“من يدري؟ كيف لرجل مثلي أن يفهم ما يدور في صدر القائد الجليل لفِرقة الفرسان المقدّسة؟”
وبينما كان إدغار غارقاً في التفكير، ارتسمت على محيّاه ابتسامة خفيفة كأنما تذكر شيئاً. أسند ذقنه إلى يده اليمنى وتمتم:
“آه، ألم يقولوا إن الأميرة الثانية ستأتي؟”
“آه، نعم.”
أجابت بلا مبالاة، لكنها ما لبثت أن تجمّدت ابتسامتها في منتصف الطريق.
“أليست هي التي أثيرت قبل أعوام ضجّة حول خطبتها لقائد الفرسان؟”
“…ماذا؟”
رفعت إستيل رأسها فجأة بوجه مذهول نحو إدغار أشبه بحيوان صغير سُلب طعامه ظلماً.
لاحظ الرجل ذلك بتمعّن ثم ابتسم بمكر:
“صحيح أنها لم تتم في النهاية.”
“…….”
“وهل الأمر غريب؟ أوساط النبلاء مليئة بهذه الارتباطات العابرة، من الطبيعي أن يحدث مثل هذا.”
رغم نبرته العابثة، إلا أن شيئاً من الاستهزاء الخفي تسلل في صوته.
فالنبلاء على كل حال اعتادوا التجمّع في دوائر مغلقة، ينبذون من يختلف عنهم.
صحيح أن هذا الدوق الشاب رافقهم في الرحلة ونشأت بينهم ألفة ما، غير أن تقييم إدغار له لم يختلف كثيراً: سمة لصيقة بكل من وُلد في طبقة عليا.
وراح يتساءل إن كانت تلك الفتاة التي ولدت نبيلة لكنها جربت قسوة الحياة مثله، قد شعرت بذلك أيضاً.
غير أنه ما إن التفت إليها حتى قطّب جبينه: ما بالها استعادت ثانية ذلك الوجه البائس كحيوان سُرق منه طعامه؟!
قبضت إستيل كفها وضحكت بمرارة، ثم أخذت تضرب الأريكة بضيق:
“مستحيل! قالوا إنه ظلّ عفيفاً…! كلّه كذب! يا للعجب…!”
“عفيف؟”
“بل والأسوأ… أنّ الطرف الآخر كان… هاهاها…!”
‘ماذا بها؟ لماذا تنفجر هكذا؟’
لم يدرك إدغار أن مشاعرها كانت تنحرف نحو اتجاه لم يقصده قط.
***
“آه، لماذا أنا…”
توقف أحد الباحثين الذي كان يهرول حاملاً أوراقه حين سمع صوتاً غاضباً يتردّد من الساحة المجاورة.
كاد يطلّ برأسه ليتحقق، لكنه هز كتفيه ومضى في طريقه.
أما في الساحة، فقد كان سيدريك يقبض على سيفه ويفلته وهو يتجول بعصبية.
لم يكن غريباً أن تذهل إستيل، فهذا الصوت المنفجر لم يسبق أن سمعته منه قط.
وبالطبع، حتى هو لم تعتد على مثل هذا.
في الأكاديمية وفي ساحات التدريب وحتى بعد أن التحق بالفِرقة وتسلّم قيادتها، مرّ بكثير من الصراعات. غير أن جميعها كانت متوقعة وتحت سيطرته.
لذا كان دوماً يختار سحق خصومه بالمنطق لا بالانفعال.
أما الآن، فلأول مرة يثور بدافع محض عاطفي. ولِمَ؟
لأن إستيل تفوّهت بما لا يمكنه إنكاره.
لم يكن هناك أي ضمان على سلامتها الكاملة في هذه المهمة.
كانوا يسيرون مستندين إلى نبوءة لشخص مات قبل عشر سنوات، لا يُعلم حتى مدى صحتها.
هو الذي خاض مهمات عديدة ونجا من شتى المخاطر، لم يعهد مثل هذا القدر من الغموض قط.
ومع ذلك، ظل واثقاً من قدرته على السيطرة. لكن ثقته انهارت سريعاً.
ففي هذه الرحلة، لم تكن إستيل ضمن المتغيرات التي يستطيع التحكم بها، بل كانت النقيض له تماماً.
تذكر كلماتها حين أقسمت أنها ستجازف بحياتها ثقةً بنبوءة أمها، فاشتدّت ملامحه ألماً.
وبينما هو يمسح وجهه المضطرب بكفيه، شعر بيد تربّت على ظهره.
“إستيل؟”
ارتسم على وجهه بغير وعي تعبير لطيف وهو يلتفت بسرعة، لكنه فوجئ—
“همم؟ لمَ هذا الوجه؟ ليس من عادتك.”
امرأة بشَعر ذهبي متوهج يتدفق بحرية، تبتسم بمرح.
كان ذلك اللون الذهبي اللامع رمزاً للأسرة الإمبراطورية، وتلك الملامح المليئة بالعبث تذكّر بوجه الإمبراطور في شبابه.
لمعت عيناه الزرقاوان بالارتباك.
‘وصولها سريع مما توقعت…’
ظن أن حشد حرسها وتحركهم سيستغرق يومين، فإذا بها تصل في ليلة واحدة؟ كيف حدث ذلك؟
ارتبك سيدريك محاولاً أن ينزل على ركبته، لكن الأميرة أغنيس أمسكت بذراعه لتمنعه وهي تضحك:
“مرت مدة! لقد ازددت وسامةً!”
“مولاتي، اسمحي لي أن أؤدي التحية الواجبة…”
“وأنا؟ ألا تراني ازدادت جمالاً؟ أعلم ذلك.”
‘ها قد جاءت.’
أخفى سيدريك امتعاضه بخبرة، ثم حرر نفسه برفق وجثا على ركبة واحدة. غير أن الأميرة جلست أمامه مباشرة، فشلّ حركته.
قالت بابتسامة واسعة:
“دعنا نتخطّى هذه الرسميات، إنها توحي بالمسافة.”
“ذلك غير ممكن. أداء التحية لمقامك واجب عليّ.”
“آه، وهل الواجب عندك مقدّس إلى هذا الحد وأنت الذي تجرأت على مخالفة قداسة البابا وتهريب أسيرة؟”
‘اللعنة.’
توقّع أن تذكر هذا أمامه مباشرة. زفر ثم أجاب:
“لقد رأيت أن ثمة ما يعلو على الأوامر الرسمية.”
“لكنك لست ممّن يعصي رؤسائه. أكان الأمر إذن ملحّاً إلى هذا الحد؟”
بدا أن الأميرة وقد بدت مفعمة بالحماس، قد سُرّت من هيئة سيدريك التي اختلفت كثيراً عمّا كانت تذكره آخر مرة، فتمتمت بوجه يغمره الترقب:
“إذن ما سمعته كان صحيحاً….”
“أيّ حديث تعنين يا مولاتي؟”
ارتسمت على ملامح أغنيس ابتسامة مسلّية أمام ارتباكه الظاهر، وعينيها تلمعان وكأنها اكتشفت خيطاً ما. ثم سألت بجرأة:
“أخبرني، هل لك علاقة بامرأة؟”
“…….”
واجه سيدريك السؤال الصريح الذي اقتحم حياته الخاصة بصمت ثقيل.
ولهذا بالذات كان متوجساً منذ أن سمع بخبر قدوم الأميرة الثانية.
فهي أكثر من ورث طبيعة الإمبراطور الحادة والمازحة في آن واحد.
صحيح أن بقية أبنائه لم يكونوا جادّين تماماً، لكن ما إن بلغوا سن الرشد حتى تعلّموا كبح أنفسهم، مدركين مكانتهم وما يُنتظر منهم.
أما أغنيس فلم تعبأ أبداً بصورة الهيبة التي يُفترض أن تتحلى بها، بل ظلّت صريحة على سجيتها.
وذلك ما جعل كثيرين يجدونها جذابة فيتوددون إليها، فيما آخرون كانوا ينزعجون من صراحتها، ومع ذلك يخفون انزعاجهم بابتسامات زائفة في حضرتها.
وهي بطبيعة الحال، لم يكن يخفى عليها ذلك النفاق.
ولم يكن عجيباً أن تحظى بمكانة خاصة، إذ ورثت ملامح جدّتها الإمبراطورة، فنشأت مدللة محبوبة. لكنها صاحبة طبع غير هيّن، ولهذا لطالما أحرجت الناس على الملأ، وهاجمتهم علناً في المحافل الرسمية إن شعرت بازدواجية في سلوكهم.
ومثل هذه الفتاة التي لا تعرف المداراة، كان طبيعياً أن تشدها شخصية الدوق الشاب الذي ظلّ منذ صغره ملتزماً بالأدب نفسه سواء أمام الناس أو من خلفهم.
“ما رأيك أن نخطب؟”
هكذا كانت قد قالت ذات مرة.
ورغم أنّ الأمر كان غريباً في أعين الآخرين، فإن سيدريك لم يكن يحمل أي عبء من تلك الحادثة الماضية. فقد مضت عليها أعوام، وكان يدرك أن طبيعة أغنيس الخالية من الأحقاد تجعلها تطوي الصفحة سريعاً.
لكن ما بدا مؤكداً هو أنّ اهتمامها به لم يخمد بعد. فقد كانت تنظر إليه بعينٍ فاحصة، كأنها عازمة على انتزاع سرّ منه.
وحين ظلّ ساكناً لا يرد، أمالت رأسها بدهشة وقالت متفحّصة:
“ما هذا؟ لا تنفي؟ إذن الأمر صحيح؟ كلام والدي كان حقاً؟”
“……وماذا قال جلالته؟”
ساوره القلق، بينما هزّت أغنيس كتفيها بلا مبالاة:
“قيل إنك واقع تحت سيطرة إبنة الساحرة العظيمة. أهذا صحيح؟”
‘أي شائعات هذه؟! وجود إستيل نفسه سرّ في غاية الكتمان، فكيف يمكن أن تنتشر في العاصمة؟ لا بد أنّ جلالته هو من قال ذلك للأميرة، لكن… لماذا؟!’
لم يكن جديداً أن يجد نفسه محور أقاويل، لكنه لم يخفِ ارتباكه هذه المرة. وقد التقطت الأميرة ذلك بمتعة متزايدة.
‘هاه! انظروا إلى ردّ فعله!’
كانت تظن في البداية أنّ والدها، الذي لا يكفّ عن الاهتمام بقصص الشباب العاطفية، إنما قالها مزاحاً. لكنها الآن، وقد رأت ردة فعل سيدريك، أدركت أن وراء الكلام شيئاً.
عندما سمعت الشائعة أول مرة سخرت منها.
‘هو؟ يقع في غرام أحدهم؟ لا، مستحيل! أعرفه منذ طفولته، وليس من طبيعته أن يضطرب بسبب مشاعر.’
لكن إن كان حقاً “أسيراً” لعلاقة كهذه… عندها لا بدّ أن ترى بعينيها تلك المرأة!
*****
ترجمة : سنو
بالنسبه لقُراء المواقع.
انشر الفصول في جروب التيليجرام أول والواتباد. وممكن لو انحظر حسابي بالواتباد بعيد الشر بتلاقوني هناك ( ملاحظه، الي يدخل ويطلع رح ياخذ حظر )
بس اكتبو في سيرش التيليجرام : snowestellee
او هذا اللينك صوروه وادخلو له من عدسه قوقل: https://t.me/snowestellee
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات