انتهت المعركة، وحتى النقاش بشأن ما بعد المعركة كان قد حُسم. ومع ذلك، كان لوقع تلك الكلمة على أذنها إحساس غريب لم تستطع تفسيره.
‘صحيح… لقد انتهى كل شيء.’
رددت إستيل ذلك في نفسها، ثم التفتت إلى سيّدريك وسألته:
“هل يمكنني الدخول؟”
“إنه ملكك، فما الذي يمنعك؟”
نهضت وهي تنفض ثوبها، فأحدثت دوامة خفيفة من الهواء.
مدت يدها نحوه، وكاد هو أن يمسك بها تلقائياً قبل أن يتردد ويقول بنبرة حذرة:
“لن تُسقطيني، أليس كذلك؟ أعلم أنني جئت بك قسراً من دون أن أستأذنك، لكن… كنت متعجلاً لأريك هذا المكان…”
ابتسمت ساخرة وأجابت:
“يا لك من إنسان، هل تراني قادرة على رميك من علٍ؟”
مدّت يدها ثانيةً، وهي تدرك في أعماقها أن هذا الرجل ليس ممن يموتون حتى لو أُسقطوا من الهاوية. ثم، مع رؤيتها الأرض وقد استعادت صفاءها، شعرت بشيء يشبه اليقين حول ما عليها فعله لاحقاً، فازداد قلبها خفة.
سارت بخطوات هادئة فوق الهواء، حتى لامسا الأرض التي لم تعد تنضح شؤماً، بل امتلأت برائحة الأعشاب وصوت المياه الجارية.
هبطا معاً، وتأملا التراب الرطب الناعم تحت أقدامهما.
جلست إستيل على ركبتيها، وراحت تعبث بالتراب بين أصابعها، ثم تمتمت بدهشة:
“…كل الدماء زالت. غريب فعلاً.”
كانت تظن أن الندوب التي تركتها تلك المأساة ستبقى إلى الأبد، ألف عام وأكثر.
رفعت إصبعها لتخط خطوطاً على الأرض الصافية، ثم وقفت وأخذت تتأمل الفضاء الفسيح.
في وسط السهل المليء بالسيوف المغروسة في الأرض، رفعت يدها، فرسمت في الهواء دوائر مضيئة.
ظهر أمامها دائرة سحرية صغيرة ذهبية اللون، وما لبث أن انبثق عنها نُسخ عملاقة غطّت السماء كلها مثل شبكة واسعة.
وقف سيّدريك مذهولاً، وقبل أن ينبس بكلمة، دوى صرير عميق في كل الجهات.
فاجأه المشهد حين رأى السيوف المغروسة في الأرض تنطلق إلى السماء، كأن قوة خفية تجذبها نحو الدائرة السحرية.
إنها تلك السيوف التي غرسها الكونت بلانشيه لإهلاك الأرواح.
تجمعت كلها في العلو، واسودّت كغيمة كثيفة فوق الدائرة.
صفقت إستيل بكفيها ثم ضمتهما بخفة.
دوى صوت المعدن وهو يتفتت، ثم أضاء نور خاطف، وما هي إلا لحظة حتى صفا الفضاء كأن شيئاً لم يكن.
أدار سيّدريك رأسه إليها بدهشة، فقالت ببساطة كأن الأمر عادي:
“أعدتها إلى عناصرها الأساسية.”
‘متى تعلّمت هذا؟’
تساءل في نفسه بدهشة.
كانت سرعة تطورها خارقة، حتى ليتأكد المرء أن الدماء لا تُنكر أصولها.
تابعت السير بخطوات ثابتة إلى الأمام، حتى وقفت أمام سيف ضخم لم تفلح الدائرة في انتزاعه.
كان طوله يساوي خمسة أضعاف طولها.
وضعت راحتها عليه، وأغمضت عينيها كأنها تستمع إلى صدى بعيد.
وترددت في أعماقها كلمات ذلك الصوت القديم:
— “لقد فعلت ما بوسعي لأهبك جناحين. قد تغضبين لأنني تركتكِ نصف عمرك وحيدة، لكن… هذه هي طريقتي في الحب.”
— “فاستمتعي إذن. تمتعي بما لم أستطع أنا أن أعيشه حتى النهاية.”
لطالما أرادت أن تسألها في أحلامها: ماذا تفعل إن لم تعرف رغبتك؟ لقد أدت ما طُلب منها، وأحسنت خدمة الجميع، لكنها حين حصلت على حريتها لم تعرف ماذا تريد أن تفعل بها.
“بصراحة، كدتُ أغضب حين رأيت المكان فحسب، لكن… لم يكن مخيفاً كما ظننت. شكراً يا سيّدريك. لولاك ما كنتُ لأعود إلى هنا أبداً.”
حتى هي لم تكن تدري ما الذي تحتاجه فعلاً.
لم تفهم سبب حزنها المتكرر، ولا كيفية الخروج منه. كانت فطنة في ملاحظة الآخرين، لكنها لم تتأمل قلبها بصدق.
أما هو، ذلك الرجل الصارم الدقيق، فقد أدرك.
ابتسمت خجلاً، وقالت له:
“أظن أنني بحاجة إليك فعلاً.”
“انتظري، ابتعدي قليلاً فقط—”
“لا تقلق، لستُ أقول هذا من باب ‘أحتاجك لغرض ما’ أو ‘لزواج مصلحة’. بل لأني أحتاجك… من أجلي أنا.”
اقتربت أكثر، وضحكت وهي تشدّه نحوها.
فاستسلم بلا حول، ونظر إلى وجهها القريب وقد احمرّ كالورد.
ضحكت بخفة وقالت:
“أتعلم؟ أنا بطبعي أهوى المزاح واللعب، ووجود شخص مثلك بجانبي يجعل الأمر ممتعاً أكثر. لذا، في أيامي السعيدة، أريدك أن تكون معي.”
‘هل هذا… اعتراف أم دعابة؟’
تساءل بارتباك. فتساءل بنبرة حذرة:
“وهل قصدكِ حسن؟”
“وأيضاً، في لحظات ضعفي، أريدك إلى جانبي. حتى إن كنتُ خائفة من المواجهة، أشعر أنك ستكون قادراً على دفعي قُدماً، حتى لو كرهتُك حينها.”
اتسعت عيناه بدهشة، والتقت نظراتهما في صمت طويل، كأن موجات زرقاء هادئة تسبح في عينيه.
أكملت إستيل بصوت واثق:
“أنت تعرف دائماً ما لا أعرفه أنا. ولهذا… أريدك أن تكون بجانبي.”
ابتسمت بخفة وأضافت:
“نعم… لهذا السبب أحتاج إليك.”
كانت النبوءة تقول: إن اقترن اثنان مثلها ومثل سيّدريك، فربما أثارا غضب القدر مجدداً. لذلك رفض هو عرضها بالزواج سابقاً. وكانت تعلم أن عرضها الأول لم يكن رومانسيّاً قط.
“حسناً… لنترك جانباً كل حديث القدر، والنبوءة، والزواج الضروري. سأعيد ما قلته من جديد.”
أرخى عينيه بنظرة رقيقة، وكأنه يقول لها “تفضلي”. لم تحتج لأكثر من ذلك.
استجمعت شجاعتها، وضربت بخفة على كتفه، وقالت بلهجة حاسمة:
“أنا فقط… أريد أن أكون معك يا سيّدريك. هذا ما أريده. هذه هي مشاعري.”
تذكرت كلمات والدتها، تلك التي قاومت القدر لكنها في النهاية انجرفت بين أمواجه.
كلمات بدت حزينة بعض الشيء، ومع ذلك تلألأت عيناها الذهبيتان ببارقة أمل وتوق.
— “الخلاصة هي أن تفعلي ما تشائين.”
دارت واستدارت بها الحياة، لكن اختيارها بدوره كان ضمن دائرة القدر.
غير أنها لم تعتبر ذلك خضوعًا أو استسلامًا، فهي نفسها كانت تحديًا صريحًا للقدر.
الرجل الذي ظل يستمع إليها بذهول وكأنه مسحور، اندفع فجأة ليحتضنها بين ذراعيه. وقبل أن تتمكن من الصراخ للانقلاب المفاجئ في رؤيتها، كان سيدريك يبتسم، يلصق جبهته بجبهتها ويهمس:
“عرض زواجك فيه بعض المكر. أليس لأنك تعلمين أنني لن أرفضه أبدًا؟”
فأجابت مدافعة:
“وما المكر في أن أضمن النتيجة؟!”
لكن كلماتها انقطعت فجأة حين أُسكتت بشفتيه.
لم يدم ارتباكها طويلًا أمام حرارة اللمسة، وسرعان ما ابتسمت لتلف ذراعيها حول عنقه وتبادله العناق.
ضحكا معًا، وتلاقى نظرهما في صمت مفعم باليقين.
هناك في عالم لم يعد مهددًا بالفناء، وتحت شمس ساطعة تنسكب أشعتها فوق شعرهما، وقف شخصان وجودهما بحد ذاته معجزة، يتعانقان في سلام.
<النهاية>
****
النهاية لاول روايه لي ونهاية رحلتي في الترجمة للأبد 🤍 لا يوجد فصول جانبية الروايه من 2023 ولم يتم تحديد موعد.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات