المكان الذي اختاره إدغار على عجل، من دون تدبر، كان غابة تقع داخل الجزيرة.
سقط الأربعة في عمق الغابة ارتطامًا مدويًا وتدحرجوا على الأرض.
لم تكترث إستيل بالتراب الذي لطّخ ثيابها، بل تمددت على الأرض واضعة يدها على جبينها.
قالت بنبرة متوترة:
“ألا يجدر بنا أن نرتب أمورنا أولًا؟ أشعر أنّه إن لم نفعل الآن فلن نجد وقتًا آخر! متى جئتم؟”
أجابها سيدريك وهو يرفعها ممسكًا بذراعيها:
“قلت لكِ للتو إننا وصلنا الآن.”
تطلعت إلى أصابع يده المرتجفة قليلًا وسألته بصوت مشوش:
“كيف حدث ذلك؟”
“توسلتُ إليه. لذلك الرجل.”
إلى إدغار؟! هو الذي استعطفه؟! إلا إن كان قد أكرهه بعد أن سحقه نصف موت…؟
التفتت إليه فجأة تنوي التحقق من صدق كلماته، فالتقت عيني إدغار. لم تكن تتوقع منه اعتذارًا، وهو بالفعل لم يُخيّب توقعها.
ابتسم بثبات وقال ببرود:
“الحمد لله أنكِ ما زلتِ حيّة.”
بُهتت إستيل وغطت وجهها بكفيها.
تفكير هذا الرجل واضح؛ بما أن أقوى شخص في عالمه ‘الساحرة العظيمة’ قد اتخذت قرارًا، فلابد من الانصياع لها بلا نقاش. ولذلك فهو لا يرى لزومًا للاعتذار.
عقدت قبضتها وضربت كتفه، الكتف الذي لا يلفه ضماد.
“تعرف جيدًا أنك تستحق أن أضربك، أليس كذلك؟”
“أعرف.”
“وبما أنك فقط نفذت أوامر أمي، فلن تعتذر أيضًا، صحيح؟”
رفع إدغار حاجبه بدهشة خفيفة وتمتم:
“أنتِ حقًا تعرفينني جيدًا. من أين تعلمتِ ذلك؟”
كانت تلك الجملة القشة التي قصمت آخر خيط من صبر إستيل الذي طالما بدا لينًا أمام إدغار.
غلت دماؤها، نعم، هكذا كان دائمًا. يظهر بمظهر الواثق، ساخرًا ومتعاليًا، لكنه في العمق لا يعرف سوى الخضوع المطلق للقوة. في نظره لا ذنب عليه ولا مسؤولية يتحملها.
وإن كانت تعرف طبيعته منذ زمن، إلا أنّ مجرد نجاتها من أن تكون أداةً دموية في يد والدها أثار حنقها.
صفعت جبينها بيدها محاولة كبح انفعالها، لكن سيدريك تدخل فجأة:
“هل تريدين أن أضربه بدلاً منك؟”
“…… كدت أوافق بالفعل. لا، لا داعي.”
سلّمت لوتشي التي كانت في حضن إدغار إلى سيدريك ثم تقدمت نحوه.
حين قابل عيناها الذهبيتان الصارمتان، تراجع إدغار دون وعي. رغم ملامحه المتحدّية، بدا تصرفه هشًا.
ضغطت بإصبعها على جبينها ثم قالت متدفقة بالكلمات:
“أشعر أن عليّ أن أجعلك إنسانًا يعمل كما ينبغي. أنا ابنة المرأة التي شوّهت حياتك، حتى وإن لم أكن مسؤولة عن تلك الحادثة، فأنا أعتبر من واجبي البشري أن أفعل ذلك.”
“لستِ مضطرة. لم أطلب منكِ شيئًا.”
“لكنني أريد ذلك، وسأفعله.”
بعد أن قابلت والدها وجهاً لوجه، أدركت أن مسؤولية الماضي ليست على عاتقها، لكن مسؤولية المستقبل نعم.
ليس فقط لأنها ابنتهما، بل لأنها وريثة كل ما أورثته الساحرة العظيمة إيلين إليها.
صرحت إستيل بصرامة:
“أريد أن تزول جراح الفوضى التي خلفها والداي، حتى آثارها الباقية فيك سأمحها.”
أمسكت كتفيه بكلتي يديها وضغطت بشدة:
“أتدري ما كان يدور في ذهني وأنا هناك؟”
“أنكِ ستقتليني لو التقينا ثانية؟”
“لا. ما فكرت فيه هو أنني أنا من أنقذت نفسي، في اللحظة التي كدت أموت فيها. بلا سحر، بلا استغلال كوني ابنة الساحرة العظيمة أو المتعاقد. عشر سنوات من خبرتي في غلاسيوم مكنتني من كسر القفل والهروب.”
ثبتت نظرها في عينيه الهاربتين:
“لم يكن البقاء حكرًا على القوة.”
حينها فقط استوعب إدغار مغزى كلماتها فتجمد.
ترددت قليلًا ثم واصلت، وكأنها عقدت العزم:
“ما جرى قبل عشر سنوات لم يكن لأن الناس كانوا ضعفاء، ولا لأن أبي كان قويًا أكثر مما يجب. بل لأن عددًا لا يحصى من المتغيرات تزامنت صدفة.”
“……”
“لقد فقد والدي عقله، والشيطان اقترب في تلك اللحظة، وللأسف كانت هناك قوة طاغية متاحة…”
تذكرت حديثها في البحر وأكملت بحزم:
“الضعفاء لا يستحقون الموت، وليس القوي هو وحده من يبقى. لذلك…”
قاطعها محاولًا:
“لا، أنت لا تعرفين شيئًا…”
“أتمنى أن تتخلى عن فكرة أنّ الخضوع للقوي هو الاختيار الذكي. لأجل إدغار على الأقل.”
تسمرت عيناه عليها بذهول وسأل بارتباك:
“لأجلي؟”
“لم تعد هناك نبوءة للساحرة العظيمة، ولا دائرة سحرية غامضة لم تُحل. لقد فككتُها.”
كان وقع هذه الكلمات صادمًا في ظل أن المتعاقد مع الشيطان لم يُهزم بعد. حتى سيدريك ارتجف وجمد في مكانه، أما إستيل ــ قائدة هذه المغامرة ــ فقد ابتسمت بارتياح ووضوح.
“لذا، لا تتخذ بعد الآن خيارات فقط لزيادة فرص البقاء. اتخذ الخيارات التي تريدها حقًا يا إدغار.”
“…..”
ساد الصمت.
ملامح إدغار الذي كانت تحتجزه بيديها، ارتسمت عليها حيرة غريبة، كأنها خليط من الصدمة والذهول.
كأن إدغار قد نسي حتى كيف يجب أن يتفاعل، فقد بدت ملامحه شاردة وهو يحدّق أمامه، لكن إستيل لاحظت شيئًا في عينيه فأغمضتهما قليلًا بتوجس.
كان أمامها إنسان لا يطيق العيش بلا قواعد واضحة، والآن كان يشيع هالة مظلمة من القلق.
سأل بصوت متوتر:
“ما معنى أن نبوءة الساحرة العظيمة لم تعد موجودة…؟”
لم يكد يعتاد على غرابة الموقف ــ حيث يحدثه شخص من الماضي بطريقة عجيبة ــ حتى ظهر متغير آخر. ( قصده رساله إيلين له بعدين فجأة يتغير الوضع وايلين معاد يصير لها سيطره )
***
أوقدوا نارًا وجلس الأربعة حولها يحدّقون في السماء.
رغم غروب الشمس ظلّت السماء محمرة بحدة، وكأنها إشارة إلى ازدياد قوة الشيطان.
إستيل التي كانت تلتفت في كل اتجاه بوجه مضطرب، سألت:
“لكن… هل من الآمن أن نجلس هكذا وننصب مكانًا لنا؟”
فجاءها السؤال المفاجئ:
“هل حُلّ ختم العين اليسرى؟”
تذكرت عين والدها في اللحظة الأخيرة قبل فرارها، حيث كان يتلظى فيها ختم سحري أصفر فاقع، ثم هزّت رأسها نافية:
“لا، لم يكن هناك وقت لذلك. كنت مشغولة بالهرب.”
قال أحدهم مطمئنًا:
“لا بأس. ما دام قد نُقش مباشرة على جسد المتعاقد، فهذا يعني أن قوة التقييد فيه شديدة.”
كان إدغار يكسر أغصانًا صغيرة ويلقيها في النار، فردّ وهو يحدّق في اللهب.
أما إستيل فقد مدت يدها تعبث باللهيب، فسحبها سيدريك برفق ناصحًا، ثم سأل:
“إذن، ما خطتك؟”
قالت بحزم:
“أولًا، نحتاج لطريقة نجسّد بها القوة المقدسة على هيئة دائرة سحرية.”
اعترض إدغار بصرامة:
“هذا لم يُسجّل من قبل. إن تحقق فسيكون مادة لأبحاث أكاديمية كبرى.”
لكن إستيل، بعينين لامعتين، بادرت:
“وإن وُجد وسيط قادر على استقبال القوة المقدسة والسحرية معًا؟”
“أين تجدين شيئًا كهذا…؟”
ثم توقف إدغار، وقد توقفت عيناه على الطفلة الصغيرة التي كانت تعبث باللهب بيديها العاريتين.
كانت لوتشي تنحت بلهوه الخشب المحترق وسط النار كما لو كانت تصوغ أشكالًا. وما إن أدركت أن الأنظار قد اجتمعت عليها، حتى أصدرت شهقة صغيرة.
سحبت يديها خلف ظهرها وسألت بخوف:
“هل فعلت شيئًا خاطئًا؟”
أجابها سيدريك مطمئنًا:
“ليس بعد. تابعي لعبك.”
ابتسمت التنينة الصغيرة وبدأت تدندن وهي تواصل تشكيل النار. أما الثلاثة الباقون فأحاطوا رؤوسهم يتشاورون.
قال سيدريك مترددًا:
“ربما كان للساحرة العظيمة سبب في أن تُدخل لوتشي ضمن خطتها.”
أجابت إستيل:
“في الحقيقة، كانت لوتشي أحد الأدوات المذكورة في مذكرات أمي. بالتأكيد حتمًا، لها دور مهم.”
قال إدغار فجأة:
“الدم؟”
تجمد الجو.
ارتعشت إستيل وهي تستعيد ما عانته، فسألته بحدة:
“لماذا أنتم السحرة مهووسون بالدم؟”
فأجاب وكأنه يقرر حقيقة:
“هذا طبيعي. مصدر السحر هو قلب الساحر، والدم السائل منه هو الوسيط الأمثل لتوصيل السحر.”
تردد قليلًا قبل أن يضيف بصوت متثاقل:
“حتى أن الساحرة العظيمة استخرجت من قلبي دمًا لتختم به المتعاقد. كل ذلك من هذا السياق.”
ازدادت رغبتها في الاعتراض.
كمية دم تُستخرج من القلب حتى تُغرس سيفًا فيه! أي هول هذا؟
نظرت إستيل إلى الفتاة الصغيرة التي تلهو بالنار، وهزّت رأسها بعناد.
لا، لن تسمح أبدًا بأن يُزجّ بتلك الطفلة في مثل هذا المصير. فالحديث عن “استعمال الدم” يعني في الحقيقة “قتلها”.
لكن قبل أن تعترض، بادر سيدريك:
“قد يكون الأمر أخطر بالنسبة إلينا نحن بالذات.”
“لماذا؟”
أجاب وهو يحدّق في هيئة لوتشي البشرية عند النار:
“لأن كمية الدم التي يمكن أن تمتلكها قد لا تكون عادية.”
قالت إستيل بارتباك:
“ماذا تقصد؟”
“لا نعرف حتى نتأكد. لكن في آخر مرة رأيت فيها شكلها الحقيقي… بدت ضخمة جدًّا.”
صمت الثلاثة وهم يراقبون ظلّ لوتشي المتماوج خلف ألسنة اللهب. تذكرت إستيل آخر مرة رأتها فيها تنفث النار في مواجهة العابدين، فأغمضت عينيها قليلًا.
نعم، كانت أكبر حجمًا بكثير… لكن لم يكن إحساسها أنها هائلة إلى هذا الحد.
وبينما هم غارقون في التفكير، صفق إدغار بيديه وكأنه أنهى الجدل:
“الحل بسيط. فلنرَ بأعيننا.”
“ربما يكون محقًا. نحن في الهواء الطلق، ولا شيء سنخشى أن يُحطّم… لوتشي!”
“نعم!”
ركضت الطفلة الصغيرة من النار مسرعة نحوها، وقد كانت قبل لحظة تصوغ من الرماد المحترق شكل جرو صغير. وبالرغم من أن شكلها البشري قد كبر قليلًا حتى صار يتجاوز خصر إستيل بقليل، إلا أن الشك ظل يعتريها وهي تحدّق فيه.
سألتها بحذر:
“هل تستطيعين أن تتحولي الآن إلى هيئتك الأصلية؟”
****
ترجمة : سنو
بالنسبه لقُراء المواقع.
انشر الفصول في جروب التيليجرام أول والواتباد. وممكن لو انحظر حسابي بالواتباد بعيد الشر بتلاقوني هناك ( ملاحظه، الي يدخل ويطلع رح ياخذ حظر )
بس اكتبو في سيرش التيليجرام : snowestellee
او هذا اللينك صوروه وادخلو له من عدسه قوقل: https://t.me/snowestellee
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات