“همم~ ما دمت قد وصلتُ إلى هنا، فأنا أود أن ألتقي بها مرة واحدة.”
“أتقصدين ابنة الساحرة العظيمة؟”
“نعم، تلك التي يقال إنك خاضع لها.”
وما إن ذُكرت المرأة حتى تجمدت ملامح الرجل بعدما كان يحافظ على برود رسمي مهما قالت الأميرة.
فابتسمت الأميرة الثانية ضاحكة، وقد وجدت الأمر أكثر إمتاعاً، إذ بدا لها مثيراً بالفعل أن تكون المرأة ابنة الساحرة العظيمة
لكن قبل أن تواصل تمهيدها للحديث، جاءه منها رد مألوف عندها حاد كالسيف وكأن ارتباكه السابق لم يكن:
“لا بد أن رحلتك كانت مرهقة، فالأجدر بك أن ترتاحي الليلة.”
‘آه، ها هو يقطع الكلام بحدّة من جديد.’
فلوّحت أغنيس بيدها في ملل وأجابت بفتور:
“هذا يكفي، أحضرها إليّ فحسب.”
“كما تأمرين. كل الترتيبات قد أُنجزت. الجنود سيذهبون إلى مقراتهم، أما جناحك فسيصطحبك إليه اللورد هايدل بنفسه. آه، وصل في الوقت المناسب. من الأفضل أن تنعمي بالراحة أولاً.”
وقبل أن تفتح فمها لتعترض، كان سيدريك قد أشار بخفة إلى يوهان الذي ينتظر على بُعد انتهاء حديثهما، ثم انسحب بخطى سريعة قبل أن تمسك به الأميرة.
فهو يعلم أنها لا تضمر شراً، لكن إستيل لم تكن حيواناً في قفص ليُعرضها على أحد.
فقالت الأميرة، نافخة شفتيها في امتعاض:
“أتذكر كيف كنت تتذرع بالنبوءة لصدّي؟ أترى أنك لم تعد تبالي بها؟”
“أنتِ تخطئين في الفهم. لم تكن النبوءة وحدها سبباً…”
وتلاشت كلماته شيئاً فشيئاً. فتطلعت إليه أغنيس في حيرة، إذ لم تفهم لماذا قطع حديثه. لكن سيدريك كان في اضطراب شديد، حتى إنه لم ينتبه إلى أنه تجرأ على التلعثم أمام أميرة.
لم يكن في قلبه أحد من قبل. صحيح أن النبوءة لم تكن خارج حساباته، لكنها لم تحكم روحه لدرجة أن تقوده أو تقيّد رغباته.
ومع ذلك وبشكل أشبه بالقدر، استقرت إستيل في قلبه منذ اللحظة التي ظهرت فيها، ثم سرعان ما تجذرت فيه حتى الأعماق.
كأنها هي المختارة التي كانت الساحرة العظيمة تعنيها منذ البداية.
كان يدرك أنها المرأة التي التقته في عام النبوءة. لكنه، إذ لاحظ أن ردها على الأمر كان بارداً، صرف عن نفسه الشكوك… إلى أن خطر له فجأة:
“… لحظة. لا يكون هذا تمثيلاً؟”
تجهم وهو يستعيد ملامحها الهادئة في تلك اللحظة، متسائلاً إن كانت قد أخفت الحقيقة بمهارة.
‘هل كانت تعلم شيئاً؟ بل لعلها خططت لتستغل الأمر في شيء ما؟’
كانت هذه أول ثغرة يلمحها، ثغرة لم يكشفها حذره المعتاد. وفي تلك اللحظة بدأ الشك يتقد في داخله.
***
ساد الصمت الغرفة بعد كلمات إدغار المفاجئة والتي لم تكن اعترافاً مباشراً بقدر ما كانت تفجيراً لأجواء التوتر. غير عابئ بالسكينة الثقيلة التي خيمت على المكان، ابتسم وقال بنبرة ساخرة:
“يبدو أنه كان متوتراً لأنه سمع بأن خطيبته السابقة قادمة.”
حينها فقط عاد البريق إلى عيني لوتشي التي بدت عليها الصدمة وكأن وجهها يسأل “ما الذي يقوله هذا؟” لكن إدغار واصل الحديث مبتسماً:
“عليكِ أن تلتمسي له العذر، فمجرد ذكر العلاقات القديمة يجعل المرء عصبياً. ثم إنها ليست أي امرأة، بل أميرة.”
ارتجف قلب إستيل بدهشة، وحدّثت نفسها مذهولة:
‘ما هذا الكلام؟ هذا مختلف تماماً عمّا أعرفه!’
وتمتمت في ذهول:
“… علاقة عاطفية؟”
“ألم يكن من بيت الدوق إيرنيست؟ بيتٌ مخلص للعرش وموحد مع الإمبراطور… طبيعي أن يجتمع الطرفان بخطوبة.”
“لكن… هذا غير صحيح. لقد قال هو بنفسه إنه لم يهوَ أحداً قط؟”
ارتجف صوتها:
“… ماذا؟ ما هذا؟”
تملكها شعور غريب… هل هو خيانة؟ أم خيبة من جهد ضائع في أمر لم يكن يستحق؟ لقد كانت تبذل كل وسعها لترى إن كان هناك من يناسبه، بينما هو كان سيجد طريقه إلى غيرها على أية حال!
لكن لا… لم يكن الأمر بهذا البساطة. كان شعوراً معقداً، مختلطاً.
“هاه! قال إنه عفيف، وكل ذلك كان كذباً! هاها… يا للعجب!”
رمقها إدغار بصمت، بينما لوتشي بينهما فتحت فمها مترددة، مدركة أن الجو قد انقلب إلى أمر مريب.
أما هي، فقد كانت غارقة في غضبها حتى لم تلحظ.
“وحتى الطرف الآخر هو…!”
انفجرت تنهض ضاربة الطاولة، وقد قست نبرتها:
“قد عاش حياته كما شاء، بينما كنت أنا أفتش وأسأل وأتعب في سبيله؟!”
لكن… لِمَ كذب عليّ من البداية؟
ثم توقفت فجأة، وشعرت بغرابة الموقف:
‘لحظة، أليس غضبي هذا أكثر من اللازم؟’
لكنها سرعان ما وجدت المبرر في داخلها:
‘بالطبع أغضب! لقد أخفى عني ذلك منذ لقائنا الأول، ومن الطبيعي أن أُصدم!’
ولماذا كان يخفي ماضيه أصلاً؟ إن لم يكن في الأمر شيء مريب، فما الداعي؟ إذن الذنب ذنبه!
بركلة من قدمها المنتعلة بالحذاء المنزلي، أصابت إستيل ساق الطاولة المسكينة، لتقبض بعدها على أصابع قدميها وهي تصرخ في صمت من شدة الألم.
وقبل أن يسخر منها إدغار، رفعت عينيها الدامعتين نحوه وحدّجته بنظرة مظلمة قائلة بصوت منخفض:
“سأخرج قليلاً لأستنشق الهواء.”
خطوات متتابعة… ثم أُغلق الباب بعنف.
تحقق إدغار من إغلاقه بإحكام، ثم رفع كأس الماء بهدوء.
لكن في تلك اللحظة جذبت لوتشي ذراعه بشدة، وقد ارتسمت الدهشة على ملامحها:
“ما هذا؟”
أدار الرجل رأسه نحوها، بعد أن كان ينظر إلى السقف، مرفعاً حاجبه استنكاراً.
أمّا التنينة الصغيرة التي كانت تعض أظافرها قلقاً، فارتجفت وسألت بصوت مضطرب:
“لماذا تفتعل الوقيعة؟”
“وقيعة؟”
“تحاول التفريق بين إستيل والفارس المقدس!”
ضحك إدغار وهو يهز كتفيه بلا مبالاة. لكن لمّا لمحت لوتشي تلك الابتسامة، مدّت يديها الصغيرتين وأمسكت بقبضة قميصه بقوة.
أوه، ما هذا؟ أهي تجرؤ على جذبه هكذا؟
نظر إليها الساحر من علٍ، فبدأت تهزه بعشوائية وهي تصرخ:
“ما الذي تخطط له؟ أأنت رجل سيئ؟ تريد أن تُبعد إستيل عن الفارس المقدس؟ لماذا؟ ولأجل ماذا؟”
لكن بدلاً من أن تهزه، كانت هي التي تتأرجح في قبضتها الضعيفة.
ارتبكت الطفلة حتى كادت تبكي، غير مدركة من أين تعلمت مثل هذه الأساليب الخشنة. فتنهّد الرجل بضجر، وأبعد يديها برفق، ثم أجلسها على ركبتيه، وحدّق بوجه جامد نحو الباب المغلق.
“ألا يزعجك أن يكونا ملتصقين دوماً؟”
“…….”
“قائد فرسان الهيكل لا ينفك يلاحقها… وهذا يجعل من الصعب أن أستميله إلى جانبي.”
“إلى جانبك؟” تساءلت لوتشي في نفسها، إذ حملت كلماته أكثر من معنى.
أدارت رأسها فجأة لتنظر إلى الساحر الذي كان يربّت على شعرها، محاولة من جديد قراءة قلب هذا الرجل الغامض الذي بدا أكثر عصياً على الفهم من أي إنسان التقت به.
أصوات متناقضة تموج داخله: مدائح للشيطان مقرونة برغبة في قتله، ثقة متعجرفة بالنفس تعقبها كراهية مباغتة لها… فوضى لا انسجام فيها.
ومن هذا التشويش لم تستطع أن تستخلص جواباً شافياً. لكنها لم تكن عاجزة عن استنتاج.
تأملت لوتشي ملامحه بخفة، ثم همست بهدوء:
“مع ذلك… أنا أثق بك أيها الساحر.”
تصلبت ملامحه دهشة، وكأنه لم يتوقع ذلك. فوثبت الصغيرة إلى صدره وأردفت:
“وإستيل أيضاً ستثق بك.”
فشحب وجه إدغار كما لو انكشفت نقطة ضعفه، وأطلق ضحكة فارغة قبل أن يجيب:
“بلى… ستثق. بغبائها.”
لأنها مهما ارتابت في تصرفاته، ستظل تؤمن به لمجرد أنها تحتاجه.
ساذجة… بلهاء…
ثم دوّى صوت الباب وهو يُفتح فجأة.
لقد عادت إستيل والغضب يتقد في عينيها والهواء الليلي البارد يتسلل خلفها.
تقدمت بخطوات سريعة نحوه وصرخت:
“أي هواء؟! تكلّم الآن بالتفصيل!”
كبح ضحكة كانت تتصاعد في صدره، وفكر:
نعم… وهذا الإيمان الأعمى، هو بالذات ما يجعلها محبوبة.
جلست إستيل من جديد في مواجهته، ترتجف كالسنجاب الغاضب، وتتمتم في سخط:
“هاه… لم أتخيله بهذا الشكل، ما كنتُ أظنه رجلاً دنيئاً…”
دنيء؟ الكلمة لم تناسب رجلاً بدا صارماً منذ ولادته، كأنه حتى في يوم نهاية العالم سيؤدي واجبه بصرامة ثم يموت في نظام. ومع ذلك لم يكلف نفسه عناء الرد، بل ابتسم ابتسامة خفيفة ساخرة وقال:
“كانت البداية بخطبة علنية من الأميرة. ولأن من المعروف أن يبادر الرجل بالطلب، أثارت خطوتها ضجة في الأوساط الأرستقراطية.”
“وماذا بعد؟”
“ويبدو أن بيت الدوق الصغير كان ميّالاً لقبولها.”
“ماذا؟!”
‘هذا… لا يشبه أبداً ما سمعت! ألم يقل إنه حفظ نفسه تماماً؟ وكيف يوافق على زواج من العائلة الإمبراطورية؟!’
شعرت إستيل بالحنق يتفجر في صدرها، وعيناها ترتعشان كمن خُدع. فألقى عليها نظرة متفحصة وسأل:
“لمَ هذا الوجه؟”
“ماذا بي أنا؟!”
“ألا تعلمين؟ تبدين كسنجاب تمت خيانته، غاضبة ومغتاظة.”
قهقهت بمرارة تنفي:
“لا، إطلاقاً! لماذا أغضب؟ هذا أمر يخصه! بل جيد له… لم أكن بحاجة للتدخل، كان يسير في طريقه تماماً. نعم، ممتاز~”
وظلت تثرثر بلا توقف، فيما حدّق فيها إدغار مطولاً ثم تمتم بفتور:
“هاه… في النهاية نشأت بينكما علاقة. هذا مربك. لم أكن أقصد أن تصل الأمور إلى هذا الحد حين قلت ما قلت.”
****
ترجمة : سنو
بالنسبه لقُراء المواقع.
انشر الفصول في جروب التيليجرام أول والواتباد. وممكن لو انحظر حسابي بالواتباد بعيد الشر بتلاقوني هناك ( ملاحظه، الي يدخل ويطلع رح ياخذ حظر )
بس اكتبو في سيرش التيليجرام : snowestellee
او هذا اللينك صوروه وادخلو له من عدسه قوقل: https://t.me/snowestellee
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات