ضحك بخفة وأشاح بوجهه، ثم رمى بسؤاله وكأن الأمر لا يعنيه:
“فما الحلم هذه المرة؟”
“كان حلمًا عن ماضي والديّ. أظنه قبل رحيلهما إلى الصحراء بقليل.”
“آه، تريستان بلانشيه رافق أيضًا الساحرة العظيمة، أليس كذلك.”
لم يُلِح بكلام أكثر، لكن إستيل شعرت أنه ينتظر منها أن تُكمل.
ارتجفت كتفاها قليلًا تحت برد الليل، ثم قالت:
“الساحرة العظيمة… جعلت والدي يشرب ماءً مقدسًا حصلت عليه من المعبد. وقالت أيضًا إنها تلقت سرًا آخر من المعبد، لكني لا أعرف ما هو.”
“ثم؟”
‘ماذا يريد أن تسمع أذنُه أكثر من هذا؟ فالذي سمعه كافٍ في حد ذاته.’
أمالت إستيل رأسها بتردد محاولة استرجاع ما تبقى من الحلم:
“ثم…؟ آه، أمي كانت تمازح أبي كثيرًا. حين قالت الساحرة العظيمة إن الماء المقدس مجرد لعاب البابا، ارتعب أبي يسأل إن كان ذلك صحيحًا، فكان المشهد مضحكًا. وكان أبي غارقًا في غرامها بشكل يبعث على القشعريرة… هذا كل شيء؟”
“أنتِ تكذبين.”
‘لكنني لم أقل سوى الحقيقة…!’
نظرت إليه مذهولة، عاقدة حاجبيها، إلى أن جمدت فجأة حين رأت الغضب يطلّ من ملامح وجهه.
لمحت إستيل يدي الساحر ترتجفان بشكل مثير للشفقة، فقامت من مكانها حين نهض هو فجأة، وتبعته بخطوات مترددة.
ولما همّ بالابتعاد بسرعة، أمسكت بذراعه.
“انتظر لحظة.”
“اتركيني.”
خرج صوته مشحونًا بالحنق، عاجزًا عن إخفاء انفعاله.
‘آه… أظنني بدأت أفهم.’
عندها فقط أدركت إستيل ماهية النفور الذي شعرت به نحوه منذ البداية.
إيدغار لوران رجل نال في صغر سنه مكانة مرموقة في الأوساط الأكاديمية بفضل موضوعيته الباردة وحُسن تمييزه للحقائق.
فلماذا يعجز إذن عن كبح مشاعره كلما تعلق الأمر بتريستان بلانشيه؟
وكأنه رأى أنه لا ينبغي البقاء في هذا المكان أكثر، خطا إيدغار إلى الأمام بخطوات ثابتة.
كان يمكنها أن تتركه يذهب، لكنها تمسكت به، تُجاهد كي لا تُسحب سحبًا، وهي تثرثر:
“دوقة إيرنيست قالت لي إن والديّ كانا على وفاق. حتى في المجتمع الراقي ذاع صيتهما كزوجين لا يفترقان. فلماذا تُنكر ذلك؟”
“محض هراء مقزز لتضخيم المأساة. أنا لا أصدق.”
تجنّب الحقائق الواضحة والهروب منها، لم يكن قط ما تعرفه إستيل عن إيدغار.
خفق قلبها كأنه سقط في أعماقها، ثم عضّت شفتها وأفلتتها قبل أن تسأله:
“إذن، ما الذي يصدّقه إيدغار؟”
“ذلك اللعين… خدع الساحرة العظيمة منذ البداية. ولم تدرك الساحرة العظيمة الخدعة، فانخدعت حتى تزوّجت، وانجرّت وراء كلام ذلك الوغد المزيّف.”
توقف إيدغار فجأة عندما جذبت إستيل ياقة ثوبه بقوة، فاستغلّت الفرصة ووقفت أمامه، تنظر إليه بهدوء وهي تردّ:
“أمي كانت تعرف حقيقة أبي منذ البداية.”
أدار وجهه بعيدًا كأنه يحاول إخفاء تعابيره، لكن حتى من ملامحه الجانبية كان واضحًا كم هو غاضب.
ورغم ذلك تابعت إستيل كلامها، عالمة أنها تستفزه، وربما تدفعه ليكون أكثر صراحة:
“أمي كانت تعلم أن والدي سيصبح في المستقبل سيد الشياطين. أمي لم تكن غبية لتُخدع بذلك الشكل. أنت أيضًا تعرف هذا، أليس كذلك؟ لا يمكنك أن تنكره.”
“كفى… توقفي الآن.”
تشبثت إستيل بذراعه لتمنعه من الابتعاد، وألحت:
“لماذا تتعمد تحريف الحقائق؟ أنت تعرف أنها ليست هكذا. وأنت لا تحب أصلًا تفسير الأمور على غير حقيقتها.”
“لأن تريستان بلانشيه الذي رأيته أنا… لم يكن كذلك!!”
نفض يدها عن ذراعه كما لو كان يفرّ من وحش مخيف، وانطلق يعدو مبتعدًا.
بقيت هي وحيدة في الحديقة، تحدق مذهولة في ظهره المتلاشي.
عندها مرّ ببالها قولٌ سابق لِسيدريك:
‘……لأنه أول عامّي يدخل إلى الدائرة السحرية الإمبراطورية التي كان يُظن أنها حكر على النبلاء. وفوق ذلك، فهو يتيم.’
إيدغار اليتيم العامّي، وماضي والدها الذي ارتكب مذبحة في إقليمه بعد استيقاظ قواه.
تذكرت أيضًا نقاشًا دار يومًا عن ما إذا كان بين من شهدوا يقظتها في غلاسيوم أحد من عَبَدة الشياطين قد تمكن من الفرار، يومها سخر إيدغار قائلاً:
‘القول بعدم وجود ناجٍ ضرب من الغرور. دائمًا ما يكون هناك من يفرّ مهما كانت الظروف.’
وربما كان ذلك قولًا نابعًا من تجربة عاشها بنفسه…
تأملت في ظهره وهو يفرّ كطفل ضعيف بلا قوة، رغم كونه ساحرًا يستطيع الهروب بسهولة بسحره.
هو الذي يميّز قوة عاقدي الشياطين كأنما خبرها بنفسه، لكنه كان صغيرًا جدًا على أن يرى تريستان بلانشيه بعينيه.
قبل عشر سنوات… وقعت المجزرة.
وفقد والديه.
وصار يتيمًا من عامة الشعب.
كل شيء بدا وكأنه ينساب ليكوّن صورة واحدة. ومع ذلك، سقط قلبها في قاع صدرها بصدمة.
“…آه.”
إذن، بالنسبة له… لم تكن سوى ابنة الجاني.
***
استفاق سيدريك إيرنيست بعد نوم هانئ لم يذقه منذ زمن، وقد مدّ ساقيه واستراح في سرير مريح.
استيقظ باكرًا، تمشّى قليلًا، ثم عاد إلى حجرته ليجد أمام الباب مشهدًا غريبًا.
“ماذا تفعلين هنا؟”
نظر إليها كأنه يرى شبحًا. رفعت إستيل عينيها الشاحبتين وهمست:
“ماذا عساي أفعل؟”
“ماذا تعنين؟”
أوشك وجهها على البكاء وهي تتمتم بعينين دامعتين:
“لم أكن أعلم… فظللت أتشبث به، وأطلب مساعدته وأتذمّر… لكن الآن، بعد أن عرفت الحقيقة… ما الذي بقي لي؟”
“……ادخلي أولًا.”
تركها واقفة هكذا قد يجعلها تفقد صوابها أكثر.
قادها إلى الداخل حيث الجو دافئ، فدخلت بخطوات مثقلة تمسح أنفها وتجر قدميها.
طلب سيدريك من الخادم أن يحضر شايًا، ثم عاد ليجلس قبالتها بعد أن ألقت بجسدها على الأريكة.
“إذن، ما الأمر؟”
ظلّت صامتة برهة، ثم سألت فجأة:
“هل صحيح أن مكان ختم والدي هو في أراضي أسرة بلانشيه؟”
ارتبك للحظة، لكن سرعان ما استعاد هدوءه وأجاب:
“نعم. المنطقة تدعى “دونكلاي”. صحيح أنها ضُمّت لاحقًا إلى أملاك آل إيفرغرين، لكنها عمليًا غير مستخدمة، إذ يحرسها المعبد وسحرة البلاط.”
ظلّ يجيب عن أسئلتها بتمهل، حتى جاء سؤالها التالي فجأة، فشدّ جسده بتوتر:
“هل كانت المجزرة هناك أيضًا؟”
“نعم… ولماذا هذا السؤال الآن؟”
“هل وُجد ناجون؟”
ناجون.
فبعد أن عقد تريستان بلانشيه اتفاقه مع الشيطان، أباد كل من كان في إقليمه.
السبب لم يُعرف، لكن كان يُرجَّح أن ذلك كان شرطًا من شروط العقد.
أجاب سيدريك بعد صمت قصير:
“بعد يوم من المجزرة، انقطع الاتصال بين دونكلاي والمقاطعات المجاورة. البضائع لم تصل، والأموال لم تُدفع. فذهب بعض التجار وأصحاب الورش ليتفقدوا. وهناك… وجدوا النهر الشهير عند مدخل دونكلاي وقد تحول إلى دماء. عندها فقط أدرك المعبد حجم الكارثة، فأرسل جزءًا من فرسانه المقدسين.”
“…….”
“كانت المذبحة واسعة لدرجة أن المياه الجارية احمرّت. وعندما وصل فرسان المعبد، لم يجدوا أي بشر على قيد الحياة… سوى تريستان بلانشيه نفسه.”
لكن حتى فرسان المعبد قُتلوا على يده، فاضطر المعبد لخوض حرب شاملة، وتدخلت الإمبراطورية بأقصى طاقتها.
ازدادت الكارثة مع انضمام عَبَدة الشياطين.
في اللحظة التي أيقن فيها والد سيدريك قائد الفرسان حينها، أن النهاية قريبة، ظهرت إيلين… وبفضلها كُتبت فصول جديدة في تاريخ الإمبراطورية.
“التحقق من هويات القتلى كان مستحيلًا وقتها. لكن، بما أن لم يظهر أحد حتى الآن، فالأرجح أنه…”
“لم يكن هناك ناجون.”
أومأ سيدريك موافقًا.
ارتشفت إستيل من الشاي الذي وُضع أمامها، ثم استندت برأسها إلى ظهر الأريكة غارقة في التفكير.
راقبها سيدريك قليلًا، ثم سأل بحذر:
“هل حدث أمر أزعجك؟”
“أزعجني؟ هذا حالي دائمًا.”
“إذن، يمكنك أن تظهري انزعاجك قليلًا. خاصة إن كان مَن أمامك أنا.”
التفتت نحوه باندهاش، لتجده يشيح ببصره نحو النافذة كأنه لم يقل شيئًا.
ربما كانت مجرد كلمات بدافع القلق.
ابتسمت بخفة وهي تمسح شفتيها، ثم تمتمت:
“هل يمكنني أن أظهره الآن إذن؟”
“على راحتك.”
“أنا الآن… مشوَّشة جدًا.”
أشار لها بنظرة كي تُكمل. فأخرجت أخيرًا ما أرهقها طول الليل:
“أمي بطلة عظيمة يقدّسها الجميع، وأبي شرير أبرم عقدًا مع شيطان ليُهلك العالم. وعندما يُسألونني عن تلك القصة… لا أعرف مع أي طرف يجب أن أقف أنا؟”
****
ترجمة : سنو
بالنسبه لقُراء المواقع.
انشر الفصول في جروب التيليجرام أول والواتباد. وممكن لو انحظر حسابي بالواتباد بعيد الشر بتلاقوني هناك ( ملاحظه، الي يدخل ويطلع رح ياخذ حظر )
بس اكتبو في سيرش التيليجرام : snowestellee
او هذا اللينك صوروه وادخلو له من عدسه قوقل: https://t.me/snowestellee
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات