وخلال تلك اللحظات القصيرة استعادت إستيل رباطة جأشها على نحو مباغت.
في البداية ارتبكت من اقتراحه، لكن إن فكّرت قليلًا فالأمر لم يكن غريبًا إلى هذا الحد.
فمن قبل في البحر الداخلي كانت تستأجر غرفًا من السكان، وفي طريقها إلى هنا أقامت في قصر سيدريك الريفي، ولم تكن مضطرة لأن تشاركه المبيت. غير أنها في الحقيقة كانت تقضي معظم يومها ملازمة له.
وفوق ذلك، كان هناك ما يشغل بالها.
‘هل أستطيع النوم وحدي الليلة…؟’
لم تُبدِ قلقها كي لا تثير همّه، لكنها كانت مقتنعة في داخلها بأنها لن تنام هذه الليلة.
فما زال الإحساس حاضراً: ذلك الغريب الذي صوّب سكينه إلى عنقها، واللحظة التي شُقّت فيها بشرتها.
رفعت إستيل رأسها، جسدها لا يزال ينتفض مرتجفًا ووجهها شاحب اللون، وحدّقت في سيدريك الذي ظل صامتًا أمام كلام إدغار وكأنما يبحث عن ردّ مناسب. وما إن رأت ملامحه الهادئة حتى غيّرت موقفها بسرعة.
‘قد يكون الأمر لا بأس به؟’
في البداية فزعت من غرابة الاقتراح، لكن مع التفكير لم تجد أنه يستحق كل ذلك.
فهو في طبعه صريح وهادئ، وتعامله معها يشبه تعامل الأخ مع أخته؛ لذا حتى لو تذمّرت خوفًا فلن يُؤاخذها، وربما بدا الأمر مريحًا أكثر مما ظنّت.
لذلك انتظرت أن يردّ سيدريك سريعًا على هذه السخافة التي تلفظ بها الرجل الآخر. لكن الصمت استمر، وفي النهاية لم تطق احتماله وفتحت فمها من جديد.
“…سيدريك؟”
“……”
“لماذا لا تقول شيئًا؟”
لكن، لم يخرج منه أي كلام.
لم يكن شخصًا يُضرب حتى يبدو على وجهه أثر الضربة، ومع ذلك بدا حقًا كمن تلقّى صفعة، الأمر الذي حيّر إستيل.
‘ألعلّ هذا الرجل المحافظ قد صُعق لمجرد مزحة تتعلق بالفصل بين الرجال والنساء حتى كاد أن يُغشى عليه؟!’
اقتربت منه قليلًا لتتأكد، فوجدته واقفًا متماسكًا بكامل وعيه.
“……”
غير أنه ظلّ صامتًا، مكتفيًا بالتحديق الحاد في إدغار.
فبادرت هي بالكلام.
“آه حقًا، ما الذي تقوله؟ هل هوايتك أن تُلصق الرجال بالنساء كلما سنحت لك الفرصة؟ أي هذيان هذا…؟”
ابتسم إدغار باستهزاء وقال وهو يشير إلى الاثنين بالتناوب:
“أأنتِ غبية؟ أليس الأمر مريبًا؟ رجل في كامل شبابه يطلب من فتاة في مثل عمره أن تأتي إلى غرفته، ولا يخطر ببالك شيء؟”
“لكني كنت سأموت اليوم تقريبًا! ثم إن سيدريك لا يفعل مثل هذه الأمور. أتظن أنه من ذلك الصنف؟”
“تلميذة ربيتها بلا جدوى. حتى لو أنقذتها من بين أنياب الذئاب، فلا تعرف للامتنان سبيلًا.”
ثم نقر بإصبعه على خدها، فصرخت “آه!” وتراجعت عنه بسرعة.
راقبها مليًّا بعينين تفكّران ثم تمتم:
“بهذا القدر من السذاجة، أيّ عالمٍ ستنقذين؟”
فجاء صوت سيدريك متأخرًا، حادًا:
“…وجودي لحمايتها أكثر فاعلية من أي حارس. هذا لا يخفى عليك.”
كان رده بطيئًا على غير عادته، كمن استعاد وعيه بعد صدمة.
أمّا إدغار فأطلق همهمة متصنّعًا التفكير ثم ابتسم ابتسامة عريضة وقال بلهجة ساخرة:
“يا رجل، إنها مجرد دعابة، فلماذا تبرّر بجدية هكذا؟ أهناك ما يحرجك؟”
“لا… أظن. حتى من غير إحراج، سيدريك كان دومًا جادًا.”
ردّت إستيل بنبرة جادة، فضحك إدغار وهزّ رأسه ثم ألقى بصره نحو الفراغ بعينين متيقظتين أكثر من اللازم.
تملكتها الحيرة ‘هل يرى حشرة ما؟’ لكن سرعان ما انقلب جادًا وقال:
“ضعي دائرة سحرية.”
“ماذا؟”
“في غرفتك الجديدة. ضعي دائرة لاكتشاف المتسللين، وربما أيضًا حاجزًا واقيًا. آه، هناك دائرة للحماية كنتُ قد بحثتُها سابقًا، يمكنني أن أطبّقها الآن…”
راح يتمتم بسرعة وهو يتجه بخطوات طويلة إلى زاوية الغرفة وبدأ يجمع أمتعته.
سألته إستيل بارتباك:
“ألم تكن تعارض مسألة تغيير الغرفة؟”
“بالعكس، ما دامت الغرفة قد كُشف موقعها، فعدم الانتقال سيكون تصرفًا غبيًا.”
“إذن لماذا تثير الشجار؟”
أجابها وهو يلوى شفتيه وكأن السؤال غريب:
“مجرد رغبة؟ أردت أن أجادل هذا الرجل مرة واحدة.”
“اختيارك لا يجلب إلا تضييع الوقت.”
“لكن، ما زلت أرى أن اقتراحه وقاحة.”
تقطّبت ملامح سيدريك لرؤية ابتسامته المتعمّدة.
وبينما كان قد أنهى توضيب حقائبه سريعًا حتى ملابسه الخارجية، التفت مبتسمًا إلى إستيل قائلاً:
“لهذا السبب أنا أيضًا سأبدّل غرفتي.”
“…ألستَ تقول إنه اقتراح وقح؟”
“أنا مختلف. سأنتقل فقط لأراقب هذا الوقح. هيا، فلنذهب.”
ودفعها من ظهرها، فاستسلمت بخفة وأومأت مقتنعة ‘شخصان يحمياني أفضل من واحد!’ فابتسمت بارتياح وقالت:
“إذن سأطلب غرفة أكبر!”
“حسنًا، افعلي.”
ابتسم إدغار ابتسامة مشرقة متعمدة وهو يخرج وراءها، فقط ليستفز الرجل الذي خلفها المتشح بهالة سوداء من الغيظ. ثم رمقه قائلاً:
“هل أنصب أيضًا دائرة ضد المتحرشين؟”
“اصمت.”
“هاهاها!”
وانفجر إدغار ضاحكًا عاليًا وهو يغادر، مسرورًا بانفجار غضب سيدريك.
***
وهكذا كانت بداية التعايش الغريب.
بعد أن استمع يوهان إلى سيدريك وهو يشرح له عن نسب إستيل، رتّب الأمور سريعًا كي لا يُطرح مزيد من الأسئلة.
كان يبدو فضوليًا بشأن سبب مرافقة رجل مثل سيدريك لابنة الساحرة العظيمة، غير أنه لما حاد الحديث قليلًا، أدرك أن الأمر من الأسرار التي لا ينبغي أن يعلمها، فكفّ عن السؤال.
غير أن مشكلة صغيرة ظهرت:
“طلبتم الغرفة الأكبر؟ لكنها قد خُصصت بالفعل.”
“لمن خُصصت؟ يمكننا أن نطلب الإذن ونستخدمها لفترة قصيرة فقط…”
“بالطبع خُصصت لصاحب السمو الدوق الصغير.”
وهكذا انتهى الانتقال الكبير ببساطة شديدة:
انضمت إستيل حاملة لوتشي ومعها إدغار، إلى الغرفة التي كان سيدريك يستخدمها.
ولأجل فصل المساحة مؤقتًا، عُلّقت ستارة حول سرير إستيل. وكان ذلك من خططه، فلم يكن به بأس.
غير أن المشكلة كانت في ذلك الشخص المتمدد بهدوء نائمًا في سريره بعد أن بسط أمتعته بمهارة بعيدًا عن فراش سيدريك.
“……هاه.”
أدار سيدريك رأسه بضيق وجلس على المقعد الوثير.
لقد كان زفرة سخط على نفسه، لأنه لم يستطع أن ينفي فورًا مزحة إدغار ذات المغزى حين وصفه بالوقاحة.
قبل أن يسمعها كان يظن أن اقتراحه منطقي بحت.
لكن ما إن وجّه له تلك الملاحظة حتى ارتبك وتجمّد، ثم في سابقة لم يعهدها في نفسه بدأ يشك في نواياه.
‘أيمكن أن يكون في الأمر شائبة؟’
وكان هذا الشك بحد ذاته دليلًا.
دليلًا على أنه لم يحكم بعقلانية تامة.
تمتم وهو يزفر:
بصيرته حادّة جدًا.”
ثم حدّق في الرجل الذي غدا شريكًا له في الغرفة رغمًا عنه، وألقى نظرة طويلة إلى الخارج.
لقد استنزفهم اضطراب الليل، وبدأ الفجر يتسلل.
‘ربما أرتاح قليلًا، ثم أخرج لأتحقق إن كان بيننا من سرّب المعلومات…’
وما إن أوشك على إغماض عينيه حتى جاءه صوت خافت رفيع.
“أأنتَ نائم؟”
انفتحت عيناه على الفور.
لم يكن الصوت عاليًا بل أقرب إلى الهمس، ومع ذلك استجاب جسده حالًا، وهو أمر غريب.
تذكر أنه قبل قليل حين نادته إستيل باسمِه حدث الأمر نفسه؛ حتى وهو غارق في النوم الوثيق، انتفض واندفع خارج الغرفة.
ظل صامتًا لحظة، يطرق بمسبّحته على ذراع المقعد كمن يفكر.
ثم حدّق في الظل الملقى خلف الستارة وسأل:
“ما رأيك بقصتي حين لم أكن أستطيع النوم وحيدًا في صغري؟”
في الداخل، تلألأت عيناها لكن الستارة أخفت ذلك عن ناظريه، فلم يسمع إلا صوتها وقد بدا مهتمًا:
“أنت يا سيدريك؟ هذا غير متوقع! كنت أظنك وُلدت لتقول ‘أبي، أمي، أشكركما على إنجابي، عسى أن تطول أعماركما’!”
“ماذا تظنينني بالضبط؟”
ضحك خافتًا وحكّ جبهته حرجًا.
أجل، لقد كان طفلًا غريب الطبع نذر نفسه في صغره لعروس مجهولة لن يتخلى عن عفته لأجلها، لكنه كان أيضًا طفلًا كثير الخوف.
شردت عيناه الزرقاوان إلى أعلى اليمين يسترجع ذكرى بعيدة.
“حين عاد أبي من إحدى المعارك، صُدمت كثيرًا. لم أره يومًا بتلك الحال، جراحه كانت بالغة.”
‘لحظة، إن كان حتى الدوق قد عانى أمام خصم كهذا…؟’
لبثت إستيل صامتة بضع ثوان، ثم سألت بتوجس:
“هل يمكن إن والدي هو الخصم…؟”
فغصّ وعضّ على شفتيه قبل أن يجيب بصوت متهدّج حزين:
“…أجل، يبدو أنه كذلك.”
“آه، إذًا أبي حقًا لا يُستهان به… على أية حال، نعم.”
“أعتذر، لم أقصد أن أثير هذه المسألة…”
‘كأنني أمشي في حقل ألغام.’
تنهد سيدريك ثم تابع:
“المهم، حاول والدَيّ أن يُخفيا عني الحقيقة بحجة أنها قصص قاسية لا تليق بأذني طفل. لكن لا سبيل لكتم كل الألسن في البيت. كنت أختبئ في الممرات لأسمع ما يتناقله الخدم.”
ومن الطبيعي أن يتساءل طفل، كان يظن أباه الأقوى في الدنيا، عمّن استطاع أن يجرحه.
استعاد سيدريك أجواء ذلك القصر الكئيبة، فأظلم وجهه وقال:
“كانوا يتحدثون عن فظائع الشياطين. عن أنهار تحولت دمًا قانٍ، وجثث متراكمة كالجبال.”
****
بالنسبه لقُراء المواقع.
انشر الفصول في جروب التيليجرام أول والواتباد. وممكن لو انحظر حسابي بالواتباد بعيد الشر بتلاقوني هناك ( ملاحظه، الي يدخل ويطلع رح ياخذ حظر )
بس اكتبو في سيرش التيليجرام : snowestellee
او هذا اللينك صوروه وادخلو له من عدسه قوقل: https://t.me/snowestellee
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات