب.
عينيه اللتين خُيّل إليها أنّها بدأت تفهمهما، عادت لتبدو غامضة متوارية.
لماذا يتصرف هكذا مجدداً؟
ولتكسر حدة الموقف، قالت بنبرة مازحة:
“ما بك اليوم تتحدث بطريقة غير مباشرة، هذا ليس من عادتك؟ قل ما عندك صراحة! متى صرتَ هكذا؟”
ابتسم إدغار ضاحكاً بخفوت، كأنه سمع نكتة بينما هي تراقبه حائرة، ثم جاء صوته الناعم يسأل فجأة:
“هل تريدين أن أساعدك إذا كان قائد فرسان الهيكل يثير غضبك؟”
“ماذا؟”
“أقول، سأساعدك.”
…ماذا يعني بذلك؟
رفرفت عينا إستيل وهي تفكر في المعنى الخفي وراء كلماته، ثم هزت كتفيها غير آبهة.
بعد حوارهما الأخير عن ماضيه، بدا إدغار أقل قسوة بكثير. وكلامه عن المساعدة يبدو صادقاً على الأرجح. وما الذي قد يحدث أصلاً؟ لذا أجابت بخفة:
“حسناً!”
لكن حينها سُمِع صوت طرق مألوف بإلحاح على الباب.
هل عاد سيدريك بالفعل؟
وبينما كانت تفكر في ذلك، انفتح الباب، وبنفس اللحظة ألقى إدغار بابتسامة وادعة قنبلة مدوّية:
“إذن… ما رأيكِ بي أنا؟ بلا تجارب خطوبة سابقة.”
“…ماذا؟”
“انسَي ذاك الطرف تماماً، وجرّبي أن تخرجي معي أنا.”
دوّى صوت ارتطام عند عتبة الباب وكأن شيئاً أو أحداً قد سقط، لكن كليهما لم يلتفت.
أدقّ في القول، إن إدغار لم يلتفت عمداً، أما إستيل فلم تستطع الالتفات من شدة صدمتها.
والفرق بينهما كبير.
تجمدت مكانها تحدّق في وجهه المشرق المبتسم أمامها.
ما هذا؟ ما الذي يحصل؟
عقلها لم يسعفها سوى بجملة متكررة “ما هذا… ما هذا؟!” ارتبكت بشدة حتى تعثرت كلماتها وخرج صوتها غريباً متحشرجاً:
“…ماذا؟”
‘ألستَ من قلت إنك ستساعد؟! أيها الوغد…!’
تماسكي. أعيدي ترتيب أفكارك.
لو كان يقصد اللقاء به مجدداً رغم أنهما يلتقيان يومياً، فلا بد أنّ لكلماته معنى أعمق.
تحركي يا بقايا حدسي…!
كان الجواب جليًّا؛ هذا الرجل، الذي بدا أقرب إلى المعلّم منه إلى الرفيق، لم يكن يفعل سوى مغازلتها.
“ماذاااا؟!”
صرخت إستيل، فاهتزت أرجاء الغرفة.
لم تكن من النوع الذي يقفز فرحاً لمجرد تلقي اعتراف حب.
أولاً: لأنها اعتادت ذلك. فهي تعلم أنّ مظهرها جميل بما يكفي، وكانت تستغله أحياناً في سرقاتها الصغيرة. لذا لم يكن غريباً أن تسمع اعترافات من رفاقها الصغار بين حين وآخر.
“أنتِ تعجبينني.”
“طبعاً! وأنت أيضاً تعجبني، فنحن أصدقاء!”
“لا، لا! اخرسي وتعالي معي.”
في البداية لم تفهم كثيراً وسحبها آروين بعيداً مراراً، لكن مع تكرار المواقف تعلّمت التمييز وفهمت الأمور العاطفية.
هكذا صار السبب الثاني: أنها باتت تملك القدرة على استشعار الاعترافات قبل أن تقال. من خلال نظرة العينين، أو التردد، أو التوتر… فتدرك سريعاً ما سيُقال.
لكن هذا الرجل الذي اعترف لها الآن…
“ماذا، ما بك؟”
“ماذا سيكون غير اعتراف؟”
كان هادئاً، واثقاً، لا يتوتر. لدرجة أن التوتر كله انتقل إليها هي. تلعثمت:
“متى…؟ منذ متى؟!”
“هل ذلك مهم؟”
أي نوع من الاعتراف هذا؟
لم تسمع مثله في حياتها!
حدّق في عينيها المرتبكتين وضحك بخفة وهو يسند ذقنه:
“ولِمَ؟ أهناك مكافأة إضافية لو كانت المدة طويلة؟”
“أي مكافأة هذه؟! لا… أنا فقط متفاجئة… هل أنت جاد؟”
لكن صوتاً ثالثاً اخترق الجو فجأة:
“بالطبع لا.”
ارتجفت إستيل والتفتت لتجد سيدريك خلفها، لا تبدو ملامحه بخير. ما الأمر؟
حين كان مع الأميرة بدا أنيقاً وهادئاً، والآن عاد بوجه أكثر شراسة من ذي قبل!
تجنبت نظراته المثقلة بالغضب، لكن ذلك لم يزد الأمر إلا سوءاً.
اقترب منها وهو يحدّق بعينيه الثائرتين وسأل:
“ماذا كنتِ تفعلين؟”
“ماذا؟ أنا؟ لا شيء!”
“ولماذا تتجنبينني؟”
“لم أفعل!”
انحنى نحوها في الاتجاه الذي حاولت أن تدير رأسها عنه، وضغط على شفتيه وهو يرمقها بنظرة حادة. فارتبكت أكثر وحاولت أن تبرر:
“لا… فقط، هل فكرت كيف يبدو وجهك الآن؟ من الصعب ألا أتجنبك وأنت تنظر هكذا!”
أرادت أن تضيف أنّ ملامحه الصارمة مع تعبيره ذاك تمنح مفعول الرعب مضاعفاً، لكنها أمسكت نفسها.
مسحت جبينها المتعب، فاعتبر سيدريك ذلك إشارة إلى تردّدها، فاشتد عبوسه أكثر.
“لا تقولي إنك تفكرين بقبول اعترافه؟!”
“ماذا؟! أنا لم أستوعب ما يحدث بعد. أكاد أظن أنني في حلم آخر من صنع أمي… لماذا تقفزون إلى الخاتمة؟!”
“أهذا أمر يحتاج إلى تفكير؟”
لقد كان مضطرباً أكثر من أي وقت مضى. لكن إستيل التي بدأت تعتاد على طبيعته، أجابت بعينين متسعتين في دهشة حقيقية:
“بالطبع يحتاج إلى تفكير! ماذا؟ أأمزّق زهرة لأحسب الجواب بورقها؟!”
بالطبع لا.
فلو جنّت الطبيعة وأعطت جوابًا من قبيل “اقبل الأمر”، فماذا سيكون الحال إذن؟ … ها هو ذهني يعود مجددًا ليتدحرج في اتجاه أحمق كهذا.
أغمض سيدريك عينيه ببطء ثم فتحهما وسأل:
“إذن، ما الذي تفكرين فيه بالضبط؟”
“قلت لك إنني لم أستوعب الوضع بعد. على أي حال… لا داعي لأن تشغل بالك. سأقرر بنفسي.”
“هكذا تقول. ستتخذ قرارها بنفسها. فلماذا لا تمنح إستيل بعض الوقت بدلًا من الدوران حولها بلا توقف؟”
ابتسم إدغار ابتسامة مرحة، وما لبث سيدريك أن ابتسم هو الآخر، غير أنّ ابتسامته كانت مختلفة تمامًا.
فبينما كان إدغار يبدو ماكرًا ومرنًا في ابتسامته، بدا سيدريك بملامح أشبه بوجه حاكم الموت الصاعد من الجحيم. وإستيل، التي لم تلحظ ملامحه تلك، سألت إدغار بجدية:
“هل أنت صادق؟”
“لو لم أكن صادقًا، لما احتجت إلى قول هذا أصلًا.”
‘يبدو وكأنه يمزح. لكن، لا بأس بأن أستمع على أي حال.’
فكّرت إستيل وهي تحدق فيه بعينيها نصف المغمضتين، ثم سألت:
“… منذ متى؟”
“هل يجوز لي أن أبوح؟”
ألقى إدغار نظرة سريعة إلى وجه سيدريك الواقف هناك، ثم تمتم:
“منذ تلك الليلة.”
‘تلك الليلة؟’
هنا اضطرب ذهن سيدريك دفعة واحدة. وارتسمت على ملامحه سحابة باردة تنمّ عن ضيق من حديث يجهله.
وما زاد الطين بلّة أنّ إستيل، وقد فهمت المعنى فورًا، أومأت برأسها متحفظة.
“آه، آه… تلك الليلة.”
‘وأي ليلة تلك؟ ماذا حدث فيها بالضبط؟’
في النهاية لم يستطع سيدريك كبح غليانه الداخلي، فانطلق من فمه كلام ساخر من حيث لم يشعر:
“يبدو أن بينكما صداقة عميقة. حتى إن هناك أمورًا لا أعلم عنها شيئًا.”
*****
ترجمة : سنو
بالنسبه لقُراء المواقع.
انشر الفصول في جروب التيليجرام أول والواتباد. وممكن لو انحظر حسابي بالواتباد بعيد الشر بتلاقوني هناك ( ملاحظه، الي يدخل ويطلع رح ياخذ حظر )
بس اكتبو في سيرش التيليجرام : snowestellee
او هذا اللينك صوروه وادخلو له من عدسه قوقل: https://t.me/snowestellee
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات