كان من بين الرجلين طويلَي القامة اللذين كانا يطلّان من علٍ على المرأة التي كانت أقصر منهما برأس كامل، أوّل من تكلم هو إدغار.
“أعطني ثوب نوم.”
“مستحيل.”
“ولماذا أنت تجيب؟”
“قلت لك، مستحيل.”
رمق إدغار سيدريك، الذي قطع عليه كلامه بتلقائية بابتسامة ساخرة رفع معها زاوية فمه، فاشتعل غضب سيدريك وردّ باستياء:
“أين آدابك؟ كيف تجرؤ على مثل هذا….”
“هاه، حقاً… ما أضيق أفقك. ما بال قائد فرسان المعبد يتصرف هكذا؟ أليس هذا إفراطاً في الحماية؟”
أما إستيل التي كانت تتابع الموقف، فأخذت تهز رأسها في يأس.
‘حقاً، ما بال هذين الاثنين…؟ أليس من الطبيعي أن تتوطّد علاقتهما بعد أن اجتازا معاً تجربة الموت؟ بل على العكس، في الآونة الأخيرة صارا يتشاجران أكثر من ذي قبل.’
“أيّاً يكن، ثوب نوم فقط لا يستحق كل هذا… ما بالكما تحدّقان بي هكذا؟”
كانت العيون الزرقاء تنظر إليها وكأنها تسأل “أأنتِ جادّة؟”، وفيها مسحة من الذهول. فتلعثمت إستيل وقد اكتشفت الأمر.
‘ظننت أني اعتدت على هذه الأمور، لكن يبدو أن الطريق ما زال طويلاً… هل يعقل أن النبلاء يتعاملون مع هذه الأشياء كأنها مسألة مصيرية؟’
ارتبكت، وأخذت تحرك عينيها هنا وهناك، وكأنها تبحث عن مهرب، ثم تفوّهت من غير قصدٍ بكلمات دفاعية:
“وما المشكلة…؟ أفي وقت كهذا ننشغل بالآداب؟! على أي حال، ألم ترني بثوب النوم من قبل— أُمم!”
أسرع سيدريك في إسكاتها بيده. لكن إدغار، بفطنته المعتادة، لم يكن ليعجز عن إدراك ما جرى حتى الآن.
وبنبرة مستفزة تحمل شيئاً من السأم، أعاد السخرية عليه كأنه يرد له الصاع صاعين:
“إن سرنا على منطقه، فالذي يجب الحذر منه هو من سبق ورأى ثوب نوم امرأة غريبة بالفعل. لا يصلح الأمر. ابتعدي عنه.”
أمام هذا التهكّم المليء بالتوبيخ، عجز سيدريك عن الرد
والحق أنّه لم يكن مخطئاً.
فهؤلاء الثلاثة صاروا الآن رفاقاً يعملون معاً لإنجاز مهمتهم، وتجاوز الحدود قليلاً بينهم لن يجرّ كارثة.
بل كما قالت إستيل، ألم تقتحم ذات مرة غرفته وهو نائم مرتدية ثوب النوم بحثاً في عجلة عن أثر الساحرة العظيمة؟
يومها… آه، يومها أضاء محيّاها تحت ضوء القمر، فكانت مبهرة حقاً….
‘تبا.’
كاد يغرق في ذكرياته، لكنه أفزع نفسه وعاد إلى الواقع.
أجل، يدرك أنّ في علاقتهم تجاوزات متبادلة لا تستدعي القلق.
لكن… هذا على المستوى العقلي. أما على مستوى الشعور، فلا.
للمرة الأولى في حياته، جرفه إحساس بالغيرة والاحتكار، فراح يتصرّف على نحو طفولي لا يليق بطبيعته الرصينة.
‘لماذا أتصرف هكذا؟’
لقد كان هذا السؤال نفسه قد راوده منذ لقائه الأول بإستيل حين أربكته.
‘لماذا… فقط معها؟ لا أريد أن أكون سخيفاً، لكنني أزداد سخافة. لا أريد أن أبدو عنيداً، ومع ذلك أغدو بشكل بائس أكثر إصراراً.’
تركوه غارقاً في صراعه الداخلي، بينما كان إدغار يهمس لإستيل:
“أظنه غائب الذهن الآن، أعطيني الثوب.”
“أجل، قبل أن يستعيد وعيه.”
أسرعت إستيل تبحث في حقيبتها، ثم أخرجت ثوب نومها وناولته لإدغار.
قطع إدغار طرفاً من الفستان بسحر القطع، ورسم بخبرة دائرة سحرية في الهواء.
ومنها انطلقت أشعة ضوء طويلة لترسم سهماً مضيئاً.
قلب إدغار كفه للأعلى كأنه يمسك ببوصلة، وأشار بعينيه:
“فلنذهب.”
“هيا بنا!”
“ولا تنسوه.”
“أوه، صحيح، كدت أنساه.”
جذبت إستيل سيدريك من ذراعه، وهو ما يزال نصف غارق في شروده، نصفه الآخر مشغول بصورة إستيل في ثوب النوم. فتمتم إدغار ملتفت:
“منذ متى تقدمتما لهذه الدرجة؟ أشعر وكأنكما تستبعدانني.”
“كأنكما مراهقان لم يبلغا العشرين بعد! ما هذه الكلمات التي تقولها؟ أشبه بما تقوله لوتشي.”
“يقولون الرجل إمّا طفل أو كلب.”
“مم، ربما. وطباعك أنت يا إدغار أقرب إلى الكلـ— أوه، زلة لسان….”
كان واضحاً أنها لم تكن زلة، لكنه تغاضى عنها. ونقر بلسانه بضيق، قبل أن يغيّر الموضوع:
“على أي حال، إلى أين اختفت تاك الصغير؟”
***
وفي مكان آخر…
في فضاء حالك السواد، دوّت خطوات خفيفة مترددة.
للحظة ارتجفت لوتشي وقد استبد بها الفزع من عتمة لا يُرى فيها شيء. ثم فجأةً، انقدحت شعلة نار، فاشتعلت جمرات موقد لم تنتبه لوجوده.
انكتمت أنفاس لوتشي وسعلت من دخان اندفع في وجهها وعيناها تدمعان وهي تتلفّت حولها.
“إذن… هذا المكان…”
“…هاه؟”
أين أنا؟
شعرت بشيء غريب، ومع ذلك مألوف يجرّها إلى هذا المكان، حتى إنها لم تتنبه إلى الطريق الذي سلكته، فلم تعد تعرف موقعها.
وسرعان ما أحست ببرودة تسري في المكان، فتراجعت خطوة بخطوة وهي ترتجف.
“لا بأس…! سأخرج أولاً، ثم أطلب من إستيل أن تنقذني…!”
“لكن… لا أعرف أين المخرج.”
ثم ما لبثت أن عادت إلى هيئة التنين، وضربت بأظافرها الأرض “تك تك”. وراحت تلف ذيلها حول جسدها، تتكور على نفسها كأنها تبحث عن الأمان، ثم رفعت عينيها الحزينتين إلى الفراغ كمن يستعيد ذكرى.
“أنا…”
كان هناك مصطلح جديد تعلمه.
ما هو؟ آه نعم… لمعت في ذهنها كلمة تصف حالها بدقة، فتنهدت قائلة:
“لقد… تاهت بي السبل.”
لكن ما إن شعرت بالرضا لأنها استعملت الكلمة في موضعها، حتى بدأ جسمها الصغير يرتجف وأخذت تشهق باكية.
ذهب ما كان يبدو عليها قبل قليل من هيبة وشجاعة، وصارت تتمتم بصوت متهدّج:
“إستيييل… متى ستأتين…؟”
هكذا انتهت محاولة الفرار الجريئة إلى خاتمة بائسة.
***
“حقاً، ما الذي كانت تفعله لاصل إلى هذا البعد؟”
كان إدغار قد قال إن طول السهم الخارج من الدائرة السحرية يدلّ على بُعد الهدف.
لكنهم مهما مشوا، لم يكن السهم يقصر بسهولة.
وأخيراً وبعد مسير طويل، بلغ الثلاثة طرف المساحة التي يشغلها المختبر، وهناك… تجمدوا في أماكنهم أمام ما ظهر أمامهم.
“أوه، هذا…”
“إنها أطلال.”
بدت لأول وهلة كومة من الحجارة ليس إلا، لكن إستيل كانت تحدق فيها مطولاً، وإلى جانبها كان سيدريك يرمق تلك البقايا الغامضة. ثم بدا وكأنه تذكر شيئاً، فتنهد قائلاً:
“كنت قد سمعت بوجود أطلال معبد، ويبدو أن هذا هو.”
“معبد؟”
“نعم. غير أن قيمته التاريخية معدومة تقريباً. كان معبداً لدين هامشي يعبد إلهاً على هيئة تمساح ضخم مجنّح. لكن كما تعلمين، كانت العقيدة الرئيسة للملكة القديمة تقوم على عبادة الشياطين.”
‘لحظة… تمساح ضخم له أجنحة؟’
تبادل الثلاثة النظرات في وقت واحد، إذ خطرت لهم الفكرة نفسها.
أليس في رفاقهم واحدٌ يشبه ذلك؟
صحيح أنّها ما تزال صغيرة، لكنها حين تستعيد هيئتها الحقيقية تبدو أقرب ما يكون إلى تمساح ذي جناحين…
كان الأمر لافتاً.
استغرقت إستيل في التفكير، ثم قالت:
“أشعر… أنها قد تكون في الداخل.”
“لكن لا يبدو أن له مدخلاً—”
“والسهم قد صار قصيراً كثيراً وهو يشير مباشرة إلى هنا… ولوتشي صغيرة الحجم. كان يمكنها التسلل بسهولة من بين تلك الفجوات.”
أشارت إلى ثغرة صغيرة قد يتسلل منها طفل، ثم مدت ذراعيها متثائبة.
أيعني هذا أنّه يكفي إزاحة الحجارة للدخول؟
حدّقت إستيل مطولاً في كومة الصخور، ثم رفعت يدها ببطء. ففغر الرجلان فاهما، واندفعا خطوة إلى الأمام.
“انتظري، ماذا ستفعلين؟”
“مهلاً، لا تتسرعي—”
لكن قبل أن يمنعاها، كانت قد رسمت دائرة سحرية للرياح، وضبطت شدتها على أقصى حد.
لمح إدغار ذلك، ففتح فاه بدهشة:
“مهلاً، إن استعملتِها هكذا…”
غير أنّ الانفجار سبق كلامه.
دوّى صوت هائل وتناثرت الصخور في كل اتجاه.
وبحركة عفوية، جذبها سيدريك إلى صدره ليحميها من الغبار، ثم تمتم بوجه شاحب:
“…حتى وإن كانت بلا قيمة، فهي تبقى أطلالاً.”
“آه، صحيح!”
تأمل الثلاثة المشهد أمامهم: أطلالٌ تحولت كأنها تحت قصف، والدخان يتصاعد منها. وللمرة النادرة، اتفقت أفكار سيدريك وإدغار.
“لقد وقعنا في ورطة.”
“تماماً، لقد تبنا سوءاً.”
من بين الثلاثة الذين أصابهم الذهول بما جرى، كانت إستيل الجانية ذاتها أول من عاد إلى وعيه.
نظرت إلى يدها التي رسمت الدائرة قبل قليل، ثم هزتها في الهواء كمن يريد أن يتخلص من شيء عالق، وتمتمت بصوت مرتعش:
“أ… أأنا سأُعتقل مرة أخرى…؟”
“وهل تظنين أنّ مسح يديك يمحو الجريمة؟”
“جـ… جريمة؟!”
أجابه سيدريك بنبرة مذهولة، فتصلبت الفتاة مكانها وقد تجمّدت حتى بدت وكأنها لم تكن هي نفسها من فجّر الأطلال.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات