ابتسمت الساحرة العظيمة ابتسامة خفيفة، كأنها أدركت شيئاً، ثم سألت:
—”أتشعرين بالأسى لذلك؟”
“والآن، ما الذي عليّ أن أفعله؟”
رفعت إيلين حاجباً متفاجئة، ثم ألقت بكأس النبيذ الفارغ خلف ظهرها من دون تردد.
تحطّم… وما لبث أن ظهر كأس جديد في يدها.
ارتشفت منه بجرأة ثم أمالت رأسها قائلة:
—”ما معنى أن تسألي ما الذي يجب أن تفعليه؟”
“أمي… المهمة التي أوكلتِها إليّ قد انتهت. لقد قاتلتُ عدوي ونشرتُ أمره عمداً. والآن لم يعد الناس حتى يطلقون عليه اسم شيطان. صار في أحاديثهم مجرّد وغدٍ تافه.”
صحيح أنّ ذلك جرّ اهتماماً هائلاً نحوي، لكن الكيان الذي التهم والدي لن يعود إلى هذا العالم إلا بعد زمن طويل جداً. والآن، لم يعد محور اهتمام الناس خوف الشياطين، بل شيء آخر تماماً.
“الآن، سيُفكّر الناس أكثر في عودة سلالة التنانين. صحيح أن الأمر ما زال بعيداً، لكن سرعة نمو لوتشي تبشّر بمستقبل لا يُستهان به.”
لقد قطعت كل سبيل لإعادة الشر من جديد. وحتى لو عاد بطريقة ما، فبحلول ذلك الوقت ستكون سلالة التنانين قد نهضت من جديد.
رفعت إستيل رأسها نحو أمها التي كانت ترتشف كأسها الثالث، وهي تعبث بأطراف شعرها.
فماذا عليّ أن أفعل الآن؟
حياتي باتت أفضل بكثير.
ثياب فاخرة، منزل رائع، دعمٌ مطلق من أصدقاء قدامى لأمي وأبنائهم، وبعضهم لم يُخفِ أبداً إعجابه بي…
أطبقت إستيل شفتيها بقوة من دون وعي، فتمتمت إيلين وهي تحدّق بها:
—”يبدو أن من حسن حظي أنني متُّ قبل أن أرى هذا بنفسي.”
“……..”
—”طفل تشبه ميكاييل وإيزابيلا، لا شك أن جماله لن يكون موضع شكوى. كنت قلقة فقط من أن ترفضيه لأن طباعك لا تتوافق… لكن، على ما أرى ستعيشين بخير.”
هذه الإنسانة…!
ارتفع صوت إستيل بغضب:
“لم يُحسَم شيء بعد!”
—”أها؟ فهمت.”
لكن نبرتها لم تحمل أي جدّية في التصديق. وبعد جدال قصير، أخذت إلين تحرّك النبيذ في كأسها، شاردة قليلاً، ثم تابعت:
—”من يدري… ربما تكرّسين حياتكِ لدراسة الكيانات الفكرية الأخرى كالشيطان أو التنانين، وتعملين على ازدهار أعراقٍ أخرى. فهناك الكثير منها، أكثر مما تظنين. وقد يطرق بابك أحدهم طالباً مساعدتك في بعث أمته. لكِ أن تقبلي أو ترفضي.”
—”أتظنينه مستحيلاً؟ سلطتك الآن تفوق التصوّر. ومع ذلك، لا أنصحكِ. الأمر متعب.”
لكنها لم تكن تفكر في ذلك أساساً.
احتلال العالم؟ ولماذا؟ لم يكن لديها شغف بالسلطة أصلاً. الرغبة في الوقوف فوق رؤوس الآخرين؟ وما الجدوى من ذلك؟
وضعت إيلين يدها فوق شعر إستيل، ذاك الشعر الذي ورثته عن أبيها، ومرّرت أصابعها عليه بهدوء وهي تبتسم.
—”الخلاصة، افعلي ما تشائين.”
شعرت إستيل بدفء تلك اليد.
غريب… وهي ليست حتى حقيقة، بل مجرد ذكرى، ومع ذلك كان الإحساس لطيفاً.
لقد استطاعت أخيراً أن تلتقط الدفء الخفيّ خلف تلك النبرة الباردة دوماً.
—”لقد منحتكِ الحرية. صحيح أنني خسرتُ أمام القدر، لكنني تركتُكِ وراءه. بقاؤكِ سالمة في هذا العالم كان آخر سخرية ألقيتُها في وجهه، ولهذا بذلتُ قصارى جهدي.”
تلاشت ملامح المكان من حولها، لتستبدل بمنظر آخر.
رياح باردة، جليد، ووسط مدينة غلاسيوم وقفت إيلين رافعة ذراعيها.
—”تركتكِ في مدينة يكثر فيها الغرباء، حرّة العقيدة والإيمان، حيث تتعدد الأفكار فلا يجد الشيطان بيئة خصبة لينتشر. هناك تمكنتِ من العيش حتى سنّ الرشد من دون أن ينكشف سرك.”
ابتسمت الساحرة العظيمة، التي كانت أيضاً روحاً حالّة، وهي تستحضر وجوه من أنقذتهم وجعلتهم سعداء.
—”لقد دفعتُ ابن أعظم قائد لفرسان المعبد في زماني إلى طريق القوى المقدسة. لأنني أعلم أن العالم سيحتاج إلى تلك القوة في مواجهة ملك الشياطين يوماً ما.”
إذن… كان كل ذلك جزءاً من الخطة منذ البداية؟
شعرت إستيل بالارتباك، غير قادرة على الكلام، بينما استمرت كلمات أمها تتردّد في أذنها.
—”لقد جعلتُ أعظم ساحر من بين من عرفتُهم، وأكثرهم امتلاكاً للإمكانات، يشعر بأن عليه ديناً لي، حتى لا يهرب عبثاً أمام القوة الساحقة التي دمّرت عائلتي.”
ثم أوصيتُ زوجي… ذلك الرجل الذي أحببته في هذه الحياة حتى الألم، لا بأن ينقذني، بل بأن يلتفت إليّ ويضمني إلى صدره… وعند هذه الفكرة توقفت الروح الحالّة وحدّقت في ابنتها.
هل أخبرها بذلك؟
لا… فذلك قاسٍ جداً.
ابتسمت بخفة، وربّتت على كتف ابنتها.
—”لقد بذلتُ جهدي كي أُهبكِ أجنحة. قد تشعرين بالغضب لأني أهملت نصف حياتك، لكن… تلك هي طريقتي في الحب.”
بدأ النور يزداد سطوعاً.
وجه المرأة—روح هذا العالم، الساحرة والعرافة العظيمة، زوجة ملك الشياطين، وأم إستيل—تلاشى خلف الضوء.
لم يبقَ واضحاً سوى بريق عينيها الذهبيتين المتقدتين بابتسامة.
—”فلتستمتعي إذن… بالحياة التي لم أستطع أنا أن أنعم بها حتى النهاية.”
***
فجأة فتحت إستيل عينيها.
وأول ما وقع بصرها عليه كان زوجاً من العينين الزرقاوين، تحدّقان فيها كما لو أن صاحبهما لم يُشِح عنها النظر ولو لحظة، طيلة نومها.
وبطبيعية، رفع الرجل كفّه الدافئة ليحتضن خدّها، سائلاً:
“هل رأيتِ حلماً؟”
“هاه؟ لِمَ تسأل؟”
انسابت أصابعه برفق على امتداد عينيها، وهناك أدركت إستيل أن جفنيها مبتلّان.
حاولت مسرعة أن تمسح ذلك وتدّعي عدمه، لكن يده أمسكت بها، ثم مسح دموعها بنفسه وهو يقول:
“أنتِ تبكين. أيّ حلمٍ كان ذاك؟”
ترددت قليلاً، ثم رفعت رأسها لتنظر مباشرة في عيني سيدريك.
ممّ أخفي؟
لا جدوى من ذلك، فهذا الرجل يقرأها كاملة مهما حاولت.
فتحت الغطاء الملفوف حولها وتحررت منه قبل أن تجيب:
“رأيتُ أمي… للمرة الأخيرة.”
“………قد لا تكون الأخيرة، أليس كذلك؟”
“لا، بل الأخيرة. أنا متيقّنة.”
ضحكت إستيل بخفة، كأنها تهمس لنفسها:
“كل ما قالت كان كلمات وداع… كأنها تخبرني أنني أصبحتُ مستقلة تماماً.”
ساد صمتٌ ثقيل.
كان سيدريك يهمّ بالكلام، ثم أغلق فمه كمن أدرك أن الصمت هو أصدق سبل المواساة.
أخرج منديلاً ووضعه على عينيها برفق.
ما هذا الموقف الغريب؟
لم تعتَد يوماً مثل هذا النوع من المواساة… فاندفعت إستيل تضحك.
*****
ترجمة : سنو
بالنسبه لقُراء المواقع.
انشر الفصول في جروب التيليجرام أول والواتباد. وممكن لو انحظر حسابي بالواتباد بعيد الشر بتلاقوني هناك ( ملاحظه، الي يدخل ويطلع رح ياخذ حظر )
بس اكتبو في سيرش التيليجرام : snowestellee
او هذا اللينك صوروه وادخلو له من عدسه قوقل: https://t.me/snowestellee
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات