تحملت عواقب افعال والدتي المتجسدة [ 87 ]
السحر الذي استحضرتْه على عجل بدا ركيكًا من نواحٍ كثيرة.
إذ انطفأت النار التي أشعلتها بلمسةٍ واحدة من يد الرجل. وما إن تقدّم بخطواته الواسعة حتى تقلّصت المسافة بينهما في طرفة عين.
فشدّت إستيل أسنانها واندفعت إلى الأمام صارخة:
“سيدريك! أخرج بسرعة! أشعر أنّني سأموت حقًا! آآآه!”
ومع أنها صرخت بذلك، فإنها لم تُعلّق آمالًا كبيرة.
فالغرفة الواقعة في آخر الممر هي غرفة ذلك الرجل، بل إن المكان كلّه تابع لمرافقي الدوق الصغير، حيث الدفء والعزل الصوتي متقن تمامًا.
أي أن صراخها هذا، حتى لو دوّى في أرجاء الممر، فلن يبلغ أبدًا أذني الرجل القابع في أقصاه…
دووم!
هكذا ظنّت، لكن…؟
باب الغرفة في آخر الممر انخلع وطار بعيدًا حتى ارتطم بالجدار.
فتوقفت إستل مذهولة من هول المشهد، وفي الظلام لمحَت وميضًا أزرق يسطع.
“… نار؟”
ولم تكن وحدها من ارتبك؛ حتى مطاردها تجمّد في مكانه مذهولًا وهو يحدّق في ذلك الضوء الأزرق.
لحظة… عند التمعّن، لم يكن نارًا.
فتمتمت إستل بذهنٍ شارد وقد فغرت فاها:
“م-مستحيل…”
الذي ظنّتْه ألسنة لهب زرقاء لم يكن سوى اثنين… أجل، كانا عينَي الرجل نفسهما.
عينَا سيدريك كانتا تشعّان وسط العتمة بضوء خارق للعادة.
وفي تلك اللحظة خطرت لإستيل فكرة واحدة:
‘الحمد لله أنه في صفّي…’
لقد كان مشهدًا مرعبًا بحق.
لولا ذلك لأوشكت أن تتراجع فزعًا وتصطدم بمطاردها، وربما سقطا معًا من شدّة الرعب.
وبينما كانت تحدّق مذهولة في هيئة الرجل غير الواقعية، إذ بها ترمش بجفنيها، وإذا بصوت فرقعة يتبعه هبوب ريح دافئة مألوفة تحتضنها في لحظة.
“… هاه؟”
“هل أنتِ بخير؟”
سألها بصوتٍ نصف ناعس كمن استيقظ للتو.
فتلفّتت مذعورة وهي تدرك أن المسافة بينهما تقلّصت فجأة.
“ماذا؟ قبل لحظة فقط كان هناك…”
‘هل هي حركة انتقال آني؟ ما الذي يحدث؟’
بقيت تائهة لا تستوعب ما جرى، فيما تجلّت على وجه سيدريك ملامح قسوة قاتمة، إذ رأى اليد الكبيرة التي قبضت على عنقها النازف.
عندها فقط تنبّهت إستيل وقطّبت وجهها.
“آه… صحيح… لقد جُرحت.”
على ما يبدو، كان توتّرها بالغًا إلى حد أنها لم تلحظ ألمها. وما إن ارتفعت حدّة الوجع حتى بدأت الدماء تسيل من بين أصابعها التي تضغط على جرحها.
لمحت انقباض ملامح الرجل، فارتجفت.
‘يا إلهي، ما أرهبه من وجه… يكاد يقتل بمجرد نظرته.’
وبنبرة جافة عاتبها:
“كيف لم تنتبهي لإصابتك؟”
“لم أكن في وعي يسمح لي بذلك… لكن، كيف وصلت بهذه السرعة—”
“انتظري.”
“انتظر ماذا؟”
التفتت بحيرة، فإذا بها تتجمّد تحت وطأة هالة قاتلة انبعثت منه.
وقبل أن تستوعب، جذبها خلفه بقوّة وهو يشهر سيفه لينقض على خصمها.
السيف المشتعل بالقوة المقدّسة اندفع بسرعة رهيبة نحو المتسلّل.
وبينما كانت إستيل تحدّق مندهشة حتى أنها نسيت أمر لوتشي بين ذراعيها، انتهت المعركة بلحظة.
ارتطم الجسد الضخم، الذي بدا قبل قليل خطرًا ماحقًا، بالأرض في سقوطٍ مدوٍّ.
“من أين أتيتَ؟”
المتسلّل الذي انكسر سلاحه تحت وطأة القوة المقدّسة كان يلهث مطروحًا أرضًا.
ضغط سيدريك سيفه على عنقه بقسوة حتى سال الدم، كأنه يريد قطع أنفاسه، بينما ذلك المتسلسل يتلوّى يائسًا ليفلت.
“لا تُهدر قواك، فلن تجني سوى التعب.”
سخر سيدريك ببرود، ثم انحنى وسأله بعينين ما زالتا تتلألآن بالقوة المقدّسة:
“هل أنت من عَبَدة الشيطان؟ كيف عرفت طريقك إلى هنا؟”
فتغيّر وجه المتسلّل إلى شحوبٍ قاتل.
عندها شتم سيدريك وهو يركل جانبه بعنف ويجبره على فتح فمه. ارتاعت إستيل واقتربت بخطوات متردّدة.
“ما الأمر؟”
“اللعنة.”
زمجر سيدريك وعضّ على أسنانه.
سال الدم من فم الرجل.
ارتجفت إستيل وقد فهمت ما يحدث.
‘إنه تمامًا ما فعله أولئك العَبَدة حين انتحروا أمامنا…!’
وفجأة، شعرت بشيء يهبط على عينيها.
أدركت أنه كف سيدريك، فأطلقت صرخة:
“آآه! ماذا تفعل!”
“التفتي قليلًا.”
فتراجعت مرتبكة وأدارت ظهرها.
دوّى صوت سحبٍ ثقيل، ثم انبعث صوته الهادئ:
“يمكنك النظر الآن.”
“ماذا كان ذلك؟”
تساءلت وهي تستدير، فإذا بالمشهد يُفقدها الكلمات.
وبصوت متردّد سألت:
“أليس… أليس في هذا إهانة لكرامة الموتى؟ أعلم أنه كان شريرًا، لكن…”
كان الجسد ممدّدًا عند النافذة بعد أن جُرّ هناك بعشوائية.
بدا واضحًا أنّ سيدريك لم يُلقِ بالًا لكرامة الميت بقدر ما أراد إبعاد المنظر عن عينيها.
فقد أسدل الستار على وجه الرجل حتى لا تراه، ثم حكّ خدّه بحرج.
“ظننت أنك ستفزعين كما في السابق.”
“آه…”
تملّكها شعور غريب، مزيج من ثقل الموقف وسخافته. فمهما كان الأمر مأساويًا، لم تستطع كتم ابتسامة خفيفة وهي تجيبه.
“بعد كل تلك التجارب الغريبة التي مررت بها… يبدو أنّ ما جرى الآن لا يؤثّر فيّ كثيرًا.”
“أحقًا جرحك بخير؟”
آه، صحيح’
حين خفضت بصرها، رأت ثوب نومها غارقًا بالدماء.
ولشدّة ارتباكها لم تكن تشعر بالألم أصلًا.
ابتسمت عمدًا لتثبت أنها بخير، وقالت إستيل:
“نعم! أنا بخير!”
“… الأفضل أن تتأكدي من حالك قبل أن تقولي ذلك.”
لكنها فشلت في إثبات كلامها؛ فالدم كان يتدفّق من عنقها بلا توقف.
فأقبل سيدريك بخطوات سريعة ووضع يده على جرحها ليضغطه محاولًا إيقاف النزيف، ثم سألها:
“يجب أن نذهب إلى الطبيب.”
“آه، تمهّل!”
‘لوتشي… ماذا عنها؟’
خطر ببالها فجأة، فخفضت بصرها إلى صدرها، لتتفاجأ بما رأت.
قبل قليل كانت تتألّم وهي تتنفّس بوجهٍ هادئ، والآن…
“… نائمة؟ بعد كل ما حدث؟”
لم يكن إغماءً، بل نوم عميق وهادئ.
قلّبت إستيل نظرها على لوتشي لتتأكد، ثم بدأت تتمتم بارتباك:
“هي كانت تتألم… أعني، أنا الآن مصابة فعلًا، لكن هي كانت أول من تألّم—”
“كانت نتألم؟”
“نعم، استيقظت فجأة وقالت إن ساقها تؤلمها، حتى أنني سمعت صوتًا غريبًا في العظم! لكن… الآن…”
مالت برأسها في حيرة وهي تحدّق بالصغيرة النائمة.
لقد بدت قبل قليل وكأنها تحتضر.
رفعت بصرها إلى سيدريك بوجه متظلّم وقالت محاولة التبرير:
“أنا لا أكذب، حقًا، صدّقني!”
“ما هذا؟”
“ما هذا تعني… هاه؟ ما هذا؟!”
فجأة، رأيا ضوءًا أزرق يتدفّق وتمتصّه لوتشي من أنفها وفمها.
اتّسعت عينا الاثنين وهما يحدّقان في المنظر الغريب.
“ماذا يحدث؟ ما الذي يجري؟”
مدّ سيدريك إصبعه ولمس إحدى الشرارات الزرقاء فتمتم:
“إنها قوة مقدّسة.”
“قوة مقدّسة؟!”
“يبدو أنّها تمتصّ القوة المقدّسة المتناثرة أثناء المعركة.”
ارتبكت أفكار إستيل.
متى هدأت لوتشي بعد أن كان يتألم؟
نعم، منذ بدأ القتال تقريبًا.
حملقت في الصغيرة بنظرة غامضة وهمست:
“إذن… تعافت بسبب القوة المقدّسة؟”
ولكن لماذا؟
تبادل الاثنان نظرات الحيرة.
وفي تلك الأثناء، بدأ يُسمع وقع أقدام الحرس يقترب متأخرًا. عندها فقط خفق قلب إستيل بقوّة.
‘لو أنّ سمع هذا الرجل كان أقل حدة قليلًا، لكان الحرس وجدني جثّة الآن. أنا مَدينة له بحياتي.’
وبينما كان سيدريك يستعد لشرح الموقف للحرس، أمسكت إستيل بطرف ردائه بخجل وقالت:
“شكرًا لك.”
“على ماذا؟”
“لأنك خرجت في الوقت المناسب. لو تأخرت قليلًا فقط…”
أمال رأسه قليلًا كأنه يفكّر في كلامها، ثم أطلق تنهيدة خافتة وقال:
“آه… لم يكن مقصودًا.”
“ماذا تعني؟”
“لا شيء.”
في الحقيقة، لم يكن يحتاج إلى استخدام القوة المقدّسة لمواجهة خصم كهذا. لكنه استعملها بهذه القوّة فقط… لأنه كان لا يزال نصف نائم.
حتى هو نفسه استغرب كيف اندفع جسده من تلقاء نفسه نحوها عند سماع صوتها، وكيف التقط سيفه بشكل آلي. كأن جسده يتحرك بذاكرة خاصة.
‘لقد وصلتُ إلى حدٍّ عجيب حقًا…’
تنفّس في سرّه ثم قال:
“على كل حال، لا بد أن نُقدّم تقريرًا. هل تسمحين أن أذكر قصّتك ليوهان؟ فبعد هذا الخرق الأمني يجب أن يعرف المسؤول العام ما جرى.”
“هل يمكن أن نتجاوز موضوع الخراب؟ أو نلويه قليلًا…”
“هذا ما أنوي فعله.”
‘عجيب! هذه المرة نتفق؟’
اتّسعت عينا إستيل بدهشة وقالت بإعجاب:
“يا للعجب! أخيرًا نفهم بعضنا! لم يسبق أن كان الأمر هكذا.”
“حان الوقت أن يبدأ التفاهم بيننا.”
“صحيح.”
رفع يده عن عنقها وهو يزفر، ثم مسّد رأسها بخفة وقال بوجه عابس:
“ولِمَ تضحكين؟ الموقف ليس مضحكًا.”
“الضحك يجلب الحظ، أليس كذلك؟”
“فلنذهب إلى الطبيب. ويجب أن نتحدث أيضًا عن لوتشي…”
“آه، صحيح. فكرت في شيء.”
وبينما كان يتلقّف جسد لوتشي النائمة من ذراعيها تلقائيًا، رمقها بنظرة متسائلة. فأجابت وقد حسمت أمرها:
“علينا أن نرتّب الأمر بيننا أولًا.”
وهكذا، وجد إدغار نفسه يحدّق مذهولًا بالفتاة التي فتحت باب غرفته عنوة وهي تدخل.
ثم وقعت عيناه على سيدريك الواقف خلفها كظلٍّ أسود مخيف.
تمتم مرتبكًا:
“أنتم… عصابة لصوص أم ماذا؟ لماذا دومًا تقتحمون الأبواب؟”
قالت إستيل بخفّة:
“كنت سأوقظك بطريقة عادية، لكن هذه المرة أردت أن أجرّب شيئًا مسلّيًا.”
“جنون…”
ركل إدغار الغطاء بعصبية وتمتم بكلمات بالكاد تُسمع:
“لو كنتِ ستأتين، فجئي وحدك. لماذا تجلبين هذا الكابوس معك…”
“ماذا قلت؟”
“لا شيء. ما الأمر إذن؟”
نزعت إستيل نظرها عن شعره الوردي المنفوش كعشّ العصافير، وقدّمت له لوتشي النائمة.
“وما المطلوب مني بالضبط؟”
نظر إليها إدغار بفتور، لكنه سرعان ما حملها على مضض. عندها ألقى سيدريك كلماته الثقيلة:
“كان هناك هجوم استهدف إستيل. الآن.”
*****
بالنسبه لقُراء المواقع.
انشر الفصول في جروب التيليجرام أول والواتباد. وممكن لو انحظر حسابي بالواتباد بعيد الشر بتلاقوني هناك ( ملاحظه، الي يدخل ويطلع رح ياخذ حظر )
بس اكتبو في سيرش التيليجرام : snowestellee
او هذا اللينك صوروه وادخلو له من عدسه قوقل: https://t.me/snowestellee
التعليقات