نظرًا لاتساع المنطقة وامتلائها بمختلف الآثار واللقى، فكثيرًا ما كانت المواقع ذات الأهمية الأقل تُهمَل، فلا تُفتح للعامة ولا تُجرى فيها أبحاث جادة.
وكان هذا المعبد واحدًا من تلك المواقع. أخرج يوهان سجل المسح الأخير وتابع كلامه:
“بحسب ما جاء في آخر تقرير للمسح، كان سقف المعبد وأرضيته مغطّيين تمامًا بالتراب. قبل ست سنوات، ثم قبل ثلاث سنوات، هطلت أمطار غزيرة.”
فقال الآخر مستغربًا:
“أمطار غزيرة؟ في منطقة صحراوية؟”
“ثمّة فترة كل ثلاث سنوات يهطل فيها المطر بغزارة. والظاهر أنّ هذا العام سيكون كذلك أيضًا. على كل حال… يُرجَّح أن التراب الذي كان يغطي العظام قد جرفته السيول، ثم تعرّض المكان لصدمة إضافية جعلته ينكشف بالكامل.”
“صدمة إضافية؟”
رمقَه بنظرة متسائلة، فأجاب يوهان وهو يرفع كتفيه كمن لا يد له في الأمر:
“يقال إنهم فجّروا الركام الذي كان يغطي المعبد.”
“……آه، فهمت.”
إن لخصنا الأمر، التراب الذي جرفته الأمطار مرتين، ثم موجة الصدمة التي مسحت الركام نهائيًّا… هذا ما جعل الهيكل العظمي يظهر.
كان تفسيرًا منطقيًّا، لكن صدر سيدريك امتلأ بالريبة.
كيف يُعقل، مهما كان مدفونًا عميقًا أو موقعًا ثانويًّا، أن يبقى مثل هذا الاكتشاف مخفيًّا حتى الآن؟
وفي غمرة تفكيره، سأله يوهان:
“قبل وصولنا، أكان ثمة ما اكتشفوه غير ذلك—”
“كلا، لو كان ثمّة شيء لكان حسنًا، لكن لم يكن هناك شيء.”
وهذا ما زاده حيرة: لم يُعثر سوى على عظام واحدة، ولا شيء آخر.
كان يشعر بدافع الغريزة أنّ هذا الموقع المتعلق بالتنانين له صلة بالساحرة العظيمة، لكن لم يكن هناك أي دليل.
بل إن الصوت الذي سمعته لوتشي وهو يقول لها “ابحثي” قد انقطع بمجرد أن عُثر على العظام.
لم يخبر سيدريك يوهان بأمر الصوت، وعاد إلى رفاقه.
كانت إستيل قد أنهضت نفسها بعد أن نامت لوتشي من الإرهاق بعد بكاء طويل.
“ماذا قال؟” سألت.
“ليس لديه علم أكثر منا.”
وحين لخص لها ما رواه يوهان، فتحت إستيل عينيها بدهشة وهمست بأسف:
“ظننت أنّ للأمر صلة بأمي.”
والحقيقة أنّ الثلاثة جميعًا كانوا يظنون ذلك.
فالصوت الذي سمعته لوتشي يشبه كثيرًا الهمس الذي سمعته إستيل بعد أن استيقظت قدرتها، ثم تنينة صغيرة وضعتها الساحرة العظيمة في مكتبة الشيطان، والهيكل العظمي لتنين بالغ عُثر عليه هنا… ألا يبدو بين ذلك خيط متصل؟
“آه، انتظروا.”
تذكّرت إستيل فجأة أمرًا ما، فحدّقت في لوتشي النائمة.
‘أجل، فلنتأمل…أليس من البديهي أن يكون للتنين والدان؟’
لكن لوتشي منذ اللقاء الأول وُجدت نائمة وحدها في مكتبة الشيطان. وحين تحدثت إليها، لم تذكر سوى تعلقها بإيلين، ولم تأتِ على ذكر أحد غيرها، مما يرجح أنها لم ترى في حياتها سواها.
ارتسم في ذهن إستيل منظر الجمجمة البيضاء العملاقة، فحكّت خدها في حيرة.
أيمكن أن يكون……؟ ثم وقفت فجأة وقالت للرجلين:
“لنعد.”
“الآن؟”
“لديّ إحساس أني قد أرى حلمًا هذه الليلة.”
وما إن نطقت به حتى بدا كأنه نبوءة…
استدارت إستيل سريعًا وعادت إلى مقرّهم، داعية في سرّها أن يكون حدسها صائبًا.
كان الأمر أشبه باختراق الضباب. سرعان ما أدركت إستيل أنها تحلم.
رأت أمها تشقّ عتمة الليل سيرًا أمامها.
كان أنفاسها تتصاعد في البرد كأنها قطعت مسافة طويلة. حتى بلغت معبدًا منهارًا تمامًا، فمدّت يدها بلا تردد ورسمت دائرة السحر للانتقال.
وبلمح البصر انتقلت إلى داخل الأطلال، فرفعت بصرها إلى الأعلى.
في سواد حالك، ومضة… لا، لم تكن ومضة، بل هناك عين رمشت.
دون خوف، رفعت الساحرة العظيمة يدها وقالت:
“مرحبًا، جئت لألقاك.”
فجأة، انفتحت في الظلام عين ضخمة بحجم رأس إنسان، وترددت في المكان رجفة كالصاعقة، صوت هائل دوّى:
“إذن، أنتِ ترينني.”
كان هناك أعجاب في عبارته.
كأنما مستنكرة، قطبت إيلين حاجبيها وردّت:
“وهل ثمّة أحمق لا يرى ما هو قائم أمامه؟”
“إذا لم يؤمن المرء بوجود شيء، فلن يراه ولو كان أمام عينيه. البشر نسونا منذ زمن بعيد. ولهذا، حتى لو وقفنا قبالتهم، لم يدركوا شيئًا. وكذلك كان شأن من اكتشفوا هذا المكان.”
دوّى صوته المفعم بالأسى مع صفير الرياح التي ملأت الفراغ.
لكن لم يطل ذلك، إذ تبدل صوته إلى نبرة يغشاها الفضول:
من غير إطالة، كوّنت بيديها هالة من الضوء وأطلقتها في الفضاء، ثم تابعت بجدية وكأنها لا تطيق تضييع وقت:
“لقد نقّبنا هذه الأطلال منذ البداية كي نراك أنت. فأنت تاريخ حيّ، وشاهد على ولادة الشيطان ونشأته. جئت أبحث عن أجوبة لــــ”
لكن كلماتها انقطعت.
توقفت فجأة وحدّقت في الجسد الهائل للتنين الممدود فوقها.
كان منظره بائسًا، أجنحته مثقوبة كأنها مُقطّعة، وقشوره الزرقاء التي كانت تشعّ فيما مضى فقدت بريقها منذ زمن بعيد.
قرأ التنين مشاعرها، فقهقه بسخرية وقال:
“ألم تفهمي من غياب أخباري وأنا موجود بين بقايا الممالك القديمة، ومن كثرة ما قلب الناس هذا المكان وغيّروا فيه… أنّ شيئًا مهمًا قد حدث؟”
فقالت وهي تحدّق فيه:
“ما الذي حدث؟”
زفر التنين نفسًا ثقيلاً، ثم أجاب بصوت متعب وموهن:
“أنا… لا، نحن جميعًا فقدنا قوتنا. وما تبقّى من غير أن يندثر لم يكن سوى أنا، مستندًا إلى بقايا المعبد الذي شيّده البشر من أجلي.”
“…………… كيف آل الأمر إلى هذا؟ ألستَ أنت من يفترض أن يكون قادرًا على كبح الشيطان؟”
“كان ذلك في زمن بعيد.”
ترنّح التنين كأن جسده يتهاوى، ثم أسند نفسه إلى جدار المعبد الآيل للسقوط، وقال وهنًا:
“أمثالنا نعيش على تصوّرات البشر وإيمانهم.”
“لكنّك كنت الحاكم الأول.”
حرّك التنين عينيه كمن يسترجع الماضي وأجاب:
“كان ذلك صحيحًا، لكن الشيطان انتزع مني مكاني. ومع عزوف البشر عن الإيمان بي ضعفتُ حتى انقرض قومي جميعًا.”
“ماذا؟ لا، لا يمكن… أليس ميكائيل كان معك…”
كانت إيلين تهمّ برفض كلام التنين اعتمادًا على أحداث الرواية التي تحفظها، لكنها جمدت فجأة.
قال إنه يعيش على تصوّرات البشر. وهي في حياتها هذه لم تكفّ عن دراسة الشيطان، عن كيفية القضاء عليه واقتلاعه من جذوره، خاصة ذلك الذي حاول التلبّس بتريستان… وقد كرّست بحوثها بالتواصل مع البشر أنفسهم. وبهذا ربما عظّمت وعي الناس بالشيطان، وفي المقابل اندثر ذكر التنين.
هل كانت رغبتها في قتل الشيطان سببًا كأثر الفراشة في إضعاف القوة الوحيدة التي كان يمكن أن تقف في وجهه؟ ( يعني كل تعبها ادى لنتيجة عكسية وهذا تأثير الفراشة )
بينما كانت إيلين متصلبة في مواجهة هذا الإدراك الصادم، رمقها التنين من علٍ بعينين ملؤهما الفضول وقال:
“يبدو أنهم يلقّبونك بالساحرة العظيمة… ‘من يقرأ القدر’. لم يُعرَف في التاريخ إنسانة بهذا الوصف من قبل. مثير للاهتمام حقًّا.”
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات