“لا يستطيع إنسانٌ داخل مجرى التيار أن يغير التيار نفسه.”
تدحرجت البيضة مرة أخرى حتى بلغت قدميها.
لكن إيلين أزاحتها بتوتر، رافضةً إلحاح التنين الذي ظل يدفعها نحوها بذيله، ثم سألت:
“ولِمَ تعطيني هذه البيضة إذن؟”
“إنها هدية لكِ، ما دمتِ تسعين لتغيير القدر. فلتغيير القدر، لا بد من وجود كائنٍ خارج نطاقه.”
انحنت ببطء، ومسحت سطح البيضة اللامع براحتيها، ثم تمعّنت في كلمات التنين.
واتقدت عيناها فجأة وسألت بصوت مرتجف بالريبة:
“كائن خارج نطاق القدر؟”
“هذه البيضة ليست عادية. كما قلت، قد أُبيد جنسي، ولم يعد لي رفيقة.”
“إذن، كيف…………؟”
“نسجتها بفتات حياتي.”
إنها نسل جديد لم يُخلق بالطريقة المعتادة… ومن غير وعي، التقطت إيلين البيضة، لكن ما إن فعلت حتى دوّى صوت رعد عظيم فتصلّبت في مكانها.
أجنحة التنين المثقوبة تناثرت رمادًا كما لو كانت تتبخر.
كان وجهه وهو يتلاشى هادئًا على نحو لا يليق بمن يلقى حتفه.
لم تستطع حتى أن تحدد ما الذي ينبغي أن تسأله، حين تردّد صوت التنين في أذنها:
“تذكّري، أيتها الساحرة العظيمة.”
“انتظر، امنحني قليلًا من الوقت فقط….”
“إن منعتِ الرجل من أن يصبح ملكًا للشياطين لا يعني أن المأساة لن تقع.”
لقد بُجّلت إيلين يومًا كممثلة للحاكم، لكن في الحقيقة، لم تكن تعرف مستقبلها هي.
عرفت فقط المستقبل الذي أرادت تغييره.
وتصلبت في مكانها أمام نبوءة كائنٍ متعالٍ عن مصيرها. ثم لم يترك التنين خلفه سوى هيكلٍ عظمي، وهو يتمتم بوصيته الأخيرة:
“حتى وإن اجتهدتِ في معاكسة مجرى التيار، فلن تتمكني من إنقاذ ذلك الرجل. لأنه ذلك هو حدّكِ.”
كانت أشبه بلعنة منها بوصية.
سرعان ما تناثر لحم التنين وقشوره في صورة رماد.
وظلّت إيلين وحيدة وسط العظام الضخمة والظلمة، تحدّق في البيضة التي بين يديها.
احمرّت عيناها الذهبيتان بوميض الغضب، وتطايرت شرارات صغيرة من البرق في الهواء.
عضّت على شفتها وأفلتتها هامسة:
“………كلا.”
وبلمح البرق، اختفت مع الضوء، حاملة معها البيضة، ميراث التنين وآخر نسله.
فتحت إستيل عينيها نصف مغمضتين، وتأكدت من أن القمر ما زال يضيء خارج النافذة، ثم جلست ببطء. وبجانبها كانت الفتاة لا تزال غافية في أحضانها، وقد ظهر على بشرتها الرقيقة بريق من حراشف زرقاء خافتة، وكأنها تجد صعوبة في الحفاظ على التحول أثناء النوم.
مرّرت إستيل أصابعها بلطف فوقها وأزاحت شعرها عن وجهها.
“………ليس غريبًا، فقد كانت تلحّ عليّ بالبقاء هنا.”
في موقع التنقيب، ظلّت لوتشي تتذمّر راغبةً في الدخول مجددًا. وبالرغم من أنهما من ذات السلالة، لم يكن ممكنًا أن تُترك طفلة بجوار ضريح، فاضطرت إلى اصطحابها. لكن بعدما عرفت خلفية الأمر، ساورها شيء من الندم.
بالتفكير في هيئة التنين البالغ، والوقت الذي سلّمت فيه إيلين البيضة، خلصت إلى أن تلك البيضة لا بد أنها كانت لوتشي.
أما التنين البالغ الذي التقت به إيلين، فلا شك أنه كان أمها.
ربما كان عليها أن تتيح لهما وقتًا أطول معًا… ومع ذلك، على الأقل…
“أوووه، لحم….”
كان يبدو أن نومها كان هانئًا على طريقتها، وهذا يكفي.
طردت إستيل خواطرها العشوائية ونهضت.
رأسها كان مزدحمًا، ولا بد أن ترتبه قليلًا…
جلست إلى مكتبها، وهو ما زال غريبًا عليها إذ لم تتلقّ تربية نظامية.
قبضت على القلم وبدأت تضع نقاطًا صغيرة على الصفحة الفارغة.
“لأبدأ… بتلخيص ما رأيته في الحلم.”
كتبت بإيجاز ما دار بين التنين وإيلين، ثم مضغت ريشة القلم بتفكير. والعبارة التي لم تبرح ذهنها كانت:
“لا تتغيّر سوى الحوادث الصغيرة، أما القدر نفسه فلا يتبدّل.”
لقد كان هدف حياة إيلين هو تغيير القدر.
وكلمات إله قديم كان البشر يعبدونه قبل الشياطين لم تكن أقل من حكم بالإعدام عليها.
ومع ذلك، في النهاية، ضحّت بحياتها محاولةً مرة أخرى أن تغيّر القدر.
لماذا؟ أكان بدافع أملٍ زائف؟
‘لا، لم تكن أمي ممن يتشبّثون بالأوهام.’
إيلين إيفرغرين لم تكن إنسانة عاطفية.
لقد رأت صورتها في الحلم هكذا، وشهادات من حولها كانت كذلك أيضًا. عندها تذكرت إستيل صوت التنين المتهالك:
“لتغيير القدر، لا بد من كائن خارج نطاقه.”
وبشيء من التردّد، كتبت إستيل على الصفحة البيضاء:
[—لوتشي… كائن خارج نطاق القدر؟]
لقد ضحّى التنين بجزء من حياته ليخلق بمفرده بيضة، حتى يوجد كائنًا لا يخضع للقدر.
حرّكت إستيل أصابعها تفكيرًا وهي تستحضر صورة لوتشي في ذهنها.
تبدو بخير، تتحرك بنشاط، وتستطيع التحوّل، بل وتنفث النار أيضًا… لا يظهر عليها أي خلل.
عضّت على ريشة القلم بين شفتيها ورفعت نظرها إلى السقف.
‘فلنفكر بالعكس، إن كانت لوتشي كائنًا خارج نطاق القدر، فماذا كان الأصل في القدر؟’
[— أكان من المفترض أن ينقرض جنس التنانين تمامًا بوفاة أم لوتشي؟]
ذلك منطقي.
وإذا ضمّت إلى ذلك كلمات إيلين، ازداد الأمر وضوحًا.
“التنانين خسروا مكانتهم أمام الشياطين.”
“لا، لا، ألم يكن ميكاييل معكِ…؟”
لكن بحسب ما قرأته في الرواية، فإن ميكاييل الذي قتل ملك الشياطين لم يقاتل وحيدًا، بل استعان بالقوة نفسها التي واجهتها هي: ذلك التنين.
أي أن آخر تنينٍ في القدر الأصلي لم يكن سوى جيلٍ سابق للوتشي. وبلمح البصر، توضحت الصورة في عقلها.
إذن لوتشي لم تكن موجودة في النسخة الأصلية من الرواية، وهي بالتالي كائن خارج نطاق القدر.
عندها انبثق سؤال جديد في ذهنها:
‘إن كنتُ أنا الساعية لتغيير القدر تنفيذًا لوصية أمي فماذا أكون أنا إذن؟’
“هــم…”
لكن صوت أنينٍ مفاجئ قطع تفكيرها.
اتسعت عيناها والتفتت بسرعة.
هناك فوق السرير كانت الفتاة ذات الشعر الأزرق تتلوّى تحت الغطاء، تتنفس بصعوبة وتدفع الأغطية بعيدًا.
نهضت إستيل من المكتب وجلست عند طرف السرير، وأعادت تغطيتها، فاندفعت لوتشي نحوها وكأنها تلتمس حضن أم.
فتحت عينيها نصف فتحة وغمغمت:
“هذا مؤلم…”
“ماذا؟ أين يؤلمكِ؟”
“ساقي… وذراعي…”
كانت ساقاها ترتجفان بشدة وكأن وخزًا يقطع أوصالها.
أخذت إستيل تدلك ربلة ساقها بخفة، وهي تميل رأسها بتعجّب.
‘غريب… عادةً إذا نامت هذه الطفلة لا تستيقظ بسهولة، فما الذي جعلها تنهض من الألم الآن؟’
وفجأة لمعت في ذهنها فكرة، فتجمّدت.
تمتمت بصوت مشكوك:
“…آلام النمو؟”
تذكرت طفولتها، حين كان طولها يزداد بسرعة، وكانت تستيقظ ليلًا مرارًا من آلام في ساقيها.
وبعد أن شكت للجميع في أزقة المدينة، علمت يومًا أن ذلك ما يسمّى بآلام النمو.
والآن، لوتشي تُبدي الأعراض نفسها.
ابتسمت إستيل وأزاحت خصلات شعرها الأزرق هامسة:
“يبدو أنك ستزدادين طولًا قريبًا.”
“لكن… هذا يؤلمني. يؤلمني كثيرًا. آه، احمليني.”
داعبت إستيل الطفلة المدللة وربّتت عليها وهي تنقر بلسانها بقلق.
نعم، هذا الألم مزعج، لكنه لم يكن يصل لدرجة لا تُحتمل.
في تلك اللحظة دوّى صوت غريب: طقطقة عظام.
توقفت إستيل مكانها، وهمست متوجسة:
“هـ… هل التوت ذراعكِ في النهار أو شيء كهذا؟”
لكن الطفلة صاحت:
“آه! هذا مؤلم! مؤلم!”
وتردّد صوت انزياح عظامٍ مرة أخرى.
جفلت إستيل، فاحتضنت التنينة الصغيرة بقوة واندفعت واقفة.
عرق بارد سال على جبينها.
‘ما هذا؟ ما الذي يحدث فجأة؟’
عقلها غدا أبيض كصفحة فارغة.
ارتدت عباءتها، وحملت لوتشي على ظهرها، وهي تبكي وتتلوّى كجرو صغير.
خرجت مسرعة من الباب.
“ماذا يحدث لك؟ هاه؟”
لكن لا يبدو أنها تسمعها.
وقد ضعفت تمسكت لوتشي بعنقها برجاء، لا تكفّ عن طلب العناق.
ربتت إستيل ظهرها وسألت باضطراب:
“هل أكلتِ شيئًا خاطئًا اليوم؟”
“لا! لم آكل شيئًا!”
“إذن… هل هذا لأنك لم تأكلي؟”
‘إلى من يجب أن أذهب؟ إلى المطبخ؟ لا، إلى طبيب… لكن هل يوجد طبيب يعرف كيف يعالج التنانين؟ أأذهب إلى طبيب بشري أم بيطري؟’
رغم أن عقلها غارق في الفوضى، كانت قدماها تتحركان بسرعة.
وفي وسط الرواق المظلم الذي يعصف فيه هواء بارد، أدركت أنها تتوجه غريزيًا نحو غرفة سيدريك.
شهقت باستغراب وتمتمت:
“لماذا… إلى هناك؟”
لكنها سرعان ما صحّحت تفكيرها.
لا، هذا أفضل.
‘في وضع كهذا، لا بد من شخص يمكن الاتكال عليه، وذلك الرجل وحده يصلح.’
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات