صحراء فويغيل، المنطقة الصحراوية الوحيدة في الإمبراطورية حيث عُثر على أطلال مملكة قديمة جعلت منها مهدًا لعلم الآثار.
اجتمع هناك عدد من علماء الآثار وقد بدا عليهم التوتر الشديد.
فزيارة الدوق الصغير إيرنيست لم تكن الأولى من نوعها، فهو رجل كثير الانشغال كثير الحركة.
غير أنّ الأمر هذه المرة كان مختلفًا……
“يقولون إن الدوق الصغير قادم.”
“متى؟”
“ذلك بعد ثلاثة―”
“ثلاثة أشهر؟”
“بعد ثلاثة أيام…….”
“……ماذا؟!”
لم يسبق أن كانت زيارته على هذا القدر من المفاجأة.
مثل هذا التصرف لم يكن من طبعه إطلاقًا، وهو ما زاد من ارتباك الباحثين.
فـسيدريك إيرنيست لم يكن فقط وريث أسرة إيرنيست الدوقية، بل كما يعرفون هو أيضًا قائد فرسان الهيكل في المعبد.
فإن جاء بصفته وريثًا لدوق، فقد يكون حضوره بصفة مستثمر في بعض الأبحاث الدائرة في الصحراء، وهو ما يفرض عليهم عبء إثبات نتائجهم.
أما إن جاء بصفته قائد فرسان المعبد، فقد تنطوي زيارته على قضايا سياسية، وذلك عبء آخر.
ومهما كانت دوافعه، فالأمر كله كان محرجًا بالنسبة لهم.
ولأن المسؤول العام عن الموقع وهو نائب الدوق كان غائبًا بالصدفة، وجد أحد البروفيسورات نفسه مضطرًا لأن يتولى مهمة استقبال الدوق الصغير.
في نفسه أخذ يعقد العزم:
‘لا يمكنني السماح بأن ينقص التمويل أو يُسحب مني. سأحميه مهما كلفني ذلك!’
وبينما هو غارق في توتره، انبثق نور مفاجئ معلنًا تفعيل بوابة الانتقال.
ومع صوت ارتطام خفيف، هبطت عربة على الأرض.
رمش البروفيسور بدهشة.
لم يعتد أن يرى مثل هذا الدخول.
فالدوق الصغير كان يفضل عادةً التنقل وحده دون حراسة أو تعقيدات، ولم يكن ممن يستقلون العربات.
وبينما هو مشدود الأعصاب، انفتح باب العربة، وإذا بشيء أبيض اللون يندفع منها بسرعة.
حدّق الرجل في المرأة ذات الشعر الأبيض التي ما إن نزلت حتى بدأت تتقيأ بشدة.
ولم يكد يفيق من ذهوله حتى رأى الدوق الصغير ينزل خلفها على عجل ليتفقد حالها.
“صاحب السمو الدوق الصغير……؟”
كان من المفترض أن يحييه، لكن بدا له أن اللحظة غير مناسبة.
وبينما تردّد في مكانه، إذا بيدٍ تمسك بيده فجأة، فارتجف متفاجئًا.
نظر، فإذا بشاب وسيم ذو شعر وردي ووجه هادئ يحمل على ظهره فتاة زرقاء الشعر وهو يصافحه قائلًا:
“اختصارًا للوقت، سأكتفي أنا بالتحية بدلًا منه.”
“وأنا أيضًا أريد أن أحيّي، مرحبًا!”
أطلت الفتاة الصغيرة من خلفه ولوّحت بيدها، غير أن إدغار زجرها:
“تنحّي جانبًا أيتها الصغيرة.”
“لستُ صغيرة!”
‘أي خليطٍ هذا…؟!’
ارتبك البروفيسور أكثر، إذ بدا الجميع غرباء عدا الدوق الصغير نفسه.
وما زاد ذهوله أنّه حين التفت إلى سيدريك ليفهم منه ما يجري، وجده يمسح على ظهر تلك المرأة البيضاء الشعر التي سالت دموعها من شدة القيء، ثم التفت سيدريك نحوه وقال ببرود:
“أمهلنا قليلًا.”
“آه…… نعم!”
وما إن أجاب حتى عاد سيدريك إلى المرأة، وصوته هذه المرة مفعم بالعطف غير المعهود منه:
“هل تشعرين بتحسّن؟ هل بدأ مفعول الدواء يظهر؟”
‘هل جاء إلى هنا ليتغزّل؟!’
صُعق البروفيسور من تصرف لم يسبق أن رآه من الدوق الصغير، بينما اكتفى إدغار بالضحك ساخرًا:
“أليس منظره مثيرًا للشفقة؟ أنا أيضًا أراه كذلك.”
“سمعتُ ذلك.”
جاء صوت سيدريك حادًّا باردًا يحذّر، فاكتفى إدغار بهز كتفيه متغطرسًا وهو يرد:
“كفاكما من هذه التصرفات المبالغ فيها، هيا تعالا. ألا ترى أن البروفيسور ينتظر صاحب السمو الدوق الصغير بفارغ الصبر؟ إستيل، تعالي إلى هنا. هل أنتِ بخير؟”
ثم خطف إدغار إستيل من جوار سيدريك وأحاطها بذراعيه، فيما راقبهم البروفيسور وهو يضيق عينيه ويتمتم في نفسه:
‘لا أعلم من أنت، لكنك لا تقل إزعاجًا عنه.’
***
بعد أن هدأ غثيان إستيل، بدأ البروفيسور يستمع إلى سبب زيارتهم.
طبعًا لم يذكر أحد شيئًا عن نهاية العالم. بل قُدّم إدغار وإستيل على أنهما باحثان مدعومان من أسرة إيرنيست، ويجريان دراسات حول الصحراء.
ومع ذلك، لم يستطع البروفيسور إخفاء شكوكه إزاء صغر سنهما الظاهر.
“أنتم حقًا… علماء؟”
“بالتأكيد.”
ما إن ابتعد سيدريك قليلًا ليتلقى تقريرًا، حتى بدا على البروفيسور وجهٌ حانٍ ينظر إليهما كما ينظر الجد إلى حفيديه، فابتسمت إستيل براحة.
“حسنًا، اللطف أفضل من الريبة.”
لكن إدغار لم يشاركها الرأي، بل بادر بالرد بجرأة أثارت امتعاض البروفيسور.
شعرت إستيل بالحرج، فسارعت لتبريره:
“صحيح أن لسانه سليط قليلًا، لكنه موهوب بحق!”
“آه، حسنًا…… فهمت. إذن، ما الذي أردتم معرفته بالتحديد؟”
“ولِمَ تخاطبنا بصيغة أدنى؟”
تجمّد البروفيسور كما تجمّدت إستيل في مكانها.
“توقف عن هذا، أيها الأحمق!”
وضربته على ذراعه، غير أنّها فوجئت بجديته وهو يتابع:
“لقد جاء بنا الدوق الصغير بنفسه. أترانا لمجرد أننا صغار السن نستحق أن تُنزلونا منزلة أقل؟”
“…آه.”
أدرك البروفيسور فجأة زلّته، فقد اعتاد طوال إقامته في الصحراء أن يتعامل مع أنداده من الكبار، حتى نسي أن هؤلاء يبدون أصغر سنًّا. فطأطأ رأسه معتذرًا بصدق:
“أعتذر حقًا. لقد أسأت التصرف. من الآن فصاعدًا سأعاملكما على قدم المساواة.”
“أشكرك.”
ابتسم إدغار برضا، ثم مال نحو إستيل هامسًا:
“هذا ما يُسمّى فن التعامل. لا تسمحي لأحد أن يستخف بك.”
“…وهل هذا ضروري؟”
“إن استهانوا بك، فسيحجبون عنك المعلومات المهمة. ونحن بحاجة إلى استخراج كل ما يمكن من بيانات. ألسنا نبحث عن دائرة السحر المفقودة؟”
‘ها قد أصبح متعاونًا فجأة…’
تأملت إستيل بعينيها المتلألئتين، فزفر إدغار ووضع كفه الثقيلة على رأسها وضغط بقوة.
“ابقي متيقظة دائمًا.”
“آه! مؤلم! كفى!”
ابتسم ماكرًا وهو يراقبها تتلوّى:
“ألا تشعرين بالانتعاش؟ أفعل هذا لمصلحتك.”
“انتعاش؟! ابتعد عني أيها المزعج!”
التفتت إستيل بسرعة نحو البروفيسور الذي انتفض وكأن تيارًا كهربائيًّا مسّه. ومع ذلك، وبفضل ما بثه إدغار فيها من ثقة بدت أكثر جرأة وهي تقول:
“أولًا، نريد الاطلاع على سجلات أبحاثكم. لا مانع، صحيح؟”
“آه، بالتأكيد! تفضلوا.”
سارع البروفيسور بإجابتهم وقادهم إلى قاعة أخرى.
كانت حركاته النشطة توحي بتعاونه، لكن بدا أيضًا وكأنه يسعى للتخلص بسرعة من سيدريك.
ومهما كان السبب، فإن الأمر لم يكن إلا في صالحهم.
وبينما يسيرون خلفه، مال إدغار قليلًا نحو إستيل وهمس لها:
“وتلك العبارة، لا مانع، صحيح؟ لا تكرريها بعد الآن. فأنت لستِ ممن يحتاجون إلى استئذان كهذا.”
“ما بك صرت كثير التدخل فجأة؟ أوقعت في حبي مثلًا؟”
“ألا يحق لي أن أعتني بتلميذتي المحبوبة؟ طبيعي أن أرعاكِ.”
‘يا للعجب، ما بال هذا الرجل صار طريفًا فجأة؟’
قهقهت إستيل بخفة ثم رفعت رأسها شامخة، وهي تسرع الخطى للحاق بالبروفيسور.
وما هي إلا لحظات حتى وصلوا إلى مكتبة ضخمة، فأخرج البروفيسور مفتاحًا وفتح الباب الحديدي الثقيل الذي انفرج ببطء مصحوبًا بصوت صرير.
تسللت نسمة رطبة مختلفة عن هواء الصحراء الجاف إلى الداخل.
“بما أننا نحفظ هنا كمًّا هائلًا من الكتب، فقد جُهّز المكان بنظام تهوية محكم. لذا أرجو فقط……”
“نعم، نعم، نعلم. سنكون حذرَين.”
قاطع إدغار بفتور، فما كان من الأستاذ إلا أن رمقه بطرف عينيه قبل أن يحيّيهم مغادرًا تاركًا الشابين وحدهما وسط ذلك الفضاء الواسع.
جالت إستيل بنظرها على رفوف الكتب العالية وقالت مترددة:
“من أين نبدأ؟”
“لنبدأ بالأساس أولاً. نطّلع على جذور المملكة القديمة، ثم نبحث عن أي صلات محتملة مع الشياطين.”
أشرق وجه إستيل بابتسامة، مسرعة الخطى خلف إدغار وهي تهز رأسها حماسًا:
“فكرة ممتازة!”
توقف إدغار للحظة وقد تاهت عيناه في ملامحها المشرقة، ثم سرعان ما هز رأسه كما لو أراد أن يطرد شيئًا عن ذهنه، ومد يده بعفوية ليبعثر شعرها. ثم تابع السير إلى الأمام.
‘إنها تبدو واهنة، طفولية، فأشعر برغبة في حمايتها… ومع ذلك، فهي كائن يسمو عليّ بدرجات. لا يحق لي أن أطمع بها… ولا أن أحتفظ بها إلى جانبي.’
***
وفي تلك الأثناء، كان سيدريك يجلس مع ابن الماركيز هايدل المشرف على أعمال التنقيب.
لحسن الحظ أنه كان من زملائه القدامى في الأكاديمية، فمضت المحادثة بينهما بسرعة.
لكن ما إن وصل سيدريك إلى غرضه الحقيقي، حتى أمال يوهان جسده للأمام وعيناه تضيقان بدهشة:
“تعود فجأة وتُلغي كل ارتباطاتك، ثم تسأل عن… قضايا تخص الشياطين؟”
“نعم.”
“لكن ألم يكن كل شيء مستتبًّا منذ أن قامت الساحرة العظيمة قبل عشر سنوات بختم المتعاقد؟”
كان جوابه يعني أنه لم يُسجّل في المنطقة أي حدث غير مألوف.
لا يدري المرء أهو حظّ جيد أم سيئ.
ظل سيدريك صامتًا وهو يرفع فنجان الشاي إلى شفتيه، فيما اكتفى يوهان بهز كتفيه:
“صحيح أن بعض الآثار تحتفظ ببقايا تشير إلى عبادة الشياطين، لكن لا شيء مماثل لقضية الكونت بلانشيه. لذا يغلب الرأي مؤخرًا أن الصلة باتت واهية.”
“إذن، ما الذي جاء بالساحرة العظيمة إلى هنا أصلًا؟”
“ماذا قلت؟”
قطّب يوهان جبينه مستغربًا من تمتمة سيدريك.
أجل، كان هناك حديث قديم عن أن الساحرة العظيمة أمضت فترة في الصحراء حين كانت شابة، تجري بعض الأبحاث وحدها.
لكن لماذا يهتم الدوق الصغير بماضيها تحديدًا؟
وقبل أن يطرح سؤاله، كان سيدريك قد رفع رأسه يسأل مباشرة:
“هل أجرت الساحرة العظيمة دراسات فعلية هنا؟”
“لا، ليس كما أعلم. كانت أمرأة غريبة الأطوار، لم يعرف عنها العمل مع أحد. أعتقد أنها كانت تدرس في مكان ما وحدها وسط الصحراء.”
“ألا توجد أي سجلات؟”
“لا شيء. أساسًا لم نتعامل معها مطلقًا.”
زفرة ضيق خرجت من سيدريك، فتلك الساحرة كانت شديد الانعزال، وتعقّب أثرها ليس بالأمر اليسير. لكنه تذكّر فجأة شيئًا، فسأل بسرعة:
“لكن لا بد أنها قدّمت طلبًا بالاطلاع على مواد أو بيانات، ولو لمرة واحدة. فمهما بلغت من قوة، يبقى بحاجة إلى مرجعيات أثرية.”
“ربما… نعم، من الممكن. فمن أراد البقاء في الصحراء لا بد أن يلجأ إلى نوع من التعاون.”
****
ترجمة : سنو
بالنسبه لقُراء المواقع.
انشر الفصول في جروب التيليجرام أول والواتباد. وممكن لو انحظر حسابي بالواتباد بعيد الشر بتلاقوني هناك ( ملاحظه، الي يدخل ويطلع رح ياخذ حظر )
بس اكتبو في سيرش التيليجرام : snowestellee
او هذا اللينك صوروه وادخلو له من عدسه قوقل: https://t.me/snowestellee
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات